×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

رمضانيات / برامج رمضانية / ينابيع الفتوى / الحلقة(7) مسائل الزكاة وأحكامها

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3033

المقدمُ:- بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، مستمعِينا الكرامَ، السلامُ عليكمْ وَرحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، أَهْلًا ومرْحَبًا بكُمْ مَعَنا إِلى هذهِ الحلْقةِ مِنْ بَرنامجِ "ينابيعِ الفَتوَى"، وفيهِ نسلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى ما يهِمُّ الصائمَ في شهرِ رَمَضانَ، نَتواصَلُ وإياكُمْ أَيُّها الأَحِبةُ في هَذا اللِّقاءِ علَى مَدَى ساعةٍ إِلَّا قَلِيلًا.
هذهِ أَطْيَبُ تَحيةٍ مِنِّي محمدُ الجريني وأخِي مصطفَى الصُّحفي منِ الإِخْراجِ، كَذلكَ يسرُّنا وَيطيبُ لَنا في حلْقةِ اليومِ أنْ يَكُونَ مَعَنا ضَيْفٌ كريمٌ هُوَ فضيلةُ الشيخِ الدكتور/ خالد المصلحُ؛ أستاذُ الفقهِ بكليةِ الشريعَةِ بجامِعَةِ القَصِيمِ، الَّذِي نسْعَدُ ونأْنَسُ بِالحديثِ مَعَهُ حَوْلَ مواضيعِ هَذا البرْنامجِ، السلامُ عليكمُ يا شيخُ خالد وحياكمُ اللهُ.
الشيخُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، مرْحبًا بكَ، حيَّاكَ اللهُ أَخِي محمد، وأسألُ اللهَ أَنْ يجعلهُ لِقاءً نافِعًا مُباركًا.
المقدمُ: حضراتكمْ إِخْواننا الكرامُ بإمكانكمْ المشاركةُ المباشرةُ مَعَنا منْ خِلالِ الأرقامِ: 6477117- والرقمُ الآخرُ: 6493028 مفتاحُ المنطقةُ 012 أوْ عَلَى تطبيقِ الواتس آب لمن ْأرادَ بأنْ يبعثَ برسالةٍ نَصّيةٍ عَلى الرقمِ: 0500422121 فحياكمُ اللهُ.
في هذهِ الحلقةِ إِنْ شاءَ اللهُ سوْفَ نُكملُ ما بدأَهُ شَيخُنا في اللِّقاءِ الماضِي فِيما يتعلَّقُ بمسائلِ الزكاةِ وَبِأَحكامِها، والواجبُ علَى المسلمِ أنْ يتحرَّى في شأنهِ كلهِ فيما يتعلَّقُ بِالزكاةِ علَى وجهِ الخُصُوصِ ليبرئَ ذمتهُ قبلَ أنْ تَحينَ أَوْ إِذا حانَتِ الأَنصبةُ وَحانتِ الزكاةُ وبلغتِ المقادير الشرعية، كذلكَ سوفَ نعرضُ إلَى موضوعٍ هامٍ جدًّا فيما يتعلقُ بِالعَشرِ الأواخرِ مِنْ هَذا الشهرِ المباركِ، وَماذا عَلَى المسلمِ أنْ يفعلَهُ في العشرِ ليحصلُ ويتحصَّلَ عَلَى الأجْرِ والمثوبَةِ ويفوزَ بليلةِ هِيَ خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ.
تفضَّلْ يا شيخنا بارك اللهُ فيكمْ.
الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأصلِّي وأسلمُ علَى المبعوثِ رحمةً للعالمينَ؛ محمدٍ وعلَى آلهِ وأصْحابهِ أَجْمعينَ، أَمَّا بعْدُ:
السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، وأسألُ اللهُ تَعالَى أنْ يَجعلَ هذهِ العَشرَ عَشْرًا داخلِةً علينا بالبرِّ والتقْوَى وَالصلاحِ والإيمانِ، وأنْ يرزقَنا وإياكمْ ما فِيها منَ البركاتِ والخيراتِ، وأنْ يجعلَنا ممنْ يقُومُ ليلةَ القدْرِ إِيمانًا واحْتسابًا، وأنْ يوفقَ وُلاةَ أمْرنا إِلَى ما فيهِ الخيرُ، وأَنْ يُسَدِّدهُمْ، وأَنْ ينجح مَسائلهمْ في جَمْعِ كلمةِ المسلمينَ وإصلاحِ شُئونِ المسلِمينَ.
فِيما يتصلُ بموْضُوعِنا في الزكاةِ وَمَسائِلها؛ ثَمَّةَ نُقطةٍ نحتاجُ إِلَى أنْ نُشيرِ إِليْها وهِيَ منْ يستحقونَ الزكاةَ وهمْ أهْلُ الزكاةِ ومنْ تدفعُ لهمْ.
لا تدفعُ الزكاةَ إلا لمنْ بيَّن اللهُ تعالَى استِحقاقَهُمْ في قوْلِهِ - جلَّ وعَلا -: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾التوبة: 60؛ هذهِ أصنافٌ ثَمانيةٌ ذكرَها اللهُ تعالَى في بيانِ اسْتحقاقِ الزكاةِ حَيْثُ قالَ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ﴾ والمقصودُ بِالصدقاتِ هُنا الزكواتُ الواجبةُ بدليلِ أنَّ الصدَقةَ المستحبةَ لا تُحصرُ في صنفٍ ولا في جنسٍ، بلْ يصحُّ بَذْلُها لكلِّ أحدٍ، لا يَخُصُّ بِها أَحَدٌ مِنْ دُونِ أحدٍ، أمَّا الزكاةُ الواجبةُ فَلا تكونُ إِلَّا لهؤلاءِ المذكورينَ دُونَ مَنْ عداهمْ؛ لأنَّ اللهَ تَعالَى حصرهمْ بِقولهِ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ (إنما) في كَلامِ العربِ تُفِيدُ الحصْرَ والقصرَ. ثُم بعدَ أَنْ عَدَّ اللهُ تَعالَى هذهِ الأَصْنافَ الثَّمانيةَ قالَ: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ يعْني فرْضَ الزكاةِ في هَؤلاءِ ليسَ ندْبًا وَلا اسْتحبابًا، بلْ هوَ فريضةٌ، والفرضُ شيءٌ واجبٌ لازمٌ ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
هذهِ الأصنافُ الثمانيةُ يمكنُ تَصْنيفُها إِلَى قسمينِ في الجملَةِ؛ فإنَّ منْ يأخُذُ الزكاةَ إما أَنْ يُعْطَى الزكاةَ لحاجتهِ هُوَ؛ أَيْ: نفع الآخذِ، وهُمُ: الفقيرُ والمسكينُ والغارمُ ونحوهُم. والثاني: مَنْ يُعْطى لِلحاجةِ إِلَيْهِ والانتفاع بهِ، وهوَ من يُعْطَى في سبيل اللهِ، وكذلكَ العامِلُونَ عَلَيْها والمؤلفةُ قلوبهمْ هؤلاءِ يعطونَ الزكاةَ لِلحاجةِ إليهمْ والانتفاعِ بإعطائهمْ.

والأَصنافُ الثمانيةُ بدأَها اللهُ تَعالَى بأشدِّ الجِهاتِ حاجةً وهُمُ الفقراءُ والمساكينُ، هَذا هوَ أولُ مَوضعٍ، أولُ مصرفٍ منْ مصارفِ الزكاةِ الفقراءُ ثُمَّ المساكينُ، والفقراءُ وَالمساكينُ هُمْ مَنْ يأخذُ لحاجِتهِ، والفَرْقُ بينَ الفقيرِ وَالمسكينِ أنَّ الفقيرَ أشدُّ حاجةً منَ المسكينِ علَى الراجحِ منْ قوْليَ العُلماءِ؛ فالعلماءُ منهمْ مَنْ قالَ: الفقيرُ أشدُّ حاجةً، ومنهمْ مَنْ قالَ: المسكينُ أشدُّ حاجةً، لكنَّ الَّذي يظهرُ أنَّ الفقيرَ أشدُّ حاجةً؛ ولذلكَ بَدأَ اللهُ تعالَى بذكرهمْ.
منْ هوَ الفقيرُ؟ الفقيرُ هُوَ الَّذي لا يجدُ شَيئًا أوْ يجدُ بعضَ الكِفايةِ، لكنْ دُونَ نصفِ كِفايتهِ في الحولِ، في السنةِ، فَمنْ لا يجدُ شَيْئًا فهوَ فقيرٌ، ومنْ يجدُ نِصْفَ حاجتِهِ السنويَّةِ فإنهُ أيضًا فقيرٌ، أَمَّا المسكينُ فهوَ الَّذي يجدُ ما هُوَ أكثرُ منْ نصفِ الحاجةِ، لكنْ لا تُغَطِّي جميعَ حَوائجِهِ، بمعْنَى أَنَّ عليهِ حاجَةً لكنَّها أخفُّ منْ حاجةِ الفقيرِ حيثُ يجدُ نصفَ حاجَتِهِ، لَوْ قَدَّرنا أَنَّ حاجَتَهُ في السنةِ عَلَى سبيلِ المثالِ عشرةَ آلافِ رِيالٍ ولا يجدُ مَثلًا مِنْها إِلَّا سِتَّةَ آلافٍ فَهَذا مِسْكِينٌ، أَمَّا إِذا كانَ لا يجدُ إِلَّا أَرْبَعةُ آلافِ فَهَذا فَقِيرٌ، وَمَنْ لا يجدُ بِالكلِّيَّةِ شَيْئًا فَهَذا أَيْضًا فقيرٌ، وهُوَ منْ لا يجدُ الحاجةَ بِالكلَّيَّةِ أوْ يجدُ دُون النصفِ مِنْ حاجَتهِ السنوِيَّةِ، وأَمَّا المسكينُ فَهُوَ الَّذي يجدُ أَكْثرَ مِنْ نِصْفِ حاجتهِ لكنْ دُونَ الكفايةِ أوْ دُونَ أَنْ يَكْتِفي، بلْ لا تزالُ لَهُ حوائجُ لَيْسَ معهُ ما يُغطِّيها.
إذًا هَذا هُوَ الفقيرُ والمسكينُ، وهُما صِنْفانِ مِنْ أَصْنافِ أهلِ الزكاةِ، ذكرهُما اللهُ تعالَى في مقدَِّمِ مَنْ ذَكَرَ مِنَ المستحقِّينَ لِلزكواتِ، وَلما كانَ الناسُ في غالبِ زكاتهمْ يدفعونَ أَمْوالهمْ ويتحرَّوْنَ في أموالهمْ الفقراءَ والمساكينَ؛ لذلكَ بينتُ مَنْ هُوَ الفَقيرُ ومنْ هُوَ المسكينُ، أَحْيانًا يَسألُ فُيُقالُ: منْ لهُ راتبٌ هلْ يأخٌذٌ الزكاةَ أَوْ لا؟ الرَّاتبُ هُوَ طَرِيقٌ منْ طُرُقِ تَحْصِيلِ المالِ، لكنَّ الرَّواتِبَ مُتَفاوِتَةٌ، وأَيْضًا في تَغْطِيتِها لحوائجِ النَّاسِ لَيْسَتْ عَلَى حالٍ واحِدَةٍ؛ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ راتبُهُ زَهيدٌ لا يغَطِّي نِصْفَ حاجَتِهِ فَيَكُونُ فَقِيرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّي أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ حاجَتِهِ ولَكِنَّها لا تُغَطِّي حوائِجَهُ فَهذا أيْضًا مِسْكِينٌ مِنْ أَهْلِ الزكاةِ، ومنهمْ مَنْ يَكُونُ راتبُهُ بِقَدْرِ الكفايَةِ فَهذا خارجٌ عنْ حدِّ الفقرِ والمسكنةِ ولوْ لم يصلْ إِلَى حدِّ الغِنَى، لكنهُ لَيْسَ مُحتاجًا، ما يدخلُ عليهِ يُغَطِّي حوائِجَهُ، فَهَذا ليسَ مِنْ أَهْلِ الزكاةِ، وَلَوْ لم يكنْ غَنيًّا، أقْصِدُ الغِنَى بعُرْفِ الناسِ، لَكِنَّ الواقعِ أَنَّ مَنْ وَجَدَ كفايتَهُ فَقَدْ اغْتَنى، الغِنَىُّ غِنَى النفسِ، وَليْسَ بِأَنْ يَجِدَ أَكْثرَ مِما يَحْتاجُ، فِفِيما يتعلقُ باستحقاقِ الزكاةِ مَنْ وَجَدَ كِفايتَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكاةِ.
المقدمُ: عَفْوًا فَضِيلةُ الشيخُ باركَ اللهُ فِيكُمْ، فِيما يتعلقُ بِمَوْضِوعِ الكفايةِ هُنا: ما هِيَ الأُسُسُ الَّتي يُبنَى عَلَيْها القولُ بأنَّ هَذا الشَّخصَ ناقصُ الكفايَةِ أَوْ بَلَغَ الكفايةَ أَوْ زادَ عَنْ حِدِّ الكفايَةِ؟
الشيخُ: الكفايةُ تتعلقُ بالحوائجِ الأَساسِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ؛ فَمَثلًا المسكنُ حاجةٌ أساسيةٌ، المأكلُ حاجة أساسيةٌ، الملبسُ حاجةٌ أساسيةٌ، هذهِ حوائجُ أساسيةٌ، إذا لم يكنْ عندَ الإنسانِ ما يسُدُّ حاجتَهُ في مسكنهِ وفي طعامِهِ وفي كِسوتهِ فَهُوَ إِمَّا فقيرٌ أو مِسكينٌ، منْ كانَ عندهُ هَذهِ الحوائجُ وَتَرَى لَهُ حوائجَ أُخْرَى فَيكونُ مَثلًا مرِيضًا، هُوَ عندهُ ما يسكنُ وعندهُ ما يأكلُ وعندهُ ما يلبسُ، لكنهُ مريضٌ قصرتْ أَحْوالُهُ عَنْ أَنْ يُحصِّل عِلاجًا فهذا أَيْضًا يدخلُ في جملةِ المساكينِ، وَإِنْ كانَ هَذا ليْسَ مِنَ الأَصْلِ، لكنْ هَذا عارضٌ؛ لأنَّ المرضَ عارضٌ وليْسَ شَيْئًا ملازمًا لحالِ كُلِّ إِنْسانٍ.
فالحوائجُ الأساسيةُ هِيَ ما غَطَّى المأكلَ والمشربَ والملبسَ والمسكنَ، أَمَّا ما قدْ يطرأُ مِنْ حوادِثَ فهذِهِ قَدْ تنقلُهُ إِلَى كونِهِ مِسكينًا؛ فمثَلًا منْ أَصابهُ مَرضٌ، مَنْ نزلَ ببيتهِ حريقٌ، منْ نزلتْ بِهِ نائبةٌ مِنَ النوائبِ كانْكِسارٍ في تجارةٍ وخَسارةٍ، كُلُّ هذهِ عوارِضُ، ويمكنُ أَنْ ينتقلَ بِها الإنسانُ مِنْ حالِ الغنى أَوْ الاكْتفاءِ إِلَى حالِ الفقرِ والمسكنةِ.
فالمقصُودُ أنَّ الحوائِجَ الأَساسيةَ الَّتي ينظرُ فِيها إِلَى الكِفايةِ هِيَ حاجتهُ في الأُمُورِ المعتادةِ مِنْ طعامٍ ومنْ كِساءٍ ولباسٍ ومنْ سكَنٍ، والحدُّ في هَذا هُوَ حدُّ مثلهِ؛ لأنَّ السكنَ أيضًا متفاوتٌ في أنواعهِ وتكاليفهِ، يختلفُ مِنَ الفقيرِ إِلَى المتوسِّطِ إِلَى الغنيِّ، فهوَ يُسَكَّنُ أو يُوفَّر لهُ سكنٌ يكونُ كأمثالِهِ لا سَكنًا يخرجُ بِهِ مِنْ حَدِّ الفقرِ إِلَى الغِنى، لا، مِنْ حَدِّ الفقرِ، أوِ المسكنِ إِلَى حدِّ الكفايةِ؛ لأنَّ المقصُودَ بالزكاةِ ليسَ أنْ يغْتنيَ إِنَّما أنْ يكْتَفِي، وفرقٌ بينَ الاكْتفاءِ وهُوَ أنْ لا يَحْتاجَ وأَنْ يجدَ زِيادةً علَى الكِفايةِ، فالزكاةُ لا يُعطاها الفقيرُ أَوِ المسْكينُ ليتحوَّلَ مِنَ الفَقْرِ والمسكنةِ إِلَى الغِنَى، وَإِنَّما ليتحوَّلَ مِنَ الفقرِ والمسكنةِ إَلَى الكفايَةِ وَالاكْتِفاءِ الَّذِي يخرجُ بِهِ عَنْ حَدِّ الحاجةِ.
وكثيرٌ مِنَ الناسِ قدْ يلتبسُ عليهِ هَذا الأَمْرُ وَلا يميزُ، فَعَلَى أيَّةِ حالٍ يُمكنُ أَنْ يُوكِّلَ منْ يَثِقُ بهِ مِنْ مَعارِفِهِ إِذا كانتِ الصَّدَقَةُ لأَقارِبِهِ، وَهَذا يَجْمَعُ بَيْنَ كَوْنِهِ صِلَةً وصدقةً، وثمةَ - وللهِ الحمدُ - الآنَ سبلُ توصيلِ الحاجاتِ إِلَى ذَوي الفقرِ والمسكنةِ، وترتيباتِ وإشْرافٍ حُكُومِيٍّ؛ كالتَّطْبيقِ الَّذِي تشرفُ عَلَيْهِ هَيْئَةُ الزَّكاةِ والدخل، تطبيقُ (زكاتي)، هذا التطبيقُ مِنْ تَيْسيرِ اللهِ تَعالَى الَّذي يسرهُ لأَصْحابِ الأَموالِ الَّذينَ لا يُحْسنونُ إِخْراجَ زَكاتهِمْ لمنْ يَحْتاجُونَ، يُمْكِنُ أَنْ يَصْرِفُوا زكاتِهِمْ مِنْ خِلالِ هَذِه القناةِ وَهَذِه الوسيلةُ، وَهِيَ تابِعَةٌ لهيئةِ الزكاةِ والدخلِ وتصرفُ للمستحقينَ ضِمْنَ ترتيباتِ الضَّمانِ الاجْتماعِيِّ وشُروطُ الاسْتِحقاقِ فيهِ.
ثمةَ جمعياتٌ البرِّ الَّتي في البلْدانِ والمدُنِ وأَمْثالها مِنَ الجمْعياتِ الَّتي نالتْ تَرْخِيصًا واعْتِمادًا وَثِقةً مِنَ الجهاتِ المختصَّةِ، وَبِالتالي مَنْ لا يحسِنُ إِخْراجَ الزكاةِ بنفسهِ يمكنُ أَنْ يعتمدَ هَذهِ الجِهاتِ وَيتواصلُ مَعها لإيصالِ الزكاةِ إِلَى مُستَحقِّيها مِنَ الفُقراءِ وَالمساكينِ.
ثالثُ الأَصْنافِ الَّذِينَ ذَكرهُمُ اللهُ تَعالَى في الآيَةِ ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾التوبة: 60 والعامِلُونَ عَلَيْها هُوَ كُلُّ مَنْ لَهُ عمَلٌ وشغْلٌ في الزكاةِ مِنْ مُحصِّلٍ لَها منْ أهْلِها أَوْ راعٍ أوْ حامِلٍ أَوْ كاتِبٍ، وَهَذِهِ يَتولَّاها وَلِيُّ الأَمْرِ؛ لأَنَّ العامِلينَ عَلَى الزكاةِ الآنَ هُمْ ممنْ يُعِينُهُمْ وَليُّ الأمْرِ وَجِهاتُ الاخْتِصاصِ، فَبالتالي هَذا المصْرِفُ شأْنُهُ إِلَى وُلاةِ الأَمْرِ لِتحديدِ ما يُعْطاهُ العامِلُ عَلَى الزكاةِ وَالمشتغلُ فِيها مِنْ حافظٍ ومحصِّلٍ وَحامِلٍ ونحْوِ ذَلِكَ.
الصنفُ الرابعُ مِنْ أَصنافِ مُسْتَحِقِّي الزكاةِ ﴿الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾التوبة: 60 والمؤلفُ قلبهُ هُوَ السَّيدُ المطاعُ في قوْمِهِ ممنْ يُرْجَى بِإسلامهِ خيرٌ لهُ ولمنْ يطيعُهُ أَو لدفعِ شرهِ أَوْ يُرْجَى بِعَطيتهِ قُوةُ إِيمانِهِ وَصلاحُ إِسْلامِهِ، وَهذا المصرفُ أيضًا يحتاجُ إِلَى دِرايةٍ ومعرفةٍ حتىَّ لا يقعَ الإنسانُ في وضْعِ الزكاةِ في غيرِ موضعِها.
﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾التوبة: 60 هَذا هُوَ الصنفُ الخامِسُ، وَالمقْصُودُ بالرقابِ العتقُ، وهُمُ المكاتَبونَ الَّذينَ قَدْ اشْتَروا أْنفسهُمْ مِنْ سادتهِمْ، وأَيْضًا ألحقَ بهِ العُلَماءُ فكَّ الأَسْرَى مِنَ المسْلِمينَ عِندَ الأَعداءِ، هُوَ داخلٌ في هَذا البابِ، بلْ قالَ العُلماءُ: بَلْ هُوَ أَوْلَى، وعلَى كلِّ حالٍ اليوم فِيما يتعلَّقُ بِالرقابِ ليْسَ ثمةَ رقيقٌ في أكثرِ بِلادِ الدُّنْيا، وَبِالتالي هَذا مصْرِفٌ لا وُجُودَ لهُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ إِذا كانَ هناكَ أَسرَى مُسْلُمونَ عندَ أعداءٍ يُفكُّونَ، وذلكَ راجِعٌ إِلَى ما يُرتبهُ وَليُّ الأَمْرِ وينظُر فيهِ، فلنرجعْ في ذلكَ إِلَى وُلاةِ الأُمُورِ.
فهذا المصْرفُ لَيْسَ مُتيسِرًا في ظِلِّ أَحْوالِ الناسِ اليومَ.
السادسُ: الغارِمُونَ، وَالغارِمُون هُمْ مَنْ تحمَّلُوا غُرمًا، دُيونًا، وَهُمْ قِسْمان:
القسمُ الأَولُ: الغارمُونَ لإصلاحِ ذاتِ البينِ، وهُمْ منْ تحمَّلَ مالًا لِيُصْلَحَ بينَ جماعتينِ مِنَ الناسِ ليزيلَ الشرَّ والفتنةَ، فيتوسَّطُ الرجُلُ لِلإصْلاحِ بينهُمْ بِمالٍ يَبذُلُهُ لأحدهمْ أَوِ لِلجميعِ، فَهذا يُجعَلُ لهُ نَصيبٌ مِنَ الزكاةِ لِيكُونَ أَنْشَطَ لهُ وأَقْوَى لعزمهِ، فَيُعْطَى ولَوْ كانَ غَنيًّا، هَذا لا يُشتَرَطُ فيهِ الفقرُ، يُعْطَى ولوْ كانَ غَنيًّا؛ لأنهُ بذلَ مالهُ لِلإصْلاحِ بينَ الناسِ، ويُعْطَى بقدرِ ما بَذَلَ حَتَّى يُعَوِّض عمَّا بذلُهُ مِنَ المالِ لإصْلاحِ ذاتِ البينِ.
المقدمُ: عَفوًا يا شيخُ خالد حتَّى لوْ كانَ مُكْتفيًا؟
الشيخ: نعمْ حتىَّ ولوْ كانَ غنيًّا، مَقْصُودهُ الإِصْلاحُ، مقصودُهُ الإِعانَةُ عَلَى الإصْلاحِ ولوْ كانَ غنيًّا.
المقدمُ: يعْني فِيها مِنَ الشُّكْرِ يا شيخُ لعملهِ وَصُنْعهِ.
الشيخُ: نعمْ، هَذا مِمَّا يُعْطَى لا لحاجتهِ، ذكرْنا أَنَّ الَّذِينَ يُعْطُونَ الزكاةَ قِسْمانِ: مَنْ يُعْطَى لحاجتهِ، وَمَنْ يُعْطَى لِلحاجَةِ إِلَيْهِ، هَذا يحتاجُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَسْعضى في الإِصْلاحِ ويرأَبُ الصَّدعَ ويُذهبُ الشقاقَ والخلافَ بينَ الناسِ.
الثاني مِنَ الغارمينَ: مَنْ غَرِمَ لنفسهِ ثُمَّ أَعْذَرَ؛ أَيْ: لم يجدِ وَفاءً، وَهَذا كثيرٌ اليومَ، وهمْ مَنْ يتحملُونَ دُيونًا لا يستطيعُونَ وَفاءَها بأْنْ يُعْطَى مالًا يُوَفِّي مِنْ دينِهِ، وَلا فرقَ بينَ أَنْ يكُون دَيْنًا لشخصٍ، أَوْ دَينًا لجهةٍ كالدُّيونِ الَّتي تكُونُ لَدَى البُنوكِ وما أَشْبهَ ذلِكَ، فَكُلُّ هَذا مما يُعْطَى فيهِ مِنَ الزكاةِ، لكنْ فِيما يتعلَّقُ بِالغارِمِ لنفسهِ لا يُعْطَى إِلا مَنْ لا يجدُ وَفاءً، أَمَّا مَنْ يجدُ وَفاءً فإنهُ لا يُعْطَى؛ لأنهُ ليسَ مستحقًّا؛ مثالٌ ذلكَ: شخصٌ عليهِ ديْنٌ مائةُ ألفٍ وعندهُ عقاراتٌ يستطيعُ أنْ يبيعَها ولا يتأثرُ ببيعِها فَقْرًا أوْ مَسكنةً، فهَذا لا يُعْطَى مِنَ الزكاةِ؛ لأنهُ يملِكُ ما يستطيعُ أَنْ يوفِّي بِهِ دَينَهُ، وَبِالتالي الغارمُ هُوَ مَنْ تحمَّلَ دَيْنًا لا يجدُ وَفاءهُ.
السابعُ مِنَ المصارفِ: الغازي في سبيلِ اللهِ، وَهُمُ الَّذينَ ذَكَرَ اللهُ تَعالَى في قوْلِهِ: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾التوبة: 60 وسبيل الله هم المجاهدون الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله، ويدفعون عن أهل الإسلام، ويندرج فيهم أيضًا من تفرغوا للتعليم والتعلم، والتعليم والتعلم في الأصل في العلوم الشرعية التي تحفظ بها الديانة، وألحق جماعة من الفقهاء بهم الفقير يعطى لحج الفرض، ولكن الصواب أن هذا ليس مما يدخل في الآية؛ وذلك أن الحج إنما فرضه الله تعالى على المستطيع؛ قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾آلُ عمرانَ: 97؛ ولذلكَ لا تنهكُ أموالَ الزكاةِ في إِعْطاءِ مَنْ لا يجبُ عليهِ حجٌّ، إِنَّما يُعطَى ما ذكرَ اللهُ تَعالَى مِنَ المستَحِقِّينَ.
والصنفُ الثامنُ مِنْ أَصْنافِ الزكاةِ ﴿وَاِبْنِ السَّبِيلِ﴾ وهُوَ المنقطِعُ بهِ الطريقُ في غيرِ بلدهِ، فيُعْطَى مِنَ الزكاةِ ما يُوصِلُهُ إِلَى بلدِهِ.
فهؤُلاءِ الأَصْنافُ الثمانيةُ همُ الَّذينَ تَدْفَعُ لهمُ الزكاةَ، ودَفْعُ الزكاةِ إِليِهمْ فرِيضَةٌ منَ اللهِ؛ كوْنُها تَدْفَعُ فيهِمْ لا في غيرهِمْ فريضَةً منَ اللهِ - عزَّ وجلَّ -، وَالفَريضَةُ يجبُ التزامُها وعدمُ تجاوُزِها، هَذا ما يتعلَّقُ بِبَيانِ الأَصْنافِ الَّتي تُعْطَى مِنَ الزكاةِ، ويجوزُ أن تصرفَ في مصرفٍ واحدٍ مِنْ هَؤُلاءِ، لا يجبُ استيعابَ الأَصْنافِ الثَّمانِيَةِ، فلَوْ أعْطَى كُلَّ زكاتِهِ لفَقِيرٍ أوْ مَسْكينٍ أوْ أَعطاها لغارِمٍ أو أَعْطاها في سبيلِ اللهِ أوْ في ابْنِ السَّبيلِ كفاهُ ذلكَ، وَلا يلزمُهُ أَنْ يَستوعِبَ الأَصْنافَ الثمانيةَ، بَلْ يجوزُ الاقتصارُ عَلَى صِنفٍ واحدٍ؛ لقولِ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - لمعاذ: «وأعلِمهُمْ أنَّ اللهَ افترضَ عليهِمْ صدقةً تؤخَذُ مِنْ أغْنِيائهِمْ فتُردُّ عَلَى فُقرائِهِمْ» فذكَرَ صِنْفًا مِنَ الأَصْنافِ ولمْ يَسْتوْعِبْ جَمِيعَها.
ومما ينبغي أن يعلم أن الزكاة لا تحل لغني، وهو من يجد الكفاية وزيادة، ولا لقوي مكتسب؛ وهو الذي يقوى على العمل، وقد أتيحت له الفرصة؛ لما جاء عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ: أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ، فَسَأَلَاهُ مِنْهَا، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» أخرجه الإمام أحمد في المسند (23063)، وأبو داود في السنن (1633)، والنسائي في الصغرى (2598)، وقال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 362): إسناده صحيح أي: إن اخترتما أن أعطيكما بناءً على دعواكما الاستحقاق فأنا أعطيكما، لكن أعطيكما واعلما أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب؛ أي: لقوي قادر على الاكتساب. ومن القدرة على الاكتساب تيسُّر أسباب الاكتساب، فمثلًا العاطل عن العمل وإن كان قويًّا لا يخلو من حالين؛ إما أن يكون عاطلًا عن العمل قاعدًا ولا يبذل جهده في بحث عن سبيل من سبل الاكتساب؛ هذا لا يستحق الزكاة؛ لأنه مكتسب وثمة فرص وتركها، لكن هناك من هو قوي مكتسب لكن لم تتح له فرصة، بمعنى أنه يبحث ولم يتيسر له عمل يكتسب منه، فهذا قوي مكتسب لكن لم يتيسر له كسب؛ فيكون من أهل الزكاة إلى أن يتيسر له المصدر الذي يكتفي به.
وأيضًا لا تحل الزكاة لمن تجب له النفقة، - وهذا يسأل عنه كثيرًا -: هل أعطي زكاتي لابني؟ أعطي زكاتي لوالدي؟ أعطي زكاتي لأمي؟ أعطي زكاتي لبنتي؟ هؤلاء لا يعطون من الزكاة؛ لأن من حقهم النفقة عليهم إذا كانوا فقراء، أو إذا كانوا ذوي حاجة، وصاحب المال مقتدر، فإذا تعذرت النفقة عليه أو امتنع عنها ولم يمكنه التزامها فهنا يكون في هذه الحال من أهل الزكاة، لكن مادام أنه قادر فإنه يعطى من النفقة ولا يعطى من الزكاة مادام أنه قادر على الإنفاق عليه وهو مستحق للإنفاق، فلا يعتاض عن هذه النفقة بدفع الزكاة؛ لأنه بذلك يوفر ما وجب عليه من النفقة ويعتاض عن هذه الزكاة التي لها استحقاق آخر، فالمال تجب فيه النفقات وتجب فيه الزكاة، فلا يقوم هذا مكان هذا.
أما صدقة التطوع فيجوز دفعها لكل أحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر قصة الرجل الذي قال: «لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ» أَخْرجهُ البُخاريُّ (1421)، ومسلمٌ (1022)؛ فلذلِكَ الصدقةُ الَّتي هِيَ نوعٌ مِنَ التقرُّبِ والتطوُّعِ في بَذْلِ المالِ هذهِ لا يُشترطُ فِيها الأَصْنافُ الثمانيةُ، ولكنْ يتحرَّىَ الإنسانُ فِيها الأنفعَ؛ لأنَّ الأجرَ في الصدقةِ كُلَّما كانتْ أنفعَ - أيْ: أَوْسعُ نَفعا - كانتْ أَعْظمَ أَجْرًا وأكثرَ ثَوابًا عندَ اللهِ - عزَّ وجلَّ -.
وينبغِي أيْضًا لمنْ بُذِلَتْ لَهُ أموالُ الصَّدقاتِ أنْ يتجنَّبَ أَخذَ ما لا يَستحِقُّ، بعْضُ الناسِ قدْ يأْتِيكَ وَيُعْطيكَ مِنَ المالِ أَوِ الزكاةِ مالًا أَوْ صَدقةً بِناءً عَلَى ما يتوقَّعُهُ أَوْ ما ظهَرَ لهُ مِنْ حالِكَ، وأَنْتَ تعرِفُ بنفسِكَ، أيْ: أَنْتَ مَغْتنٍ مُكْتفٍ لسْتُ مِنْ أَهْلِ الزكاةِ، فَهُنا لا تأْخُذُ وَلا تَقْبلُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَسأَلَ، بَعْضَ الناسِ يسألُ حَتَّى لَوْ كانَ مُكْتَفِيًا، وقَدْ قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» أخرجه مُسلِمٌ (1041).
المقدمُ: باركَ اللهُ فيكُمْ يا شيخُ خالد وَنفعَ بِعلمِكُمْ علَى ما ذكرتُمْ فِيما يتعلَّقُ بأصْنافِ الزَّكاةِ، وكيفَ للمسلمِ أَنْ يتحرَّى ويبحثُ وينظرُ في مصارِفِ هِذِهِ الزكاةِ حتَّى يَكونَ في مأْمَنٍ، وأَلَّا يتَهاوَنَ في هَذا الشأْنِ، وأَلَّا يَتجاوَزَ حُدُودَ ما أَنزلَ اللهُ - سُبحانَهُ وَتَعالَى - في هَذا الأَمْرِ. ولعلَّ فِيما ذكرتُمْ يا شيخُ النفع إنْ شاءَ اللهُ.
لعلكمْ يا شيخُ تأذنُونَ بشيءٍ مِنَ الاتصالاتِ الواردةِ إلَى البرنامَجِ.
الشيخُ: تفضَّلْ.
المقدمُ: باركَ اللهُ فِيكمْ، مَعِي المتصلُ سعيدُ الغامدِيُّ، حياكَ اللهُ أَخِي سعيدُ.
المتصلُ: السلامُ عليكُمْ جَمِيعًا.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ.
المتصلُ: مُباركُ العشرُ إنْ شاءَ اللهُ علَى الجميعِ وَالمسْلمينَ يا رب.
المقدمُ: اللهمَّ أتمها عليْنا وعليكُمْ بِالرحْمةِ وَالغُفْرانِ والعتقِ مِنَ النارِ.
المتصلُ: وينصرَ جُنُودنا البواسِلَ. أَنا عندي ثلاثةُ أَسئلةٍ بخصوصِ الصلاةِ:
ما هِي أَوْقاتُ النهْيِ عنِ الصَّلاةِ؟
وهل يجوزُ مثلًا أداء تحيةِ المسجدِ أو سنةِ الجمعةِ في وقْتِ النَّهْيِ؟
وهل تجوزُ سجدةُ التلاوةِ في وقتِ النهيِ، أَوْ لا؟
المقدم: خيرًا، إن شاءَ اللهُ تستمعُ الإِجابةَ. سائِلٌ آخرُ: أُمُّ عبدِ اللهِ، حيَّاكِ اللهُ يا أمَّ عبدِ اللهِ.
المتصلَةُ: السلامُ عليكُمْ ورحْمةُ اللهِ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، حياكِ اللهُ.
المتصلةُ: يا شيْخَنا أسألُ عنْ زكاةِ الفِطْرِ، زوْجِي يدْفَعُها لأَبِيِهِ وأُمِّهِ وأهلهِ، وهُوَ مستقلٌّ عنهُمْ في بيتٍ آخرَ؛ فَما الحُكْمُ؟
السُّؤالُ الثاني: المالُ الَّذي يستلمُهُ والدِي منَ الضَّمانِ الاجْتماعِيِّ كُلَّ شهْرٍ، وينفقُ مِنْهُ، ويدفعُ الإيجاراتِ ونحْوَ هَذا؛ هلْ عليهِ زكاةٌ إِذا بَقِيَ مِنْهُ شيءٌ حالَ عليهِ الحُولُ؟
السؤالُ الثالثُ: هَلْ يجوزُ القفازُ للمعتمرَةِ؟ وَما الحكمَةُ مِنْ منعِ المحرِمَةِ مِنَ القُفَّاز والنقابِ؟
المقدمُ: باركَ اللهُ فيكَ. أَخُونا عُثْمانُ السودانيُّ، حياكَ اللهُ أخِي عُثْمانُ.
المتصلُ: السلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ.
المقدمُ: وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.
المتصلُ: مَنْ قدمَ لِلعُمْرةِ وأَنْهى عُمرتهُ وبَقِيَ في المملكَةِ لِلبَحثِ عَنْ عَملٍ، ثُمَّ وجَدَ عمَلًا؛ فما الحكْمُ؟
السُّؤالُ الثاني: هَلْ يجوزُ أنْ أخطُبَ امْرأةً دُونَ أَنْ أراها أَوْ تَراني؟
السؤالُ الثالِثُ: صلاةُ التهجدِ في حُدُودِ الساعةِ 4 صَباحًا؛ هَلْ تَجُوزُ أَوْ لا؟
المقدمُ: حياكَ اللهُ، نعمْ فَضِيلةُ الشيخِ، أَخُونا سعيدُ الغامِدِيُّ يسأَلُ عَنْ أَوْقاتِ النَّهْيِ، وَيقولُ: ما حُكمُ العِباداتِ فِيها مِثْلُ تحيةِ المسْجِدِ وَسُجُودِ التلاوةِ والتنفُّلِ؟
الشيخُ: فِيما يتعلقُ بِأوْقاتِ النهيُ أولًا هِيَ أوقاتُ نهىَ اللهُ تَعالَى ورَسُولُهُ عنِ الصلاةِ فِيها. الصلاةُ منْ أَجلِّ العِباداتِ، ومِنْ رحمةِ اللهِ تَعالَى أنْ شَرَعَها لنَا في فرضٍ ونفْلٍ، لكنْ ثمةَ أوقاتٌ نهىَ الشارعُ عنِ الصَّلاةِ فيها، وهِيَ في الجملَةِ خَمْسَةُ أوقاتٍ: بَعدَ صَلاةِ الفجرِ حَتَّى تطلعَ الشمسُ، وبعدَ طُلُوعِ الشمسِ حتَّى ترتفعَ قدرَ رمحٍ، أي: اثنتيْ عشرةَ دقيقَةٍ مِنْ طُلوعِ الشمسِ، قبْلَ الزوالِ وهِيَ قُبيلَ الظهرِ قريبًا مِنْ خَمس إلى عشْرِ دَقائِقَ، يختلفُ بِاخْتِلافِ الوَقْتِ، الوقتُ الرابعُ: بعد العصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمِنْ شرُوعِها في الغُروبِ إِلَى أن تغيبَ.
هذهِ هِيَ أوقاتُ النهيِ، وقدْ جاءتْ فِيها أحادُيثُ عَديدةٌ، ومِنْها ما جاءَ في حدِيثِ عُقبةَ بْنِ عامرٍ قالَ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» أخرجهُ مسلمٌ (831).
إذًا هذه أوقات النهيِ، المنهيُّ عنهُ في هذهِ الأَوقاتِ هُوَ ما لا سببَ لهُ مِنَ الصَّلواتِ، بمعْنى أنَّ النَّهيَ هُنا عنِ النفلِ المطلقِ الَّذي ليْسَ لَهُ سببٌ، أَمَّا إِنْ كانَ الإنسانُ عَليْهِ فائتة فلَهُ أَنْ يقْضِيَها في كلِّ وقْتٍ، فليسَ عَنِ القَضاءِ نهيٌ في أَيِّ وقتٍ منَ الأَوْقاتِ.
الثاني أَنْ يَكُونَ الصلاةُ لهَا سبب، فهُنا إِذا وجَدَ سَبَبَها حلَّتْ ولَوْ كانَ ذلِكَ في وقتِ نهْيٍ؛ لأَنَّ أَوْقاتِ النَّهْيِ إِنَّما يُنْهَى عنْها إِذا لمْ يكُنْ لها سَبَبٌ، أَمَّا إِذا كانَ لها سَببٌ فَلا يُنْهَى عَنْها.
إِذًا لوْ دخَلَ الإِنْسانُ المسجِدَ بعْدَ صَلاةِ الفجرِ مَثلًا أوْ بَعْدَ صَلاةِ العصْرِ فإنهُ يصلِّي ركعَتينِ؛ لِقولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ -: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» أخرجه البخاريُّ (2/ 57)، ومسلم (714). إِذا توضَّأَ فلهُ أنْ يُصلِّيَ ركعتينِ؛ لأنهُ مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ أَنْ يصلِّيَ بِهِ صَلاةً، وهَلُمَّ جرا في كلِّ صَلاةٍ لها سَببٌ؛ مثلُ أَنْ يَطُوفَ بعْدَ الفَجْرِ ويفرغَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فلهُ أَنْ يُصَلِّيَ نافلةً الطَّوافُ وَلوْ في وقتِ النهيِ.
إذًا أَوْقات النهيِ هِيَ أَوْقاتٌ ينهَى عَنِ الصَّلاةِ فِيها إِذا لمْ يَكُنْ لهَا سببٌ، يَنْهَى عنِ الصلاةِ الَّتي هِيَ نفلٌ مطلقٌ، أَمَّا ما كانَ لهُ سببٌ أَوْ كانَ قضاءً لفوائتَ فَلا ينهَى عنهُ في وقتٍ مِنَ الأَوْقاتِ.
المقدم: يدخلُ في الأسبابِ أيضًا فضيلةُ الشيخِ سُجودُ التلاوَةِ؟
الشيخُ: سُجودُ التلاوةِ العُلماءُ لهمْ فيها قوْلانِ؛ هَلْ هُوَ صلاةٌ أوْ لا؟ فحتَّى عَلَى القولِ بأنَّ سُجُودَ التلاوَةِ صَلاةٌ فإنهُ سُجُودٌ لسببٍ وهوَ قِراءةُ الآيَةِ، فَيسْجُدُ لِلتلاوَةِ ولوْ في وقتِ النهْيِ حَتَّى عَلَى القولِ بِأَنَّ سُجُودِ التِّلاوَةِ صلاة، والصوابُ أن سُجُودَ التلاوَةِ ليسَ صَلاةً، إنما هُوَ سُجُودٌ مشروعٌ وليسَ صَلاةً.
المقدمُ: هل يُشرعُ لهُ التكبيرُ فضيلةُ الشيخِ؟
الشيخُ: أي نعم، سُجودُ التلاوةِ يُشْرعُ لهُ التكبيرُ عِندَ السُّجودِ وَعِنْدَ الرفعِ منهُ كَما جاءَ في حديثِ عبدِ اللِه بنِ عُمَرَ في السُّنَنِ. أخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ في السننِ (1413)، وليَّن إسنادِهِ الحافظُ في البُلُوغِ (347).
المقدم: أم عبد اللهِ سألتْ عنْ حُكمِ دفعِ زكاةِ الفطْرِ لِوالدِ زَوْجِها، وقَدْ أَجَبْتُمْ بأَنَّ هَذا لا يجُوزُ إِذا كانَ الأَمْرُ يتعلَّقُ بمنْ تجِبُ علَيْهِ النفقةُ، لَكِنْ رُبَّما تسألُ هِيَ عنْ نَفْسِها كزوجةِ: هَلْ يصِحُّ لَها أن تزكيَّ مالهَا لَوالدِها أَوْ لابْنِها؟
الشيخُ: إِذا كانتْ نفقتهُمْ واجِبَةً عليْها فَلا يجوزُ أَنْ تعْتاضَ عنْها بالزكاةِ، أَمَّا إِذا كانتِ النفقةُ ليستْ وَاجِبةٌ فَهُنا إِذا كانُوا مِنَ المستحقِّينَ للزكاةِ فَلِلعُلَماءِ قَوْلانِ: منهُمْ مْنَ قالَ: إِنَّ الزكاةَ لا تصرفُ في عَمُودَيِ النسَبِ؛ أيْ: في الآباءِ والأُمَّهاتِ والأَبْناءِ وَالبَناتِ؛ أَيْ: مَن تَفَرَّعَ منهُمُ الإِنْسانُ ومَنْ تَفَرَّعُوا عنهُ، هَذا قولُ جماعَةٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أنهُ لا تصرفُ لهمُ الزكاةُ.
وقالَ آخرُونَ: بَلْ إِذا لمْ تكُنْ نَفَقتهُمْ واجِبَةً أَوْ كانَ الإِنْسانُ عاجزًا عن النفقةِ عليهمْ وعندهُ زكاةٌ، فيجُوزُ الزكاةُ لهمْ؛ لكونهِمْ مِنْ عُمُومِ مِنْ يَسْتَحِقُّونَها في قولِهِ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾التوبة: 60 إلى آخرِ الآيَةِ، وَهَذا القولُ لَهُ حظٌّ، وهُوَ الصَّحيحُ، واللهُ أَعْلَمُ.
المقدمُ: باركَ اللهُ فيكُمْ يا شَيْخَنا، تقولُ أَيْضًا بأنَّ وَالِدَها يَأْخُذُ مِنَ اسْتِحقاقاتِ الضّمانِ أوْ مِنْ مالِ الضَّمانِ الاجْتِماعِيِّ وَيتوفَّرَ لَهُ شيءٌ منْ هَذا المالِ بَعْدما يَقْضِي مِنْهُ حاجتهُ ويحُولُ عليْهِ الحولُ وهُوَ بحوزَتَِهِ؛ فهلْ يُزكِّيهِ؟
الشيخُ: نعَمْ إِذا دارَ عليهِ الحولُ، مَرَّ عليهِ سنةٌ وهُوَ عِندَهُ فإنهُ يجبُ عليهِ زكاةُ المالِ إِذا بلغَ نِصابًا.
المقدمُ: تسألُ أَيْضًا عنْ حُكمِ لبسِ القُفَّازِ وارتداءِ النقابِ للمعْتمرَةٍ؟
الشيخُ: في حديثِ ابْنِ عمَرَ في صحيحِ البُخاريِّ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ قالَ: «وَلاَ تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ» صحيحُ البُخاريِّ (1838) فنهىَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَنِ النقابِ وَهُوَ ما فُصِّلَ لِسترِ الوجهِ مما فيهِ ثُقْبٌ، هَذا النقابُ، أَمَّا ما لا ثُقبَ فِيه مما يُوضَعُ عَلَى الوجهِ ويُسدَلُ عليهِ فهذا لا ينْهَى عنهُ، بَلْ هُوَ واجِبٌ فيما إِذا كانتِ المرأَةُ في حَضْرَةِ رجالٍ أَجانِبٍ في أَصَحِّ قَولِيَ العُلَماءِ. وأَمَّا ما يتعلَّقُ بِالُقفَّازيْنِ فإنَّ المرأَةَ لا تلْبِسُ القُفَّازَيْنِ حالَ الإِحْرامِ لِنَهْيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسلَّم، وتُستَرُ يَدَيْها إِذا احتاجَتْ بِعَباءتِها وَنَحْوِ ذلِكَ.
أَمَّا الحكْمةُ فاللهُ أعْلَمُ، الحكمَةُ لَيسَ ثمةَ حكمةٌ واضحةٌ جليةٌ في هَذا الأَمْرِ، إِنَّما هوَ نوعٌ منَ التعبدِ فِيما يظهرُ واللهُ أعلمُ؛ نظيرُ كونِ الرجلِ لا يلبسُ الأُزرَ وَلا القُمُصَ وَلا البرانِسَ وَلا العَمائِمَ وَلا السراويلاتِ، هَذا مِنْ حقِّ هَذِهِ العِبادةِ في صفة إحرامِ المرأةِ أن تجتنبَ النقابَ والقفَّازيْنِ، لكِنْ إِذا احْتاجتْ إِلَى سترِ ذلِكَ تسترهُ بِغَيْرِ هذيْنِ، مثلُ الرجُلِ يَسْتُرُ ما يجبُ سترُهُ بِالإزارِ والرداءِ الّذي يلبسهُما.
المقدم: حفظكمُ اللهُ، أَخُونا عثمانُ مِنَ السُّودان يقولِ: منْ قدِمَ لِلعُمرَةِ وأَنْهَى عمرتَهُ ثمَّ بَقِيَ في هذهِ البلادِ المبارَكَةِ لِلعملِ وصارَ يَعْمَلُ ما حكْمُ ذلِكَ؟
الشيخُ: إِذا بَقِيَ وَفْقَ الأَمْرِ، بمعْنَى استخرجَ إِقامَةً ولم يخالِفْ نِظامًا فالحمدُ للهِ، هَذا لا بأْسَ عليهِ، مُتاح للجميعِ، وأَمَّا إِذا كانَ يخالِفُ أَمْرَ الِإقامةِ فَلا يجوزُ لَهُ؛ لأنَّ الأَمْرَ يترتَّبُ عليْهِ مَفاسِدُ كثيرةٌ، وَاللهُ تَعالَى أَمَرنا بِطاعةِ وُلاةِ الأَمْرِ فَقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾النساء: 59، ونظامُ الإِقامَةِ يجبُ التزامُهُ طاعَةً للهِ -عزَّ وجَلَّ - وطاعَةً لمنْ أَمَرَ اللهُ تعالَى بِطاعَتِهِ مِنْ وُلاةِ أَمْرنا؛ لما في ذَلِكَ مِنَ المصالحِ العديدةِ.
فيجبُ عَلَى إخْوانِنا إِذا قضَوْا حاجتهُمْ مِنَ العُمْرَةِ أَنْ يُسافرُوا إِلَى بِلادِهِمْ، وسيرزقُهُمُ اللهُ وَيُبارِكُ لهمْ في التزامِهِم الأنظمةَ وبُعْدِهِمْ عنِ المخالَفَةِ، نَسْأَلُ اللهَ للجميعِ التوفيقَ وَالهدايَةَ.
المقدمُ: يسألُ يَقُولُ: خِطبةُ المرأةِ منْ غيرِ رُؤْيتِها؛ هَلْ تصِحُّ هَذِهِ الخطْبَةُ؟
الشيخُ: نعمْ تَصِحُّ، لكنْ مِنَ السُّنَّةِ أنْ يَراها إِذا كانَ عزَمَ عَلَى نِكاحِها وادَّعَى الرغبةَ في الزواج فلهُ أنْ يُبدِيَ رغبتَهُ مِنْ طَرِيقِ أُمِّهِ أَوْ أَقارِبهِ ولوْ لم يَرَ المرأَةَ، لَكِنْ يُستحبُّ لهُ أَنْ يَراها قبْلَ أَنْ يعْقِدَ عَلَيْها؛ لأَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ - لما جاءهُ الرَّجُلُ وأخبرهُ بِنكاحهِ لامرأةٍ قالَ: «أنظرْتَ إليْها؟» قالَ: لا، قالَ: «اذهبْ فانظُرْ إِلَيْها فإنهُ أَحْرَى أنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُما» أخرجهُ الإِمامُ أحمدُ في المسندِ (18137)، والترمذيُّ في السننِ (1087)، وحسنهُ، والنسائيُّ في الصغْرى (3235)، وابنُ ماجه في السننِ (1865)، وصححهُ ابْنُ حِبَّانَ (4043)، والحاكمُ (2697)، ووافقهُ الذهبيُّ، فإنَّ الأَفْضَلَ أَنْ يَنظُرَ إليها، وَهُوَ أقْرَبُ لأَنْ يحصُلَ التوافُقُ بينَهُما، وفي حديثِ جابرٍ قالَ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» المسند (14586)، سنن أبي داودَ (2082)، وصححهُ الحاكِمُ (2696)، ووافقهُ الذهبيُّ، وهُوَ مِنْ أَسْبابِ التَّوافُقِ وَصَلاحِ الحالِ بيْنَ الزَّوجَيْنِ، وَقَدْ أَمَرَ بهِ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - ونَدَبَ إِليْهِ.
المقدمُ: ذكرتُمْ في الحديثِ فَضيلةُ الشيخِ «أَنْ يُؤْدَمَ» ما مَعْنَى «أنْ يؤْدَمَ» لَعلَّ المستمعَ يعِي مَعْنَى هَذِهِ الكلمَةَ؟
الشيخُ: المقصودُ بيؤدَمَ؛ أَيْ: يحصُلُ التوافُقُ وَالتقارُبُ بيْنَ الزوجَيْنِ؛ لأنهُ أَحْيانًا بالنظرِ يحصُلُ نوعٌ مِنَ الائْتِلافِ بيْنَ الأَرْواحِ والأَنْفُسِ، وَقَدْ يحصُلُ نَوْعٌ مِنْ عَدَمِ التقارُبِ وَالتنافرِ، لكن كانَ النظرُ مِنْ مُوجباتِ ومِنْ أَسْبابِ حُصُولِ التوافُقِ بيْنَ الزوجينِ؛ لأنهُ يَرَى منْها ما يرغبُهُ فِيها أوْ يَصُدُّهُ عنْها، فمعْنَى يؤْدَمُ أَيْ: يُوَفَّق ويُجمعُ بيْنَهُما عَلَى نحوٍ منَ الالْتئامِ وَالاسْتِقامَةِ.

المقدمُ: يَسأَلُ كذلكَ أَخُونا عُثمْانُ عَنِ الوِتْرِ في الساعةِ الرابِعَةِ فَجْرًا؟
الشيخُ: إِذا كانَ قَبْلَ الفَجْرِ فَكُلُّه وقْتٌ للوِتْرِ؛ قالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آله وسلَّمْ - «صلاةُ الليلِ مثْنَى مثنَى فإذا خشيَ الصبحَ فليوتِرْ بواحِدةٍ» أخرجهُ البخاريُّ (990)، ومسلِمٌ (749) ولَوْ كانَ قبْلَ الفَجْرِ بدقائقَ أو بدقيقةٍ.
المقدمُ: باركَ اللهُ لكمْ شيخَنا، لعلَّنا أَيْضًا نأتِي إِلَى هَذا الاتصالِ وَحَتَّى لا نَفْقِدَه أحمد حياكَ اللهُ أخِي أحمدُ، تفضلْ.
المتصلُ: عندي أختٌ في اللهِ عاملة منزلية وراتِبُها كلُّهُ موجودٌ عندِي في حسابِ لها، الآن مَضَى عليهِ ثلاثُ سنواتٍ وَحِسابِها يتراكَمُ كُلَّ شَهْر، يضافُ لهُ راتِبُها، ولم تخرُجْ عليهِ زكاةٌ منذُ فترةٍ، فهِيَ دائِمًا تَقولُ بأَنَّها فَقِيرةٌ ومحتاجةٌ؛ فَماذا أفعلُ معها؟ والمبلغُ حوالي 28 ألف ريال، وهيَ تأخذُ مِنهُ أَحْيانًا قدرًا بَسِيطًا جِدًّا، وإذا أخرجنا الزكاة تعطيها لأهلِها لأنهُمْ محتاجُونَ.
السؤالُ الثاني: إِذا قرأَ الإمامُ إِحْدَى السورِ القصيرةِ الَّتي آخرها سجدةٌ ثمَّ سَجَدَ؛ فهلْ يَقُومُ وَيقرأُ سُورةً جديدةً أوْ يركَعْ مُباشرةً؟
السؤال الثالث: لدي بنت وعندها نوع من الشدة مع والدتها فأرجو أن يدعو لها الشيخ.
المقدم: شيخ خالد بارك الله فيكم، لم يعد هناك مزيد وقت، لكن إن أردتم أن تجيبوا بإيجاز بارك الله فيكم.
الشيخ: فيما يتعلق بالعاملة: يبين لها أن ما دار عليه السنة يجب زكاته، وإذا بُيِّن هذا فلست مسئولًا عن إخراج الزكاة عنها، أنت بلِّغها وحثها وقل لها: هذا القسط القليل الذي تخرجينه لن ينقصها، بل سيبارك الله لها، وتصرفه على المحتاجين من قراباتها ممن لا تجب نفقاتهم عليها.
المقدم: إذا قرأ الإمام آية فيها سجود ثم سجد وقام بعد ذلك؛ فهل له أن يقرأ آية أخرى أو سورة أخرى أو أنه يركع؟
الشيخ: له أن يقرأ وله أن يركع، الأمر في هذا واسع، وأما آخر سؤال فيما يتعلق بابنته فنسأل الله لها الهداية والتوفيق ولكل أبنائنا وبناتنا، وهم بحاجة لنوع من الرفق لكسبهم، «وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه» أخرجه مسلم (2594) والصبر مفتاح لفرج وخير كثير، نسأل الله أن يقر أعيننا بصلاح أنفسنا وأزواجنا وذريتنا، وأن يوفقنا إلى كل خير وبر.
المقدم: وصلنا وإياكم إلى نهاية هذه الحلقة، وقد تفضلتم علينا شيخ خالد بارك الله فيكم بمسائل في الزكاة، نسأل الله - سبحانه وتعالى - النفع والفائدة فيما ذكرتموه، وقبل الختام الكلمة الأخيرة لكم حفظكم الله.
الشيخ: نسأل الله تعالى التوفيق والسداد للجميع، وأوصي نفسي وإخواني بالاجتهاد في العمل الصالح في هذه الليالي المباركة والدعاء لأنفسنا بكل خير، لاسيما ما وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا» أخرجه الإمام أحمد في المسند (25384)، والترمذي في السنن (3513)، وحسنه، وابن ماجه في السنن (3850)، وصححه الحاكم (1942) والدعاء لولاة أمرنا وولاة أمر المسلمين، والدعاء لولي أمرنا الملك سلمان وولي عهده بالتوفيق والتسديد، وأن يجعلهم مفاتيح خير، وأن ينجح هذه القمم التي دعا إليها خاتم الحرمين الشريفين؛ فإن ذلك من حق ولاة أمرنا علينا وفيه خير عظيم لنا وللأمة الإسلامية، أسأل الله تعالى أن يسدد ولي أمرنا الملك سلمان وولي عهده، وأن يوفقهم إلى كل خير، وأن يجعلهم مفاتيح خير للأمة مغاليق شر، وأن يوفق ولاة أمر المسلمين إلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يعم الخير جميع بلاد الإسلام، وأن يدفع عنا وعنهم كل سوء وشر، وأسأل الله أن يجعلنا ممن يوفق إلى قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكر الله لكم فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم على ما أفضتم وأفدتم في ثنايا هذه الحلقة حول هذا الموضوع "مسائل في الزكاة" وماذا على المسلم في هذا الركن الإسلامي؟ وكيف له أن يتحرى المستحقين لزكاته لتقبل صدقاته عند الله - عز وجل -؟
الشكر موصول لكم أنتم مستمعينا الكرام على طيب المتابعة والإنصات. غدًا لقاء جديد وحلقة جديدة من "ينابيع الفتوى"، حتى ذلكم الحين، هذه أطيب تحية مني محمد الجريني وأخي مصطفى الصحفي من الإخراج، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات95497 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات91247 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف