×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مكتبة الشيخ خالد المصلح / كتب مطبوعة / العقيدة الواسطية / وقوله سبحانه: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

وقوله سبحانه: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} في هذه الآية الكريمة إثبات هذه الأسماء الأربعة لله تعالى: الأول والآخر، والظاهر والباطن، وما تضمنته من صفات. وأما تفسيرها «فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر، فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر، فليس فوقك شيء، وأنت الباطن، فليس دونك شيء) +++(رقم (2713) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، من طريق سهيل بن أبي صالح.)--- +++(مجموع الفتاوى (5/ 581)---. قال ابن زمنين في تفسير هذه الأسماء الأربعة: «هو الأول لا شيء قبله، والآخر الباقي إلى غير نهاية، ولا شيء بعده، والظاهر العالي فوق كل شيء، والباطن بطن علمه بخلقه» +++(المصدر السابق (5/ 58)---. واسم الله – جل وعلا – الظاهر «ضمن معنى العالي، كما قال: {فما اسطاعوا أن يظهروه} +++الكهف: 97---. . .، فكلما علا الشيء ظهر، ولهذا قال: «أنت الظاهر، فليس فوقك شيء»، فأثبت الظهور، وجعل موجب الظهور أنه ليس فوقه شيء» +++(بيان تلبيس الجهمية (1/ 551)---. «فهذا أخبر بأنه ليس فوقه شيء في ظهوره، وعلوه على الأشياء» +++(المصدر السابق (2/ 220)---. واسم الله – جل وعلا – الباطن «أوجب ألا يكون شيء دونه، فلا شيء دونه باعتبار بطونه» +++(بيان تلبيس الجهمية (4/ 37)---، و «في هذا اللفظ معنى القرب والبعد من وجه، ومعنى الاحتجاب والاختفاء من وجه؛ فقوله: (وأنت الباطن، فليس دونك شيء) نفى أن يكون شيء دونه، كما نفى أن يكون فوقه، ولو قدر فوقه شيء لكان أكمل منه في العلو والبيان؛ إذ هذا شان الظاهر، ولو كان دونه شيء لكان أكمل منه في الدنو والاحتجاب، وهذا شان الباطن، وهذا يوافق قوله: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) +++(رواه مسلم (482) من حديث أبي هريرة.»--- +++بيان تلبيس الجهمية (2/ 223)---. «ولهذا لم يجئ هذا الاسم الباطن، كقوله: (وأنت الباطن، فليس دونك شيء) إلا مقرونا بالاسم الظاهر الذي فيه ظهوره، وعلوه، فلا يكون شيء فوقه؛ لأن مجموع الاسمين يدلان على الإحاطة والسعة، وأنه الظاهر، فلا شيء فوقه، والباطن، فلا شيء دونه» +++(المصدر السابق (2/ 220 – 221)---. «فأولية الله عز وجل سابقة على أولية كل ما سواه، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه، فأوليته سبقه لكل شيء، وآخريته بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء. ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء: ما علا منه، وأحاط بباطنه، وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء، بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه، هذا لون، وهذا لون، فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية، ومكانية ... » +++(طريق الهجرتين (ص: 50 – 51)---. الزمانية في قوله: {هو الأول والآخر}، والمكانية في قوله: {والظاهر والباطن}، ثم أكد تمام الإحاطة في آخر الآية: {وهو بكل شيء عليم}. فهذه الأسماء كل منها مقترن بالآخر, فالأول والآخر مقترنان، والظاهر والباطن مقترنان, والقاعدة في أسماء الله المقترنة -كالمعطي والمانع، والضار والنافع، والمعز والمذل، والخافض والرافع- أنه "لا يفرد الاسم (المانع) عن قرينه، ولا (الضار) عن قرينه؛ لأن اقترانهما يدل على العموم" +++(مجموع الفتاوى (8/ 94 - 95)---. كما أن إفرادها يوهم نوع نقص في صفات الرب سبحانه، قال ابن القيم في نونيته: هذا ومن أسمائه ما ليس يفر ... د بل يقال إذا أتى بقران وهي التي تدعى بمزدوجاتها ... إفرادها خطر على الإنسان إذ ذاك موهم نوع نقص جل ر ... ب العرش عن عيب وعن نقصان كالمانع المعطي وكالضار الذي ... هو نافع وكماله الأمران ونظير هذا القابض المقرون باس ... م الباسط اللفظان مقترنان وقوله: {وهو العليم الحكيم} +++التحريم: 2---، وقوله: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} +++سبأ: 2---، وقوله: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} +++الأنعام: 59---، وقوله: {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} +++فاطر: 11---. في هذه الآيات الكريمات إثبات اسمي العليم والحكيم لله تعالى، وكذلك إثبات صفتي العلم والحكمة له سبحانه. فأما صفة علم الله تعالى فأدلة إثباتها كثيرة، فإن «في القرآن والحديث والآثار ما لا يكاد يحصر» +++(جامع الرسائل والمسائل (1/ 183)--- من النصوص الدالة على ثبوت صفة العلم لله تعالى، و «هو يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون» +++(المصدر السابق، وينظر: درء تعارض العقل والنقل (10/ 179)---. «ولهذا كان قول المرسلين: إن الله أحصى كل شيء عددا، فهو يعلم أوزان الجبال، ودورات الزمان، وأمواج البحار، وقطرات المطر، وأنفاس بني آدم: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} +++الأنعام: 59---» +++(درء تعارض العقل والنقل (10/ 173)---. فهو سبحانه: {عالم الغيب والشهادة} +++الأنعام: 73---، فالغيب: ما غاب من شهود العباد، والشهادة: ما شهدوها" +++درء تعارض العقل والنقل (5/ 172)---. ومما يدل على عظيم علمه بخلقه قوله: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} +++الملك: 14---؛ فاللطيف هو من يدرك الدقيق, والخبير هو من يدرك الخفي» +++(مجموع الفتاوى (2/ 211)---. فالله – جل شانه – «العليم الذي له العلم العام للواجبات، والممتنعات، والممكنات، فيعلم نفسه الكريمة، وصفاته المقدسة، ونعوته العظيمة، وهي الواجبات التي لا يمكن إلا وجودها، ويعلم الممتنعات حال امتناعها، ويعلم ما يترتب على وجودها لو وجدت، كما قال تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} +++الأنبياء: 22---» +++(التوضيح المبين للكافية الشافية للشيخ عبد الرحمن السعدي (ص: 46 – 47)---، فهو سبحانه «يعلم المعدومات، والممتنعات التي ليست مفعولة، وكما يعلم المقدرات، كقوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} +++الأنعام: 28---، وقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} +++الأنبياء: 22---، وإن كان وجود إله غيره ممتنعا، فعلمه سبحانه بما يعلمه ليس من شرطه كونه مفعولا له، بل كونه مفعولا له دليل على أنه يعلمه، والدليل لا ينعكس» +++(المصدر السابق (10/ 129)---. كما أنه تعالى يعلم «الممكنات، وهي التي يجوز وجودها وعدمها، ما وجد منها، وما لم يوجد، وما لم تقتض الحكمة إيجاده» +++(المصدر السابق (ص: 47)---. وقد أحاط علمه سبحانه «بجميع الأزمان الحاضرة، والماضية، والمستقبلة» +++(المصدر السابق (ص: 48)---. «واسمه العليم لما كان كل شيء يصلح أن يكون معلوما تعلق بكل شيء» +++(مجموع الفتاوى (5/ 494)---، فعلمه سبحانه «له عموم التعلق: يتعلق بالخالق والمخلوق، والموجود والمعدوم» +++(المصدر السابق (6/ 267)---. وقد ضل في إثبات صفة العلم لله تعالى فرق؛ أبرزها: الأولى: الفلاسفة، فقالوا بأن الله تعالى: «يعلم الكليات دون الجزئيات» +++(درء تعارض العقل والنقل (10/ 178)---، وهذا كذب، وضلال مبين، وهو «من أخبث الأقوال وشرها؛ ولهذا لم يقل به أحد من طوائف الملة، وهؤلاء شر من المنكرين للعلم القديم من القدرية وغيرهم» +++(المصدر السابق (9/ 397)---. «وحاصل قولهم: أنه لا يعلم موجودا البتة، فإن كل موجود جزئي معين، فإذا لم يعلم الجزئيات لم يكن عالما بشيء من العالم العلوي والسفلي» +++(شفاء العليل (ص: 186)---. ومما يبطل ضلالهم أن «القرآن فيه إخبار الله بالأمور المفصلة عن الشخص وكلامه المعين، وفعله المعين، وثوابه وعقابه المعين، مثل: قصة آدم، ونوح، وهود، وصالح، وموسى، وغيرهم ما يبين أنهم أعظم الناس تكذيبا لرسل الله تعالى، وكذلك إخباره عن أحوال محمد صلى الله عليه وسلم، وما جرى ببدر وأحد، والأحزاب والخندق، والحديبية، وغير ذلك من الأمور الجزئية أقوالا، وأفعالا. وإخباره أنه يعلم السر وأخفى، وأنه عليم بذات الصدور، وأنه يعلم ما تنقص الأرض من الموتى، وعنده كتاب حفيظ، وأنه يعلم ما في السماوات والأرض، وأن ذلك في كتاب» +++(درء تعارض العقل والنقل (10/ 186)، وينظر تفصيل الرد على هذا القول في (10/ 178 – 196)، (9/ 383 – 410) من نفس المصدر.)---. الثانية: غلاة القدرية، «الذين يزعمون أن الله لا يعلم أفعال العباد إلا بعد وجودها» +++(مجموع الفتاوى (2/ 152)---، «وهذا القول مهجور باطل مما اتفق على بطلانه سلف الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر علماء المسلمين، بل كفروا قائله. والكتاب والسنة مع الأدلة العقلية تبين فساده» +++(مجموع الفتاوى (8/ 491)، وقد ناقش هذا القول (8/ 491 – 495)، وكذلك في جامع الرسائل والمسائل (1/ 177 – 183)---. «وهؤلاء نبغوا في أواخر عصر الصحابة، فلما سمع الصحابة بدعهم تبرؤوا منهم كما تبرؤوا منهم، ورد عليهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وواثلة بن الأسقع، وغيرهم، وقد نص الأئمة كمالك والشافعي وأحمد على كفر هؤلاء الذين ينكرون علم الله القديم» +++(منهاج السنة النبوية (1/ 141)---. أما صفة الحكمة فقد «أجمع المسلمون على أن الله تعالى موصوف بالحكمة» +++(منهاج السنة النبوية (1/ 141)--- فله سبحانه الحكمة الباهرة في خلقه، وله الحكمة البالغة في شرعه +++(انظر: مجموع الفتاوى (8/ 485)---، وقد دل على هذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم «في مواضع لا تكاد تحصى، ولا سبيل إلى استيعاب أفرادها» +++(شفاء العليل لابن القيم (ص: 19)، وقد ذكر اثنين وعشرين نوعا من أدلة إثبات الحكمة لله.)---، فإن «القرآن مملوء بذلك في الخلق والأمر» +++(مجموع الفتاوى (8/ 485)---. كما أن إثبات الحكمة من الكمال الواجب له سبحانه، كما قال تعالى: {ولله المثل الأعلى} +++النحل: 60---. ومن المهم التنبه إلى أن «تفصيل حكمة الله في خلقه وأمره يعجز عن معرفتها عقول البشر» +++(منهاج السنة النبوية (1/ 177)---، و «ليس للعباد أن يعلموا تفصيل حكمة الله تعالى، بل يكفيهم العلم العام، والإيمان التام» +++(المصدر السابق (1/ 191)---. وقد ضل في صفة الحكمة طوائف، فأنكرها الجهمية والأشعرية +++(انظر: درء تعارض العقل والنقل (8/ 54)، ومجموع الفتاوى (8/ 83)، (14/ 183)، والنبوات (ص: 352)---. ونفي الحكمة أمر خطير، فإنه «يتضمن نفي الإرادة، ونفي القدرة» +++(النبوات (ص 374)---. ولازم هذا «نفي فعل الرب، ونفي الأحداث، ومن نفى ذلك يلزمه امتناع حدوث حادث في الوجود» +++(المصدر السابق.)---. فإثبات «الحكمة لازم لكل طائفة على أي قول قالوه» +++(المصدر السابق.)---؛ لأنهم لا بد أن يثبتوا إلها قادرا، أو يثبتوا حوادث في الوجود، والقدرة والإحداث إما أن يكونا لحكمة أو لا، وعدم الحكمة عبث ونقص ينزه عنه الرب.   وقوله: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} +++الطلاق: 12---، وقوله: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} +++الذاريات:58---. في هاتين الآيتين الكريمتين إثبات صفتي القدرة والقوة لله تعالى، فهو – جل وعلا – القوي القدير. وقد «اتفق المسلمون وسائر أهل الملل على أن الله على كل شيء قدير، كما نطق بذلك القرآن في مواضع كثيرة جدا» +++(مجموع الفتاوى (8/ 7)---. وهاتان الصفتان معناهما متقارب؛ فإن «لفظ القوة قد يراد به ما كان في القدرة أكمل من غيره، فهو قدرة أرجح من غيرها، أو القدرة التامة» +++(انظر: المصدر السابق (6/ 339)---. «والقدرة هي قدرته على الفعل. والفعل نوعان: لازم ومتعد. والنوعان في قوله: {هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} +++الحديد: 4---، فالاستواء والإتيان والمجيء والنزول ونحو ذلك أفعال لازمة، لا تتعدى إلى مفعول، بل هي قائمة بالفاعل، والخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والإعطاء، والمنع، والهدى، والنصر، والتنزيل، ونحو ذلك تتعدى إلى مفعول» +++(مجموع الفتاوى (8/ 18 – 19)---. «فيدخل في ذلك – أي: في آيات إثبات قدرته سبحانه – أفعال العباد وغير أفعال العباد» +++(المصدر السابق (8/ 10 – 11)---. ومما «يدخل في ذلك أفعال نفسه. وقد نطقت النصوص بهذا، وهذا كقوله تعالى: {أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} +++يس: 81---، {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} +++القيامة: 40---، {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} +++القيامة: 4---، ونظائره كثيرة» +++(المصدر السابق (8/ 11)، وينظر: (16/ 460)، منهاج السنة النبوية (2/ 288)---. وقد اختلف الناس في متعلق القدرة، والذي عليه أهل السنة «أن الله تعالى على كل شيء قدير، وكل ممكن فهو مندرج في هذا» +++(منهاج السنة النبوية (2/ 293)---، «فكل ما يصلح أن يشاء فهو عليه قدير، وإن شئت قلت: قدير على ما يصلح أن يقدر عليه» +++(مجموع الفتاوى (12/ 331)---. وأما الممتنع «المحال لذاته، مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء، ومن هذا الباب خلق مثل نفسه، وأمثال ذلك» +++(منهاج السنة النبوية (2/ 293)، وينظر: الصفدية (2/ 109)---، ولذلك فإن الممتنع لنفسه غير داخل في عموم قوله تعالى: {إن الله على كل شيء قدير} +++البقرة: 20--- +++(انظر: مجموع الفتاوى (8/ 383)---. و «إثبات كمال علمه وقدرته يستلزم إثبات سائر صفاته» +++(مجموع الفتاوى (14/ 132)---. وفي الآية الثانية إثبات اسمي الرزاق والمتين لله تعالى. والرزاق في صفاته يشمل ما كان على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من رزق القلوب بالعلم، والإيمان، ورزق الأبدان الذي لا تبعة فيه. ويتضمن أيضا الرزق العام لكل أحد؛ كما قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها} +++هود: 6--- ... +++(انظر: التوضيح المبين لتوحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية للسعدي (ص: 131 – 132)---. أما المتين فمعناه الشديد القوي، فهو يفيد التناهي في القوة والقدرة.

المشاهدات:3486

وقوله سبحانه: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}

في هذه الآية الكريمة إثبات هذه الأسماء الأربعة لله تعالى: الأول والآخر، والظاهر والباطن، وما تضمنته من صفات. وأما تفسيرها «فقد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم أنت الأول، فليس قبلك شيء، وأنت الآخر، فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر، فليس فوقك شيء، وأنت الباطن، فليس دونك شيء) (رقم (2713) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، من طريق سهيل بن أبي صالح.) (مجموع الفتاوى (5/ 581). قال ابن زمنين في تفسير هذه الأسماء الأربعة: «هو الأول لا شيء قبله، والآخر الباقي إلى غير نهاية، ولا شيء بعده، والظاهر العالي فوق كل شيء، والباطن بطن علمه بخلقه» (المصدر السابق (5/ 58).

واسم الله – جل وعلا – الظاهر «ضمن معنى العالي، كما قال: {فما اسطاعوا أن يظهروه} الكهف: 97. . .، فكلما علا الشيء ظهر، ولهذا قال: «أنت الظاهر، فليس فوقك شيء»، فأثبت الظهور، وجعل موجب الظهور أنه ليس فوقه شيء» (بيان تلبيس الجهمية (1/ 551). «فهذا أخبر بأنه ليس فوقه شيء في ظهوره، وعلوه على الأشياء» (المصدر السابق (2/ 220).

واسم الله – جل وعلا – الباطن «أوجب ألا يكون شيء دونه، فلا شيء دونه باعتبار بطونه» (بيان تلبيس الجهمية (4/ 37)، و «في هذا اللفظ معنى القرب والبعد من وجه، ومعنى الاحتجاب والاختفاء من وجه؛ فقوله: (وأنت الباطن، فليس دونك شيء) نفى أن يكون شيء دونه، كما نفى أن يكون فوقه، ولو قدر فوقه شيء لكان أكمل منه في العلو والبيان؛ إذ هذا شان الظاهر، ولو كان دونه شيء لكان أكمل منه في الدنو والاحتجاب، وهذا شان الباطن، وهذا يوافق قوله: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) (رواه مسلم (482) من حديث أبي هريرة.» بيان تلبيس الجهمية (2/ 223). «ولهذا لم يجئ هذا الاسم الباطن، كقوله: (وأنت الباطن، فليس دونك شيء) إلا مقرونا بالاسم الظاهر الذي فيه ظهوره، وعلوه، فلا يكون شيء فوقه؛ لأن مجموع الاسمين يدلان على الإحاطة والسعة، وأنه الظاهر، فلا شيء فوقه، والباطن، فلا شيء دونه» (المصدر السابق (2/ 220 – 221).

«فأولية الله عز وجل سابقة على أولية كل ما سواه، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه، فأوليته سبقه لكل شيء، وآخريته بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء. ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء: ما علا منه، وأحاط بباطنه، وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء، بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه، هذا لون، وهذا لون، فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية، ومكانية ... » (طريق الهجرتين (ص: 50 – 51). الزمانية في قوله: {هو الأول والآخر}، والمكانية في قوله: {والظاهر والباطن}، ثم أكد تمام الإحاطة في آخر الآية: {وهو بكل شيء عليم}.

فهذه الأسماء كل منها مقترن بالآخر, فالأول والآخر مقترنان، والظاهر والباطن مقترنان, والقاعدة في أسماء الله المقترنة -كالمعطي والمانع، والضار والنافع، والمعز والمذل، والخافض والرافع- أنه "لا يفرد الاسم (المانع) عن قرينه، ولا (الضار) عن قرينه؛ لأن اقترانهما يدل على العموم" (مجموع الفتاوى (8/ 94 - 95). كما أن إفرادها يوهم نوع نقص في صفات الرب سبحانه، قال ابن القيم في نونيته:

هذا ومن أسمائه ما ليس يفر ... د بل يقال إذا أتى بقران

وهي التي تدعى بمزدوجاتها ... إفرادها خطر على الإنسان

إذ ذاك موهم نوع نقص جل ر ... ب العرش عن عيب وعن نقصان

كالمانع المعطي وكالضار الذي ... هو نافع وكماله الأمران

ونظير هذا القابض المقرون باسـ ... ــم الباسط اللفظان مقترنان

وقوله: {وهو العليم الحكيم} التحريم: 2، وقوله: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} سبأ: 2، وقوله: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} الأنعام: 59، وقوله: {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} فاطر: 11.

في هذه الآيات الكريمات إثبات اسمي العليم والحكيم لله تعالى، وكذلك إثبات صفتي العلم والحكمة له سبحانه. فأما صفة علم الله تعالى فأدلة إثباتها كثيرة، فإن «في القرآن والحديث والآثار ما لا يكاد يحصر» (جامع الرسائل والمسائل (1/ 183) من النصوص الدالة على ثبوت صفة العلم لله تعالى، و «هو يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون» (المصدر السابق، وينظر: درء تعارض العقل والنقل (10/ 179). «ولهذا كان قول المرسلين: إن الله أحصى كل شيء عددا، فهو يعلم أوزان الجبال، ودورات الزمان، وأمواج البحار، وقطرات المطر، وأنفاس بني آدم: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} الأنعام: 59» (درء تعارض العقل والنقل (10/ 173). فهو سبحانه: {عالم الغيب والشهادة} الأنعام: 73، فالغيب: ما غاب من شهود العباد، والشهادة: ما شهدوها" درء تعارض العقل والنقل (5/ 172). ومما يدل على عظيم علمه بخلقه قوله: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} الملك: 14؛ فاللطيف هو من يدرك الدقيق, والخبير هو من يدرك الخفي» (مجموع الفتاوى (2/ 211).

فالله – جل شانه – «العليم الذي له العلم العام للواجبات، والممتنعات، والممكنات، فيعلم نفسه الكريمة، وصفاته المقدسة، ونعوته العظيمة، وهي الواجبات التي لا يمكن إلا وجودها، ويعلم الممتنعات حال امتناعها، ويعلم ما يترتب على وجودها لو وجدت، كما قال تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} الأنبياء: 22» (التوضيح المبين للكافية الشافية للشيخ عبد الرحمن السعدي (ص: 46 – 47)، فهو سبحانه «يعلم المعدومات، والممتنعات التي ليست مفعولة، وكما يعلم المقدرات، كقوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} الأنعام: 28، وقوله: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} الأنبياء: 22، وإن كان وجود إله غيره ممتنعا، فعلمه سبحانه بما يعلمه ليس من شرطه كونه مفعولا له، بل كونه مفعولا له دليل على أنه يعلمه، والدليل لا ينعكس» (المصدر السابق (10/ 129). كما أنه تعالى يعلم «الممكنات، وهي التي يجوز وجودها وعدمها، ما وجد منها، وما لم يوجد، وما لم تقتض الحكمة إيجاده» (المصدر السابق (ص: 47). وقد أحاط علمه سبحانه «بجميع الأزمان الحاضرة، والماضية، والمستقبلة» (المصدر السابق (ص: 48).

«واسمه العليم لما كان كل شيء يصلح أن يكون معلوما تعلق بكل شيء» (مجموع الفتاوى (5/ 494)، فعلمه سبحانه «له عموم التعلق: يتعلق بالخالق والمخلوق، والموجود والمعدوم» (المصدر السابق (6/ 267).

وقد ضل في إثبات صفة العلم لله تعالى فرق؛ أبرزها:

الأولى: الفلاسفة، فقالوا بأن الله تعالى: «يعلم الكليات دون الجزئيات» (درء تعارض العقل والنقل (10/ 178)، وهذا كذب، وضلال مبين، وهو «من أخبث الأقوال وشرها؛ ولهذا لم يقل به أحد من طوائف الملة، وهؤلاء شر من المنكرين للعلم القديم من القدرية وغيرهم» (المصدر السابق (9/ 397). «وحاصل قولهم: أنه لا يعلم موجودا البتة، فإن كل موجود جزئي معين، فإذا لم يعلم الجزئيات لم يكن عالما بشيء من العالم العلوي والسفلي» (شفاء العليل (ص: 186).

ومما يبطل ضلالهم أن «القرآن فيه إخبار الله بالأمور المفصلة عن الشخص وكلامه المعين، وفعله المعين، وثوابه وعقابه المعين، مثل: قصة آدم، ونوح، وهود، وصالح، وموسى، وغيرهم ما يبين أنهم أعظم الناس تكذيبا لرسل الله تعالى، وكذلك إخباره عن أحوال محمد صلى الله عليه وسلم، وما جرى ببدر وأحد، والأحزاب والخندق، والحديبية، وغير ذلك من الأمور الجزئية أقوالا، وأفعالا. وإخباره أنه يعلم السر وأخفى، وأنه عليم بذات الصدور، وأنه يعلم ما تنقص الأرض من الموتى، وعنده كتاب حفيظ، وأنه يعلم ما في السماوات والأرض، وأن ذلك في كتاب» (درء تعارض العقل والنقل (10/ 186)، وينظر تفصيل الرد على هذا القول في (10/ 178 – 196)، (9/ 383 – 410) من نفس المصدر.).

الثانية: غلاة القدرية، «الذين يزعمون أن الله لا يعلم أفعال العباد إلا بعد وجودها» (مجموع الفتاوى (2/ 152)، «وهذا القول مهجور باطل مما اتفق على بطلانه سلف الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر علماء المسلمين، بل كفروا قائله. والكتاب والسنة مع الأدلة العقلية تبين فساده» (مجموع الفتاوى (8/ 491)، وقد ناقش هذا القول (8/ 491 – 495)، وكذلك في جامع الرسائل والمسائل (1/ 177 – 183). «وهؤلاء نبغوا في أواخر عصر الصحابة، فلما سمع الصحابة بدعهم تبرؤوا منهم كما تبرؤوا منهم، ورد عليهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وواثلة بن الأسقع، وغيرهم، وقد نص الأئمة كمالك والشافعي وأحمد على كفر هؤلاء الذين ينكرون علم الله القديم» (منهاج السنة النبوية (1/ 141).

أما صفة الحكمة فقد «أجمع المسلمون على أن الله تعالى موصوف بالحكمة» (منهاج السنة النبوية (1/ 141) فله سبحانه الحكمة الباهرة في خلقه، وله الحكمة البالغة في شرعه (انظر: مجموع الفتاوى (8/ 485)، وقد دل على هذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم «في مواضع لا تكاد تحصى، ولا سبيل إلى استيعاب أفرادها» (شفاء العليل لابن القيم (ص: 19)، وقد ذكر اثنين وعشرين نوعا من أدلة إثبات الحكمة لله.)، فإن «القرآن مملوء بذلك في الخلق والأمر» (مجموع الفتاوى (8/ 485). كما أن إثبات الحكمة من الكمال الواجب له سبحانه، كما قال تعالى: {ولله المثل الأعلى} النحل: 60. ومن المهم التنبه إلى أن «تفصيل حكمة الله في خلقه وأمره يعجز عن معرفتها عقول البشر» (منهاج السنة النبوية (1/ 177)، و «ليس للعباد أن يعلموا تفصيل حكمة الله تعالى، بل يكفيهم العلم العام، والإيمان التام» (المصدر السابق (1/ 191).

وقد ضل في صفة الحكمة طوائف، فأنكرها الجهمية والأشعرية (انظر: درء تعارض العقل والنقل (8/ 54)، ومجموع الفتاوى (8/ 83)، (14/ 183)، والنبوات (ص: 352). ونفي الحكمة أمر خطير، فإنه «يتضمن نفي الإرادة، ونفي القدرة» (النبوات (ص 374). ولازم هذا «نفي فعل الرب، ونفي الأحداث، ومن نفى ذلك يلزمه امتناع حدوث حادث في الوجود» (المصدر السابق.). فإثبات «الحكمة لازم لكل طائفة على أي قول قالوه» (المصدر السابق.)؛ لأنهم لا بد أن يثبتوا إلها قادرا، أو يثبتوا حوادث في الوجود، والقدرة والإحداث إما أن يكونا لحكمة أو لا، وعدم الحكمة عبث ونقص ينزه عنه الرب.

 

وقوله: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} الطلاق: 12، وقوله: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} الذاريات:58.

في هاتين الآيتين الكريمتين إثبات صفتي القدرة والقوة لله تعالى، فهو – جل وعلا – القوي القدير. وقد «اتفق المسلمون وسائر أهل الملل على أن الله على كل شيء قدير، كما نطق بذلك القرآن في مواضع كثيرة جدا» (مجموع الفتاوى (8/ 7). وهاتان الصفتان معناهما متقارب؛ فإن «لفظ القوة قد يراد به ما كان في القدرة أكمل من غيره، فهو قدرة أرجح من غيرها، أو القدرة التامة» (انظر: المصدر السابق (6/ 339). «والقدرة هي قدرته على الفعل. والفعل نوعان: لازم ومتعد. والنوعان في قوله: {هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} الحديد: 4، فالاستواء والإتيان والمجيء والنزول ونحو ذلك أفعال لازمة، لا تتعدى إلى مفعول، بل هي قائمة بالفاعل، والخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والإعطاء، والمنع، والهدى، والنصر، والتنزيل، ونحو ذلك تتعدى إلى مفعول» (مجموع الفتاوى (8/ 18 – 19). «فيدخل في ذلك – أي: في آيات إثبات قدرته سبحانه – أفعال العباد وغير أفعال العباد» (المصدر السابق (8/ 10 – 11). ومما «يدخل في ذلك أفعال نفسه.

وقد نطقت النصوص بهذا، وهذا كقوله تعالى: {أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} يس: 81، {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} القيامة: 40، {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} القيامة: 4، ونظائره كثيرة» (المصدر السابق (8/ 11)، وينظر: (16/ 460)، منهاج السنة النبوية (2/ 288).

وقد اختلف الناس في متعلق القدرة، والذي عليه أهل السنة «أن الله تعالى على كل شيء قدير، وكل ممكن فهو مندرج في هذا» (منهاج السنة النبوية (2/ 293)، «فكل ما يصلح أن يشاء فهو عليه قدير، وإن شئت قلت: قدير على ما يصلح أن يقدر عليه» (مجموع الفتاوى (12/ 331). وأما الممتنع «المحال لذاته، مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصور وجوده، ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء، ومن هذا الباب خلق مثل نفسه، وأمثال ذلك» (منهاج السنة النبوية (2/ 293)، وينظر: الصفدية (2/ 109)، ولذلك فإن الممتنع لنفسه غير داخل في عموم قوله تعالى: {إن الله على كل شيء قدير} البقرة: 20 (انظر: مجموع الفتاوى (8/ 383). و «إثبات كمال علمه وقدرته يستلزم إثبات سائر صفاته» (مجموع الفتاوى (14/ 132).

وفي الآية الثانية إثبات اسمي الرزاق والمتين لله تعالى. والرزاق في صفاته يشمل ما كان على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من رزق القلوب بالعلم، والإيمان، ورزق الأبدان الذي لا تبعة فيه. ويتضمن أيضا الرزق العام لكل أحد؛ كما قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها} هود: 6 ... (انظر: التوضيح المبين لتوحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية للسعدي (ص: 131 – 132).

أما المتين فمعناه الشديد القوي، فهو يفيد التناهي في القوة والقدرة.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91428 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87224 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف