قوله:"والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين:
فالدرجة الأولى: الإيمان بالله تعالى؛ علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم، الذي هو موصوف به أزلا وأبدا، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات، والمعاصي، والأرزاق، والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق.
(فأول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) (رواه أحمد (23083)، (5/ 317)، وأبو داود (4700)، والترمذي (2155)، (4/ 457 – 458)، من طريق عطاء بن أبي رباح عن الوليد بن عبادة عن عبادة بن الصامت، قال الترمذي: غريب من هذا الوجه). فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف؛ كما قال تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير} الحج: 70، وقال: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} الحديد: 22.
تضمنت هذه الدرجة مرتبتين من مراتب الإيمان بالقدر:
الأولى: علم الله تبارك وتعالى بالأشياء قبل وقوعها؛ «دل على ذلك الكتاب والسنة، وجاءت به الآثار» (مجموع الفتاوى (2/ 152)، و «اتفق عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم، واتفق عليه جميع الصحابة، ومن تبعهم من الأمة» (شفاء العليل لابن القيم (ص: 29). «ففي القرآن والحديث والآثار ما لا يكاد يحصر» (جامع الرسائل والمسائل (1/ 183) من دلائل ذلك، «فإن القرآن قد أخبر بأنه سبحانه يعلم ما سيكون في غير موضع، بل أبلغ من ذلك أنه قدر مقادير الخلائق كلها، وكتب ذلك قبل أن يخلقها، فقد علم ما سيخلقه علما مفصلا» (الرد على المنطقيين (ص: 465)، «وقد أخبر في القرآن من المستقبلات التي لم تكن بعد بما شاء الله، بل أخبر بذلك نبيه، وغير نبيه، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء» (المصدر السابق).
الثانية: كتابة الله تعالى لمقادير الأشياء قبل كونها، وقد «ثبت ذلك في صريح الكتاب والسنة وآثار السلف» (مجموع الفتاوى (12/ 127). «فالله سبحانه قدر وكتب مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم؛ كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء) ((2653)، من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو)، وفي البخاري عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان الله، ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض) ((3191)، من طريق الأعمش عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران)، وفي رواية: (ثم خلق السماوات والأرض)، فقد قدر سبحانه ما يريد أن يخلقه من هذا العالم حين كان عرشه على الماء إلى يوم القيامة» (مجموع الفتاوى (16/ 137 - 138) كما جاء في حديث أمر القلم بالكتابة (سبق تخريجه). و «أحاديث تقديره سبحانه وكتابته لما يريد أن يخلقه كثيرة جدا» (مجموع الفتاوى (16/ 137 - 138)