نقل الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه رياض الصالحين في باب في اليقين والتوكل:
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «من قال يعني: إذا خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان» رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وغيرهم. وقال الترمذي: «حديث حسن»، زاد أبو داود: «فيقول يعني: الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟».
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على البشير النذير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
هذا الحديث حديث أنس بن مالك ـ رضي الله تعالى عنه ـ في بيان ما كان يقوله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند خروجه من بيته، سواء كان الخروج إلى المنزل أو إلى غيره، سواء كانت لمصلحة دينية أو لمصلحة دنيوية، كان إذا خرج قال: «بِسمِ اللَّهِ، توَكَّلتُ علَى اللَّهِ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ» ثلاث كلمات هي من الذكر المبارك الذي يجني به الإنسان نفعًا عاجلًا وأجرًا جزيلًا مؤجلًا.
النفع العاجل للتوكل:
أما النفع العاجل فقد بينه النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في ثمرة هذه الكلمة، "بسم الله" أي خروج بسم الله أو أخرج بسم الله أي مستحضرًا مستصحبًا اسمه الذي يهدي إلى كل بر ويقي كل شر ويدرك به الإنسان كل خير فهو مصاحب باسم الله الذي تدرك به الأمور وتحصل به المطالب، وينجو به من كل ما يكره من الشرور والمعاطب.
"توكلت على الله" أي: اعتمدت عليه وفوضت الأمر إليه فالتوكل دائر على هذين المعنيين؛ الاعتماد على الله في تحصيل ما يطلب، وفي الأمن مما يكره وتفويض الأمر إليه ـ جل وعلا ـ فالأمر الأول اعتماد والثاني التفويض فإذا حقق العبد ذلك بقلبه بالتوكل على الله الاعتماد عليه في تحصيل مطلوبة من خروجه، وفوض الأمر إليه في تدبيره فلم يكن له اختيار سوى ما اختاره ربه مع بذل السبب الممكن لتحصيل المطلوب.
"توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله" كنز من كنوز الجنة، هكذا وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الكلمة أي لا تحول من حال إلى حال ولا قوة على هذا التحول إلا بالله، فالله ـ تعالى ـ هو القادر على كل ما يؤمله الإنسان، ولا بلاغ للإنسان إلا بالله يعني لا يمكن أن يتحول الإنسان من ضيق إلى سعة ولا من حزن إلى فرح ولا من فقر إلى غنى ولا من مرض إلى صحة ولا من قلة إلى كثرة ولا من ضعف إلى قوة ولا من ذلة إلى عز وغير ذلك من مطالب الناس إلا بالله.
لا يحول الأحوال إلا الله عز وجل:
لا يمكن أن يكون تحول من حال إلى حال إلا بالله ـ عز وجل ـ المقدر لذلك المبلغ له المعين عليه بقوته جل في علاه ولا قوة على هذا التحول إلا بالله، فهو الذي يهب القوة للعبد أن يتحول من حال إلى حال هذه الكلمات الثلاث احرص عليها في خروجك من بيتك لكل أمر ولو كان خروجًا كثيرًا أو عارضًا.
"بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله" وقولها عند الخروج لأن الإنسان إذا خرج خرج من مأمن ويلقاه من أحوال الناس في معاملتهم ومن الأخطار ما لا يكون في بيته ولذلك ناسب أن يقول هذه الكلمات إذا قالها أدرك هديت يقال له: هديت وكفيت ووقيت ثلاث هبات عاجلة.
الهداية وهي ببركة اسمه ـ سبحانه وتعالى ـ بسم الله يوفق الإنسان للهداية ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾[الرحمن: 1- 4] فالهداية باسمه جل في علاه.
كفيت بتوكله توكلت على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
وقيت بلا حول ولا قوة إلا بالله يقيك الله تعالى كلما تكره وكل ما يضرك مما تعلم ومما لا تعلم، الإنسان ما يدرك ما تكون من الأخطار المحيطة به، قد يدرك أن هذا خطر أو أن هذا خطر، لكن ثمة من الأخطار المحيطة بالإنسان ما لا يقيه إياها ويعافيه منها إلا الله ـ عز وجل ـ ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾[الرعد: 11] أي من أمره جل في علاه.
ثم بعد هذه الهبات الثلاثة أعظم عدو هو الشيطان، أعظم ما يلحقك الضرر في معاشك ومعادك والشيطان ولذلك من بركة هذه الكلمات إذا قالها الإنسان بقلب حاضر أن يتنحى عنه الشيطان أي يتباعد عنه الشيطان، وإذا تباعد عنك الشيطان نجحت ولا يتباعد الشيطان إلا بذكر الله واللجأ إليه ولذلك إذا أذن المؤذن فر الشيطان وله ضراط كما جاء في الحديث تنحى الشيطان عنه وفي الرواية الأخرى يقول الشيطان لشيطان آخر في حديثهم عن هذا الذي قال هذه الكلمات كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي يعني كيف تأتيه وكيف تنال منه وهذه حاله أن الله بلغه هذه الهبات الهداية التي ينجو بها من كل ضلال والكفاية التي يدرك بها كل مطلوب، والوقاية التي يسلم بها من كل مكروه.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأسلك بنا ما تحب وترضى اجعلنا من حزبك وأوليائك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.