قوله :"وأن وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة، لا كلام غيره، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله، أو عبارة عنه".
في هذا الرد على كل من الكلابية والأشعرية؛ حيث جعلوا تسمية القرآن «كلاما لله مجازا، لا حقيقة» (المصدر السابق (2/ 438)، و «قالوا: إن الحروف تسمى كلاما مجازا، أو بطريق الاشتراك بينها وبين المعاني؛ لأنها وإن سميت كلاما بطريق الاشتراك، فالكلام عندهم وعند الجماعة لا بد أن يقوم بالمتكلم، فيصح على حد قولهم أن تكون الحروف والأصوات كلاما للعباد حقيقة؛ لقيامها بهم، ولا يصح أن تكون كلاما لله حقيقة؛ لأنها لا تقوم به عندهم بحال» (المصدر السابق (2/ 438)، وينظر أيضا: (3/ 963).
وهنا قولان ضالان في مسألة القرآن الكريم:
الأول: قول ابن كلاب؛ حيث «قال: الحروف حكاية عن كلام الله، وليست من كلام الله؛ لأن الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم، والله يمتنع أن يقوم به حروف وأصوات، فوافق الجهمية والمعتزلة في هذا النفي» (المصدر السابق (2/ 418)، وينظر: مجموع الفتاوى (12/ 272)، والتسعينية (3/ 962).
الثاني: قول الأشعري؛ حيث قال: إن القرآن «عبارة عن كلام الله» (المصدر السابق (3/ 962)، و «دلالة عليه» (المصدر السابق (2/ 438). فيكون معنى الكلام عندهم "خلق إدراك في المستمع أدرك به ما لم يزل موجودا" (درء تعارض العقل والنقل (2/ 305).
«وكان مقصود هؤلاء تحقيق أن كلام الله غير مخلوق، فوقعوا في إنكار أن يكون هذا القرآن كلام الله، ولم يهتدوا إلى أنه، وإن كان كلام الله، فهو كلام الله مبلغا عنه، ليس هو كلامه مسموعا منه، ولا يلزم إذا كانت أفعال العباد وأصواتهم مخلوقة ليست هي كلام الله أن يكون الكلام الذي يقرءونه بأفعالهم وأصواتهم كلامهم، ويكون مخلوقا ليس هو كلام الله» (الجواب الصحيح (4/ 336).
ومما تجدر الإشارة إليه «أن أصل القول بالعبارة أن أبا محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب هو أول من قال في الإسلام: إن معنى القرآن كلام الله، وحروفه ليست كلام الله، فأخذ بنصف قول المعتزلة، ونصف قول أهل السنة والجماعة ... » (مجموع الفتاوى (12/ 272)، وينظر أيضا: التسعينية (3/ 967)، «وكان الناس قد تكلموا فيمن بلغ كلامه غيره هل يقال له: حكاية عنه أم لا؟ وأكثر المعتزلة قالوا: هو حكاية عنه، فقال ابن كلاب: القرآن العربي حكاية عن كلام الله، ليس بكلام الله، فجاء بعده أبو الحسن الأشعري، فسلك مسلكه في إثبات أكثر الصفات، وفي مسألة القرآن أيضا، واستدرك عليه قوله: إن هذا حكاية، وقال: الحكاية إنما تكون مثل المحكي، فهذا يناسب قول المعتزلة، وإنما يناسب قولنا أن نقول: هو عبارة عن كلام الله؛ لأن الكلام ليس من جنس العبارة، فأنكر أهل السنة والجماعة عليهم عدة أمور» (المصدر السابق).
و «كلا القولين خطأ؛ فإن القرآن الذي نقرؤه فيه حروف مؤلفة، وفيه معان، فنحن نتكلم بالحروف بألسنتنا، ونعقل المعاني بقلوبنا، ونسبة المعاني القائمة بقلوبنا إلى المعنى القائم بذات الله كنسبة الحروف التي ننطق بها إلى الحروف المخلوقة عندكم. فإن قلتم: إن هذا حكاية عن كلام الله لم يصح؛ لأن كلام الله معنى مجرد عندكم، وهذا فيه حروف ومعان.
وإن قلتم: إنه عبارة لم يصح؛ لأن العبارة هي اللفظ الذي يعبر به عن المعنى، وهنا حروف ومعان يعبر بها عن المعنى القديم عندكم.
وإن قلتم: هذه الحروف وحدها عبارة عن المعنى، بقيت المعاني القائمة بقلوبنا، وبقيت الحروف التي عبر بها أولا عن المعنى القائم بالذات التي هذه الحروف المنظومة نظيرها عندكم لم تدخلوها في كلام الله» (التسعينية (3/ 966 – 967).