×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / فضل الإسلام / الدرس(4) من شرح كتاب فضل الإسلام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1429

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فنصل ما كنا قد شرعنا فيه من القراءة في كتاب "فضل الإسلام" للشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب طيب الله ثراه، وعلا في الجنان منزلته اللهم آمين.

كنا قد وقفنا في القراءة عند باب تفسير الإسلام، وقرأنا أول الباب، اقرأ ما وقفنا عليه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.

فقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-تعالى في كتابه فضل الإسلام في باب تفسير الإسلام قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».          [صحيح البخاري(6484)، ومسلم(41) من حديث عبدالله بن عمرو]

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال: "أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضةرواه أحمد.[ أخرجه أحمد برقم (20022)، وأبو داود (2142)، وإسناده حسن]

وعن أبي قلابة، عن رجل من أهل الشام، عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: "أن تسلم قلبك لله، ويسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: أي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمانقال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت".[مصنف عبد الرزاق برقم (20107) ، وأورده الهيثمي في "المجمع" 1/59 و3/207، وقال: رواه أحمد والطبراني فى "الكبير" بنحوه، ورجاله ثقات]

تقدم قول المصنف –رحمه الله-: باب تفسير الإسلام، البيان هو كشف معناه، وقلنا إن الإسلام في الجملة ينقسم إلى قسمين؛ إسلام كوني قدري، وإسلام ديني.

أما الأول فهذا الذي ذكره الله تعالى لجميع من في السماوات والأرض في قوله: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ[آل عمران: 83]، وأما الإسلام الشرعي فله معنيان؛ معنى عام تتفق فيه جميع الرسالات، ومعنى خاص وهو ما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم-خاتم النبيين وسيد المرسلين.

المعنى العام هو: إفراد الله بالعبادة التوحيد، وأما المعنى الخاص في الإسلام الشرعي فهو ما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-عقيدة وعملًا.

المؤلف فسر الإسلام الخاص ابتداء بذكر معناه العام في قوله: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ[آل عمران: 20]، وإسلام الوجه لله هو بإخلاص القصد له وصدق التوجه إليه والانقياد لأمره، فالإسلام إسلام الوجه، يتضمن الإخلاص والانقياد، الإخلاص لله بالعبادة، والانقياد له بالطاعة، ثم ذكر جملة من الأحاديث في تفسير الإسلام وهي أحاديث متنوعة، أولها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه الذي قال فيه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله»وهذا قال فيه المؤلف متفق عليه، وهو في الحقيقة في صحيح الإمام مسلم في قصة مجيء جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان قال في الإسلام أخبرني عن الإسلام قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا»[صحيح مسلم(8)]،وهو معنى الحديث الذي في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: «بُنِي الإسلامُ على خمسٍ شَهادَةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصيامِ شهرِ رمضانَ»[صحيح البخاري(8)، ومسلم(16)] هذا بيان للإسلام بذكر أركانه التي لا يقوم إلا بها ولا يصح إلا بها، ثم ساق حديث «المسلمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه»[صحيح البخاري(6484)، ومسلم(41) من حديث عبدالله بن عمرو]، قال: وفيه -يعني في الصحيحين- عن أبي هريرة مرفوعًا.

 وهو فيهما من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه، وأما حديث أبي هريرة فإنه في غير الصحيحين في المسند والسنن[أخرجه الترمذي في سننه(2627)، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»] قال –صلى الله عليه وسلم-: «المسلمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه» وهذا تفسير للإسلام؛ لأنه كف الأذى عن الناس قولًا وعملًا لذلك قال: «المسلمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه» سلم فلم يصلهم منه أذى بأن كف أذاه عنهم قولًا من لسانه، وعملًا من يديه، وهذا بيان أن الإسلام لا يقتصر على ما تقدم بيانه في حديث عبد الله بن عمر، بل هو أوسع من ذلك.

فكل ما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-من الأوامر والنواهي والشرائع والفرائض هو من دين الإسلام، ويفسر النبي –صلى الله عليه وسلم-الإسلام في موضع بشيء ويبينه في موضع آخر بشيء آخر، والجميع يستفاد منه معنى الإسلام الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-.

وقوله: «المسلمُ» المسلم هنا، الألف واللام لبيان الكمال في استحقاق هذا الوصف، فالكمال في استحقاق هذا الوصف هو لمن اتصف بهذا الوصف المذكور «المسلمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه»، يعني: المسلم الكامل هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، ثم قال: والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، والمهاجر وهي منزلة رفيعة في الشريعة الإسلامية، والهجرة لله ولرسوله يدركها من هجر ما نهى الله تعالى عنه، أي من ترك ما حرمه الله تعالى عليه وغادر ما نهي عنه.

قال: وعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-قال في الإسلام:« أن تسلم قلبك، وأن تولي وجهك وأن تصلي الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة»[أخرجه أحمد برقم (20022)، وأبو داود (2142)، وإسناده حسن]، فذكر في هذا الحديث الإسلام ظاهرًا وباطنًا، فالإسلام يطلق على الظاهر، على عمل الظاهر وعلى عمل الباطن، وإذا اقترن معه الإيمان كان الإسلام مختصًّا بأعمال الجوارح، لكن عندما ينفرد الإسلام بالذكر فإنه يشمل الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، وهو ما في هذا الحديث -حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده- لما فسر النبي –صلى الله عليه وسلم-الإسلام قال: «أن تسلم قلبك وأن تولي وجهك إلى الله»، أن تسلم قلبك بأن يخلص لله –عز وجل-محبة وتعظيمًا، فلا يكون فيه سواه، وأن تولي وجهك إلى الله، تولية الوجه لله تطلق على الإخلاص له، وهذا ثمرة تسليم القلب.

فهذان العملان كلاهما عمل قلبي، وإن كان تولية الوجه قد يظهر منها أنها عمل في الظاهر، لكن الذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن تولية الوجه المقصود به هنا القصد والإرادة، )فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ([البقرة:115] أي قصده وما يرضيه، وما يطلب لأجله –سبحانه وبحمده-.

فقوله: «وأن تولي وجهك إلى الله» أي: فلا تقصد سواه، ولا تلتفت إلى غيره، وهذا ثمرة سلامة القلب الذي أفاده قوله: «أن تسلم قلبك» ثم ذكر عملين من أعمال الجوارح وهما الصلاة والزكاة، وقد دلت عليهما الأحاديث الأخرى التي فيها بيان الإسلام، فقوله –صلى الله عليه وسلم-بعد ذكر هاتين الخصلتين «أن تسلم قلبك لله، وأن تولي وجهك إلى الله» قال: «وأن تصلي الفرائض المكتوبة» وهي الفرائض الخمس والجمعة «وتؤدي الزكاة المفروضة» التي فرضها الله تعالى في الأموال الحق الذي فرضه الله تعالى في الأموال، وقد تكلم بعض أهل العلم في هذا الحديث، لكن معناه ثابت من نصوص كثيرة، فلا يضر أن يكون الحديث فيه شيء من المقال، فيصح في مثل هذا أن يستدل بالحديث؛ لأنه لا يستقل بالدلالة على المعنى.

إذا كان الحديث لا يستقل بالدلالة على المعنى الذي تضمنه فإن عمل أهل العلم جار على الاستدلال به وإن كان ضعيفًا؛ لأنه مما تشهد له النصوص.

قال –رحمه الله-بعد ذلك في الدليل الخامس الذي استدل به لتفسير الإسلام قال: وعن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه أنه سأل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ما الإسلام؟ قال: «أن تسلم قلبك لله»[مصنف عبد الرزاق برقم (20107) ، وأورده الهيثمي في "المجمع" 1/59 و3/207، وقال: رواه أحمد والطبراني فى "الكبير" بنحوه، ورجاله ثقات]، وهذا موافق لحديث بهز بن حكيم «وأن يسلم المسلمون من لسانك ويديك»، وهذا موافق لحديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة.

قال بعد ذلك أي الإسلام أفضل؟ انظر هنا عرف الإسلام بعمل قلبي وعمل في الجوارح، أما العمل القلبي فهو الإخلاص، وأما عمل الجوارح فهو الإمساك عن الشر، وهذا أقل مراتب الإسلام أن تكف شرَّك عن الناس، أن يسلم المسلمون من لسانك ويديك.

قال: أي الإسلام أفضل؟ لما أجابه عن الإسلام سأله عن أفضل الإسلام قال: «الإيمان بالله»، وهنا الإيمان أخص من الإسلام؛ إذ إنه فسره لما قال له وما الإيمان بالله؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث بعد الموت»، فهنا الإيمان اختص الأعمال القلبية، الأعمال الباطنة، وهذا نظير حديث عبد الله بن عمر في قصة مجيء جبريل قال: «أخبرني عن الإسلام قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا قال: صدقت فأخبرني عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه»[صحيح مسلم(8)]، فتعريفه –صلى الله عليه وسلم-للإسلام بالأركان الخمس هو بيان لأعمال الظاهر أعمال الجوارح قولًا وعملًا، فعلًا وتركًا، وتعريفه للإيمان بأنه الإيمان بالله وملائكته إلى آخره بيان أن الإيمان هو عمل القلب، عمل الباطن؛ لأن الإيمان هو إقرار القلب المستلزم للإذعان والقبول، وهنا بين أن الإسلام بمفهومه العام يشتمل على الإيمان، حيث قال: وما أفضل الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله...» إلى آخره.

وبه يعلم أن أعمال القلوب أفضل من أعمال الجوارح، عمل القلب لا يجوز تخلفه بالكلية، بخلاف أعمال الجوارح قد تتخلف لعذر، إما إكراه أو عجز أو غير ذلك، لكن عمل القلب لا يمكن أن يتخلف، ولذلك كانت أعمال القلوب أهم، وهي من الإسلام وبه يعلم أن الإسلام أركان وواجبات ومستحبات، ظاهر وباطن هذا تعريف الإسلام وتفسيره بمعناه الذي دلت عليه هذه النصوص.

قال –رحمه الله-: باب قوله تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}.[آل عمران:85]

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة. فيقول: إنك على خير. ثم تجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة. فيقول: إنك على خير. ثم يجيء الصيام فيقول: يا رب أنا الصيام. فيقول: إنك على خير. ثم تجيء الأعمال على ذلك، فيقول: إنك على خير. ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام، وأنا الإسلام. فيقول: إنك على خير، بك اليوم آخذ، وبك أعطي. قال الله تعالى في كتابه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} رواه أحمد.[أخرجه أحمد في مسنده(8742)، وسنده ضعيف. وقال الهيثمي:وَفِيهِ عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ. وقال الألباني في المشكاة(5224): ضعيف]

وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه أحمد.[صحيح مسلم( 1718)]

قوله –رحمه الله-: في ترجمة هذا الباب باب قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ[آل عمران: 85] فترجم للباب بالآية، ومقصوده بيان بطلان ما سوى دين الإسلام الذي تقدم إيضاحه بيان فضله وحقيقته ووجوبه.

والوجوب قرر هذا المعنى لكن مزيد إيضاح أنه لا يتم الإسلام إلا باعتقاد بطلان ما سواه، مقصود هذا الباب بيان أنه لا يتم إسلام أحد حتى يعتقد بطلان ما سواه، كما قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى[البقرة: 256]، فلا يتم إسلام أحد إلا بأن يجمع بين هذين الأمرين؛ أن يعتقد ما جاء به الإسلام، وأن يعتقد بطلان ما سواه من الأديان.

ودليل ذلك قوله: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ (،أي: يطلب اعتقادًا أو عملًا غير الإسلام دينًا، أي: يتعبد به في الاعتقاد، أو في العمل فلن يقبل منه، وعدم القبول دليل على عدم الرضا، كما قال الله تعالى: ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ[الزمر: 7]، فالله تعالى لا يرضى لعباده الكفر، فلا يقبله، هذا معنى عدم القبول، فلا يجزي عليه ولا ينجي أصحابه، وساق المؤلف في هذا الباب حديثين بعد الآية، لكن قبل أن نمضي فيما ذكر من النصوص.

قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ[آل عمران: 85]، يشمل كل دين سوى دين الإسلام والأديان سوى دين الإسلام نوعان؛ النوع الأول دين أهل الشرك والكفر، وهم عباد الأوثان، وهؤلاء دينهم باطل، بدلالة الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، وبطلان دينهم في جميع الشرائع والملل، فإن جميع من بعث الله من الرسل كانوا يدعون إلى التوحيد وينهون عن الشرك، ويبيِّنون بطلانه، هذا النوع الأول من الدين الذي يدخل في قوله: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا[آل عمران: 85]، دين أهل الشرك، دين المشركين.

الثاني ما سوى الشرك وهو دين الأمم السابقة من أتباع الأنبياء، فهؤلاء دينهم في وقت رسالات أنبيائهم مقبول، لكنه بعد بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم-لا يقبل منهم غير الإسلام؛ لقول الله –عز وجل-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ[آل عمران: 85]، والإسلام هنا هو الإسلام الخاص الذي جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم-﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا[الأعراف: 158]، يدل له أيضًا ما في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «والذي نفْسُ محمدٍ بيدِهِ لَا يَسْمَعُ بي أحَدٌ من هذِهِ الأمَّةِ، ولَا يَهودِيٌّ ولا نصرانِيٌّ ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به إلا كان من أصحابِ النارِ»[صحيح مسلم(153)]، فهذا دليل أن ما سوى دين الإسلام من الأديان السابقة التي كانت تتبع الأنبياء لا يقبلها الله –عز وجل-بعد دين الإسلام بعد بعثة سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه.

ذكر المؤلف بعد ذلك حديثين؛ الحديث الأول حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «تَجيءُ الأعمالُ يومَ القِيامةِ، فتَجيءُ الصَّلاةُ، فتقولُ: يا ربِّ، أنا الصَّلاةُ، فيقولُ: إنَّكِ على خيرٍ، فتَجيءُ الصَّدَقةُ، فتقولُ: يا ربِّ، أنا الصَّدَقةُ، فيقولُ: إنَّكِ على خيرٍ، ثمَّ يَجيءُ الصيامُ، فيقولُ: يا ربِّ، أنا الصيامُ، فيقولُ: إنَّكَ على خيرٍ، ثمَّ تَجيءُ الأعمالُ على ذلك، فيقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ: إنَّكِ على خيرٍ، ثمَّ يَجيءُ الإسلامُ، فيقولُ: يا ربِّ، أنت السلامُ، وأنا الإسلامُ، فيقولُ اللهُ: إنَّكَ علىخيرٍ، بك اليومَ آخُذُ، وبك أُعطي، قال اللهُ عزَّ وجَلَّ في كِتابِه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}»[أخرجه أحمد في مسنده(8742)، وسنده ضعيف. وقال الهيثمي: وَفِيهِ عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ. وقال الألباني في المشكاة(5224): ضعيف]، وجه الدلالة في هذا الحديث قوله: «بك اليومَ آخُذُ، وبك أُعطي »

 الأخذ عقوبة، والعطاء إثابة، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ[آل عمران: 85]، الحديث في إسناده مقال، فقد ضعفه جماعات من أهل العلم، ومعناه فيما يظهر -والله أعلم- بيان منزلة التوحيد عند الله –عز وجل-، فالإسلام هنا المقصود به التوحيد، إخلاص العمل لله، إفراد الله بالعبادة، فهذا أعلى ما يكون من العمل، وليس المقصود بالإسلام هنا ما يشمل الأعمال؛ لأن الصلاة من الإسلام، والصدقة من الإسلام، والصوم من الإسلام، وسائر الأعمال الصالحة من الإسلام، لكن لما جاء ذكر الإسلام مع هذه الأعمال علم أن المراد بالإسلام هنا التوحيد، إخلاص العمل لله.

ويشهد لهذا حديث عبد الله بن عمرو في قصة صاحب البطاقة الذي يأتي يوم القيامة بتسعة وتسعين سجلًّا كل سجل مدّ البصر سيئات، فيؤتى ببطاقة توضع السجلات في كفة والبطاقة في كفه فتطيش تلك السجلات البطاقةُ، ليس فيها إلا "لا إله إلا الله" التوحيد، فيقول: «بك اليومَ آخُذُ، وبك أُعطي »، أي: بتمام الإخلاص لله وكماله وإفراده بالعبادة جل في علاه.

ثم قال: وفي الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-قال: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا»[ صحيح مسلم( 1718)]، أي: شأننا، والأمر هنا هو أمره الديني، وهو ما جاء به من العبادة، فهو رد مردود إذا كان في مفردات الأعمال، فكيف في أصله، من جاء بشيء من الأعمال ليس عليه عمله –صلى الله عليه وسلم-يتعبد به لله «فهو رد» أي غير مقبول، فكيف بمن ترك كل ما جاء به وجاء بدين آخر غير دينه هو أولى بماذا؟ بالرد يستدل بهذا على رد المحدثات ودلالاته على رد ما سوى دين الإسلام من باب أولى ننتقل للذي يليه.

قال –رحمه الله-: [باب وجوب الاستغناء بمتابعته، يعني القرآن]

وقول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}.[سورة النحل:89] روى النسائي: "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فقال: «أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لو كان موسى حيا واتبعتموه وتركتموني، ضللتم» وفي رواية: «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي». فقال عمر: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا".[أخرجه أحمد في مسنده(15156)، وقال الهيثمي في المجمع:رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ مُجَالِدِ بْنُ سَعِيدٍ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُمَا]

هذه الترجمة بيان الاكتفاء بما جاء في دين الإسلام بما جاء به سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عما سواه، وأما الكتاب والسنة يكفيان كل أحد في تحقيق تمام العبودية لله –عز وجل-اعتقادًا وعملًا.

قال: باب وجوب الاستغناء، أي: ثبوت الاستغناء واقعًا وتكليفًا، ومعنى الاستغناء: الاكتفاء، والمقصود به حصول الغنى، والغنى مرتبة من المنازل يكون فيها الإنسان لا حاجة به لغيره، فالغني هو الذي لا يحتاج لمن سواه؛ لحصوله على مطلوبه ومراده حصولًا يغنيه ويكفيه، وهذا يكون في الأمور المادية الحسية وفي الأمور المعنوية، وهنا الاكتفاء بالإسلام وبما جاء به سيد الأنام من الاكتفاء المعنوي الغناء المعنوي والغنى الحقيقي هو الغنى المعنوي، لذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى النفس»[صحيح البخاري(6446)، ومسلم(1051)]، فاغتناء المسلم بما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-هو اكتفاؤه عن كل ما سواه من الأديان والكتب وسائر ما في أيدي الناس مما يتدينون به، والاستغناء هنا بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه بمتابعة الكتاب، أي: بلزوم الكتاب والسير عليه اعتقادًا وعملًا، فالمتابعة تكون في الاعتقاد وتكون في العمل، والكتاب المقصود به القرآن، وقوله: "عن كل ما سواه"، يعني عن كل ما في أيدي الناس من الكتب سواء كانت من كتب المرسلين والوحي السابق، أو كان ذلك مما في أيدي الناس مما يتعبدون به.

واستدل لذلك بآية وحديث، أما الآية قوله تعالى:﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ[النحل: 89]، فامتن الله تعالى على نبيه محمد –صلى الله عليه وسلم-بهذه المنة العظيمة، وهو إنزال الكتاب عليه، والكتاب هو القرآن، وبيَّن أن هذا الكتاب لم يترك شيئًا إلا بينه، )تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، أي: توضيحًا وإظهارًا وتجلية لكل شيء.

وقوله: )لِكُلِّ شَيْءٍالشيء هنا يقصد به كل ما يحتاجه الناس في معرفة ربهم، وطريق الوصول إليه حتى لا يقال: لم يأت بيان كثير من الأمور الدنيوية في القرآن بالنص، فلم يأت مثلًا ما يتعلق بالمناخ ما يتعلق بالتاريخ تاريخ الأمم السابقة بالتفصيل.

قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا﴾ أي: مما يتعلق بمعرفة الله والعلم به، وبما يتعلق بالطريق الموصل إليه من الشرائع والعبادات، وبيانه لذلك إما بيانًا مفصلًا، وإما بيانًا مجملًا، وكلاهما يصدق عليه أن القرآن تبيانًا لكل شيء، فمثلًا الصلاة جاء بيانها في القرآن مجملًا، وأما تفصيل صفتها فجاءت في السنة وهي في القرآن، لأن القرآن قد قال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر: 10]، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، فالقرآن تبيان لكل شيء، لكن منه ما جاء بيانه بالإجمال، وتكفل سيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم-بتكميل بيانه وإيضاحه، وقد جعل الله تعالى لرسوله تبيان الذكر كما قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ[النحل: 44]، فهو تبيان، والنبي –صلى الله عليه وسلم-، مبيّن لما أُجمل بيانه في القرآن، وبهذا يستغني الإنسان عما سواه.

فالقرآن بيان كل شيء، وما بُيّن فيه إجمالًا جاء بسطه وبيانه في السنة تفصيلًا، ثم ذكر الحديث الذي فيه خبر عمر رضي الله تعالى عنه قال: روى النسائي وغيره عن النبي –صلى الله عليه وسلم-أنه رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة، وهذا من حديث جابر لكن ليس في النسائي الموجودة بأيدي الناس، إنما في المسند وغيره.

في يدي عمر ورقة من التوراة، والتوراة أجلّ الكتب المنزلة على المرسلين بعد القرآن، ولذلك يقرن الله تعالى ذكر التوراة بالقرآن كثيرًا، فهو أجل الكتب المنزلة على المرسلين بعد القرآن، فكان في يده ورقة من التوراة، فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أمتهوكون يا ابن الخطاب؟» وهذا استفهام إنكار، فقال له: «أمتهوكون؟» والتهوك هو: التحير وعدم الاهتداء والتردد، فقوله: «أمتهوكون؟» أي: أمتحيرون يا ابن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، والمقصود: التحير في طلب الهداية من غير ما جاء به –صلى الله عليه وسلم-.

ولهذا أنكر عليه، ثم قال: «لقد جئتكم بها» أي: بالهداية ودين الحق «بيضاء نقية» ، بيضاء في هداياتها، نقية من كل الشوائب، فلا يشوبها شيء، ثم لتقرير تمام وكمال ما جاء به، وأنه مغن عن كل شيء في أيدي الناس من كتب المرسلين السابقين.

قال: «لو كان موسى حيًّا واتبعتموه وتركتموني ضللتم» وفي الرواية الأخرى: «لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي» فدل هذا على أن ما جاء به ناسخ لكل ما تقدم من الوحي، وأنه كاف عن كل ما تقدم، وأنه لا حاجة بأحد إلى غير ما جاء به –صلى الله عليه وسلم-، وهذا مقرر للترجمة التي ذكرها المؤلف –رحمه الله- في قوله: باب وجوب الاستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه.

وما جاء من الإذن عن التحديث عن بني إسرائيل ليس لأجل طلب الهداية، إنما لمعرفة ما عندهم في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «بلغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»[صحيح البخاري(3461)]، فأمر بالبلاغ عنه لأنه الكافي الهادي الدال على العلم النافع والعمل الصالح، وأذن بالحديث عن غيره من أحاديث بني إسرائيل، لكنه قال: «ولا حرج» أي: لا مؤاخذة، ولم يأمر بذلك لأنه ما جاء به كاف عما سواه.

 نستكمل إن شاء الله تعالى في يوم غد.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93794 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89655 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف