الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.
قال المصنف –رحمه الله-: باب ما جاء في غربة الإسلام، وفضل الغرباء.
قال –رحمه الله-: [باب ما جاء في غربة الإسلام وفضل الغرباء]
وقول الله تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}.[هود:116]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبي للغرباء» رواه مسلم.[صحيح مسلم(145)] ورواه أحمد من حديث ابن مسعود وفيه: "ومن الغرباء؟ قال النّزاع من القبائل".[أخرجه أحمد في مسنده(3784)] وفي رواية "الغرباء الذين يُصلحون إذا فسد الناس".[أخرجها الطبراني في الأوسط(3056)] وللترمذي من حديث كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده: "طوبى للغرباء الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنتي".[أخرجه الترمذي في سننه(2630)، وحسنه]
وعن أبي أمية قال: "سألت أبا ثعلبة رضي الله عنه فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؟ قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا. سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك ودع عنك العوام؛ فإن من ورائكم أياما؛ الصابر فيهن مثل القابض على الجمر؛ للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم. قلنا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم" رواه أبو داود والترمذي.[رواه أبو داود(4341)، والترمذي(3058)، وحسنه]
وروى ابن وضاح معناه من حديث ابن عمر رضي الله عنه ولفظه: «إن من بعدكم أياما الصابر فيها المتمسك بمثل ما أنتم عليه اليوم له أجر خمسين منكم. قيل: يا رسول الله منهم؟ قال: بل منكم».[البدع لابن وضاح(189)] ثم قال: أنبأنا محمد بن سعيد، أنبأنا أسد قال سفيان ابن عيينة: عن أسلم البصري: عن سعيد أخي الحسن يرفعه، قلت لسفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم قال: «إنكم اليوم على بينة من ربكم، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في الله ولم يظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل وسكرة حب العيش. وستحولون عن ذلك لا تأمرون بالمعروف، ولا تنهون عن المنكر، ولا تجاهدون في الله. وتظهر فيكم السكرتان. فالمتمسك يومئذ بالكتاب والسنة له أجر خمسين. قيل منهم؟ قال: لا، بل منكم».[البدع لابن وضاح(190)]، وله بإسناد عن المعافري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للغرباء الذين يتمسكون بالكتاب حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ«.[البدع لابن وضاح(169)]
هذا الباب ذكر فيه المؤلف –رحمه الله-ما جاء في غربة الإسلام ما جاء يعني من النصوص في الكتاب والسنة في شأن غربة الإسلام وفضله الغرباء.
غربة الإسلام بالنظر إلى كثرة مخالفيه من أهل الشرك والكفر وسائر الأديان، كذلك بالنظر إلى غربة من التزمه في أهل الإسلام قال: "وفضل الغرباء" يعني ما جاء في شأنهم من النصوص الدالة على زيادتهم في الفضل والخير على سائر أهل الإسلام، فإن هذا الدين بدأ غريبًا كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة «بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا»[سبق]، ولذلك فضل أهل السبق في الإيمان زمن الأذى وقلة الناصر على من جاء بعد الفتح وظهور الإسلام، وكذلك في آخر الزمان عندما يقل الناصر يكون أجر أهل الإسلام في ذلك الزمان أعظم من أجر غيرهم في سائر الزمان.
يقول المصنف –رحمه الله-: وقول الله تعالى ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ﴾[هود: 116]، وجه الدلالة في الآية قوله: ﴿أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ﴾[هود: 116]، وهم القلة اللازمة للحق والهدى، فدلالة الآية على الترجمة في قوله: ﴿فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾[هود: 116]، فوصفهم الله تعالى بالقلة وهم أولوا البقية، أصحاب البصائر والعقول ونافذ الرأي، الذين يلزمون الهدى مع قلة العمل به، فهذا وجه الدلالة أن الله أثنى عليهم بأنهم أولوا عقول وبصائر، أولوا بقية، المقصود بالبقية هنا: العقل النافذ الذي يهتدون به إلى النهي عن الفساد والصبر على الحق.
وجه الدلالة هذا بيان فضل الغرباء، وأما كونهم غرباء في قوله: ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾[هود: 116]، فهم في عداد غيرهم قليل وهذا من الاستدلال الذي قد يخفى، ثم ذكر المصنف –رحمه الله-بعد هذه الآية حديث أبي هريرة: «بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا»،فأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم-عن أمر سابق، وهو أنه في أول ظهور الإسلام كان غريبًا، وغربته في قلة المنتسب إليه، وفي انفراده عن الناس فيما كان يعتقدون من إخلاص العبادة لله تعالى والتوحيد له، فالغربة من جهة القلة في العدد، ومن جهة الانفراد عن أكثر الخلق في الاعتقاد، فغربة عددية وغربة اعتقادية عملية، وكلها كانت حال الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أول الإسلام، ثم أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم-أن ذلك الذي كان في أول الأمر سيعود وسيعود غريبًا كما بدأ، أي نظير ما كان عليه الحال السابق.
وبعد أن ذكر هذين الأمرين بين فضل الغربة فقال: «فطوبى للغرباء» طوبى: فعلى من الطيب، والطيب الموعودون به هو ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[النحل: 97]، فهو طيب عاجل وطيب آجل، طيب في الدنيا بالحياة الطيبة وطيب في الآخرة بعظيم الأجر وجزيل الثواب.
وقيل: "طوبى اسم للجنة"، ومن فسر ذلك بهذا، فإنه ذكر المعنى بالمثال؛ لأن طوبى تشمل الجنة وغيرها مما يتنعم به أهل الإيمان وأهل الإسلام.
الدليل الثالث بيان من هم الغرباء؟ وهو حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: ورواه الإمام أحمد من حديث ابن مسعود وفيه «قيلَ: ومَنِ الغرباءُ قالَ: النُّزَّاعُ منَ القبائلِ»[سبق] وفي رواية:« الغرباء الذين يَصْلُحونَ عند فسادِ الناسِ»ورواه الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص وفيه: «فطُوبى يَومَئِذٍ لِلغُرباءِإذا فسَدَ النَّاسُ». [مسند أحمد(1604)]
وللترمذي من حديث كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده:«فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي»[سبق]
هذه الأحاديث كلها في بيان أوصاف الغرباء، وهي وإن اختلفت في الوصف إلا أنها تتفق في صدقها على هؤلاء فقوله: «النزاع من القبائل» أي: أنهم أفراد من قبائل متفرقة، ومثل هؤلاء يقل ناصرهم؛ لأنهم نزاع وليسوا جماعات من فئة يتناصرون ويدفع بعضهم عن بعض، بل هم نزاع من قبائل شتى، وهذا بيان حالهم.
وأما قوله: «يصلحون إذا فسد الناس» هذا بيان عملهم في خاصة أنفسهم، أنهم يصلحون في أنفسهم وصلاحهم في استقامتهم على دين الإسلام اعتقادًا وعملًا.
والرواية الثالثة: «الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي» وهذا يشمل المعنى السابق، فهم يصلحون ما أفسد الناس من سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-بلزومها فيصلحون في أنفسهم، وبالدعوة إليها، وهذا أمر متعد إلى غير، فيصلحون يشمل معنى الصلاح في الذات في النفس، فإنه لا يصلح الإنسان غيره إذا لم يكن مصلحًا لنفسه وتبين من هذا أن الغرباء هم المستقيمون على ما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم-اعتقادًا وعملًا، زمن قلة العامل بالإسلام وكثرة المعرض عنه.
ثم ذكر عن أبي أمية قال: سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾؟ يعني ألزموها الحق والهدى ﴿لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ يعني لا ينقصكم ضلال غيرهم إذا لزمتم الهدى، قال: "أما والله لقد سألت عنها خبيرا" أي: أن عنده فيها علم وهدى سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بل ائتمروا بالمعروف» أي: أنه لا تدل الآية على ترك إصلاح الفساد وهداية الخلق بدلالتهم على الطريق القويم والصراط المستقيم الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهذا معنى قوله: «بل ائتمروا بالمعروف»، بل: إضراب إبطالي، كلمة أو حرف يؤتى به للإضراب وإبطال ما تقدم، وهنا لم يتقدم كلام لكن تقدم فهم، والفهم المتقدم ما هو؟ أن الآية تدل على التزام الهدى في نفسه والإعراض عن هداية الناس وبيان الحق لهم.
قال: «بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحًّا مطاعا، يعني: اشتغلوا بالأمر بالمعروف فيما بينكم والنهي عن المنكر فيما بينكم، كما قال الله تعالى في وصف المؤمنين ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾[التوبة: 71] اللهم اجعلنا منهم.
«حتى إذا رأيتم شحا مطاعا» حتى للغاية، يعني أقيموا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن تبلغ الحال ما وصفها النبي –صلى الله عليه وسلم-، «حتى إذا رأيتم» والرؤية هنا رؤية بصرية وعلمية، يعني إذا علمتم وشاهدتم من حال الناس «شحًّا مطاعًا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه» هنا ذكر أربع خصال –صلى الله عليه وسلم-كلها تجتمع في معنى واحد؛ أنها مانعة من قبول الحق، فلا ينفع معها أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر، وهذا من معانى قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾[الأعلى: 9]، فإن لم تنفع فاترك التذكير، وهذه الحال من الأحوال التي لا ينفع فيها تذكير «حتى إذا رأيتم شحًّا مطاعًا» الشح هو الامتناع عن الحق الواجب عليك والمطالبة بما ليس لك، فتجمع أمرين؛ امتناع عما وجب، ومطالبة بما ليس لك بما لا حق لك فيه.
وقول: «مطاعًا» يعني تستجيب إليه النفوس، والشح لا تخلو منه نفس إلا أن الناس يختلفون فيه، فمنهم من يوفق فيوقى شح نفسه، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[الحشر: 9]، ومنهم من يستجيب للشح الذي في نفسه فتقع منه المخالفات من البغي والاعتداء والظلم، فإذا رأيت شحًّا مطاعًا امتناع عن بذل الواجب والحق، ومطالبة بما لا حق للناس فيه «وهوى متبعًا» الهوى ميل النفس وشهواتها وقوله: «متبعًا» يعني تسير خلفه النفوس «ودنيا مؤثرة» يعني ميل إلى الدنيا وإيثار لها على الآخرة «وإعجاب كل ذي رأي برأيه» يعني اغترار كل إنسان برأيه وبما وصل إليه تفكيره.
قال –صلى الله عليه وسلم-: «فعليك بنفسك» ما الجامع بين هذه الخصال؟ أنها مانعة من قبول الحق والائتمار بالمعروف والانتهاء عن المنكر، فعليك بخاصة نفسك، يعني ألزمها الهدى وعند ذلك لا يضرك ضلال الناس وهذا معنى قوله –صلى الله عليه وسلم-في حديث الفتن قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على غصن شجرة» بمعنى: اثبت على الحق الذي تعرفه مهما كان من المخالفة من الناس، «فعليك بنفسك ودع عنك العوام»؛ يعني دع عنك أمر الناس والأمر العام؛ لأنه لا يد لك في إصلاحه ولا سبيل إلى قبول ما تدعو إليه من الحق والهدى.
«فإن من ورائكم أياما الصابر» بعد أن ذكر –صلى الله عليه وسلم-ما ينبغي أن تكون عليه حال الإنسان عندما تفشو هذه الخصال من الشح المطاع والهوى المتبع والدنيا المؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه بين ما الذي يعين على التزام ما وجه إليه في قوله: «فعليك بنفسك ودع عنك أمر العامة» ما الذي يعين على تحقيق هذا؟ الصبر «فإن من ورائكم أياما، الصبر»، فأضاف الأيام إلى الصبر لأنه أنفع ما يكون من العمل فيها والصبر هنا على لزوم الحق والثبات عليه وترك مفارقته وما يترتب على ذلك مما يكرهه الإنسان من الأذى في نفسه أو في ماله أو في أهله أو غير ذلك، «فإن من ورائكم أياما الصبر» وهو صبر على أمر مؤلم لذلك قال: «القابض فيهن على دينه مثل القابض على الجمر»؛ والقابض على الجمر يعاني معاناة شديدة وهذا يدل على عظم البلاء الحاصل في هذا الزمن الذي ذكره –صلى الله عليه وسلم-، فأوصى بالصبر على ذلك مع كونه مما يثقل على النفوس.
قال –صلى الله عليه وسلم-بعد أن ذكر المخرج من كل ما تقدم من البلاء والشر قال: «للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» وهذا بيان للأجر المرتب والأجر يحفز النفوس على العمل بما أمر به –صلى الله عليه وسلم-فقال –صلى الله عليه وسلم-:«للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم» قلنا: منا أم منهم؟ قال: «بل منكم» رواه أبو داود والترمذي. [سبق]
وهو دال على فضل الغربة وعظيم الأجر المرتب عليها في قوله –صلى الله عليه وسلم-: «للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم قالوا: منا أو منهم؟ قال: بل منكم».
أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الحق والهدى، وأن يصرف عنا الضلال والردى وأن يختم لنا بخير.
وروى ابن وضاح معناه من حديث ابن عمر رضي الله عنه ولفظه: «إن من بعدكم أياما الصابر فيها المتمسك بمثل ما أنتم عليه اليوم له أجر خمسين منكم»[سبق] وهذا توضيح للحديث السابق وإن كان في إسناده مقال، ثم قال: «إنكم اليوم على بينة من ربكم، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتجاهدون في سبيل الله ولم يظهر فيكم السكرتان» السكرتان: مثنى سَكرة، وبينها «سكرة الجهل وسكرة حب العيش»، والسكرة هي ما يغلق العقل ويغطيه.
فقوله: «سكرة الجهل» يعني تغطية العقل بالجهل وعدم العلم، «وسكرة حب العيش» يعني: أن تستوعب الدنيا قلوبكم فلا تلتفتون إلى سواها، فينغلق عليكم التفكير فيما سوى أمر الدنيا.
قال: «وستحولون عن ذلك» يعني عن ما أنتم عليه من هذه الخصال الصالحة، «فالمتمسك يومئذ بالكتاب والسنة له أجر خمسين. قيل منهم؟ قال: لا، بل منكم». وهذا فيه معنى ما تقدم من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنها، وله بإسناد عن المعافري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للغرباء الذين يتمسكون بكتاب الله حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ».[سبق]
اللهم اجعلنا منهم، وبهذا يكون قد انتهى ما ذكره المؤلف –رحمه الله-في هذا الباب من بيان غربة الإسلام وفضل الغرباء، نأتي إن شاء الله تعالى على بقية النصوص بعد الصلاة بإذن الله.