إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعيِنُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنعوُذُ بِاللهِ مِنْ شُروُرِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ, أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقوُا اللهَ تَعالَىَ وَاسْتَبِقوُا الخَيْراتِ، ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾آل عمران:133 .
أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, أَنْتُمْ في زَمانٍ مُباركٍ، في خَيْرِ أَيَّامِ الزَّمانِ، هِيَ أَيَّامٌ قَلائِلُ، أَيَّامٌ قَلائِلُ مِنْ مَواسِمِ البِرِّ وَالطَّاعَةِ وَالإِحْسانِ، عَشْرُ ذِيِ الحِجَّةِ المبُاركِ الَّذي جَعَلَهُ اللهُ تَعالَىَ مَحلًّا لِلمواهِبِ وَالنَّفَحاتِ، وَالعَطايا وَالِهباتِ حَتَّىَ غَدَتْ هَذِهِ العَشْرُ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِ الزَّمانِ، أَقْسَمَ اللهُ تَعالَىَ بِها في كِتابِهِ فَقالَ: ﴿وَالْفَجْرِ 1 وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾الفجر:1-2 فَالعَشْرُ المذْكوُراتُ في هَذِهِ الآيةِ هِيَ عَشْرُ ذِيِ الِحجَّةِ في قَوْلِ جماهيِرِ أَهْلِ العِلْمِتَفْسيِرُ الطَّبَرِيِّ(24/396).
إِنَّها خَيْرُ أَيَّامِ الزَّمانِ، إِنَّها أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيا، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ».أحمد(6154)وَهُوَ صَحيِحٌوَفيِ صَحيِحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حديِثِ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُما، قالَ رَسوُلُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَنْ أيَّامِ أفْضَلِ عِنْدَ اللهِ مَنْ أيَّامِ عُشُرِ ذِي الْحَجَّةِ» صَحيِحُ ابْنِ حِبَّاَن(3853) ، وفي رواية: «وَلَا لَيَالٍ أَفَضْلٌ مِنْ لَيَالِيِهِنَّ» صحيح ابن حبان(3853) .
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, في صَحيِحِ الِإمامِ البُخارِيِّ مِنْ حَديِثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُما، قالِ رِسوُلُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ، يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيء» صَحيحُ البُخارِيِّ(969),وَسُنَنُ الترْمِذِيِّ(757), وَلَفْظُهُ لَهُ العَمَلُ الصَّالحُ في عَشْرِ ذيِ الحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ جَميعِ الأَعْمالِ الفاضِلَةِ في غَيْرِهِ، فَرائضُ عَشْرِ ذي الِحجَّةِ وَواجِباتُها مِنَ الصَّلاةِ وَغَيْرِها أَفْضَلُ مِنْ فَرائضِ سائِرِ الأَعْشارِ، وَنوافِلُ العَشْرِ أَفْضَلُ مِنْ نَوافِلِ سائِرِ الزَّمانِ.
وَهَذِهِ العَشْرُ تَشْتَمِلُ عَلَىَ أَيَّامِ عَظيِمَةٍ؛ فَفيِها يَوْمُ عَرَفَةَ الَّذيِ هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيا كَما جَاءَ في الحَديِثِ، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ».مسلم(1348)وَقَدْ بَيََّن النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظيمَ فَضْلِهِ، وَفَضْلِهِ لا يَخْتَصُّ الحُجَّاجَ بَلْ فَضْلُهُ لِلحُجَّاجِ بمزيِدِ الفَضْلِ وَالعَطاءِ، وَهُوَ فاضِلٌ في كُلِّ الأَمْصارِ، فالعِتْقُ فِيِهِ لِكُلِّ أَهْلِ الإِسْلامِ كَما قالَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ».مسلم(1348)
في هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ: يَوْمُ النَّحْرِ الَّذِيش هُوَ أَعْظَمُ أَيَّامِ الدُّنْيا، فَفِيِ حَديِثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قِرْطٍ رضَيِ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ قالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أعظم الأيامِ عندَ الله يومُ النحرِ، ثم يومُ القَرِّ»أخرجه: أبوداود ح( 1765), بإسناد صحيح, وسُمِّيَ يَوْمُ القَرِّ: لِقَرارِهِمْ بمِنَىَ.
أيها المؤمنون عباد الله, هذه الأيام أيام فضيلة مباركة، هي الأيام المعلومات التي شرع الله تعالى فيها ذكره كما قال تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ 27 لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾الحج:27-28 . وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة ينظر تفسير الطبري(18/610) ، هكذا قال عامة أهل العلم في بيان المقصود بقوله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾الحج:28 .
أيها المؤمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ هِذِهِ الأَيَّامَ المباركةَ فيِها مِنَ الفَضائِلِ وَالهِباتِ ما يِنْبَغِيِ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُسابِقَ إِلَىَ الاسْتِزادَةِ في الخَيْراتِ مِنْها، فَالدُّعاءُ لا يُرَدُّ فيِها، وَالذِّكْرُ عِنْدَ اللهِ في مَوْضِعٍ عَظيمِ، وَأَجْرُهُ جَزيِلٌ فبَادِروُا بِصالحِ الأَعْمالِ، وَمَعْرِفَةِ فَضائِلِ الأَيَّامِ وَالأَعِمالِ ممَّا يَحُثُّ النُّفوُسَ عَلَىَ الِإقْبالِ عَلَيْها، وَالاسْتِكْثارِ مِنْها رَغْبَةً في الخَيْرِ وَاسْتِزادَةً مِنَ التَّقْوَىَ، وَقَدْ قالَ لَكُمْ اللهُ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾البقرة:197.
الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ، اسْتَعْمِلْنا فيما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، واصْرِفْ عَنَّا السُّوُءَ وَالفَحْشاءَ، الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ كُلِّ خَيْرٍ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ سوُءٍ وَشَرٍّ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ. أَقوُُلَ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِروُهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيمُ.
***
الخطبة الثانية:
الحمْدُ للهِ حَمْدًا كَثيِرًا طَيِّبًا مُباركًا فِيِهِ، حَمْدًا يُرضِيهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقوُا اللهِ عَبادِ اللهِ، وَبادِروُا بِالأَعْمالِ الصَّالحَةِ قَبْلَ فَواتِ الأَوَانِ، فَاسْتَبِقوُا الخيْراتِ وَبادِروُا إِلَىَ الصَّالحاتِ، وَاجْتَهِدوُا في كُلِّ عَمَلٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلِىِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. فُرْصَةٌ عَظيِمَةٌ، وَمَنْحَةٌ جَليِلَةٌ أَنْ يُبَلَّغَكَ اللهُ تَعالَىَ مَواسِمَ البِرِّ وَالطَّاعَةِ في صِحَّةِ وَعافِيَةٍ، وَفَراغٍ وَأَمْنٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ ممَّا يَتَفَضَّلُ اللهُ تَعالَىَ بِهِ عَلَىَ عِبادِهِ، فَيَكوُنُ ذَلِكَ حُجَّةً لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ. الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ.
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ أَفْضَلَ ما يتَقَرَّبُ بِهِ العَبْدُ إِلَىَ رَبِّهِ في هَذِهِ الأَيَّامِ الِإكْثارُ مِنْ ذِكْرِهِ جَلَّ في عُلاهُ، وَذِكْرُهُ بِأَداءِ ما فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَرائِعِ ديِنِهِ، وَواجِباتِ شَرْعِهِ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ ما يَتَقَرَّبُ بِهِ العَبْدُ إِلَى رَبِّهِ أَداءَ ما فَرَضَهُ اللهُ تَعالىَ عَلَيْهِ؛ جاءَ في الصَّحيحِ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في الحَديثِ الِإلِهيِّ: «وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ»البخاري(6502) . فَصَلاةُ الفَرائِضِ وَواجِباتُ الشَّرعِ في هَذِهِ الأَيَّامِ أَعْظَمُ أَجْرًا وَفَضْلًا وَأَكْبَرُ ثَوابًا مِنْها في سائِرِ الزَّمانِ، فَبادروُا بِالعَمَلِ الصَّالحِ، وَاجْتَهِدوُا فِي كُلِّ وِاجِبٍ مِنْ واجباتِ الشَّريِعَةِ، ثُمَّ اعْلَموُا أَنَّهُ مما يُتَقَرَّبُ إِلَىَ اللهِ تَعالَىَ في هَذِهِ الأيَّامِ بَعْدَ الفَرائِضِ الاسْتِكْثارُ مِنَ النَّوافِلِ.
فَالاسْتِكْثارُ مِنَ النَّوافِلِ ممَّا نَدَبَكُمْ إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلا في هذِهِ الأَيَّامِ، وَقَدْ قالَ الَّنِبُّي صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحِديِثِ الإِلهِيِّ: يَقوُلُ اللهُ تَعالَىَ: «وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِليَّ بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه»البخاري(6502)، فَتَقَرَّبوُا إِلَيْهِ بِكُلِّ ما تَسْتَطيِعوُنَ مِنَ الصَّالحاتِ، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ في هَذهِ الأَيَّامِ ذِكْرُهُ جَلَّ وَعَلاَ؛ فَقَدْ أَمَركُمْ بِهِ عَلَىَ وَجْهِ الخُصوُصِ، وَشَرْعِهِ لَكُمْ في قَوْلِهِ: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾الحج:28 ، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ: «الأيام المعلومات أيام العشر»أخرجه البيهقي في معرفة السنن ح(10872)وَهِيَ إِحْدَىَ الرِّوَايِتَيْنِ عَنْهُ، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيِما جَاءَ في مُسْنَدِ الإِمامِ أَحْمَدَ بِإِسْنادٍ جَيَّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ», ثُمَّ قالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بَيانٍ أَفْضَلِ ما يُتَقَرَّبُ إِلَىَ اللهِ في هَذِهِ الأَيَّاِم «فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ».أحمد(6154)
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.احْرِصوُا عَلَىَ هَذِهِ الكَلِماتِ قِيامًا وَقُعوُدًا وَعَلَىَ جُنوُبِكُمْ، في البيوُتِ وَالمساجِدِ، وَالأَسْواقِ وَالمكاتِبِ، وَفي سائِرِ المحلاَّتِ لَيْلًا وَنَهارًا؛ فَإِنَّ اللهَ يُعْظِمُ بِها الأَجْرَ، وَيُجْزِلُ بها العطاءَ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبيِرًا...كَبِّروُا اللهَ بِقُلوُبِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ، وَأَمِّلوُا مِنْهُ عَطاءً جَزيِلًا؛ فَقَدْ قالَ تَعالَىَ: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾البقرة:152 .اذكروُا اللهَ تَعالَىَ بِكُلِّ ما يَسَّرَ اللهُ لَكُمْ مِنَ الأَذْكارِ الواجِبِةِ وَالمُسْتَحَبَّةِ، فَمِنَ الأَذْكارِ الواجِبَةِ أَذْكارُ الصَّلواتَ الَّتِي في القِيامِ وَالركوُعِ وَالسُّجوُدِ، وَمِنَ الأَذْكارِ المسْتَحَبَّةِ ما يكوُنُ في أَدْبارِ الصَّلواتِ، وَفي الصَّباحِ وَالمساءِ، وَسائِرِ الأَحْوالِ الَّتِي يُشْرعُ فيِها ذِكْرُهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَبِّروُا وَهَلِّلوُا واَحمْدَوُا اللهَ تَعالَىَ عَلَىَ ما مَنَّ بِهِ عَلَيْكُمْ؛ فَذِكْرُهُ مِنْ أَعْظَمِ أَعْمالِ البِرِّ وَالطَّاعَةِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، وَاعْلَموُا أَيُّها المؤْمِنوُنَ أَنَّ الذِّكْرَ في هَذِهِ الأَيَّامِ أَفْضَلُ الأَعْمالِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الِجهادِ غَيْرِ المتَعَيِّنِ.
وَمِنَ الأَعْمالِ المتَأَكِّدَةِ في هَذهِ الأَيَّامِ: كُلُّ صالحٍ ظاهِرٍ أَوْ باطِنٍ مِنْ أَعْمالِ القُلوُبِ وَأَعْمالِ الجوارِحِ؛ فَبادِروُا إِلَى الصَّالحاتِ، وَلا تُقَصِّروُا في شَيْءٍ مِنَ البِرِّ تَسْتَطيِعوُنَهُ.
وَمِمَّا يُتقَرَّبُ بِهِ إِلَىَ اللهِ تَعالَىَ في هَذِهِ الأَيَّامِ الاسْتِعْدادُ لِلأُضْحِيَةِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «مَنْ كان له ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فإذا أهلَّ هِلالُ ذي الحجةِ، فلا يأخذَنَّ مِنْ شعرِهِ، ولَا مِنْ أظفارِهِ شيئًا، حتى يُضَحِّيَ»مسلم(1977) ، فَبادرِوُا إِلَىَ هَذِهِ السُّنَّةِ، وَأَكْثِروُا مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَىَ اللهِ تَعالَىِ بِسائِرِ العَمَلِ الصَّالحِ، وارْجوُا مِنَ اللهِ العَطاءَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعالَىَ لا يُضيِعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ، فَمَنْ عَمِلَ صالحًا وَجَدَهُ عِنْدَ رَبِّهِ، وَمَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَإِنَّ اللهَ تَعالَىَ قَدْ قالَ في مُحْكَمِ كِتابِهِ في آيَةٍ فاذَّةٍ جَامِعَةٍ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه 7 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾الزلزلة:7-8 .وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾لقمان:16 ، فَاللهُ تَعالَىَ يُحْصِيِ الَّدقيِقَ وَالجَليِلَ مِنْ أَعْمالِكُمْ الظَّاهِرَةِ وَالباطِنَةِ، فاحْرِصوُا عَلَىَ أَنْ تَروُا اللهَ تَعالَىَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا في هَذِهِ العَشْرِ: بِذِكْرِهِ وَشُكْرهِ وَحُسْنِ عِبادَتِهِ وَالِإقْبالِ عَلَيْهِ في السِرِّ وَالعَلَنِ، في الخَاصَّةِ وَالعامَّةِ، وَكوُنوُا قُدْوَةً حَسَنَةً لأَوْلادِكُمْ وَأَهْليِكُمْ وَلأَهْلِ بيُوُتِكُمْ مِنَ النِّساءِ وَغَيْرِهِنَّ، فَإِنَّ ذَلِكَ ممَّا تُؤْجَروُنَ عَلَيْهِ «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئول عَنْ رَعِيَّتِهِ».البخاري(893), ومسلم(1829) . الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ.
وَإِنَّ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ الَّذيِ يُتَقَرَّبُ بِهِ العَبْدُ إِلَىَ اللهِ تَعالَىَ في هَذِهِ الأَيَّاِم أَنْ يَكُفَّ عَنْ سَيِّئِ الأَعْمالِ، فَمَنْ كانَ لَهُ عَمَلٌ سَيِّئٍ اعْتادَهُ مِنْ شُرْبٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ نَظَرَ أَوْ كَسْبٍ أَوْ قَوْلٍ فَلْيُمْسِكْ عَنْهُ في هَذِهِ الأَيَّامِ؛ فَإِنَّ الِإمْساكَ عَنْهُ صَدَقَةٌ مِنْهُ عَلَىَ نَفْسِهِ، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ أَفْضَلِ أَعْمالِ البِرِّ، فَذَكَرَ لَهُ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَالًا عِدَّةً، ثُمَّ قالَ الرُّجُلُ: فَإِنْ لمْ أَفْعَلْ؟ يَعْنِي إِنْ لمْ أَقُمْ بِتِلْكَ الأَعْمالِ، قالَ: «تُعينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ»، قالَ: يا رسولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ فَلَمْ أَسْتَطِعْ أَوْ لمْ أَعْمَلْ بِتِلْكَ الأَعْمالِ الصَّالحةِ الَّتِيِ ذَكَرْتَ، قالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّها صَدَقةٌ مِنْكَ عَلَى نَفسِكَ».البخاري(2518), ومسلم(84) فَكُفَّ لِسانَكَ عَنْ أَعْراضِ النَّاسِ، وَالغيِبَةِ وَالنَّميِمَةِ وَسَيِّئِ القَوْلِ، وَكُفَّ يَدَكَ وَجوارِحَكَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَنْ أَذِيَّةِ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ الَّذِيِ يَتَقَرَّبُ بِهِ العَبْدُ إِلَىَ رَبِّهِ جَلَّ فيِ عُلاهُ. وَمِنَ العَمَلِ الصَّالحِ الَجليِلِ الَّذيِ خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الأَيَّامُ قَصْدُ البَيْتِ الحرامِ، الحَجُّ الَّذيِ جَعَلَهُ اللهُ تَعالَىَ فَرْضًا عَلَىَ أَهْلِ الإِسْلامِ؛ فَمَنْ كانَ لمْ يَأْتِ بِالفَرْضِ فَلْيُبادِرْ إِلَيْهِ إِذا اكْتَمَلَتْ شُروُطُهُ، وَمَنْ يَسَّرَ اللهُ تَعالَىَ لَهُ تَطَوُّعًا بَعْدَ ذَلِكَ فَذاكَ فَضْلُهُ الَّذِيِ يَخَصُّ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ.
الَّلهُمَّ اسْتَعْمِلْنا في طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيائِكَ يا ذا الجَلالِ وَالِإْكرامِ. الَّلهُمَّ اعْمُرْ قلوُبَنا بَمَحَبَّتِكَ وَتَعْظيِمِكَ وَأَلْسِنَتَنا بِذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وَأَبْدانَنا بِطاعَتِكَ وَالانْقِيادِ لأَمْرِكَ يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ. الَّلهُمَّ اسْتَعْمِلْنا في طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ.
الّّلهُمَّ رَبَّنا أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ انْصُرْنا عَلَىَ مَنْ بَغَىَ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، الَّلهُمَّ اهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَىَ لَنا، الَّلهُمَّ اجْعَلْنا لَكَ ذاكِرينَ شَاكرينَ راغبيِنَ راهبِيِنَ أَوَّاهيِنَ منيبينَ، الَّلهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا، وَثَبِّتْ حُجَّتَنا، وَاغْفِرْ زَلَّتَنا، وَأَقِلْ عَثْرَتَنا، وَلا تُزِغْ قُلوُبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا.
الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُموُرَنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيِمَنْ خَافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يَا رَبَّ العالمينَ, الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَليَّ أَمْرِنا خادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّريفَيْنِ وَوَليَّ عَهْدِهِ إِلَىَ ما تحُبِ ُّوتَرْضَىَ، خُذْ بِنواصِيِهِمْ إِلَىَ البِرِّ وَالتَقْوَىَ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ كُلَّ سوُءٍ وَشَرٍّ يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ، اجْعَلْهُمْ نُصْرةً لِأَوْلِيائِكَ، حَرْبًا عَلَىَ أَعْدائِكَ، الَّلهًمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ، مَنْ أَرادَنا وَالمسْلِميِنَ بِشَرٍّ فَرُدَّ كَيْدَهُ في نحَرْهِ،ِ اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَهُ في نحَرْهِ، الَّلهُمَّ رُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ وَاكْفِناهُمْ بما شِئْتَ يا عَزيزُ يا حكيمُ.
الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إبِراهيمَ وَعَلَىَ آلِ إِبراهيِمَ؛ إِنَّكَ حَميِدٌ مَجيدٌ.