يقول المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب المجاهدة.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول اللَّه ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ـ: «إِنَّ اللَّه ـ تعالى ـ قال: منْ عادى لي وليًّاً فقدْ آذنتهُ بالْحرْب، وما تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ، وما يَزالُ عبدي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ به، وبَصره الذي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ التي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ التي يمْشِي بها، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه» رواه البخاريحديث رقم(6502). «آذنتُهُ» أَعلَمْتُه بِأَنِّي محارب لَهُ «استعاذنِي» رُوى بالنون وبالباءِ.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
هذا الحديث الشريف العظيم حديث من أعلى الأحاديث بيانًا لشرف الولاية، وعظيم منزلتها، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر فيه عن الله ـ عز وجل ـ بما يبين ويظهر منزلة أوليائه، وعظيم مكانتهم عنده، وابتدئه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالخبر عن الله ـ عز وجل ـ ببيان عقوبة من عادى أوليائه، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول الله ـ عز وجل ـ: «مَنْ عادى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ» من عادى لي وليًا؛ المعاداة مبنية على البغضاء والبغي، فإن المعاداة التي ذكرها الحديث قوامها بغضاء وبغي، وقد ذكر الوصف الموجب لذلك فقال: «مَنْ عادى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ» يعني من كان منشأة معاداته لشخص، ما قام فيهم من صفات الولاية، ما قام فيه من صفات القرب من الله ـ عز وجل ـ والمحبة له، فقد آذنه الله بالحرب يعني أعلمه جل وعلا بالحرب.
طريق تحصيل الولاية:
والولاية منزلة ينالها كل من حقق الوصف ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [62] الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾[يونس:62-63]، فطريق تحصيل الولاية تحقيق هذين الوصفين، الذين آمنوا وكانوا يتقون فجمعوا بين أمرين: صلاح الباطن، وصلاح الظاهر، صلاح الباطن بالإيمان، وصلاح الظاهر والباطن بالتقوى؛ لأن التقوى شاملة لعمل الظاهر والباطن، ووقاية النفس ما يكرهه الله ـ عز وجل ـ ويبغضه، فمن عادى رجلًا أو امرأة إنسًا أو جنًا لكونه محبًا لله، قائمًا بطاعته، راغبًا فيما عنده، فإنه بوأ نفسه منزلة خطيرة أن الله ـ عز وجل ـ يحاربه، فإن الله يؤذنه أي يعلمه بالمحاربة.
هلاك من عادى أولياء الله:
وهذا إخبار بحلول العقوبات، وهلاك الأشخاص الذين قامت فيهم هذه الأوصاف وهي معاداة أولياء الله ـ عز وجل ـ ولا يدخل في الحديث المعاداة التي تكون بين الأولياء أنفسهم فيما يكون من أمر الدنيا، والمشاجرات، والخصومات التي تكون من شأن ما يكون بين الناس من خصومات وخلافات في دماء، أو في أموال، أو في أنفس، أو غير ذلك مما يكون بين الناس من الخصومات.
لكن أيضًا يوجب غاية الحذر في أن يخاصم الإنسان وحتى في أمور الدنيا من هو ولي لله؛ لأن ولي الله يبعد نفسه عن مواطن الريب، ومواقع الشر، فيبعد أن يكون الولي مخصومًا، ولذلك لما اختصم أبو بكر وعمر قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي»[صحيح البخاري (3661)] لعلو منزلة أبي بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ فما أوذي بعدها.
ولهذا ينبغي أن يحذر الإنسان مخاصمة أهل التقوى والصلاح:
سواء أن لأجل صلاحهم وهذا الذي ورد فيه الوعيد، أو لأجل أمر غير ذلك مما تقع فيه الخصومات بين الناس إلا أن يكون الحق ظاهرًا، بينًا، لا لبس فيه ولا اشتباه فعند ذلك يطالب بحقه دون البغي؛ لأن المطالبة بالحق لا تستلزم البغي، فيطالب بالحق إن قضي له به فذاك، وإن لم يقضى له به فقد فاته ما يؤمل وإن كان له حق قضاه الله عز وجل في الآخرة.
بعد أن بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه المنزلة الشريفة التي تضمنها هذا الخبر الإلهي من أن من عادى وليًا لله تبوأ هذه المنزلة المشؤومة وهي محاربة الله له، بين ما تنال به الولاية فطريق تحصيل الولاية القيام بالواجبات والمسابقة إلى الخيرات، ولذلك قال: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدي بشَيءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أحِبَّهُ»، والمحبة هي الولاية،
فالولاية تقوم على أمرين:
الأمر الأول: المحبة.
والأمر الثاني: النصرة.
فمن أحبه الله فقد والاه، ومن أحبه الله فإنه ينصره ويؤيده، ودليل ذلك ما جاء بعد ذلك، هذا تفسير مقتضيات المحبة، «فَإذَا أَحبَبتُهُ كُنْتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا» معية إلهية لهذا الذي حقق هذه المنزلة العليا من طاعة الله في الفرض، والمسابقة إليه في النفل، ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾[النحل:128].
هذه المعية تقتضي أمرين:
الأمر الأول: التسديد بتوفيقه إلى كل بر وخير، فلا يسمع إلا ما يرضي الله، ولا يبصر إلا ما يرضي الله، ولا ينقل قدمه أو يحرك يده إلا فيما يرضي الله.
الأمر الثاني: الحفظ، فإن الله يحفظه من أن يقع في سوء أو شر، فإن الله معه في سمعه، في بصره، في بطش يده، في حركة قدمه.
ومن كان كذلك فإن الله مؤيده، وناصره، وموفقه، وحافظه. والإنسان لا يخلو من مطالب يرغب تحصيلها، ومخاوف يأمل السلامة منها، وهذا حاصل له «وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ» هذا في المخاوف، ولئن استنصرني لأنصرنه هذا في المطالب، وبهذا يتبين عظيم الشرف الذي يناله أولياء الله.
اللهم أجعلنا من أوليائك يا ذا الجلال والإكرام، بفضلك، ومنّك، ممن لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.