قوله :"ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.
هذا شروع في بيان بعض ما يتضمنه الإيمان بالله، وهو الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته، و «القول الشامل في جميع هذا الباب» (المصدر السابق (5/ 26) «ما أجمع عليه سلف الأمة، وأئمتها» (المصدر السابق (11/ 250)، من «أنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل» (الصفدية (1/ 103) وينظر: منهاج السنة (2/ 111، 523)، الجواب الصحيح (2/ 163)، مجموع الفتاوى (5/ 195)، (6/ 38)، (8/ 432)، (11/ 250). «قال الإمام أحمد: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث» (مجموع الفتاوى (5/ 382)، وذلك أن «من تأمل نصوص الكتاب والسنة، وجدها في غاية الإحكام والإتقان، وأنها مشتملة على التقديس لله عن كل نقص، والإثبات لكل كمال» (المصدر السابق (11/ 361). وهذه الاحترازات المذكورة «من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل» تمحض سبيل أهل السنة والجماعة، وطريقة سلف الأمة وأئمتها، وتخلصها من الضلالة والبدعة في هذا الباب، ويتبين ذلك ببيان ما تضمنته هذه الاحترازات.
فالمراد بالتحريف: التاويل المذموم الباطل الذي هو «صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح؛ كتاويل من تأول: استوى بمعنى استولى، ونحوه، فهذا عند السلف والأئمة باطل لا حقيقة له، بل هو من باب تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته» (درء تعارض العقل والنقل (5/ 382)؛ إذ هو في الحقيقة صرف للنصوص عن مدلولها ومقتضاها (انظر: المصدر السابق (5/ 235)، مجموع الفتاوى (5/ 349)، و «إزالة اللفظ عما دل عليه من المعنى» (مجموع الفتاوى (3/ 165)، واستعمال التاويل بهذا المعنى «لا يوجد الخطاب به إلا في اصطلاح المتأخرين» (الصفدية (1/ 289) فقط. وأما السلف فالتاويل عندهم «بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب في اصطلاح المفسرين للقرآن» (مجموع الفتاوى (3/ 55)، وهو أيضا «الحقيقة التي يؤول إليها الكلام» (المصدر السابق (3/ 56). «وأصل وقوع أهل الضلال في مثل هذا التحريف الإعراض عن فهم كتاب الله تعالى كما فهمه الصحابة والتابعون، ومعارضة ما دل عليه بما يناقضه، وهذا هو من أعظم المحادة لله ولرسوله، ولكن على وجه النفاق والخداع» درء تعارض العقل والنقل (5/ 383).
وأما التعطيل فالمراد به «نفي الصفات» (المصدر السابق (8/ 247)، (1/ 284)، «ولهذا كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفات معطلة؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله تعالى» (مجموع الفتاوى (5/ 326). وقد سموا هذا العبث بالصفات توحيدا، «ففسروا التوحيد بتفسير لم يدل عليه الكتاب والسنة، ولا قاله أحد من سلف الأمة وأئمتها» (بيان تلبيس الجهمية (1/ 132)، وينظر: درء تعارض العقل والنقل (7/ 127).
وأما التكييف فالمراد به السؤال «عن الهيئة والصورة» (المصدر السابق (3/ 139) مخطوط)، وطلب حقيقة الشيء وكنهه (انظر: المصدر السابق (1/ 64)، درء تعارض العقل والنقل (7/ 328)، مجموع الفتاوى (3/ 167). وتكييف صفات الله تعالى: «منفي بالنص» (مجموع الفتاوى (3/ 195) في قوله تعالى: {وما يعلم تاويله إلا الله} آل عمران: 7، «فالكيف هو التاويل الذي لا يعلمه إلا الله» (المصدر السابق (17/ 374)، انظر: درء تعارض العقل والنقل (9/ 23 – 24)، فإن معنى التاويل هو «الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب، وهي نفس الحقائق التي أخبر الله عنها» (درء تعارض العقل والنقل (5/ 382)، فتاويل «آيات الصفات يدخل في حقيقة الموصوف وحقيقة صفاته، وهذا من التاويل الذي لا يعلمه إلا الله» (مجموع الفتاوى (3/ 167)، فإن تاويل ما أخبر الله به عن نفسه هو «كنه ذاته وصفاته التي لا يعلمها إلا الله» (درء تعارض العقل والنقل (1/ 207). ولقد اتفق السلف على نفي المعرفة بماهية الله، وكيفية صفاته (انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 64)، مجموع الفتاوى (3/ 195)، درء تعارض العقل والنقل (9/ 23)، ولا عجب؛ فإن «العلم بكيفية الصفة فرع على العلم بكيفية الموصوف، فإن كان الموصوف لا تعلم كيفيته امتنع أن تعلم كيفية الصفة» (مجموع الفتاوى (6/ 399)، وينظر (5/ 25، 330).
أما التمثيل فالمراد به التسوية بين الله تعالى وغيره فيما يجب، أو يجوز، أو يمتنع (انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 53، 57)، (2/ 381)، درء تعارض العقل والنقل (5/ 84)، «فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق، أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله، وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه» (الصفدية (1/ 101). و «نفي المثل عن الله، ونفي الشريك ثابت بالكتاب والسنة، وإجماع السلف» (التسيعينية (2/ 751) مع نوع تصرف.)، «مع دلالة العقل على نفيه» (مجموع الفتاوى (3/ 196). فالواجب إثبات الصفات ونفي التمثيل؛ فإنه «لا ريب أن القرآن تضمن إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات» (درء تعارض العقل والنقل (7/ 111). بل جميع «الكتب الإلهية قد جاءت بإثبات صفات الكمال على وجه التفصيل، مع تنزيهه عن أن يكون له مثيل» (المصدر السابق (6/ 349).
ووجه الجمع بين التحريف والتعطيل: أن التحريف يفضي إلى التعطيل، أما الجمع بين التكييف والتمثيل، فلأن التكييف يفضي إلى التمثيل. فالواجب في نصوص الكتاب والسنة: «أن تمر كما جاءت، ويؤمن بها، وتصدق، وتصان عن تاويل يفضي إلى تعطيل، وتكييف يفضي إلى تمثيل» (مجموع الفتاوى (6/ 355). "فمذهب السلف رضوان الله عليهم: إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود؛ لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات. وعلى هذا مضى السلف" (مجموع الفتاوى (4/ 6 - 7). فمن «الأصول المعروفة في هذا الباب: أن القول في الصفات كالقول في الذات» (المصدر السابق (3/ 25). والمراد بالذات «النفس الموصوفة التي لها وصف، ولها صفات» (المصدر السابق (3/ 334 – 335) مختصرا.).