قوله:"ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله، حيث قال يوم غدير خم: (أذكركم الله في أهل بيتي) (رواه مسلم (2408)، من طريق يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم.). وقال أيضا للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم؛ فقال: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) (رواه أحمد في فضائل الصحابة (1756).
وقال: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) (رواه مسلم (2276)، من حديث واثلة بن الأسقع). ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصا خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده، وأول من آمن به، وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية. والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)" (رواه البخاري (3770)، ومسلم (2446)، من طريق عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسى، وجاء فيهما من حديث أنس.).
وبيان ذلك أن أهل السنة والجماعة «يتولون جميع المؤمنين، ويتكلمون بعلم وعدل» (منهاج السنة النبوية (2/ 71)، و «يرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم» (المصدر السابق). «فإن الله جعل لهم حقا في الخمس، والفيء، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم» (مجموع الفتاوى (3/ 407)، وغير ذلك من الحقوق. وحقهم «على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم» (منهاج السنة النبوية (4/ 599)، فإنهم «يستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش» (المصدر السابق). «فمحبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجبة» (المصدر السابق (7/ 102)، وينظر: مجموع الفتاوى (28/ 491). دل على هذا ما «روى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعى خما بين مكة والمدينة، فقال: (يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين (أصل الثقل أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون: ثقل.
لسان العرب (11/ 88): كتاب الله فيه الهدى والنور)، فرغب في كتاب الله، (وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)، فقيل لزيد بن أرقم: من أهل بيته؟ قال: أهل بيته من حرم الصدقة: آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل) (تقدم تخريجه (ص: 159) (مجموع الفتاوى (28/ 492)، ويدل لذلك أيضا: «ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه حسان أنه قال عن أهل بيته: (والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي) (تقدم تخريجه) (مجموع الفتاوى (28/ 492). هذا الفضل لا يثبت إلا لمن علم أنه منهم، أما من ادعى ذلك ولم يثبت أو علم أنه ليس منهم فلا يستحق شيئا (المصدر السابق (31/ 93).
والمراد بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذين تجب موالاتهم ومحبتهم «هم بنو هاشم كلهم: ولد العباس، وولد علي، وولد الحارث بن عبد المطلب، وسائر بني أبي طالب، وغيرهم» (منهاج السنة النبوية (7/ 395). ولما «قيل لزيد بن أرقم: من أهل بيته؟ قال: أهل بيته من حرم الصدقة: آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل» (مجموع الفتاوى (28/ 492) كما في صحيح مسلم. وقد «تنازعوا في بني المطلب بن عبد مناف هل تحرم عليهم الصدقة، ويدخلون في آل محمد صلى الله عليه وسلم؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد» (منهاج السنة النبوية (4/ 595).
وأما زوجاته رضي الله عنهن فقد اختلف العلماء هل هن من أهل بيته صلى الله عليه وسلم؟ «على قولين، هما روايتان عن أحمد: أحدهما: أنهن لسن من أهل البيت، ويروى هذا عن زيد بن أرقم. والثاني، وهو الصحيح: أن أزواجه من آله، فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم الصلاة عليه: (اللهم صل على محمد، وأزواجه، وذريته)، ولأن امرأة إبراهيم من آله وأهل بيته، وامرأة لوط من آله وأهل بيته، بدلالة القرآن، فكيف لا يكون أزواج محمد من آله وأهل بيته؟» (المصدر السابق (7/ 76). ولقوله تعالى في خطاب نساء النبي: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} الأحزاب: 33. فهذه «الآية تدل على أنهن من أهل بيته، وإلا لم يكن لذكر ذلك في الكلام معنى» (المصدر السابق)، فنساؤه صلى الله عليه وسلم من أهل بيته بنص القرآن (انظر: مجموع الفتاوى (17/ 506)، فلهن ما لأهل البيت من حقوق.
وأما ما رواه «مسلم عن عائشة أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة، وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي، فأدخله، ثم جاء الحسين، فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة، فأدخلها معه، ثم جاء علي، فأدخله، ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} الأحزاب: 33 ((2425)، من طريق زكرياء عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة) ... (منهاج السنة النبوية (7/ 71)، (5/ 13). وما «قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي وفاطمة، وحسن وحسين: (اللهم إن هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (رواه أحمد (27132)، (6/ 304)، من طريق الأوزاعي عن شداد أبي عمار عن واثلة بن الأسقع، وجاء ذلك في الترمذي من طريق عطاء بن أبي رباح عن عمر بن أبي سلمة) (المصدر السابق (7/ 70)، فهذا يدل على أن عليا وفاطمة والحسن والحسين كلهم من أهل البيت، وهم «أخص بذلك من غيرهم، ولذلك خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء لهم. وهذا كما أن قوله: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم} التوبة: 108 نزلت بسبب مسجد قباء، لكن الحكم يتناوله، ويتناول ما هو أحق منه بذلك، وهو مسجد المدينة.
وهذا يوجه ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى، فقال: (هو مسجدي هذا) (رواه مسلم (1398) (المصدر السابق (7/ 74)، بدائع الفوائد (2/ 444). فبهذا يكون «أزواجه، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين كلهم من أهل البيت، لكن عليا وفاطمة والحسن والحسين أخص من أزواجه، ولهذا خصهم بالدعاء» (المصدر السابق (7/ 75). «فالتخصيص لكون المخصوص أولى بالوصف» (مجموع الفتاوى (17/ 506). فالحديث لا يفيد لا مفهوما ولا منطوقا أن أزواجه – رضي الله عنهن – لسن من أهل بيته صلى الله عليه وسلم.
«ومن المعلوم أن كل واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها: أم المؤمنين: عائشة، وحفصة، وزينب بنت جحش، وأم سلمة، وسودة بنت زمعة، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، وصفية بنت حيي بن أخطب الهارونية، رضي الله عنهن، وقد قال الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} الأحزاب: 6، وهذا أمر معلوم للأمة علما عاما، وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح هؤلاء بعد موته على غيره، وعلى وجوب احترامهن، فهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم» (منهاج السنة النبوية (4/ 368 – 369).
ومما لا ريب فيه أن «أفضل نساء هذه الأمة خديجة وعائشة وفاطمة» (مجموع الفتاوى (4/ 394) رضي الله عنهن. وقد اختلف أهل العلم في أيهما أفضل: خديجة أو عائشة؟ ولا شك أن كل واحدة قد اختصت بفضل لم تشاركها فيه غيرها، «فسبق خديجة، وتاثيرها في أول الإسلام، ونصرها، وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة، ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتاثير عائشة في آخر الإسلام، وحمل الدين، وتبليغه إلى الأمة، وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة، ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها» (المصدر السابق (4/ 393). وينظر: منهاج السنة النبوية (4/ 303 – 305) فرضي الله عنهن أجمعين. أما وجه تفضيل عائشة في قوله صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (تقدم تخريجه (ص: 188) فذلك «لأنه – أي الثريد – خبز ولحم» (منهاج السنة النبوية (4/ 302)، و «البر أفضل الأقوات، واللحم أفضل الآدام» (المصدر السابق).