وقوله:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، وقوله:{إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا}.
في هاتين الآيتين إثبات السميع والبصير لله تعالى، وإثبات صفتي السمع والبصر له سبحانه. «وقد دل الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ودلائل العقل على أنه سميع بصير» (الرد على المنطقيين (ص: 465)، وينظر ذلك تفصيلا في الأصفهانية (ص: 73 – 87)، والسمع الذي أثبته الله لنفسه في الكتاب والسنة نوعان:
النوع الأول: السمع العام، «ويراد به إدراك الصوت، ويراد به معرفة المعنى» (مجموع الفتاوى (1/ 208)، فسمع الله –تبارك وتعالى – شامل لجميع الأصوات؛ «لأنه سميع لكل مسموع» (المصدر السابق (15/ 14)، قالت عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في جانب الحجرة يخفى علي بعض كلامها، فأنزل الله قوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} المجادلة: 1 ... (رواه ابن ماجه (188)، (1/ 67).
النوع الثاني: السمع الخاص، «وهو سمع الإجابة والقبول» (مجموع الفتاوى (15/ 14)، (1/ 208). وهذا النوع متعلق بمشيئة الله تعالى وقدرته (انظر: مجموع الفتاوى (13/ 133). وذلك كقول المصلي: سمع الله لمن حمده، وقول الخليل إبراهيم عليه السلام: {إن ربي لسميع الدعاء} إبراهيم: 39، وقوله: {إنه سميع قريب} سبأ: 50، وقول زكريا في دعائه: {إنك سميع الدعاء} آل عمران: 38 (مجموع الفتاوى (15/ 14). وينطر: جامع المسائل لابن تيمية (3/ 168)، «فالمراد بالسمع هاهنا السمع الخاص، وهو سمع الإجابة والقبول، لا السمع العام؛ لأنه سميع لكل مسموع. وإذا كان كذلك فالدعاء دعاء العبادة ودعاء الطلب، وسمع الرب تعالى له إثابته على الثناء وإجابته للطلب، فهو سميع هذا وهذا» (المصدر السابق (6/ 256).
أما البصر فهو إدراك جميع المبصرات، فالله – جل وعلا – قد أحاط بصره جميع المبصرات، لا تخفى عليه خافية، فكل «ما خلقه الرب تعالى فإنه يراه» (المصدر السابق (16/ 312).
ومعنى سمع الله وبصره الذي يثبته أهل السنة والجماعة «ليس هو مجرد العلم بالمسموعات والمرئيات» (شرح الأصفهانية (ص: 71)، و «فرق بين العلم وبين السمع والبصر، وهو لا يفرق بين علم وعلم لتنوع المعلومات؛ قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} الأعراف: 200، وفي موضع آخر: إنه هو السميع العليم} فصلت: 36، وقال: {وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} البقرة: 227، ذكر سمعه لأقوالهم وعلمه؛ ليتناول باطن أحوالهم. وقال لموسى وهارون: {إنني معكما أسمع وأرى} طه: 46، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ على المنبر: {إن الله يامركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} النساء: 58، ووضع إبهامه على أذنه؛ وسبابته على عينه (رواه أبو داود (4728). ولا ريب أن مقصوده تحقيق الصفة، لا تمثيل الخالق بالمخلوق، فلو كان السمع والبصر العلم لم يصح ذلك» (شرح الأصفهانية (ص: 74)، الصواعق المرسلة (1/ 396)، وبهذا يتبين خطأ من أول هاتين الصفتين بالعلم.
وقوله: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} الكهف: 39.
وقوله: {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} البقرة: 253.
وقوله: {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد} المائدة: 1.
وقوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} الأنعام: 125.
في هذه الآيات الكريمات إثبات صفة الإرادة لله تعالى، وهي «في كتاب الله نوعان» (منهاج السنة النبوية (7/ 72)، وينظر: مجموع الفتاوى (8/ 197):
النوع الأول: «إرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه» (منهاج السنة النبوية (7/ 72)، وينظر: مجموع الفتاوى (8/ 197). «فالإرادة الشرعية الأمرية لا تتعلق إلا بالطاعات» (مجموع الفتاوى (10/ 582). «وهي المقارنة للأمر والنهي، والحب والبغض، والرضا والغضب» (الاستقامة (1/ 433)، «كقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة: 185، وقوله: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم} النساء: 26، إلى قوله: {يريد الله أن يخفف عنكم} النساء: 28، وقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} المائدة: 6، وقوله: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} الأحزاب: 33» (منهاج السنة النبوية (3/ 157). وهذه الإرادة «قد يقع مرادها، وقد لا يقع» (مجموع الفتاوى (8/ 189).
النوع الثاني: إرادة كونية خلقية، وهي «المشيئة الشاملة لجميع الحوادث» (منهاج السنة النبوية (3/ 16)، وينظر: مجموع الفتاوى (8/ 198). فهي مشيئة الله «لما خلقه، وجميع المخلوقات داخلة في مشيئته وإرادته الكونية» (مجموع الفتاوى (11/ 266). «وهذه الإرادة متعلقة بكل حادث» (مجموع الفتاوى (10/ 582). «وهي المقارنة للقضاء، والقدر، والخلق، والقدرة» (الاستقامة (1/ 433)، «كقوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} الأنعام: 125، وقول نوح: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} هود: 34. ومن هذا النوع قول المسلمين: ما شاء الله كان، وما لم يشا لم يكن. ومن النوع الأول قولهم لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لا يريده الله» (منهاج السنة النبوية (3/ 157). وهذه الإرادة مستلزمة لوقوع المراد (انظر: مجموع الفتاوى (8/ 188)، فما أراده الله تعالى كونا فلا بد من وقوعه. و «قد دل عليها إجماع الرسل من أولهم إلى آخرهم، وجميع الكتب المنزلة من عند الله، والفطرة التي فطر الله عليها خلقه، وأدلة العقول والعيان» (شفاء العليل (ص: 43).
وقد ضل في صفة الإرادة كثير من الناس القدرية والجهمية الجبرية ومن دخل معهم من أهل التصوف، فجعلوا «الإرادة نوعا واحدا، وجعلوها هي المحبة والرضى. قالت القدرية: والله لا يحب الكفر والفسوق والعصيان، فيكون في ملكه ما لا يشاء ولم يخلقه. وقالت الجهمية: بل كل ما وقع فهو بمشيئة الله تعالى، والمشيئة هي الإرادة، وهي المحبة والرضى» (الرد على البكري (2/ 753). وهذا باطل وضلال؛ فقد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة «القرآن والسنة، والعقل، والفطرة، وإجماع المسلمين» (مدارج السالكين (1/ 265).