×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / فضل الإسلام / الدرس(6) من شرح كتاب فضل الإسلام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1402

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

فكنا قد شرعنا في باب "وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه" وقفنا على قول الله –عز وجل-: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ[النساء: 60] الآية.

 وجه دلالة الآية على وجوب الدخول في الإسلام أن الله تعالى عد هؤلاء الذين أعرضوا عن تحكيم شريعته عدهم ممن يدعي الإيمان وهو كاذب في ذلك، فإن مقتضى الإيمان أن يقبل الإنسان حكم سيد الأنام، وألا يتخلف عن ذلك.

ولذلك قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ[النساء: 60]، فدلالة الآية في أنه وصف إيمانهم بالزعم لما أرادوا التحاكم إلى غيره فدل ذلك على وجوب قبول كل ما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-في الشرائع والأحكام قال الله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء: 65].

الآية التي بعدها وهي الثالثة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ[الأنعام: 159]، هذه الآية وجه الدلالة فيها على وجوب قبول الإسلام أن الله تعالى ذم من فرق دينه فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ[الأنعام: 159]، والتفريق هو بالإيمان بعض وجحود بعض ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ[البقرة: 85]، فهذا من التفريق الذي يدخل في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ[الأنعام: 159]، فذمهم على التفريق وبرأ رسول الله –صلى الله عليه وسلم-من طريقهم.

أما الدليل الرابع على وجوب تحكيم الشرع، وعلى وجوب الدخول في الإسلام كله قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ[آل عمران: 106]، هذه الآية ذكر المؤلف -رحمه الله-في النقل ما يبين وجه الدلالة فيها.

قال ابن عباس في قوله: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ[آل عمران: 106] قال: "تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف" أي: الاجتماع على الكتاب والسنة والولاية، فيجتمعون على كتاب الله، فيقبلون ما فيه، وعلى سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-فيعملون بها وعلى الولاية، فلا يشغبون على ولاة الأمر، بل يسمعون ويطيعون للمعروف.

قال: "وتسوَدّ وجوه أهل البدع والاختلاف"[رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (3 /792)، والآجري في "الشريعة" (2128)]، أهل البدع: أهل الإحداث في الدين والاختلاف على الكتاب والسنة، وعلى الجماعة.

أما الدليل الخامس الذي ذكره المؤلف –رحمه الله-هو من السنة، وهو حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «ليَأْتِيَنَّ على أُمَّتِي ما أتَى على بَنِي إسرائِيلَ حَذْوَ النَّعلِ بالنَّعلِ، حتى إنْ كان مِنهُمْ مَن أتَى أُمَّهُ علانِيةً كان من أُمَّتِي مَن يَصنعُ ذلكَ»، وهذا خبر نبوي عن أمر قدري، يخبر النبي –صلى الله عليه وسلم-عما يكون في الأمة في مستقبل زمانها أنه يأتي على الأمة من المخالفة والاختلاف ما أتى على بني إسرائيل من اليهود والنصارى «حذو النعل بالنعل» يعني من غير اختلاف ولا مفارقة لما كانوا عليه، «حتى إنْ كان مِنهُمْ مَن أتَى أُمَّهُ علانِيةً كان من أُمَّتِي مَن يَصنعُ ذلكَ»كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-في الحديث الآخر «حتَّى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ»[صحيح البخاري(7320)] ثم قال –صلى الله عليه وسلم-: «وإنَّ بَنِي إسرائِيلَ تَفرَّقُوا على اثْنتيْنِ وسبعينَ مِلَّةً» أي: طريقة وسبيل ثم في الحديث قال: «وتَفترِقُ أُمتِي على ثلاثٍ وسبعينَ مِلَّةً، كُلُّهمْ في النارِ إلا مِلَّةٌ واحِدَةٌ» قوله: ستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كما افترقت اليهود والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فثمة ثنتان وسبعون طريق مخالف لما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم-، والطريق السالم هو ما كان عليه –صلى الله عليه وسلم-، ولذلك قال: «كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من أنا عليه اليوم وأصحابي»[أخرجه الترمذي في سننه(2641)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع] فدل ذلك على أن كل الطرق الخارجة عن هديه –صلى الله عليه وسلم-، المخالفة لما كان عليه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فهي في النار، أي: أنها محرمة، يخرج بها الإنسان عن الصراط المستقيم.

ووجه الدلالة في الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم-ذكر الافتراق، والافتراق إنما هو في الوصول إلى الله –عز وجل-والتعبد له –سبحانه وبحمده-بترك بعض الدين وأخذ بعضه، على اختلاف ما يترك في هذه الفرق، على خلاف ما يتركون في هذه الفرق وما يأخذون، والنجاة في لزوم ما كان عليه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

والمؤلف ذكر ضمن الحديث، حديث أبي هريرة «افترَقتِ اليهودُ على إحدى وسبعينَ فِرقةً وافترَقتِ النَّصارى على اثنتينِ وسبعينَ فِرقةً» ذكره ضمنًا، وهو بمعنى حديث عبد الله بن عمرو، والمقصود واحد في جميع ما تقدم، وهو أن الافتراق منشأه عدم أخذ الدين كله، بل أخذ بعض وترك بعض، فلو أخذ الدين كله لما تفرقت هذه الطرق، وهذه السبل على هذا النحو الذي ذكره –صلى الله عليه وسلم-.

الدليل الذي يليه، وهو آخر ما ذكر المؤلف –رحمه الله-في الباب قال: وهو في حديث معاوية عند أحمد وأبي داود، وفيه أنه سيخرج في أمتي قوم تتجاري بهم تلك الأهواء، تتجاري أي: تستوعبهم تلك الأهواء وتتراكض بهم في طرق الغواية، كما يتجارى بصاحبه -يعني كما ينتشر ويؤثر- داء الكلب[أخرجه أحمد في مسنده(16937)، وأبو داود في سننه(4597)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، وفيه:«وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ»]، وهو الناتج عن عضة سبع أو كلب، كما يتجارى كلب صاحبه، فلا يبقي منه عِرق ولا مفصل إلا دخله، أي أنهم يشربون البدعة، فتتخلل جميع ما فيهم من عروق ومفاصل.

ثم قال: وتقدم قوله: «ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية»[صحيح البخاري(6882)]، فيما تقدم من ذم هذا المسلك في قول النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-«ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية»، أي: طالب في الإسلام طريق غير أهله، وهو سنة أهل الجاهلية، أهل الانحراف والضلال، وقد تقدم الكلام عليه.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال المؤلف –رحمه الله-تعالى: [باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر]

لقوله:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:48] وقوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.[الأنعام:144]

وقوله تعالى:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.[النحل:25]

وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم».[صحيح البخاري(6930)، ومسلم(1066)]

وفيه أنه نهى عن قتل أمراء الجور ما صلوا.

عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلا تصدق بصدقة، ثم تتابع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص منأجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»رواه مسلم.[صحيح مسلم(1017)]

وله مثله من حديث أبي هريرة ولفظه: «من دعا إلى هدى، ثم قال ومن دعا إلى ضلالة»[صحيح مسلم(2674)]

قوله –رحمه الله-: باب ما جاء -أي من النصوص في الكتاب والسنة- أن البدعة أشد من الكبائر أن البدعة وهي الإحداث في الدين أشد من الكبائر، فالمقصود بالبدعة التي ترجم لها هي: ما أحدث في الدين مما ليس منه بقصد التعبد، ما أحدث في الدين قولًا، أو اعتقادًا، أو عملًا مما ليس منه تعبدًا لله، فكل إحداث للدين وهو خروج عن طريق سيد المرسلين قولًا أو فعلًا أو عقدًا فهو بدعة، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «كل بدعة ضلالة»[صحيح مسلم(867)] وهذا يشمل جميع البدع بصورها المختلفة القلبية والقولية والعملية، ما كان منها في الأحكام، وما كان منها في العقائد.

وقوله: أشد من الكبائر يعني أعظم خطرًا، وأكبر ضررًا من الكبائر، والكبائر جمع كبيرة، وهي: العظائم من الذنوب، وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في حد الكبيرة، وأقرب ما يقال فيها: أنها كل معصية جاء فيها وعيد خاص، أو عقوبة مقدرة، أو تبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم-من فاعلها، أو جاء فيها لعن، أو نفي عنه الإيمان، ويمكن إجمال هذا أن يقال: المعصية التي عظم الشارع بذكر عقوبة خاصة دنيوية أو أخروية، فيشمل العقوبات المقدرة بالحدود، ويشمل اللعن والتبرؤ، وما إلى ذلك.

فقوله –رحمه الله-: ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر، يعني إثما وخطرًا وضررًا، وإنما ذكر الكبائر؛ لأنها عظائم ما تحصل به المخالفة، فمن عظائم ما تحصل به المخالفة الكبائر، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ[الأنعام: 120]، ووصف أهل الإيمان بأنهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم، وساق المؤلف في الاستدلال على أن البدع أعظم من الكبائر ثلاث آيات وجملة من الأحاديث.

الآية الأولى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[النساء: 48]، وهذه الآية في الشرك ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ[النساء: 48]، وهي شاملة للشرك الأكبر والشرك الأصغر؛ لأن قوله: ﴿أَنْ يُشْرَكَ بِهِنكرة في سياق النفي، فيشمل كل شرك في ذلك العموم، والتقدير إن الله لا يغفر إشراك به، فيشمل الأصغر والأكبر في قول جماعة من أهل العلم.

وجه الدلالة في الآية على الترجمة قالوا: إن البدعة كالشرك من جهة أن المشرك يتدين بشركه، ويتعبد بشركه، والبدعة كذلك يتدين بها صاحبها، ويتقرب إلى الله تعالى بها.

أما الآية الثانية فهي قول: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ[الأنعام: 144]، قوله: من افترى على الله كذبا هذا موضع الشاهد، ووجهه أن الله تعالى جعل من افترى عليه كذبًا من أشد الظلم وأعظمه، فقوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ﴾أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم، وهذا صادق على البدع؛ لأن البدع افتراء على الله –عز وجل-، وكذب عليه -جل في علاه- حيث يدعي المبتدع أن ما يقوم به من عمل، أو ما يدين به من اعتقاد هو دين الله، وهو محبوب له، وهذا كذب على الله.

الآية الثالثة قوله: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ[النحل: 25]، وهذه في كل وزر صغير أو كبير، ومنه البدع، وهي أخطر الأوزار؛ لأن الإضلال بها أعظم من الإضلال بغيرها، الإضلال بالبدعة أعظم من الإضلال بالمعصية.

ثم قال –رحمه الله-: وفي الصحيح أنه –صلى الله عليه وسلم-قال في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم»، «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد»[صحيح البخاري(3344)، ومسلم(1064)]، وهذا ذكره –صلى الله عليه وسلم-في التحذير من طريق الخوارج في حديث أبي سعيد وعلي وغيرهما، وهو في الصحيحين، حيث قال –صلى الله عليه وسلم-في حديث أبي سعيد:« لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد»، يعني قتلًا، لا أبقي منهم أحدًا، هذا معنى قوله:« قتل عاد»، فعاد لما جاءهم العذاب لم يبق منهم أحدًا.

وجه الدلالة في الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم-رتب على هذه البدعة القتل؛ لعظيم الضرر الحاصل بها، وكبير الخطر الناتج عنها في إفساد العقائد، وإفساد الجماعة.

وجه الدلالة فيه أنه رتب على المخالفة بالخروج القتل، ولم يأت نظير هذا في الكبائر على اختلاف صورها، لم يخبر النبي –صلى الله عليه وسلم-بالقتل العام إلا في هذه الكبيرة، في هذه السيئة وهي البدعة.

لو قال قائل: ثمة من الذنوب ما يرتب عليه القتل في العقوبات، كزنا المحصن مثلا والحرابة، فالجواب: أن هذا قتل منفرد وليس قتلًا عامًّا، هنا الخطاب للقتل العام الذي يشمل كل أصحاب هذا العمل.

الدليل الذي يليه ما ذكره –رحمه الله-في قتال أئمة الجور قال: وفيه أيضًا أنه –صلى الله عليه وسلم-نهى عن قتل أمراء الجور ما صلَّوا[صحيح مسلم(867)]، وهذا يضاف إلى ما تقدم، حديث «لأقتلنهم قتل عاد»[صحيح البخاري(3344)، ومسلم(1064)]، في الخوارج وهم مبتدعة، وحديث نهيه عن قتال أئمة الجور ما صلوا، مع أن تأخير الصلاة من كبائر الذنوب وإخراج الصلاة عن وقتها من غير عذر لا خلاف في أنه من عظائم الإثم، دل ذلك على أن الكبيرة أقل خطرًا من البدعة، إن جعل النبي –صلى الله عليه وسلم-عقوبة البدعة القتل وعقوبة تأخير الصلاة التحذير والتنفير من هذا الفعل دون القتل، فهذا الحديث يتم الاستدلال به بإضافته إلى ما تقدم من حديث أبي سعيد «أينما لقيتموهم فاقتلوهم» «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد».

ثم قال: وعن جرير أن رجلًا تصدق بصدقة، ثم تتابع الناس، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:« من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة جاهلية» أي: طريقة الجاهلية في الاعتقاد، أو في العمل «كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا»[1854]

 ومثله الحديث الذي يليه، حديث أبي هريرة: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجر من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه لا ينقص من أوزارهم شيئًا».[سبق]

وهذا الحديث دلالته كدلالة الآية التي ختم المؤلف –رحمه الله-، الآية الثالثة في الآيات التي استدل بها في قوله: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ[النحل: 25]، فوزر البدعة أعظم من وزر غيره، فالمبتدع يتحمل وزر البدعة، ووزر من أخذ بقوله، وصار على طريقه.

ودلالة النصوص على ما ذكر؛ منها ما هو ظاهر جلي، ومنها ما هو قد يناقش في الاستدلال.

قال –رحمه الله-: [باب ما جاء أن الله احتجز التوبة على صاحب البدعة]

هذا مروي من حديث أنس[رواه الطبراني ، أخرجه في "الأوسط" (٥/ ١١٣/ ٤٢١٤) ، وإسناده لايصح]، ومن مراسيل الحسن.[أخرجه ابن وضاح في "البدع" (ص27)، والآجري في "الشريعة" (ص62)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (1 /128)، كلهم من طريق هشام بن حسان، عن الحسن. ورواية هشام عن الحسن أعلها بعضهم بالانقطاع، كما في "شرح علل الترمذي" لابن رجب (ص257(] وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: كان عندنا رجل يرى رأيا فتركه، فأتيت محمد بن سيرين فقلت أشعرت أن فلانا ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه". وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذلك فقال: لا يوفق للتوبة.[أخرجه ابن وضاح في كتاب البدع:برقم (154(]

هذا الباب تتمة الباب السابق، في الباب السابق بين المؤلف خطورة البدعة، وأنها أشد من الكبائر في هذا الباب، بيَّن شيئًا من العقوبات المترتبة على الكبيرة، بيَّن شيئًا من العقوبات المترتبة على البدعة، ولم يأت نظيرها من الكبائر، قال: "باب ما جاء أن الله احتجز التوبة" أي منعها "عن صاحب البدعة"، والمقصود بمنع التوبة عدم التوفيق إليها، فالتوبة تطلق ويراد بها الإقبال على النزوع عن الخطأ، الإقبال على ترك الخطأ، الإقبال على التوبة، وتطلق التوبة ويراد بها مفارقة الخطأ وترك الذنب، فكلاهما توبة.

قال الله تعالى في الثلاثة الذين خلِّفوا: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا[التوبة: 118]، قال المفسرون: تاب عليهم، أي: وفَّقهم للتوبة فتابوا، فقبِل توبتهم، فمعنى احتجاز التوبة أنهم لا يوفَّقون إليها، وذلك لعظيم ما اقترفوه؛ ولأنهم يعتبدون بما فعلوا من خطأ ومخالفة، فلا يرونها أصلا ذنبًا حتى ينزعوا منه، أو يرجعوا عنه، إنما يرونها قربى فيصرون عليها، فلا يتوبون، وهذا وجه كون البدع في الجملة أعظم من المعاصي والمخالفات، إذ إن المبتدع لا يرى أنه على غير السبيل، فيصرّ ولا ينزع، بخلاف العاصي فإنه يأتي ما يأتي من ذنب ومخالفة وهو نادم، ويجد من نفسه من التأنيب لمخالفة أمر الله ما يحمله على المراجعة.

فقوله: "باب ما جاء أن الله احتجز التوبة عن صاحب البدعة، أي: أنه لا يوفقه لها، كما دل عليه الآية الكريمة، وما نقل عن الإمام أحمد –رحمه الله-قال: هذا مروي من حديث أنس، ومن مراسيل الحسن، يعني المعنى الذي تضمنته التوبة هذا المشار إليه، المعنى الذي تضمنته التوبة من أن البدعة تمنع صاحبها من التوبة، وحديث أنس الذي رواه الطبراني في المعجم مرفوعًا: «إن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة» وفي إسناده مقال.[رواه الطبراني ، أخرجه في "الأوسط" (٥/ ١١٣/ ٤٢١٤ - ط) ، ولا يصح]

وأما ما ذكره من مراسيل الحسن قال: "ومن مراسيل الحسن يعني أيضًا جاء هذا النص من مراسيل الحسن، فجاء معنى ما في الترجمة عن الحسن مرسلًا، ومراسيل الحسن من أضعف المراسيل، ولكن ساقه تقوية لما جاء عن أنس -رضي الله تعالى عنه- مرفوعًا: «إن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة» ثم ذكر الدليل الثالث في بيان أن البدعة تحجز التوبة وتمنعها.

قال: وذكر ابن وضاح عن أيوب قال: كان عندنا رجل يرى رأيا فتركه، يرى رأيا يعني مخالفًا للسنة، خارجًا عن الهدى، فأتيت محمد بن سيرين -وهو من الأئمة من التابعين- فقلت: أشعرت أن فلانا ترك رأيه؟ أشعرت يعني: أعلمت أن فلانًا ترك رأيه؟ يعني ترك البدعة التي كان عليها قال: انظر إلى ماذا يتحول؟ يعني تأمل إلى ماذا صار؟ إلى أي شيء صار؟ إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله.

 آخر الحديث في بيان ما يؤول إليه حالهم من الإصرار على المخالفة، ومراده بآخر الحديث قوله: «يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» وهو في حديث أبي سعيد الخدري قال: «ثم لا يعودون إليه»[صحيح البخاري(7562)]، أي لا يرجعون إلى ما تركوا من الهدى ودين الحق، بل يصلون إلى بدع متلونة متنوعة، ولهذا قال: انظر إلى أي شيء تركه، يعني إلى أي شيء تحول، انظر إلى ماذا تحول، يعني إلي أي شيء ترك ما كان عليه.

وسئل أحمد –رحمه الله-عن معنى ذلك، يعني عن معنى الحديث وهو قوله: «ثم لا يعودون إليه»، وإما عن معنى كلام ابن سيرين، والذي يظهر أنه سئل عن معنى الحديث، «ثم لا يعودون إليه» قال: لا يوفق للتوبة، وهذا معنى حجب التوبة عن صاحب المعصية، أنه لا يوفق إليها، وهذا معنى ما تقدم من أن صاحب البدعة لا يوفق للتوبة لأجل ما تقدم من معاني، نأتي -إن شاء الله تعالى- على بقية النصوص بعد الصلاة بإذن الله.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89655 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف