قوله :" وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن".
المراد بالجملة ما تقدم من القواعد في باب أسماء الله تعالى وصفاته، فبعد أن ذكر طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب بين اطراد طريقتهم، واستقامة منهجهم في جميع ما أخبر الله تعالى به عن نفسه في كتابه من آيات الصفات، أو ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديثها.
ومن ذلك ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص، فإن «هذه السورة اشتملت على جميع أنواع التنزيه، والتحميد، على النفي والإثبات، ولهذا كانت تعدل ثلث القرآن» (المصدر السابق (17/ 452)، «وليس في القرآن سورة هي وصف الرحمن محضا إلا هذه السورة» (المصدر السابق (17/ 134)، «ولهذا تسمى سورة الإخلاص» (بدائع الفوائد (1/ 128)، فقد «تضمنت هذه السورة من وصف الله – سبحانه وتعالى – الذي ينفي قول أهل التعطيل، وقول أهل التمثيل، ما صارت به هي الأصل المعتمد في مسائل الذات» (مجموع الفتاوى (10/ 54).
وأما كون هذه السورة تعدل ثلث القرآن فلما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه عديدة، فإن الأحاديث «الماثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل {قل هو الله أحد}، وأنها تعدل ثلث القرآن من أصح الأحاديث، وأشهرها، حتى قال طائفة من الحفاظ: لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل سورة من القرآن أكثر مما صح عنه في فضل {قل هو الله أحد}، وجاءت الأحاديث بالألفاظ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ({قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن) (رواه البخاري (5015)، ومسلم (811). من حديث أبي سعيد، وعند مسلم من حديث أبي الدرداء وأبي هريرة.)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من قرأ {قل هو الله أحد} مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن، من قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثا فكأنما قرأ القرآن كله) (رواه أحمد (5/ 141)، بلفظ: ((من قرأ بـ (قل هو الله أحد) فكأنما قرأ بثلث القرآن). عن أبي بن كعب أو رجل من الأنصار.)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - للناس: (احتشدوا حتى أقرأ عليكم ثلث القرآن)، فحشدوا حتى قرأ عليهم {قل هو الله أحد} قال - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن) (رواه مسلم (812)، بلفظ قريب من هذا، وفي آخره: ((ألا إنها تعدل ثلث القرآن). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وأما توجيه ذلك فقد قالت طائفة من أهل العلم: «إن القرآن باعتبار معانيه ثلاثة أثلاث: ثلث توحيد، وثلث قصص، وثلث أمر ونهي. {قل هو الله أحد} هي صفة الرحمن، ونسبه، وهي متضمنة ثلث القرآن، وذلك أن القرآن كلام الله تعالى، والكلام إما إنشاء، وإما إخبار؛ فالإنشاء هو الأمر والنهي، وما يتبع ذلك كالإباحة ونحوها، وهو الأحكام.
والإخبار إما إخبار عن الخالق، وإما إخبار عن المخلوق؛ فالإخبار عن الخالق هو التوحيد، وما يتضمنه من أسماء الله وصفاته.
والإخبار عن المخلوق هو القصص، وهو الخبر عما كان وعما يكون، ويدخل فيه الخبر عن الأنبياء، وأممهم، ومن كذبهم، والإخبار عن الجنة، والنار، والثواب، والعقاب.
قالوا: فبهذا الاعتبار تكون {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن لما فيها من التوحيد الذي هو ثلث معاني القرآن» (المصدر السابق (17/ 206 – 207)، وينظر: منهاج السنة النبوية (3/ 290 – 291)، التسعينية (3/ 825 – 828)، فجعلت هذه السورة المباركة «تعدل ثلث القرآن؛ لأنها صفة الرحمن، وذكره محضا لم تشب بذكر غيره» (المصدر السابق (22/ 390).
وسورة الإخلاص «اشتملت على التوحيد العلمي القولي نصا، وهي دالة على التوحيد العملي لزوما» (المصدر السابق (17/ 108)؛ «ففي اسم الصمد إثبات كل الكمال، وفي نفي الكفء التنزيه عن التشبيه والمثال، وفي الأحد نفي كل شريك لذي الجلال، وهذه الأصول الثلاثة هي مجامع التوحيد» (زاد المعاد (4/ 181).
" وعلى هذه السورة اعتماد الأئمة في التوحيد؛ كالإمام أحمد، والفضيل بن عياض، وغيرهما من الأئمة قبلهم وبعدهم، فنفى عن نفسه الأصول والفروع والنظراء، وهي جماع ما ينسب إليه المخلوق" (مجموع الفتاوى (2/ 438).
وكما أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن باعتبار المعنى، فإنها تعدل ثلثه أيضا باعتبار أجر الحروف وثوابها؛ فإن "حروف القرآن تتفاضل لتفاضل المعاني وغير ذلك، فحروف الفاتحة له بكل حرف منها حسنة أعظم من حسنات حروف من {تبت يدا أبي لهب وتب}.
وإذا كان الشيء يعدل غيره فعدل الشيء - بالفتح - هو مساويه وإن كان من غير جنسه" (مجموع الفتاوى (17/ 137).