×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / الحديث وعلومه / رياض الصالحين / 7- باب اليقين والتوكل / (10)حديث "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه رياض الصالحين في باب في اليقين والتوكل:

عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي رضي الله عنه وهو وأبوه وأمه صحابة رضي الله عنهم قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» متفق عليه.

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فهذا الحديث الشريف حديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ذكره المؤلف رحمه الله وذكر فيه نسب أبي بكر، ولعله ذكر ذلك لأنه أول موضع يذكر فيه حديث عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.

أبو بكر خير الأمة:

أبو بكر خير الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبو بكر بلغ من الإيمان والصدق ما بوأه منزلة عالية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي مصاحبته ثم بعد موته حيث استخلفه صلى الله عليه وسلم على الأمة بعده في إشارات تشبه الصريح أنه نص عليه أن يكون خليفة بعده في المسلمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ذكر في هذا الحديث موقفا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في هجرته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة ثلاثة عشرة سنة يدعو إلى الله، وقد كابد ما لقيه من المشركين من الأذى والمكر والكيد القولي والعملي، الظاهر والباطن، صبر صلى الله عليه وسلم وجاهد في الله حق جهاده جاهدهم بالعلم والبيان كما أمره الله تعالى في محكم القرآن ﴿وجاهدهم به جهادا كبيرا﴾+++[الفرقان:52]--- وهو جهاد القرآن ببيان الحجة وإقامتها على أهل الشرك والكفر، ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما ضاق عليه الأمر ومكر به أولئك المشركون ليقتلوه أو يثبتوه أذن الله تعالى له بالهجرة، فخرج صلى الله عليه وسلم مستخفيا ومعه أبو بكر ومكث في الغار ثلاثة أيام أو نحو ذلك.

وكان صلى الله عليه وسلم لما فقده المشركون مطلوبا، وقد جعلوا لمن يأتي به حيا أو ميتا عطاء جزيلا مائة من الإبل وهذا عطاء واسع في ذلك الزمان، ثم أوى إلى الغار صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه وطلبه المشركون حتى وصلوا إلى الغار الذي هو فيه، هو وأبو بكر رضي الله تعالى عنه ووقفوا عليهما حتى قال أبو بكر: لو نظر أحدهم تحت قدميه يعني إلى أسفل منه لأبصرنا أي لرآنا فيما جرت به العادة وفيما جرى به حال الناس من الإبصار في مثل هذه الحال، لكن الله تعالى أعمى أبصارهم فلم يروه ولا صاحبه ولو أنهم نظروا أسفل من أقدامهم أو أسفل منهم إلى ما تحت أقدامهم لحجب الله تعالى رسوله وصاحبه عنهم.

فقال أبو بكر هذه المقالة بناء على ما جرى به العادة أو العرف، قال النبي صلى الله عليه وسلم مسكنا خوف أبو بكر الذي خاف على النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»+++[صحيح البخاري (4663)، ومسلم (2381)]---.

اليقين والثقة بالله عز وجل:

هذه كلمة في غاية اليقين والعلم والثقة بالله والتصديق لوعده والامتثال لما أمر، وهذا لا يكون إلا عن تمام إيمان بلغ الغاية والمنتهى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أبا بكر بمعية الله وهي معية خاصة لهذين الشخصين للنبي وأبي بكر «ما ظنك باثنين الله ثالثهما».

ثالثهما: حفظا ورعاية ودفاعا وصيانة ووقاية وذاك فضل عظيم خص الله به الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكر فإن الله لم يذكر المعية الخاصة بالأشخاص في القرآن إلا في موضعين، لأن المعية في القرآن مذكورة عامة للخلق، ومن ذلك قوله تعالى : ﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا﴾+++[المجادلة: 7]--- هذه معية لكل الخلق وهي تقتضي إحاطة والعلم والقدرة وسائر معاني الربوبية.

ثم ذكر معية خاصة بأصحاب أوصاف ﴿إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾+++[النحل:128]--- هذه معية لأهل الإيمان والتقوى وهي أعلى مرتبة إذ تقتضي الحماية والصيانة والتوفيق والتسديد وسائر معاني الإكرام والإنعام، ثم ذكر في القرآن معية خاصة بأشخاص وقد ذكرها الله تعالى لأربعة في القرآن العظيم ذكرها لموسى وهارون: ﴿إنني معكما أسمع وأرى﴾+++[طه: 46]--- وهذه معية لاثنين على وجه الخصوص وذكرها في حق النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر في قوله: ﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا﴾+++[التوبة: 40]--- فهذه معية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر.

فهذه المعية هي أعلى درجات المعية وأرفع منازلها وهي لا تكون إلا مع كمال الإيمان وتمام التصديق وصلاح الحال والسر والعلن وكلما كان الإنسان محققا لصفات التقوى وخصال الإيمان والإحسان فاز من معية الله عز وجل بما يرضيه وبما يحقق ما يؤمل وبما يدفع عنه ما يكره ﴿إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾+++[النحل: 128]---، «ما ظنك باثنين الله ثالثهما».

لم يزد على هذه العبارة صلى الله عليه وسلم فسكن ما في قلب أبي بكر من الخوف والوجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى نفسه، وهذا الخبر من أبي بكر فيه جملة من الفوائد من أعظم ذلك أن الأسباب جميعها قد تتهاوى ولا يبقى منها شيء، ليعتصم به الإنسان وينجو مما يكره لكن ثمة سبب أوثق ما يكون في تحصيل المطلوب وهو الاعتماد على الله والتوكل عليه، فإنه لم ينجيه صلى الله عليه وسلم أن خرج هاربا ليلا، لم ينجيه أن أوى إلى الغار، كل ذلك تلاشى وجاء المشركون ووقفوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى كان الأمر كما وصف أبو بكر لو نظر أحدهم أسفل تحت قدمه لأبصرنا كل الأسباب المادية زالت، لكن ثمة سبب يتعلق بمالك الملك جل في علاه وهو التوكل عليه.

قال: ما بقي شيء «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» خرج بأمره صلى الله عليه وسلم وهو خارج لأجله طاعة له وقاصدا ما عنده جل في علاه ومن كان كذلك فإن الله لا يخيبه.

ولهذا يا إخواني إن أعظم ما تدرك به الآمال وتحصل به المطالب صدق الاعتماد على الله عز وجل بقدر ما مع الإنسان من التوكل على الرحمن في مطلوبة مع بذل ما يمكن من الأسباب يدرك غايته ومجهوده.

وإذا قصر فإنه يقصر عون الله له، تقصر معيته وتأييده ونصره بقدر ما يحصل من النقص في التوكل عليه، ولهذا ليس ثمة شيء أوثق من التوكل، المتوكل هو أقوى الناس لأنه ملتجأ إلى من بيده الأمر، مالك الملك أنت إذا تصورت وحضر في ذهنك أن الله هو المالك، أنه ما من شيء في الكون إلا بأمره، لا يصلك خير إلا بأمره ولا ينكف عنك شر إلا بإذنه، فلن تتعلق بسواه مهما كان ذلك الغير قويا متمكنا «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء, لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك».

وبالتالي اقطع قلبك تعلقا بغيره جل في علاه، واجعل غاية مطلوبك أن يكون الله معك، فمن كان الله معه نجا من كل كربة وأدرك كل رغبة.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأن يجعلنا من حسبه المفلحين وأوليائه الصادقين، وفي هذا شريف فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فإن الله أثبت له معية.

قال بعض أهل العلم: هذه المعية ليس في هذا الظرف فقط، بل هي لأبي بكر في ذلك اليوم ومع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته صلى الله عليه وسلم وبعد موت أبي بكر الله معه يذب عنه وينصره لم يشهد القرآن بصحبة أحد من الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر: ﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن﴾+++[التوبة: 40]--- والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

المشاهدات:7389

قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه رياض الصالحين في باب في اليقين والتوكل:

عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي ـ رضي الله عنه ـ وهو وأبوه وأمه صحابة ـ رضي الله عنهم ـ قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» متفق عليه.

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فهذا الحديث الشريف حديث أبي بكر الصديق ـ رضي الله تعالى عنه ـ ذكره المؤلف ـ رحمه الله ـ وذكر فيه نسب أبي بكر، ولعله ذكر ذلك لأنه أول موضع يذكر فيه حديث عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.

أبو بكر خير الأمة:

أبو بكر خير الأمة بعد نبيها ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أبو بكر بلغ من الإيمان والصدق ما بوأه منزلة عالية عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته وبعد موته، في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي مصاحبته ثم بعد موته حيث استخلفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأمة بعده في إشارات تشبه الصريح أنه نص عليه أن يكون خليفة بعده في المسلمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ذكر في هذا الحديث موقفًا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في هجرته، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقي في مكة ثلاثة عشرة سنة يدعو إلى الله، وقد كابد ما لقيه من المشركين من الأذى والمكر والكيد القولي والعملي، الظاهر والباطن، صبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاهد في الله حق جهاده جاهدهم بالعلم والبيان كما أمره الله ـ تعالى ـ في محكم القرآن ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا[الفرقان:52] وهو جهاد القرآن ببيان الحجة وإقامتها على أهل الشرك والكفر، ثم إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما ضاق عليه الأمر ومكر به أولئك المشركون ليقتلوه أو يثبتوه أذن الله ـ تعالى ـ له بالهجرة، فخرج ـ صلى الله عليه وسلم ـ مستخفيًا ومعه أبو بكر ومكث في الغار ثلاثة أيام أو نحو ذلك.

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما فقده المشركون مطلوبًا، وقد جعلوا لمن يأتي به حيًا أو ميتًا عطاء جزيلًا مائة من الإبل وهذا عطاء واسع في ذلك الزمان، ثم أوى إلى الغار ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو وصاحبه وطلبه المشركون حتى وصلوا إلى الغار الذي هو فيه، هو وأبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ ووقفوا عليهما حتى قال أبو بكر: لو نظر أحدهم تحت قدميه يعني إلى أسفل منه لأبصرنا أي لرآنا فيما جرت به العادة وفيما جرى به حال الناس من الإبصار في مثل هذه الحال، لكن الله ـ تعالى ـ أعمى أبصارهم فلم يروه ولا صاحبه ولو أنهم نظروا أسفل من أقدامهم أو أسفل منهم إلى ما تحت أقدامهم لحجب الله ـ تعالى ـ رسوله وصاحبه عنهم.

فقال أبو بكر هذه المقالة بناء على ما جرى به العادة أو العرف، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسكنًا خوف أبو بكر الذي خاف على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ ثالثُهما»[صحيح البخاري (4663)، ومسلم (2381)].

اليقين والثقة بالله عز وجل:

هذه كلمة في غاية اليقين والعلم والثقة بالله والتصديق لوعده والامتثال لما أمر، وهذا لا يكون إلا عن تمام إيمان بلغ الغاية والمنتهى، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر أبا بكر بمعية الله وهي معية خاصة لهذين الشخصين للنبي وأبي بكر «ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ ثالثُهما».

ثالثهما: حفظًا ورعاية ودفاعًا وصيانة ووقاية وذاك فضل عظيم خص الله به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه أبا بكر فإن الله لم يذكر المعية الخاصة بالأشخاص في القرآن إلا في موضعين، لأن المعية في القرآن مذكورة عامة للخلق، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا[المجادلة: 7] هذه معية لكل الخلق وهي تقتضي إحاطة والعلم والقدرة وسائر معاني الربوبية.

ثم ذكر معية خاصة بأصحاب أوصاف ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[النحل:128] هذه معية لأهل الإيمان والتقوى وهي أعلى مرتبة إذ تقتضي الحماية والصيانة والتوفيق والتسديد وسائر معاني الإكرام والإنعام، ثم ذكر في القرآن معية خاصة بأشخاص وقد ذكرها الله ـ تعالى ـ لأربعة في القرآن العظيم ذكرها لموسى وهارون: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه: 46] وهذه معية لاثنين على وجه الخصوص وذكرها في حق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه أبي بكر في قوله: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[التوبة: 40] فهذه معية خاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر.

فهذه المعية هي أعلى درجات المعية وأرفع منازلها وهي لا تكون إلا مع كمال الإيمان وتمام التصديق وصلاح الحال والسر والعلن وكلما كان الإنسان محققًا لصفات التقوى وخصال الإيمان والإحسان فاز من معية الله ـ عز وجل ـ بما يرضيه وبما يحقق ما يؤمل وبما يدفع عنه ما يكره ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[النحل: 128]، «ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ ثالثُهما».

لم يزد على هذه العبارة ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسكن ما في قلب أبي بكر من الخوف والوجل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى نفسه، وهذا الخبر من أبي بكر فيه جملة من الفوائد من أعظم ذلك أن الأسباب جميعها قد تتهاوى ولا يبقى منها شيء، ليعتصم به الإنسان وينجو مما يكره لكن ثمة سبب أوثق ما يكون في تحصيل المطلوب وهو الاعتماد على الله والتوكل عليه، فإنه لم ينجيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن خرج هاربًا ليلًا، لم ينجيه أن أوى إلى الغار، كل ذلك تلاشى وجاء المشركون ووقفوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه حتى كان الأمر كما وصف أبو بكر لو نظر أحدهم أسفل تحت قدمه لأبصرنا كل الأسباب المادية زالت، لكن ثمة سبب يتعلق بمالك الملك جل في علاه وهو التوكل عليه.

قال: ما بقي شيء «ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ ثالثُهما» خرج بأمره صلى الله عليه وسلم وهو خارج لأجله طاعة له وقاصدًا ما عنده جل في علاه ومن كان كذلك فإن الله لا يخيبه.

ولهذا يا إخواني إن أعظم ما تدرك به الآمال وتحصل به المطالب صدق الاعتماد على الله ـ عز وجل ـ بقدر ما مع الإنسان من التوكل على الرحمن في مطلوبة مع بذل ما يمكن من الأسباب يدرك غايته ومجهوده.

وإذا قصر فإنه يقصر عون الله له، تقصر معيته وتأييده ونصره بقدر ما يحصل من النقص في التوكل عليه، ولهذا ليس ثمة شيء أوثق من التوكل، المتوكل هو أقوى الناس لأنه ملتجأ إلى من بيده الأمر، مالك الملك أنت إذا تصورت وحضر في ذهنك أن الله هو المالك، أنه ما من شيء في الكون إلا بأمره، لا يصلك خير إلا بأمره ولا ينكف عنك شر إلا بإذنه، فلن تتعلق بسواه مهما كان ذلك الغير قويًا متمكنًا «واعْلمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجتمعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشيءٍ لمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لكَ, وإنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ, لمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليكَ».

وبالتالي اقطع قلبك تعلقًا بغيره جل في علاه، واجعل غاية مطلوبك أن يكون الله معك، فمن كان الله معه نجا من كل كربة وأدرك كل رغبة.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأن يجعلنا من حسبه المفلحين وأوليائه الصادقين، وفي هذا شريف فضل أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فإن الله أثبت له معية.

قال بعض أهل العلم: هذه المعية ليس في هذا الظرف فقط، بل هي لأبي بكر في ذلك اليوم ومع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته وبعد موته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد موت أبي بكر الله معه يذب عنه وينصره لم يشهد القرآن بصحبة أحد من الناس من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أبا بكر: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ[التوبة: 40] والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90646 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87046 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف