قوله:"وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلا، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكا، فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ونحو ذلك".
وبيان هذا أن «التقدير والكتابة تكون تفصيلا بعد جملة، فالله تعالى لما قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، لم يظهر ذلك التقدير للملائكة، ولما خلق آدم قبل أن ينفخ فيه الروح أظهر لهم ما قدره كما يظهر لهم ذلك من كل مولود؛ كما في الصحيح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد)، وفي طريق آخر، وفي رواية: (ثم يبعث إليه الملك، فيؤمر فيقال: اكتب رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح) (رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643)، من طريق الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود)، فأخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح أن الملك يؤمر بكتابة رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد بعد خلق جسد ابن آدم، وقبل نفخ الروح فيه» (مجموع الفتاوى (12/ 287 – 288).
ومن التفصيل بعد الإجمال ما يكون ليلة القدر؛ كما قال تعالى: {حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم} الدخان: 1 - 4، «فهي ليلة الحكم والتقدير» (شفاء العليل لابن القيم (ص: 23). «يقضي الله كل أجل وعمل ورزق إلى مثلها» (المصدر السابق (ص: 22). ومن ذلك أيضا ما يكون في كل يوم؛ كما في قوله تعالى: {كل يوم هو في شان} الرحمن: 29، ومن شانه – جل شانه – أن «يسوق المقادير التي قدرها قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام إلى مواقيتها، فلا يتقدم شيء منها عن وقته، ولا يتأخر، بل كل منها قد أحصاه كما أحصاه كتابه، وجرى به قلمه، ونفذ فيه حكمه، وسبق به علمه» (طريق الهجرتين لابن القيم (ص: 217 – 218).