الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
الآية الثالثة التي ذكر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[الحديد: 28]، هذه الآية الكريمة بينت فضل الإسلام ببيان الأجر والثواب المترتب عليه، وهذا وجه يختلف عما دلت عليه الآية السابقة، ففضل الإسلام في هذه الآية تبين بما رتبه الله عليه من عظيم الأجور العاجلة والآجلة، فإن الله تعالى قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾[الحديد: 28] وهذا دين الإسلام ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾[الحديد: 28]، أي يؤتكم نصيبين وحظين من رحمته فيضاعف لكم الرحمة ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾[الحديد: 28]، والنور مما يحوزه أهل الإسلام في الدنيا وفي الآخرة، في الدنيا يميزون به بين الحق والباطل، وفي الآخرة يدركون به مواقع النجاة فيتنعمون بهذا النور في الدارين في الدنيا بمعرفة الحق وسلوك سبيله، وفي الآخرة بالنجاة من الأهوال والسلامة من المعاطب العظام التي تكون في ذلك اليوم، وهذا لا يكون إلا لما فضله الله ورفع شأنه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾[الحديد: 28]، ولا شك أن الإسلام يهدم ما كان قبله، فمن فضائل الإسلام أنه يجب ما كان قبله من سيء الأعمال ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾[الأنفال: 38]، وهذا من فضائل هذا الدين ثبتنا الله تعالى عليه وزادنا من أنواره، كل هذه الأوجه مما تبين به فضل الإسلام ودلالة الآيات على فضل الإسلام واضحة، وهي أيضًا دلالات مختلفة يعني فضل الإسلام الذي دلت عليه الآية الأولى غير فضل الإسلام التي دلت عليه الثانية غير فضل الإسلام التي دلت عليه الآية الثالثة، ويمكن إجمالها في أن من فضل الإسلام إكمال الله تعالى له، وأن الله تعالى أتم به النعمة على من أسلم، وأن الله رضيه لأهل الإسلام، وأنه الذي أمر به خاتم النبيين، وأنه الذي تدين به سيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم-، وأن الله رتب عليه أجورًا عظيمة، ففيه مضاعفة الأجر ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾[الحديد: 28]، وفيه نيل النور الذي يستضاء به في الدنيا والآخرة ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾[الحديد: 28]،
والثالث من الفضائل الذي دلت عليه الآيات مغفرة الذنوب والخطايا، وهذه كلها فضائل عظيمة نسأل الله أن يبلغنا وإياكم إياها، وأن يرزقنا من واسع فضله.
ثم انتقل المؤلف –رحمه الله-إلى ذكر ثاني ما استدل به على فضل الإسلام وهو النصوص النبوية الأحاديث النبوية، وبدأ بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وفيه فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وذكر فيه الحديث الذي ضربه النبي –صلى الله عليه وسلم-مثالًا لحال الأمم مع أمة محمد –صلى الله عليه وسلم-في الفضل والسبق قال: «مَثَلُكُمْ ومَثَلُ أهْلِ الكِتَابَيْنِ» اليهود والنصارى، وخصهم بالذكر لأنهم من أشرف الأمم السابقة، وهم أقرب الأمم لأمة الإسلام، وهم الذين بقوا حتى بعد ظهور الإسلام، فهي أمة باقية «كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقالَ: مَن يَعْمَلُ لي مِن غُدْوَةَ إلى نِصْفِ النَّهَارِ علَى قِيرَاطٍ؟» القيراط: هو الحظ والنصيب وهذا هو المعنى اللغوي والاستعمال النبوي، ومنه قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَن تَبِعَ جِنازةً حتى يُصلَّى عليها، ويُفرَغَ منها، فله قيراطانِ»، وفي رواية:« أصغرهما كجبل أحد»[صحيح البخاري(كما في "تحفة الأشراف" 10/48)، ومسلم(945)]، يعني حظ ونصيب، وأما أهل الفقه فلهم اصطلاح، وأهل المقاييس لهم اصطلاح في القيراط يختلف عما وردت به السنة، والعبرة بالمعنى اللغوي الذي استعمله النبي –صلى الله عليه وسلم-وجرى به الاستعمال«فَعَمِلَتِ اليَهُودُ، ثُمَّ قالَ: مَن يَعْمَلُ لي مِن نِصْفِ النَّهَارِ إلى صَلَاةِ العَصْرِ علَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قالَ: مَن يَعْمَلُ لي مِنَ العَصْرِ إلى أنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ علَى قِيرَاطَيْنِ؟» فزاد في الأجر والثواب هذا بيان لقول الله تعالى: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾[الحديد: 28]، مضاعفة الأجور لأهل الإسلام قال: «فأنتُمْ هُمْ» يعني أهل الفترة الثالثة من العمل «فَغَضِبَتِ اليَهُودُ، والنَّصَارَى، فَقالوا: ما لَنَا أكْثَرَ عَمَلًا، وأَقَلَّ عَطَاءً؟» فالمدد مختلفة في الطول والأجر متفاوت بين أهل الإسلام الذين هم أقل مدة على حسب ما دل عليه الحديث وأكثر أجرًا «قالَ: هلْ نَقَصْتُكُمْ مِن حَقِّكُمْ؟ قالوا: لَا، قالَ: فَذلكَ، فَضْلِي أُوتِيهِ مَن أشَاءُ».[صحيح البخاري(2268)]
هذا الحديث فيه فضل الإسلام بالنظر إلى أن الله فضله على أُمَّتين عظميتين اليهود والنصارى، وفيه أيضًا أن الأجر الذي ينال أهل الإسلام أفضل من أجور الأمم السابقة.
والوجه الثالث الذي يدل عليه الحديث من جهة التفضيل التخصيص حيث خص الله تعالى هذه الأمة بهذه الهبات، أما الحديث الذي يليه فحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «أضَلَّ اللَّهُ عَنِ الجُمُعَةِ مَن كانَ قَبْلَنا، فَكانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وكانَ لِلنَّصارَى يَوْمُ الأحَدِ، فَجاءَ اللَّهُ بنا فَهَدانا اللَّهُ لِيَومِ الجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجُمُعَةَ، والسَّبْتَ، والأحَدَ، وكَذلكَ هُمْ تَبَعٌ لنا يَومَ القِيامَةِ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِن أهْلِ الدُّنْيا، والأوَّلُونَ يَومَ القِيامَةِ»[صحيح مسلم(856)]، هذا الحديث دلالته في الفضائل التي خص الله بها الإسلام أن الإسلام أكمل هداية من الأمم المتقدمة، أكمل هداية وأكمل علمًا ويتبعها أنهم أكمل عملًا، فالإسلام أكمل هداية والإسلام أكمل علمًا من الأديان السابقة، والإسلام أكمل عملًا مما تقدمه من الأمم السابقة، وهذا أيضًا يتبعه الفضل المذكور أن هذه الأمة مقدمة على غيرها.
لذلك قال: نحن الآخرون من أهل الدنيا زمانًا والأولون يوم القيامة فضلًا ومكانة وسبقًا، وهذا الفضل الذي ذكره لهذه الأمة إنما هو بسبب ماذا يا إخوان؟ بسبب العلم والعمل، وهو الهداية إلى ما ضل عنه السابقون والعمل بمقتضى الهداية من تعظيم اليوم والعبادة فيه الذي ميز الله تعالى به هذه الأمة عن غيرها.
آخر ما ذكر من الأحاديث «أحبَّ الدِّينِ إلى اللهِ الحنيفيَّةُ السَّمْحةُ»[صحيح البخاري(ترجمة حديث39) معلقا] أشار إلى أنه في البخاري معلقًا فقال: وفيه تعليقًا يعني في صحيح البخاري، "تعليقًا"، فليس موصولًا أنه قال أي النبي –صلى الله عليه وسلم-«أحبَّ الدِّينِ إلى اللهِ الحنيفيَّةُ السَّمْحةُ» أحب ما تقرب به العبد إلى الله في اعتقاده وفي عمله الحنيفية السمحة، وجه الفضيلة أن الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-هو الحنيفية السمحة، كما جاء فيما صح من حديث عائشة «بُعثت بالحنيفية السمحة»[أخرجه الحميدي(254)، بسند حسن]، فهو أحب الأديان وهو الذي جاء به سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه.
والحنيفية تتعلق بالتوحيد وكماله في عبادة الله وحده لا شريك له، والسمحة تتعلق بالشريعة، فالشريعة سمحة، «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ »[صحيح البخاري(39)]، فالحنيفية في الاعتقاد، والسماحة في العمل وبه بيان ما كملت به هذه الشريعة على سائر الشرائع، وهذه الرسالة على سائر الرسالات السابقة حيث جمعت الكمال في الاعتقاد والكمال في العمل.
بعد ذلك ذكر المؤلف –رحمه الله-أثرين؛ الأول عن أبي بن كعب، والثاني عن أبي الدرداء رضي الله عنهما، أما الأثر الأول قال: "عليكم بالسبيل والسنة" أي:الزموا الصراط المستقيم وشرع سيد المرسلين، فالسبيل هو الطريق الذي يوصل إلى الغاية والمقصود وهو الصراط المستقيم، والسنة هي الأعمال التي يشتغل بها سالك ذلك الطريق.
قال: "فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة" يعني على عقيدة صحيحة ومنهج سليم وعمل صالح وهي السنة "ذكر الله ففاضت عيناه" ذكر الله خاليًا أو في جمع لم يقيد ذلك بموضع ففاضت عيناه "من خشية الله" أي من إجلاله وتعظيمه والخوف منه، "فتمسه النار" أي: فتصلاه النار، فيسلم من النار ومسها وحثيثها" وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة الله إلا كان كمثل شجرة يبس ورقها إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصادا في سنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة"[أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(36675)، وصححه الألباني في الصحيحة(395)].
والمقصود من هذا الأثر هو بيان ما تضمنه الحديث المعلق الذي ورد في قوله أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة، وذكر منه من فضائله السلامة من النار، فلا سلامة لأحد إلا بلزوم هدي سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه اعتقادًا وعملًا ومنهجًا وطريقًا، وكذلك أنه من موجبات حط الذنوب والخطايا.
أما أثر أبي الدرداء فقال: "يا حبذا نوم الأكياس" وهذا يطلق فيما تميز من العمل، "حبذا" يطلق فيما يرغب ويحب ويقصد لشريف منزلته ورفيع مكانته، "يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم" نوم الأكياس أهل الألباب والمصائر والعقول هذا المقصود بنوم الأكياس، فالأكياس: جمع كيس وهو الفطن الذي يدرك المصالح ويتوقى الشرور والمفاسد.
"يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم" فما دام أنهم على فطنة وبصيرة وصراط وسبيل وسنة صراط مستقيم وسبيل وسنة فنومهم وإفطارهم لا ينقص منزلتهم، ولهذا ذكر اقتصادهم في العمل مع سلامة ما هم عليه من سبيل وسنة "كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم؟"[أخرجه أحمد في "الزهد" (ص171)، وأبو نعيم في "الحلية" (1 /211)] أي كيف يسبقون سهر الحمقى وهم من لم يكن مخلصًا أو من كان في طريقه اعوجاج بإحداث وبدعة، "وصومهم" أي ما كانوا عليه من عمل.
وهذا يبين أن الفضل ليس للأعمال الخارجة عن هدي سيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم-، إنما الفضل في لزوم السنة وإن كان العمل قليلًا.
قال: "ومثقال ذرة مع بر وتقوى ويقين"، "بر": صالح عمل "وتقوى": توقي الزلل، "ويقين": كمال الإيمان، البر صلاح العمل والتقوى توقي الزلل تجنب الزلل، واليقين كمال الإيمان، فمثقال ذرة مع توافر هذه الخصال الثلاثة يعني وزن ذرة من العمل مع هذه الثلاثة البر والتقوى واليقين أعظم وأفضل وأرجح عند الله من عبادة المغترّين التي خلا منها كمال الإيمان، أو تخلف فيها تجنب العصيان، أو لم يوفق فيها العامل إلى سنة خير الأنام بصالح العمل.
هذا ما ذكره المؤلف –رحمه الله-من النصوص والآثار المتعلقة بهذا الباب "باب فضل الإسلام" وهو قد أحسن –رحمه الله-فيما جمع فقد جمع الأصول التي يتبين بها ما يتميز الإسلام به عن غيره وأصول محاسنه وذكر أصول محاسنه –رحمه الله-تعالى وغفر له.
ثم انتقل –رحمه الله-إلى الباب الثاني وهو بيان وجوب الإسلام فقال:
قال –رحمه الله-: [باب وجوب الإسلام]
وقول الله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: 85] وقوله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ}[آل عمران:19]، وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:153] قال مجاهد: السبل: البدع والشبهات.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ»[صحيح البخاري(2697)، ومسلم(1718)] أخرجاه، وفي لفظ«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ»[صحيح مسلم(2985)]
وللبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».[صحيح البخاري(7280)]
وفي الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية، ومطلب دم امرئ مسلم بغير حق ليهريق دمه»رواه البخاري.[صحيح البخاري(6882)]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-تعالى: قوله: سنة جاهليةيندرج فيها كل جاهلية مطلقة أو مقيدة، أي في شخص دون شخص كتابية أو وثنية أو غيرهما، من كل مخالفة لما جاء به المرسلون.
وفي الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه قال: «يا معشر القراء استقيموا، فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا».[صحيح البخاري(7282)]
وعن محمد بن وضاح أنه[يعني حذيفة] كان يدخل المسجد، فيقف على الحلق فيقول:" فَذَكَره"[أخرجه ابن وضاح في البدع(12)]، وقال أنبأنا سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود: (ليس عام إلا والذي بعده شر منه. لا أقول عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير لكن ذهاب علمائكم وخياركم، ثم يحدث أقوام يقيسون الأمور، بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم).[أخرجه ابن وضاح في البدع(ص33)، وهو صحيح بشواهده]---
قوله –رحمه الله-: باب وجوب الإسلام أي: وجوب التدين به، فبعد أن بيَّن فضله –رحمه الله-فيما تقدم من النصوص، بيَّن لزومه والأخذ به عقيدة وعملًا، منهجًا وطريقًا وسبيلًا وشرعة هو مما فرضه الله تعالى على عباده قال –رحمه الله-: وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم أنه يجب على كل من بلغه دين الإسلام أن يتدين به، ولا يقبل الله تعالى من أحد سواه وذكر –رحمه الله-في تقرير الوجوب جملة من النصوص كما جرى في الباب السابق، فذكر ثلاث آيات، وذكر ثلاثة أحاديث، وذكر آثارًا دالة على ما دلت عليه الآيات.
أما الآيات فذكر قول الله –عز وجل-﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 85]
هذه الآية الكريمة دالة على وجوب الإسلام، وأنه لا يقبل من أحد دين سواه، ووجه دلالة الآية أن الله تعالى أخبر أن من طلب واعتقد ودان بغير دين الإسلام، فإنه لن يقبل منه، وعدم القبول يدل على عدم الرضا، كما يدل على المؤاخذة والمعاقبة، فما لا يقبله الله مردود غير مرضي، وما لا يقبله الله يؤاخذ به صاحبه؛ لأن الله لا يرضى لعباده الكفر، فأخبر عن عدم رضاه عن الكفر الموجب لمعاقبة من اشتغل بما لا يرضاه جل في علاه، فهذا وجه دلالة الآية على وجوب الإسلام.
والإسلام هنا يشمل الإسلام العام والإسلام الخاص، الإسلام العام الذي تشترك فيه جميع الرسالات الإسلام الشرعي العام والإسلام الشرعي الخاص، وهو دين محمد –صلى الله عليه وسلم-، وأيضًا ذكر من دلالة الآية على وجوب الإسلام إثبات الخسار لمن لا يقبل دين الإسلام، أو لمن لم يطلب دين الإسلام حيث قال: ﴿وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 85]، وهذا عقوبة له، نكمل -إن شاء الله تعالى- غدا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.