قوله :" وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات".
وبيان هذا أن سبيل سلف الأمة وأئمتها «في الصفات مبني على أصلين:
أحدهما: أن الله – سبحانه وتعالى – منزه عن صفات النقص مطلقا؛ كالسنة، والنوم، والعجز، وغير ذلك» (منهاج السنة النبوية (2/ 523)، «وكذلك ما كان مختصا بالمخلوق فإنه يمتنع اتصاف الرب به، فلا يوصف الرب بشيء من النقائص، ولا بشيء من خصائص المخلوق، وكل ما كان من خصائص المخلوق فلا بد فيه من نقص» (الصفدية (1/ 102).
الثاني: أنه متصف بصفات الكمال التي لا نقص فيها على وجه الاختصاص بما له من الصفات التي لا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات» (منهاج السنة النبوية (2/ 523)، فإنه «يمتنع أن يماثله فيها شيء» (الصفدية (1/ 102). وبهذا جاءت الأدلة؛ فإن «الله سبحانه موصوف بالإثبات والنفي؛ فالإثبات كإخباره أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، ونحو ذلك، والنفي كقوله: {لا تاخذه سنة ولا نوم} البقرة: 255» (مجموع الفتاوى (3/ 35).
ويسلك أهل السنة والجماعة فيما ينفونه ويثبتونه في باب الأسماء والصفات طريقة الرسل، فإن الرسل – عليهم صلوات الله – جاؤوا بإثبات مفصل، ونفي مجمل» (الصفدية (1/ 116)، وينظر: النبوات (ص: 225)، «فهذه طريقة الرسل وأتباعهم من سلف الأمة وأئمتها» (منهاج السنة النبوية (2/ 185)، وينظر: مجموع الفتاوى (6/ 565)،(11/ 480). و «هي ما جاء بها القرآن، والله تعالى في القرآن يثبت الصفات على وجه التفصيل، وينفي عنه على طريق الإجمال التشبيه والتمثيل، فهو في القرآن يخبر أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه عزيز حكيم، غفور رحيم، وأنه سميع بصير، وأنه غفور ودود، وأنه تعالى على عظم ذاته يحب المؤمنين، ويرضى عنهم، ويغضب على الكفار، ويسخط عليهم، وأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه كلم موسى تكليما، وأنه تجلى للجبل فجعله دكا، وأمثال ذلك، ويقول في النفي: {ليس كمثله شيء} الشورى: 11، {هل تعلم له سميا} مريم: 65، {فلا تضربوا لله الأمثال} النحل: 74، {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد} الإخلاص: 1 – 4، فيثبت الصفات، وينفي مماثلة المخلوقات» (مجموع الفتاوى (6/ 37). والنفي الذي جاءت به النصوص «يجمعه نوعان: نفي النقص، ونفي مماثلة غيره له في صفات الكمال» (منهاج السنة النبوية (2/ 157)، وينظر: مجموع الفتاوى (17/ 325)، «فالرب تعالى موصوف بصفات الكمال التي لا غاية فوقها، منزه عن النقص بكل وجه، ممتنع من أن يكون له مثيل في شيء من صفات الكمال. فأما صفات النقص فهو منزه عنها مطلقا، وأما صفات الكمال فلا يماثله – بل ولا يقاربه – فيها شيء من الأشياء» (المصدر السابق.). قال تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا} فاطر: 44. هذه هي طريقة الرسل، ومن تبعهم من سلف الأمة وأئمتها. أما من خالفهم من المعطلة المتفلسفة وغيرهم فقد عكسوا القضية (انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 853). وينظر: مجموع الفتاوى (11/ 480)، فإن هؤلاء «الملاحدة جاؤوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، فقالوا في النفي: ليس بكذا وكذا ولا كذا، فلا يقرب من شيء ولا يقرب منه شيء، ولا يرى في الدنيا، ولا في الآخرة، ولا له كلام يقوم به، ولا له حياة، ولا علم، ولا قدرة، ولا غير ذلك، ولا يشار إليه، ولا يتعين، ولا هو مباين للعالم، ولا حال فيه، ولا خارجه، ولا داخله، إلى أمثال العبارات السلبية التي لا تنطبق إلا على المعدوم» (الصفدية (1/ 116). «وهؤلاء المعطلة ينفون نفيا مفصلا، ويثبتون شيئا مجملا يجمعون فيه بين النقيضين» (منهاج السنة النبوية (2/ 562)، «ويثبتون ما لا يوجد إلا في الخيال» (المصدر السابق (2/ 181).