يقول المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ:
عن ابن مسعودٍ ـ رضيَ اللَّهُ عنه ـ قال: قال النبيُّ ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ـ: «الجنة أقَربُ إلى أَحدِكُم مِنْ شِراكِ نَعْلِهِ والنَّارُ مِثْلُ ذلِكَ» رواه البخاريحديث رقم (6488).
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
العمل يقرب من الجنة أو من النار:
هذا الحديث الشريف حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ أخبر فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن قرب الجنة والنار من كل أحد من بني آدم، يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الجنة أقَربُ إلى أَحدِكُم مِنْ شِراكِ نَعْلِهِ» وكذلك النار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، والمقصود بالشراك هو ما يربط به النعل مما يثبته ويوثقه في القدم، والمقصود من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أقَربُ إلى أَحدِكُم مِنْ شِراكِ نَعْلِهِ» في الجنة والنار أي أن دخول ذلك ليس بالبعيد، ولا بالعسير فالجنة دار النعيم الكامل التي أعد الله ـ تعالى ـ فيها لعباده الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكذلك النار دار العذاب التي أعد الله تعالى فيها لأهل الكفر والعصيان ما أعد من العقوبات كلاهما قريب.
حصول الجنة ليس بالعسير:
بمعنى أن حصول الجنة لمن طلبها ليس بالعسير، كما أن دخول النار لمن عمل بعمل أهلها ليس بالبعيد، فذاك إخبار عن قرب الجنة والنار، ولك أن تعرف ذلك بعمل من أعمال الإنسان، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ» وفي رواية: «أبعد ما بين المشرق والمغرب»[صحيح البخاري (6478)] كلمة، وهذا مصداق قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الجنة أقَربُ إلى أَحدِكُم مِنْ شِراكِ نَعْلِهِ» كما أن النار أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، هذا في عمل اللسان.
وفي عمل البدن قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة: "أن امرأة دخلت الجنة في كلب رأته عطشان فسقته فشكر الله لها فدخلت الجنة، أو فغفر لها".[صحيح البخاري (3467)، ومسلم (2245)]، و"رجل نحا غصنا من طريق الناس لئلا يؤذي المسلمين فغفر الله له، فشكر الله له وأدخله الجنة".[مسند أحمد (7841) وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم]، وفي المقابل النار قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ»[صحيح البخاري (3318)، ومسلم (2619)]، وهذا مصداق قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾[الزلزلة:7-8] مهما كان العمل قليلًا فلا تستقله في أن يكون سببًا لدخول الجنة، أو لدخول النار، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾.
مداخل الشيطان في الطاعات والمنكرات:
ولهذا يدخل علينا الشيطان في الصالحات بالتزهيد فيها بأنها لا تمثل شيئًا، وليست ذات قيمة، ولا هي موجبة لدخول الجنة، وفيما يتعلق بالمعاصي يأتي يهونها، ويقول: هذه اللي تدخلك النار! هذه ما تدخلك النار، هذه صغيرة، هذه يسيرة، هذه ما تأثر، هذه تتوب منها، ويأتي يغري الإنسان بما يقذفه في قلبه من الأفكار التي يستجره بها إلى السيئات ويقعده عن الصالحات.
والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول في الصالحات: «لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ»[صحيح مسلم (2626)]، وفي السيئات يقول: «إياكم ومُحَقَّراتِ الذنوبِ»[مسند أحمد (3818)، وقال محققوه: حسن لغيره] يعني الذنوب التي تحتقرونها ولا ترونها شيئًا، فإنهن يجتمعن على الرجل فيهلكنه، وهذا يستوجب أن يكون الإنسان على غاية النشاط في كل صالحة، ولو كانت صغيرة، ويحتسب الأجر عند الله فيها، فالصغير مع الإخلاص يكون عند الله عظيمًا، ولا يحتقر شيئًا من سيء العمل فإنه وإن كان صغيرًا مع الاستهانة بقدر الذي نهاك عنها تكون عظيمة كبيرة.
فلنجد في الصالحات، ولنستكثر من الخيرات، فالجنة والنار ما دمنا أحياء أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، أسأل الله أن يجعلنا ممن استعمله في الصالحات، وصرف عنه السيئات، ووفقنا إلى ما يحب ويرضى من صالح الأعمال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.