قوله :"بل إذا قرأه الناس، أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة؛ فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا، لا إلى من قاله مبلغا مؤديا".
وبيان هذا «أن أهل السنة يقولون: الكلام كلام من قاله مبتدئا، لا كلام من قاله مبلغا مؤديا، فالرجل إذا بلغ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) (رواه البخاري (1)، ومسلم (1907)، كان قد بلغ كلام النبي صلى الله عليه وسلم بحركاته، وأصواته، وكذا إذا أنشد شعر شاعر كامرئ القيس أو غيره، فإذا قال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل. . . . . . . . . . . . . . . . . .
كان هذا الشعر شعر امرئ القيس، وإن كان هذا قاله بحركاته وأصواته. وهذا أمر مستقر في فطر الناس كلهم، يعلمون أن الكلام كلام من تكلم به مبتدئا، آمرا بأمره، ومخبرا بخبره، ومؤلفا حروفه ومعانيه، وغيره إذا بلغه عنه علم الناس أن هذا كلام للمبلغ عنه، لا للمبلغ، وهم يفرقون بين أن يقوله المتكلم به والمبلغ عنه، وبين سماعه من الأول، وسماعه من الثاني. ولهذا كان من المستقر عند المسلمين أن القرآن الذي يسمعونه هو كلام الله؛ كما قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} التوبة: 6 مع علمهم بأن القارئ يقرؤه بصوته؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) (رواه أحمد (18688)، (4/ 283)، وأبو داود (1468). من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه)، فالكلام كلام البارئ، والصوت هو صوت القارئ» (التسعينية (3/ 963 – 965)، وينظر بسط هذا في الجواب الصحيح (4/ 335 – 349)، مجموع الفتاوى (12/ 261 – 265)، (12/ 456 – 463). درء تعارض العقل والنقل (1/ 256)، وقد «بين الإمام أحمد أن القائل إذا قال لما سمعه من المبلغين المؤدين: هذا كلام الله، فالإشارة إلى حقيقته التي تكلم الله بها، وإن كنا إنما سمعناها ببلاغ المبلغ، وحركته، وصوته.
فإذا أشار إلى شيء من صفات المخلوق؛ لفظه، أو صوته، أو فعله، وقال: هذا غير مخلوق، فقد ضل وأخطأ.
فالواجب أن يقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، فالقرآن في المصاحف كما أن سائر الكلام في المصحف، ولا يقال: إن شيئا من المداد والورق غير مخلوق، بل كل ورق ومداد في العالم فهو مخلوق، ويقال أيضا: القرآن الذي في المصحف كلام الله غير مخلوق، والقرآن الذي يقرؤه المسلمون كلام الله غير مخلوق» (المصدر السابق (2/ 540)، (12/ 568).