وقوله: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}.
وقوله: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} الحجرات: 9.
وقوله: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين} التوبة: 7.
وقوله: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} البقرة: 222.
وقوله: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} آل عمران: 31.
وقوله: {فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} المائدة: 54.
وقوله: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} الصف: 4.
وقوله: {وهو الغفور الودود} البروج: 14.
في هذه الآيات الكريمات: «إثبات محبة الله تعالى لعباده المؤمنين، ومحبتهم له، وهذا أصل دين الخليل صلى الله عليه وسلم إمام الحنفاء» (مجموع الفتاوى (2/ 354)، وهذا هو «الذي جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة، وعليه مشايخ المعرفة، وعموم المسلمين: أن الله يحب، ويحب» (النبوات (ص: 97)، وينظر: الاستقامة (2/ 103)، منهاج السنة النبوية (3/ 167 – 168). وفي هذه الآيات أيضا إثبات أن من الأعمال ما يحبه الله تعالى. و «الأعمال التي يحبها من الواجبات، والمستحبات الظاهرة والباطنة؛ كثيرة ومعروفة» (مجموع الفتاوى (10/ 66). «وهذه الآيات وأشباهها تقتضي أن الله يحب أصحاب هذه الأعمال» (النبوات (ص: 105). واسمه سبحانه الودود معناه: المحب، فإنه «هو الذي يود» (المصدر السابق (ص: 108) نقل كلاما كثيرا في معناه ثم قطع بهذا المعنى.) من شاء من خلقه.
وصفة المحبة من الصفات الفعلية الاختيارية؛ فإن كل «ما تعلق بالمشيئة مما يتصف به الرب فهو من الصفات الاختيارية» (جامع الرسائل والمسائل (2/ 61) الفعلية؛ «مثل كلامه، وسمعه، وبصره، وإرادته، ومحبته، ورضاه، ورحمته، وغضبه، وسخطه؛ ومثل خلقه، وإحسانه، وعدله، ومثل استوائه، ومجيئه، وإتيانه، ونزوله، ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة» (المصدر السابق (2/ 3)، وينظر: الفتاوى (6/ 217). ولا يشكل عليك في هذا التمثيل ذكر الكلام، والسمع، والبصر، والإرادة؛ حيث إنهم يمثلون بها للصفات الذاتية، فهي ذاتية باعتبار النوع، وفعلية باعتبار الآحاد والأفراد، فتنبه (انظر: مجموع الفتاوى (13/ 132 – 133). وبيان ذلك أن «ما يقوم بذات الرب مع كونه بقدرته ومشيئته، فهذا في الصفات الذاتية لقيامه بالذات، وهو من الفعلية لتعلقه بالمشيئة والقدر» (الصفدية (2/ 89).
وأهل السنة يثبتون الصفات الفعلية لله تعالى كسائر ما وصف الله به نفسه (انظر: المصدر السابق (16/ 428)، والصفدية (1/ 130)، والعلم بذلك رفيع الشان؛ فإن «من أعظم الأصول معرفة الإنسان بما نعت الله به نفسه من الصفات الفعلية» (المصدر السابق (16/ 372). «أما من ينفي الصفات من الجهمية والمعتزلة فهم ينفون قيام الفعل به» (المصدر السابق (16/ 373 – 374)، (8/ 229)، وكذلك ينفيها طائفة من مثبتة الصفات، «فإن ابن كلاب والأشعري وغيرهما ينفونها» (درء تعارض العقل والنقل (2/ 18)، وقد استوعب الشيخ – رحمه الله – أكثر هذا المجلد في مناقشة هذه البدعة، ودحضها، وينظر: مجموع الفتاوى (6/ 227 –267)، (6/ 268 - 278)، (68 - 184) النبوات (ص: 96 - 111). و «أول من عرف في الإسلام أنه أنكر أن الله يحب ويحب الجهم بن صفوان، وشيخه الجعد بن درهم» (منهاج السنة النبوية (5/ 392)، وينظر: مجموع الفتاوى (8/ 357، 142)، (10/ 66). والمخالفون للسلف في هذه الصفة الجليلة طائفتان في الجملة:
الأولى: من أنكر أن يحب الله عباده، أو يحبه عباده، وهذا مذهب الجهمية؛ فقد «أنكرت الجهمية حقيقة المحبة من الطرفين» (الاستقامة (2/ 103). و «أصل النفاة المعطلة من الجهمية والمعتزلة: أنهم يصفون الله بما لم يقم به، بل بما قام بغيره أو بما لم يوجد، ويقولون: هذه إضافات لا صفات، فيقولون: هو رحيم ويرحم، والرحمة لا تقوم به، بل هي مخلوقة، وهي نعمته» (مجموع الفتاوى (17/ 149).
الثانية: من أثبت محبة العبد ربه، وأنكر محبة الله لعباده، وهذا قول الأشعرية (المصدر السابق (1/ 215)، «وطائفة أخرى من الصفاتية» (جامع الرسائل والمسائل (2/ 237)، مجموع الفتاوى (8/ 142)، وهم من يثبت لله تعالى الصفات في الجملة.
«ثم هؤلاء الذين أنكروا حقيقة المحبة لم يمكنهم إنكار لفظها؛ لأنه جاء في الكتاب والسنة» (مجموع الفتاوى (6/ 477)، فأول الجهمية محبة العبد ربه «بعبادته، وطاعته، وامتثال أمره، أو محبة أوليائه» (مجموع الفتاوى (6/ 477). وأما محبة الله تعالى لعباده فقد «تأول الجهمية ومن اتبعهم من أهل الكلام محبة الله لعبده على أنها الإحسان إليه، فتكون من الأفعال. وطائفة أخرى من الصفاتية قالوا: هي إرادة الإحسان» (جامع الرسائل والمسائل (2/ 237)، مجموع الفتاوى (10/ 75)، وقد ذكر الشيخ – رحمه الله – شبههم، وأجاب عليها، فانظرها في مجموع الفتاوى (10/ 66 – 77)، (6/ 476 – 478)، (11/ 358 – 359)، درء تعارض العقل والنقل (2/ 62 – 67)، ومنهاج السنة النبوية (5/ 400). ومنهم من فسر المحبة بالمشيئة، فقالوا: "لا يحب شيئا إلا بمعنى المشيئة" (النبوات (ص: 49). ولذلك ذكر المؤلف آيات إثبات المحبة بعد آيات إثبات المشيئة؛ ردا على الجبرية والقدرية الذين «قالوا: المشيئة والمحبة سواء، أو متلازمان» (مدارج السالكين (1/ 264)، وقد تقدم بيان بطلان قولهم.