فصل :
"ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما وصفهم الله في قوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} الحشر: 10 ".
بيان هذا أن أهل السنة والجماعة «مجمعون على أن الواجب» (الصارم المسلول (ص: 511) في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والترحم عليهم، والترضي عنهم، واعتقاد محبتهم، وموالاتهم، وعقوبة من أساء فيهم القول» (المصدر السابق)، فإن «من أعظم خبث القلوب أن يكون في قلب العبد غل لخيار المؤمنين، وسادات أولياء الله بعد النبيين، ولهذا لم يجعل الله تعالى في الفيء نصيبا لمن بعدهم إلا الذين يقولون: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} الحشر: 10» (منهاج السنة النبوية (1/ 22)، «فأهل السنة يترحمون على الجميع، ويستغفرون لهم كما أمرهم الله تعالى» (المصدر السابق (4/ 389).
و «قد قال كثير من السلف: إن الرافضة لا حق لهم من الفيء؛ لأن الله إنما جعل الفيء للمهاجرين والأنصار: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} الحشر: 10 فمن لم يكن قلبه سليما لهم، ولسانه مستغفرا لهم، لم يكن من هؤلاء» (مجموع الفتاوى (28/ 405)، ومنع الفيء عنهم عقوبة لهم، ولا عقوبة إلا في ترك ما يجب.
وهذا أصل مطرد عند أهل السنة والجماعة لكل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم قليلا أو كثيرا، فإن «اسم الصحبة اسم جنس يعم قليل الصحبة وكثيرها، وأدناها أن يصحبه زمنا قليلا» (منهاج السنة النبوية (8/ 389).
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (رواه البخاري (3637)، ومسلم (2541)، من حديث الأعمش عن ذكوان عن أبي سعيد عند البخاري، والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عند مسلم).
وبيان هذا أن «سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام بالكتاب والسنة.
أما الأول فلأن الله يقول: {ولا يغتب بعضكم بعضا} الحجرات: 12، وأدنى أحوال الساب أن يكون مغتابا، وقال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} الهمزة: 1، وقال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} الأحزاب: 58. وهم صدور المؤمنين، فإنهم المواجهون بالخطاب في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} البقرة: 104 حيث ذكرت، ولم يكتسبوا ما يوجب أذاهم؛ لأن الله سبحانه رضي عنهم رضا مطلقا بقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} التوبة: 100، فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان، ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان، وقال تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} الفتح: 18» (الصارم المسلول (ص: 506). وأما السنة فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم (انظر: الصارم المسلول (ص: 508)، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي) (تقدم تخريجه (ص: 178).
فلا «ريب أنه لا يجوز سب أحد من الصحابة» (منهاج السنة النبوية (4/ 468)، وأن «من لعن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كمعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ونحوهما، ومن هو أفضل من هؤلاء كطلحة، والزبير، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بكر الصديق، وعمر، وعائشة أم المؤمنين، وغير هؤلاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين» (الفتاوى الكبرى (3/ 446)، مجموع الفتاوى (35/ 58)؛ فإن «قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي) خطاب لكل أحد أن يسب من انفرد عنه بصحبته عليه الصلاة والسلام» (الصارم المسلول (ص: 510). وإن كان سبب الحديث سب خالد بن الوليد رضي الله عنه عبد الرحمن بن عوف، فإن «من لم يصحبه قط نسبته إلى من صحبه كنسبة خالد إلى السابقين وأبعد» (المصدر السابق (ص: 509)، وذلك أن «سائر الصحابة حصل لهم بصحبتهم للرسول، مؤمنين به، مجاهدين معه، إيمان، ويقين لم يشركهم فيه من بعدهم» (منهاج السنة النبوية (6/ 223).
ومما يؤيد هذا أن «الصحبة اسم جنس تقع على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم قليلا أو كثيرا، لكن كل منهم له من الصحبة بقدر ذلك، فمن صحب سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه مؤمنا، فله من الصحبة بقدر ذلك» (مجموع الفتاوى (4/ 464)، وينظر: الصارم المسلول (ص: 509)