قوله:"وأن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية" (النزاع مبني على الأصلين: أحدهما: العمل، هل يدخل في مطلق الإيمان، فمن أدخله في مطلق الإيمان قال: يتفاضل، ومن لا قال: لا يتفاضل، الثاني: وهو أن ما في القلب من الإيمان هل يتفاضل؟ مجموع الفتاوى (6/ 479).
وبيان هذا أن الماثور عن الصحابة، وأئمة التابعين، وجمهور السلف، وهو مذهب أهل الحديث، وهو المنسوب إلى أهل السنة، أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية» (مجموع الفتاوى (7/ 505)، وينظر: (7/ 671)، منهاج السنة النبوية (5/ 205)، (6/ 337)، والنبوات (ص: 198). «والذي مضى عليه سلف الأمة وأئمتها أن نفس الإيمان الذي في القلوب يتفاضل؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) (رواه البخاري (7439)، ومسلم (183)، وأما زيادة العمل الصالح الذي على الجوارح ونقصانه فمتفق عليه» (مجموع الفتاوى (6/ 479). وينظر: منهاج السنة النبوية (5/ 296).
«والزيادة قد نطق بها القرآن في عدة آيات» (المصدر السابق (7/ 228)، «قال الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} الحجرات: 15، وقال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} الأنفال: 2، إلى قوله: {أولئك هم المؤمنون حقا} الأنفال: 4، وقال: {فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله} آل عمران: 173، وقال: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} الفتح: 4، وقال: فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون} التوبة: 124. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) (رواه مسلم (35)، من طريق عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة)، وقال لوفد عبد القيس: (آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) (رواه البخاري (1398)، ومسلم (17) (مجموع الفتاوى (7/ 671 – 672). «وعلى هذا فنقول: إذا نقص شيء من واجباته فقد ذهب ذلك الكمال والتمام» (منهاج السنة النبوية (5/ 206).
وبهذا يتبين أن الإيمان يتفاضل، يزيد وينقص، خلافا لمن قال: إنه لا يدخل في مطلق الإيمان، فالإيمان عنده لا يتفاضل إلا على القول بتفاوت الناس في التصديق الذي هو عمل القلب؛ لذلك فإن النزاع في زيادة الإيمان ونقصانه «مبني على الأصلين:
أحدهما: العمل هل يدخل في مطلق الإيمان؟ فإن العمل يتفاضل بلا نزاع. فمن أدخله في مطلق الإيمان قال: يتفاضل، ومن لم يدخله في مطلق الإيمان احتاج إلى الأصل الثاني، وهو أن ما في القلب من الإيمان هل يتفاضل؟ فظن من نفى التفاضل أن ليس في القلب من محبة الله وخوفه ورجائه والتوكل عليه وأمثال ذلك مما قد يخرجه هؤلاء عن محض التصديق، ما هو متفاضل بلا ريب، ثم نفس التصديق أيضا متفاضل من جهات: منها أن التصديق بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكون مجملا، وقد يكون مفصلا؛ والمفصل من المجمل؛ فليس تصديق من عرف القرآن ومعانيه، والحديث ومعانيه، وصدق بذلك مفصلا، كمن صدق أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأكثر ما جاء به لا يعرفه أو لا يفهمه. ومنها: أن التصديق المستقر المذكور أتم من العلم الذي يطلب حصوله مع الغفلة عنه. ومنها: أن التصديق نفسه يتفاضل كنهه؛ فليس ما أثنى عليه البرهان، بل تشهد له الأعيان، وأميط عنه كل أذى وحسبان حتى بلغ أعلى الدرجات، درجات الإيقان؛ كتصديق زعزعته الشبهات» (مجموع الفتاوى (6/ 480)، انظر: منهاج السنة النبوية (5/ 239).
ولا ريب أن المؤمنين يتفاوتون في درجات الإيمان (مجموع الفتاوى (6/ 479)، انظر: منهاج السنة النبوية (5/ 239).