×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (155) وقولوا للناس حسنا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2838

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء  الإسلام" في مكة المكرمة في هذه الحلقة المتجددة من برنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.

 في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل الصبحي، ومن الإخراج زميلي خالد الزهراني، وياسر زيدان.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم.

 فضيلة الشيخ أهلا وسهلا، وحياك الله معنا في بداية هذه الحلقة، أهلًا وسهلًا.
الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياك الله أخي وائل وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم:- حياك الله مستمعينا الكرام في برنامج الدين والحياة نناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، من هذه الموضوعات التي نناقشها مع ضيفنا الكريم ما سنتحدث عنه في هذه الحلقة، وهو حول مضمونه قوله تعالى في الآية الكريمة: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83   وهي جزء من وصايا عديدة من الله –تبارك وتعالى- سنتناول في هذه الحلقة ما يتعلق بهذا الجزء من هذه الآية بمشيئة الله تعالى.
ابتداء فضيلة الشيخ ونحن نتحدث عن مضمون قوله تعالى في الآية الكريمة ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83   نتحدث ابتداء حول عناية الدين الإسلامي وعناية الشريعة الإسلامية بالقول وما وجهت به الشريعة الإسلامية بحفظ اللسان وخطورة إطلاقه فيما يضر المسلم في أمور دينه ودنياه.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فمن نعم الله تعالى على الإنسان أن أعطاه لسانا، ولذلك امتن الله تعالى على الإنسان في تذكيره بنعمه عليه أن جعل له لسانًا ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ  البلد: 8- 9   وهذا اللسان أعطاه ما يبين عما في ضميره وما في قلبه، وامتن عليه بذلك فقال: ﴿الرحمن * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ  الرحمن: 2- 4   وهذه نعمة عظمى ميَّز الله تعالى بها الناس وفضلهم بها على كثير من الخلق، وهذا البيان وهذا اللسان الذي هو آلة البيان وأداته جاءت الشريعة مُعْتَنِيَة به عناية في غاية الاهتمام والاعتناء حتى جاءت النصوص المتواترة في الكتاب والسنة بالتأكيد على حفظ اللسان وتوقي ذلَلِه وبيان عظيم خطره وكبير نفعه إذا استعمل على الوجه الذي يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
ولهذا ذكر الله –جل وعلا- من صفات أهل الإيمان أنهم عن اللغو معرضون كما قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ المؤمنون:1-4 ،  قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ  المؤمنون: 3   أي الكلام الباطل والكلام الذي لا فائدة منه، فهم عنه معرضون لا يشتغلون به.

 وليس الأمر فقط في أن الله وصفهم بذلك، بل الأمر أبعد من ذلك حيث إن الله تعالى ذكر هذا الوصف بين ركنين من أركان الإسلام في صفات أهل الإيمان، ذكره بين الصلاة والزكاة، وأثبت لأهله الإيمان والفلاح ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ  المؤمنون: 1- 4،

  وقد قال عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- في بيان خطورة اللسان «والَّذي لا إلهَ غيرُه ما على ظهرِ الأرضِ من شيءٍ أحوجَ إلى طولِ سجنٍ من لسانٍ»  الطبراني في الكبير (8744)، وقال الألباني: إسناده صحيح   فاللسان إذا لم يكفَّه الإنسان أورده المهالك وأوقعه فيما يفسد دينه ودنياه

 يموت الفتى من عثرة بلسانه

                             وليس يموت المرء من عثرة الرجل

 فينبغي أن يدرك ما جاءت النصوص به في شأن اللسان وبيان خطورته وضرورة توقي آثاره السيئة.
ولهذا أعطى النبي –صلى الله عليه وسلم- قاعدة كبرى في ضبط ما يكون من اللسان من القول إصلاحًا وتقويمًا قال –صلى الله عليه وسلم-: «مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، فليَقُلْ خيْرًا أو لِيَصْمُتْ»  صحيح البخاري (6018)، ومسلم (47).

   والخير اسم لكل طيب من القول، ولكل حسن من الألفاظ في ذاته وفي عاقبته ومآله، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- أمر بالإمساك عن كل قول إلا أن يكون خيرًا جعل الخيار بين أمرين:

أن يتكلم الإنسان بالخير، أو أن يصمت.
وماعدا الخير أمران:

 إما أن يكون شرًّا فهذا يجب اجتنابه، وإما أن يكون كلامًا لغوًا لا خير فيه ولا شر، وهذا أيضًا مما أمر الإنسان بالصمت عنه؛ لأنه لم يأمر بالقول إلا إذا كان خيرًا، وخير الألسن المخزون وخير الكلام الموزون فحدِّث إن حدَّثْتَ بأفضل من الصمت، وزيِّن حديثك بالوقار وحسن السمع هكذا كانت وصايا أهل العلم فيما يتعلق بما يصدر عن الإنسان من قول.
فينبغي أن يعتني الإنسان بقوله وأن يجوده وأن يطيبه وأن يتوقى كل ما يكون من القول الرديء الذي يورده المهالك.

 والمشاهد من سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجد تفعيل ذلك وتأكيده في مواضع عديدة، وقد سأل معاذ بن جبل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن أبواب الخير وصنوفه، فسأله عما يدخله الجنة ويباعده من النار فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لقد سألتَ عن عظيمٍ، وإنَّه ليسيرٌ على من يسَّره اللهُ عليه» ثم ذكر له -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جملة مما يحقق هذا المطلوب وهو ما يدخل الجنة ويباعد من النار «لقد سألتَ عن عظيمٍ، وإنَّه ليسيرٌ على من يسَّره اللهُ عليه: تعبُدُ اللهَ، ولا تُشرِكُ به شيئًا، وتُقيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتي الزَّكاةَ وتصومُ رمضانَ، وتحُجُّ البيتَ.، ثمَّ قال: ألا أدلُّك على أبوابِ الخيرِ؟ قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: الصَّومُ جُنَّةٌ، والصَّدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماءُ النّارَ، وصلاةُ الرَّجلِ في جوفِ اللَّيلِ شعارُ الصّالحين». ثم تلا قوله تعالى: ﴿تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  السجدة: 16- 17   ثم قال له –صلى الله عليه وسلم-: «ألا أُخبِرُك برأسِ الأمرِ، وعمودِه، وذُروةِ سنامِه؟ قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصَّلاةُ، وذُروةُ سنامِه: الجهادُ، ثمَّ قال: ألا أُخبِرُك بمِلاكِ ذلك كلِّه. قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ قال: كُفَّ عليك هذا، وأشار إلى لسانِه» بعد أن ذكر هذه الخصال العظيمة الشريفة من الأعمال عاد –صلى الله عليه وسلم- إلى إخباره بما يدرك به الإنسان تلك الخصال التي ذكرها من الأعمال التي تدخل الجنة وتباعد من النار من الأعمال التي هي أبواب الخير ألا أدلك على أبواب الخير ثم بعد ذلك الأعمال التي قال فيها: « ألا أُخبِرُك برأسِ الأمرِ، وعمودِه، وذُروةِ سنامِه؟ قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ قال: رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصَّلاةُ، وذُروةُ سنامِه: الجهادُ» هذه الأعمال الجليلة العظيمة بعد أن أخبره بها –صلى الله عليه وسلم- عاد وقال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ يعني ما ييسر لك إدراك هذه الأعمال جميعًا، قلت له: بلى يا نبي الله فقال –صلى الله عليه وسلم-: «كُفَّ عليك هذا»  أي أمسك عليك لسانك فلا تطلقه، بل اعمل فيه الكف المذكور هنا هو معنى قوله –صلى الله عليه وسلم-: «مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، فليَقُلْ خيْرًا، أو لِيَصْمُتْ» ثم قال معاذ يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وإنّا لمؤاخذون بما نتكلَّمُ به؟» يعني ما نتكلم به هو ما نؤاخذ به ويحسب علينا «قال: ثكِلتك أمُّك، وهل يُكِبُّ النّاسَ في النّارِ على وجوهِهم، أو قال: على مناخرِهم: إلّا حصائدُ ألسنتِهم»  سنن الترمذي (2616)، وقال: حديث حسن صحيح   وهذا تقريب لأمر عظيم وهو أن الإنسان لن يُترَك من قوله شيء دون حساب، بل كل ما يكون من قول الإنسان فإنه في حساب، وقد أحصي عليه وسيسأل عنه.
ولهذا قال الله تعالى في تقرير عظيم شأن اللسان قال –سبحانه وتعالى-: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  ق: 18   أي ما يصدر عن لسانه من كلام إلا ولديه من الملائكة رقيب أي يرقب ما يصدر عنه وهذه الرقابة يدون بها ويسجل بها ما يصدر عن الإنسان، وعتيد أي: مستعد في غاية التأهب والاستعداد لرصد ما يكون من الإنسان.
ولهذا قال الله –جل وعلا- في حق قوم قالوا سوء: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾  آل عمران: 181   وهذه لفتة في غاية الأهمية لضرورة حفظ اللسان، كل ما تقوله مكتوب قال الله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ  الزخرف: 80،يعني ما يكون بينهم من حديث على وجه المخافتة والرسل تكتب وتقيد كل ما يصدر عن الإنسان من قول، وكل هذا تقرير لما ذكر الله –جل وعلا- في قوله: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  ق: 18   لذلك جدير بالإنسان أن يكون في لسانه على نحو ما ذكر سيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم- وخير الأنام «مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، فليَقُلْ خيْرًا، أو لِيَصْمُتْ».[سبق]
والإنسان إذا عود نفسه القول الطيب أصبح له سجية وإذا أطلق لسانه دون وعي، صار هذا اللسان موردًا للإنسان مواطن الهلاك والعطب، ولا ينبغي أن يقول الإنسان إن القول ليس له أثر أو لا يضر، بل ينبغي أن يكون دقيقًا فيما يصدر عنه حتى في ألفاظه العارضة، وأضرب مثالًا لقصة حصلت بين إمام من الأئمة مع ابنه وكلاهما عالم، تقي الدين السبكي من علماء الشافعية سمع ولده تاج الدين وهذان لقبان لعالمين أحدهما أب للآخر.
تقي الدين السبكي سمع ابنه يقول لكلب: يا كلب ابن كلب فنهاه أي قال له: لا تقل هكذا، فقال الابن لأبيه: يا أبت أليس هو كلبًا ابن كلب؟ فقال: نعم، لكن شرط الجواز عدم التحقيق.
انظر هذا ما قال زور ولا قال: كذب، هذا قال كلامًا مطابقًا للواقع وهو أنه وصف الكلب بأنه ابن كلب وكل كلب فهو متفرِّع عن كلب، لكن لما كان هذا القول الحقيقي المطابق للواقع سيق مساق التحقير كان ذلك محلَّ مؤاخذة.
فالقول قد يكون في قالبه موافقًا للواقع لكنه يصدر في مساق يكون على غير ما أذن له الإنسان فيكون ذلك موقعًا له في المؤاخذة، ولذلك قال: شرط الجواز عدم التحقيق، فينبغي للإنسان أن يحفظ لسانه، وهذا علوٌّ وسمو في رقابة الإنسان على لسانه، وأنه لا يصدر منه إلا الطيب من القول، لأهمية القول الحسن ذكر الله –جل وعلا- ما أخذه على الأمم السابقة في شأن اللسان، فأخبر الله –جل وعلا- عما أخذه على بني إسرائيل فيما قصه -جل في علاه- من القول الحسن.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83   هذه الآية الكريمة في سورة البقرة يخبر الله تعالى فيها عن ميثاق وهو العهد الغليظ، الميثاق هو العهد الغليظ الموثق إفراده بالعبادة –جل وعلا-، ثم بعد أن ذكر حقه، ذكر حقوق الخلق مبتدأ بأعلاهم حقًا: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83   فجعل مما خص به من الإحسان بعد الإحسان العام وبالوالدين إحسانًا يشمل الإحسان القولي والعملي والحالي وكل أوجه الإحسان، خص القول بالذكر فقال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83، وهذا التخصيص لبيان أهمية القول، وأنه مما ينبغي أن يعتني به ولعظيم آثاره إذا استعمل ولتبين أخطاره إذا استعمل ما هو خلاف القول الحسن، ولشريف مقامه قال: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83   ثم قال: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ  البقرة: 83   فقدم الأمر بالإحسان إلى الخلق عمومًا وإحسان القول على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا يؤكد ضرورة العناية باللسان، القول الحسن الذي جاءت النصوص الشرعية عامرة به.
وإذا تأملت الآيات القرآنية وجدت أن الله –عز وجل- قد أمر بالقول الحسن في مواضع عديدة وليس في موضع واحد، فهذا الذي ذكره –جل وعلا- من الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل أمر به عباده على وجه الخصوص فقال: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ  الإسراء: 53   وأمر به في مقام المحاجة والمجادلة، فقال: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  العنكبوت: 46   مع أن المجادلة من مضايق الحديث، وقد يكون فيها الإنسان على حال من التحفز والتهيؤ للنيل لتقريب ما يريد من رأي وإبطال ما عند المقابل من قول ما قد يجنِّبه ويخرجه عن القول الحسن، لكن الله تعالى أمر بهذه الآية أن يطلب الأحسن في القول حيث قال: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  العنكبوت: 46   يعني أجود وأطيب ما تطيقونه من القول لتفصلوا بين ما أمرتم به في معاملة أهل الكتاب الذين تجادلونهم وتحاجونهم في تقرير الحق.
قوله –جل وعلا-: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83   قاعدة ينبغي أن يستعملها كل أحد في كل مقام، وذلك أن الله تعالى أمر بالقول الحسن أمرًا عامًّا لكل إنسان، لم يخص به أحدًا دون أحد، ولم يقصره على موافق في أمر دون مخالف، بل جعله حقًّا للجميع، وأولى الناس بذلك هم من أمر الله تعالى بالإحسان إليه في قوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ  البقرة: 83   فهؤلاء أولى من يقال لهم القول الحسن، ولهذا جاء الأمر في القرآن بالإحسان إلى الوالدين على وجه الخصوص، فقال –جل وعلا-: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا  العنكبوت: 8،  وجاء طلب طيب القول مع الوالدين ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ  الإسراء: 23   نهى عن القول الرديء ولو كان في أدنى صوره وهو قول أُفٍّ، فلا تنهرهما، وهذا أعلى النهر يكون بالقول ويكون بالعمل، فالنهر قد يكون قوليًّا وقد يكون عمليًّا، ولا تنهرهما، ثم جاء ما ينبغي أن يستعمل بالحديث معهم، قال تعالى: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا  الإسراء: 23، والقول الكريم هو القول الحسن كثير الخير، كثير البركة، الطيِّب في ذاته، والطيب في مآله وآثاره.
وهذا من معاني القول الحسن المأمور به في قوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83   أنت مأمور بالقول الحسن مع كل أحد، والقول الحسن هو كل قول طيب في ذاته أو طيب في عواقبه وآثاره، ولذلك ينبغي أن يستعمل الإنسان القول الحسن في كل أحواله، ولو كان ذلك بإفشاء السلام، إفشاء السلام الذي قد يظن بعض الناس أنه لا قيمة له ولا أثر، انظر إلى حجم النصوص التي وردت في تقرير الأجر المرتَّب على القول الطيب على السلام وإفشائه بين الناس.
يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ في الجنةِ غُرفًا يُرى ظاهِرُها من باطنِها ويُرى باطنُها من ظاهِرِها. قال أبو موسى الأشعَريُّ: لمنْ هي يا رسولَ اللهِ؟ قال: لمن أطابَ الكلامَ، وأطعَم الطعامَ، وباتَ قائمًا والناسُ نيامٌ»  سنن الترمذي (1984)، وقال الألباني: صحيح   ألان الكلام أي طيبه وأتى فيه بأحسن الألفاظ وأهونها على النفوس وأقربها إلى القلوب، في حديث آخر قال: «أطعِمِ الطَّعامَ، وأفشِ السَّلامَ وأطِبِ الْكلامَ، وصلِّ باللَّيلِ والنّاسُ نيامٌ تدخلُ الجنَّةَ بسلامٍ» هذا الحديث للإمام أحمد في مسنده بإسناد لا بأس به  مسند أحمد (7932)، وقال محققو المسند: إسناده صحيح   يبين عظيم أثر وأجر طيب الكلام ثم إفشاء السلام على وجه الخصوص الذي كما ذكرت كثير من الناس يظن أنه لا بأس به أو أنه القول الحسن المأمور به، بل السلام هو مفتاح كل قول حسن.
ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا  النساء: 86   فلذلك ينبغي للإنسان أن يعتني بالقول الحسن في كل ما ياتي ويذر، وأن يحتسب الأجر فيما يقوله من القول الحسن، لأنه مما يفتح للإنسان أجرًا عظيمًا وبرًّا كبيرًا.
المقدم:- فضيلة الشيخ نكمل الحديث حول القول الحسن وأيضًا ذكرت مجموعة من النصوص القرآنية التي جاءت وتحث على القول الحسن وأيضًا فضيلة الشيخ إن من لطف الله –تبارك وتعالى- بعباده أن أمرهم بأحسن الأخلاق وبأحسن الأقوال والأفعال الموجبة لرضى الله –تبارك وتعالى- من هذه التي أوجبها الله –تبارك وتعالى- ما أمر الله –عز وجل- به بالقول الحسن وإلانته وما تفضلتم به بالحديث في أول هذه الحلقة، لكن نكمل الحديث فضيلة الشيخ قبل أن نتحدث عن الآثار الحسنة والطيبة للقول الحسن، ما هي النصوص التي جاءت في سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- التي تحثنا على القول الحسن؟
الشيخ:- هو أخي الكريم بادئ ذي بدء الله –جل وعلا- أمر بالقول الحسن، بل أمر بالأحسن من القول في قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  الإسراء: 53   يعني أن يجتهد الإنسان في طلب أطيب ما يطيقه من القول، أحسن ما يطيقه من القول، والحسن المأمور به في الآيات في قوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83، وفي قوله –جل وعلا-: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  الإسراء: 53   يشمل الحسن في هيئة القول يعني في اللفظ وذلك أن يكون لطيفًا لينًا ليس فيه غلظة ولا شدة، وأيضًا يكون القول الحسن شاملًا أيضًا للمضمون والمعنى بأن يكون خيرًا، بأن يكون برًّا، بأن يكون قريبًا من القلوب، بأن يكون بعيدًا عن كل ما يؤذي الإنسان.
فالحسن المأمور به أول ما يكون الحسن المأمور به يتعلق بالألفاظ ويتعلق بالمعاني، وليس فقط باللفظ المعنى ارتفع الأمر فيما يتعلق باستعمال القول الحسن ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلًا ما نقل عن عيسى بن مريم -عليه السلام- أنه مر بين يديه خنزير فقال للخنزير: مُرَّ بسلام، فقيل له: تقول لخنزير مُرَّ بسلام؟ فقال: أُعوِّد لساني الخير.
فالإنسان إذا اعتاد القول الحسن وجدتَه يعمد إلى هذا القول في كل أحيانه، في ألفاظه وفي معاني ما يصدر عنه وتجده يراقب اللفظ والمعنى، ولا يهمه من يوجِّه إليه القول بقدر أن يكون القول طيبًا جيدًا، وهذا قال عيسى للخنزير: مُرَّ بسلام، وفي قصة العالِمَين لما قال للكلب: يا كلب بن كلب قال: لا تقل ذلك قال: أليس كلبًا بن كلب؟ قال: بلى، ولكن شرط هذا ألا يكون على وجه التحقير.

 معنى هذا أنه ينبغي للإنسان في القول الحسن أن يلاحظ اللفظ وأن يلاحظ أيضًا المعنى الذي يتضمنه اللفظ، فإن المعاني هي أرواح الألفاظ، الألفاظ قوالب وأرواحها مضامينها وما دلت عليه من معاني فجود المعنى وجود اللفظ، وبذلك تنال ما ذكره الله –عز وجل- في قوله –سبحانه وبحمده-: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  الإسراء: 53   وقوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83.

   النبي –صلى الله عليه وسلم- في سنته كمٌّ عريضٌ من الأحاديث وقدر كبير من النصوص النبوية تحث على المحافظة على القول الطيب، المحافظة على القول الحسن، البعد عن القول الرديء، توقِّي الشر في القول، كل هذه النصوص النبوية الواردة في ذلك كثيرة، والكلمة الطيبة ضرب الله تعالى لها مثلا في كتابه فقال -جل في علاه- في محكم كتابه: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ  إبراهيم: 24  .
فهي كلمة ضاربة بجذورها في الأرض، باثقة فروعها في السماء، تؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها فلها من الآثار الطيبة والعوائد الجميلة ما يجعلها تجنى ثمارها ويدرك طيب آثارها على مَرِّ الوقت، ولشريف القول الطيب القول الحسن جعله الله تعالى مما يصعد إليه قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصالِحُ يَرْفَعُه   فاطر: 10  .
فالنصوص في شأن الكلام الطيب وإدراك الخير بالقول الصحيح، القول النافع، القول الخير، القول اللين، القول البعيد عن الجفاء البعيد عن الأذى مما يدرك به الإنسان خيرًا عظيمًا، وبرًّا كبيرًا.
لذلك أنا أوصي نفسي وإخواني أن نعوِّد أنفسنا على لين القول وطيبه، وبعض الناس لا يستعمل هذا المعنى (لين القول وطيبه) إلا مع دائرة ضيقة من الناس.

 المؤمن طيب القول فليس بالطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحش البذيء، ليس فقط مع من يحب، وليس فقط مع من يقترب منه وتكون صلته معه حسنة، بل هو كذلك في معاملة الناس في كافة كما أمره الله تعالى في قوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83.

   فمع القريب والبعيد والمحب والمبغض اجتهد في أن تقول الحسن فإن ذلك مما تُدرِك به عظيم الأجر وجزيل العطاء من رب يعطي على القليل الكثير.
أولى من يوجه إليه القول الحسن هما الوالدان كما أمر الله –عز وجل-: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا  الإسراء: 23   وقد كان كثير من السلف إذا تكلم مع أمه أو أبيه يكاد لا يسمع له صوت حرصًا على عدم الخروج عما أمر الله تعالى به في قوله: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا.
وكذلك ممن يستحق القول الحسن أن يقول القول الحسن لزوجه وأهله، فالزوجة والزوج المرأة مع زوجها والرجل مع امرأته بينهما من العشرة وطيب المعاش ما ينبغي أن يؤكد فيه طيب القول واختيار الكلام الحسن؛ لما للكلام الحسن من تقريب القلوب وإدامة الألفة وإدامة الودِّ بين الزوجين وتحقيق المعاني التي ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  الروم: 21   فالسكن لا يكون مع القول الفظِّ الغليظ، المودة والرحمة تتلاشى أمام الألفاظ القاسية والكلمات الخارجة عن الطيب والحسن والقول الكريم، ولهذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يلحظ من كلام أزواجه ما يعرف به رضاهم من عدم الرضا وقد جاء ذلك فيما قاله –صلى الله عليه وسلم- لعائشة حيث قال:«إني أعلم إذا كنتِ علي راضية وإذا كنتِ علي غضبى»هذا سيد الورى –صلى الله عليه وسلم- يدقق في ألفاظ أزواجه ويميز بين هذه الألفاظ في مدى الرضا من عدمه.
قالت عائشة للنبي –صلى الله عليه وسلم-: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: «أما إذا كنتِ راضية فإنكِ تقولين لا وربِّ محمد»  صحيح البخاري (5228)، ومسلم (2439)   فتحلف بالله –عز وجل- بربوبيته لمحمد –صلى الله عليه وسلم-، «وإذا كنتِ غضبى قلتِ: لا ورب إبراهيم»، وهذا من ملاحظته –صلى الله عليه وسلم- لألفاظ أزواجه وما يكون من أحوالهم في الرضا وعدمه، ولذلك ينبغي للإنسان ألا يغيب عنه هذا المعنى وأن يتسع صدره لما يمكن أن يكون من ألفاظ أحيانًا قد تصدر بسبب عثرة في قول، عثرة في خطاب، ناتج عن غضب عن ضيق عن موقف صعب، فيتسع صدره ويحاول ألا يقف عند الكلمات المؤذية بل يقابلها بالرضى والتجاوز والصفح حتى تطيب الأمور وتستقيم الأحوال بين الأزواج؛ لأن الحياة الزوجية حياة فيها مُعتَرَك كبيرٌ ويطرأ عليها من أسباب المشاكسات والخلاف ما هو طبيعي بمقتضى طول العشرة وديمومة اللقاء وكثرة الأمور التي تكون بين الأزواج مما قد يفضي إلى شيء من الخروج عن القول الحسن.
لكن معالجته بمقابلة الحسن بالحسن، لذلك قال أبو الدرداء رضي الله عنه لزوجته في بداية أمرهما: إن لقيتني غضبان فرضيني، وإن لقيتك غضبة رضيتك وإلا قد نفترق.[تاريخ دمشق لابن عساكر:70/151]

 يعني من أول الأمر الإنسان ينبغي له أن يراعي الطرف الآخر، الإنسان يكون شحيحًا لا ينظر إلا إلى ما يجب له وما يستحقه فتجده يطلب القول الحسن ويتغاضي عما يمكن أن يكون مما يولد من الكلام الناتج عن غضب أو ما أشبه ذلك، وجميل ما نقل عن مالك بن دينار أنه غضبت منه زوجته فقالت له: يا منافق.

 وهو من أعيان أهل العلم والفضل والعبادة والطاعة فاستقبل هذه الكلمة الصادرة الناتجة عن موقف أو غضب أو تضايق قال: ما عرفني إلا أنتِ.[إحياء علوم الدين:3/171]

 فامتص غضبها بطريقة استوعب هذا الموقف وتجاوزه إلى ما تطيب به الحياة، وإلا ممكن أن يقال: كيف تتهمني أنا منافق وأنت وما إلى ذلك مما قد تكبر معه المشكلة ويعظم معه الخلاف ويمكن حلُّه وتداركه بما هو أهون.
لذلك ينبغي أن يستعمل الإنسان القول الحسن حتى في حال غضبه.

 والنبي –صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه من الناس من يقال له القول الحسن ليس لاستحقاقه القول الحسن، لكن لتوقِّي شرِّه ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم-: «شرّ الناسِ- الذين إنَّما يُكرَمونَ اتِّقاءَ شرِّهم»  مسند أحمد (24798)، وقال محققو المسند: حديث صحيح.

   من شر الناس من يكرمه الناس ليس لاستحقاقه للإكرام والإحسان، لكن لأجل أن يتوقى ما يكون من الشر الناتج عن قوله أو عمله.
لذلك جاء في ما أخبر به عائشة في الصحيح أن رجلًا أستأذن على النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: «بئس أخو العشيرة»، ثم أذن له فدخل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فألان له القول يعني قال له قولًا حسنًا، قولًا لينًا، قولًا طيبًا، فلما خرج قالت عائشة للنبي –صلى الله عليه وسلم- قلت فيه ما قلت ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة في ذمِّه وبيان أنه لا يستحق أن يؤذن له، وأن يكرم، ثم لما دخل قلت له ما قلت من إلانة الكلام وإلانة القول، فقال يا عائشة: «إنَّ من شِرارِ الناسِ -أو شرِّ الناسِ- الذين إنَّما يُكرَمونَ اتِّقاءَ شرِّهم»  صحيح البخاري (6032)، ومسلم (2591)   فالنبي –صلى الله عليه وسلم- قرر هذا المعنى عند عائشة -رضي الله تعالى عنها- ليبين إنه ليس من لازم القول الحسن أن يكون من قيل له القول الحسن متأهلًا له ويستحق القول الحسن، أنت لا تنظر إلى من وجَّهت إليه القول الحسن، انظر إلى ما ينبغي أن يصدر عنك من القول الحسن؛ لأنه عندما تريد أن تفتش في حال الناس ومن يستحق أن يقال له قول حسن، ومن يستحق أن يقال له القول الحسن ومن لا يستحق يعني ستخطأ كثيرًا في بيان عدم الاستحقاق أو استحقاق، لكن أنت افعل هذا مع الناس كافة كما أمر الله تعالى في قوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا  البقرة: 83   وكما قال –جل وعلا- في الآية الأخرى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  الإسراء: 53   يقول التي هي أحسن ولم يحدد مَن المقول له فيقولها للقريب والبعيد والمحبِّ والمبغض الموافِق والمخالف، وبذلك يسلم من غوائل اللسان وسيئ هذا، ويفتح للقول الحسن مغلقات من القلوب، ويدرك سلامة من شرور الناس ومن شرور لسانه أيضًا فيحقق قوله –صلى الله عليه وسلم- «كُفَّ عليك هذا»، ويسلم أن يكون ممن قال فيهم النبي –صلى الله عليه وسلم- «ثكِلتك أمُّك يا معاذَ بنَ جبلٍ وهل يُكِبُّ النّاسَ على مناخرِهم في نارِ جهنَّمَ إلّا حصائدُ ألسنتِهم»  سنن الترمذي (2616)، وقال: هذا حديث حسن صحيح  .
المقدم:- فضيلة الشيخ الأخ يوسف من المغرب أرسل سؤالًا ويبدو أنه في حديثك إجابة ضمنية عليه يقول: أنه هل يثاب الإنسان على إلانته الكلام بجاره الغير مسلم مع أذيته له في بعض الأحيان ابتغاء وجه الله وطمعًا في دخوله للإسلام ويبدو أنك فضيلة الشيخ أجبت ضمنيًا على هذا الكلام.
الشيخ:- هو لاشك الإنسان يحتاج إلى أن يقول القول الحسن لأحد لأجل أن يدرك به الخير ويوصل ما يريد إيصاله من الخير ومن ذلك الدعوة إلى الله –عز وجل-: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ  فصلت: 33  .
وقال تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ  فصلت: 34   فوجَّه الله تعالى إلى الدفة التي يحسن ولا يدفع بالتي أحسن بمثل القول الطيب والقول اللين والكلام الحسن الذي يدرك به الإنسان فتح القلوب وإزالة الأغلاق ولهذا قال: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  العنكبوت: 46   لأن حسن القول أثناء الجدال يلين قلب الشخص ويهيء أن يقبل الحق وينقاد إليه.
المقدم:- فضيلة الشيخ اسمح لي أن أختم بهذا السؤال أبو عبد الله يقول أنه من جدة وهو يعمل بمكة بمعنى أنه متردد على مكة هل يجمع ويقصر الصلاة في مكة أم لا؟
الشيخ:- إذا كان مسافرًا والسفر معروف إما بالمسافة في قول جمهور العلماء، وما يزيد عن ثمانين كيلو أو كان على قول من يقول إن السفر هو ما عُدَّ في العرف سفرًا فله أن يجمع ويقصر في سفره حتى يرجع إلى بلده.
المقدم: شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على إثرائك لهذه الحلقة.
الشيخ: بارك الله فيكم وأسال الله تعالى لي ولكم صالح العمل والصلاح في السر والعلن، وأن يعيننا على ما فيه رشدنا وصلاحنا في ديننا ودنينا، وأن يحفظ ولاة أمرنا من كل سوء، وأن يوفقهم إلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يسدِّدهم في الأقوال والأعمال، وأن يحفظ بلادنا والمسلمين من الأشرار، وأن يقينا شرَّ الأخطار، وأن يعيذنا من طوارق الليل والنهار والفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف