×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة- اغتنموا ما بقي من عشر ذي الحجة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5636

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعيِنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شُروُرِ أَنْفُسِنا وَسَيِئاتِ أَعْمالَنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ، لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحمْنُ الرَّحيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقوُا اللهَ تَعالَىَ حَقَّ التَّقْوَىَ؛ فَتَقْواهُ تَجْلِبُ كُلَّ خَيْرٍ وَتَدْفَعُ كُلَّ شَرٍّ، الَّلهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقيِنَ، وَمِنْ حِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالميِنَ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, هَذِهِ الأَيَّامُ أَيَّامٌ مُباركَةٌ عَظيِمَةٌ شَريِفَةُ القَدْرِ عِنْدَ رَبِّ العالميِنَ، أَقْسَمَ اللهُ تَعالَىَ بِلَياليِها فَقَالَ: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍالفجر:1-2، وبيَّنَ اللهُ تَعالَىَ فَضْلَها عَلَىَ ما بَيَّنَهُ رَسوُلُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَما في الصَّحيحِ مِنْ حديِثِ عِبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ» صحيح البخاري(969),وسنن الترمذي(757), ولفظه له مَضَتْ أَكْثَرُ هَذِهِ الأَيَّامِ وَبَقِيَ خِيارُها وَأَفْضَلُها، بَقِيَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَهذانِ اليَوْمانِ يَوْمانِ شَريفانِ عَظيمانِ يَشْتركانِ مَعَ الأَيَّامِ السَّابِقَة في أَنَّهُما أَفْضَلُ أَيَّامِ الزَّمان،ِ وَيَخْتَصَّانِ بِخصائِصَ وَفَضائِلَ لَيْسَتْ في سائِرِ أَيَّامِ السَّنَةِ؛ فَيَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ أَكْمَلَ اللهُ تَعالَىَ فِيِهِ النَّعْمَةَ لأَهْلِ الإِسْلامِ، قالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًاالمائدة:3. فيِ الصَّحيِحَيْنِ مِنْ حَديثِ طَارِقِ بْنِ شِهابٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهوُدِ أَتَىَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ، فَقَالَ: يا أَميِرَ المؤْمِنينَ إِنَّ في كِتابِكُمْ ْآيَةً لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهوُدِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا، فَقالَ عُمَرُ سَأَلَ اليهَوُدِيُّ: «أَيَّ آيَةٍ هِيَ؟» فَقالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًاالمائدة:3، فَقالَ عُمَرُ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ اليَوْمَ الَّذي نَزَلَتْ فيِهِ، وَالمَكانَ الَّذي نَزَلَتْ فِيِهِ، نَزَلَتْ عَلَىَ رَسوُلِ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفاتٍ في يَوْمِ الجُمْعَةِ».البخاري(45), ومسلم(3017)َوهَذا اليَوْمُ أَقْسَمَ اللهُ تَعالَىَ بِهِ كَما قِيِلَ في قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍالبروج:3، فَالشَّاهِدُ هُوَ يَوْمُ الجُمُعَةِ في قَوْلِ جَماعَةٍ مِنَ المُفَسِّرينَتفسير الطبري(8/369)، وَالمشْهوُدُ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ الوتْرُ في قَوْلِهِ تَعالَىَ: ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِالفجر:3.

وقد بيَّنَ اللهُ تَعالَىَ فَضيِلَتَهُ بِعَظيِمِ ما يَمُنُّ عَلَىَ عِبادِهِ مِنَ العِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَفِي الصَّحيِحِ مِنْ حَديِثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْها قالَتْ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟».مسلم(1348)فَفِيِ هَذا الحدِيثِ فَضيِلَتانِ:

فَضيِلَةً عامَّةً تَكوُنُ لِكُلِّ أَحِدٍ، وَفَضيِلةً خَاصَّةً تَكوُنُ لِأَهْلِ الموْقِفِ.                     

أَمَّا الفَضيِلَةُ العامَّةُ: فَهِيَ أَنَّهً يَوْمٌ يَكْثُرُ فيِهِ العِتْقُ مِنَ النَّارِ وَالفِكاكِ مِنْها أَجارَنا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْها، وَجَعَلَنا مِنَ الفائِزينَ بَعِتْقِهِ في سائِرِ الزَّمانِ، وَأَنْ يُوفِّقَنا إِلَىَ صالحِ الأَعْمالِ؛ "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ".

وأَمَّا الفَضيِلَةُ الخاصَّةُ: فَهِيَ فَضيِلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالحُجَّاجِ أَهْلِ عَرَفَةَ الواقِفينَ فيِها، وَهِيَ أَنَّ اللهَ تَعالَىَ يَدْنوُ مِنْهُمْ جَلَّ في عُلاهُ، وَهذا لا يَكوُنُ لِأَحَدٍ في الدُّنْيا في ذَلِكَ الوَقْتِ إِلَّا لِأَهْلِ عَرَفَةَ، يَقوُلُ: «وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟»، أَيْ: يَدْنوُ مِنْ أَهْلِ الموْقِفِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ دُنُوٌّ مِنْ كُلِّ الطَّائِعينَ العابِدينَ، إِلَّا أَنَّ النَّصَّ جاءَ في دُنُوِّهِ لِأَهْلِ عَرَفَةَ، تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْهُمْ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, صِيامُ هذا اليَوْمِ مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ اَّلذيِ نَدَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلّّىّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالِإجْماعُ مُنْعَقِدٌ عَلَىَ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ، وَأَنَّهُ يُكَفَّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُينظر: المجموع للنووي(6/381)، فَضْلُ اللهِ واسِعٌ، عَطاؤُهُ جَزيِلٌ، مَنُّهُ عَظيمٌ، فَلْنَتَعَرَّضْ لِفَضْلِهِ. قالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صِيامٍ عَرَفَةَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ» أَيْ: أَرْجوُ وَأَطْمَعُ مِنْهُ جَلَّ وَعَلاَ، «أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ»مسلم(1162)، فَصَوْمُهُ لِغَيْرِ الحاجِّ هُوَ مِنَ القُرُباتِ الَّتي يَتَقَرَّبُ ِبها أَهُلُ الإِسْلامِ يَتَعَرَّضوُنَ بها لِفَضْلِهِ، وَيَتَعَرَّضوُنَ بها لِنوالِهِ وَعِتْقِهِ جَلَّ في عُلاهُ، فَصوُموُا هذا اليَوْمَ، وَأَمِّلوُا الخَيْرَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبَيِّتُوُا نِيَّةَ الصِّيامِ مِنْ اللَّيْلِ لِيَعْظُمَ أَجْرُكمْ، وَيَثْبُتَ لَكُمْ ما تُؤَمِّلوُنَ مِنَ الخَيْرِ وَالفَضْلِ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, يَوْمُ عَرَفةَ يَوْمٌ مَشْهوُدٌ يُعْطِيِ اللهَ تَعالَىَ فيِهِ العبادِ خَيْرًا عَظيِمًا، وَفيِهِ تُجابُ الدَّعواتِ، وَقَدْ جَاءَ في حَديِثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ العاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ» فَخَيْرِيَّتُهُ في عَظيِمِ مَنْزِلَتِهِ عَنِ اللهِ؛ وَخَيْريَّتِهِ في أَنَّ اللهَ يُجيِبُ مَنْ دَعاهُ، وَخَيْرِيَّتِهِ في أَنَّ اللهَ يُثيِبُ مَنَ اشْتَغَلَ بِالدُّعاءِ فيِهِ، «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». أخرجه الترمذي(3585), وَفيِهِ ضَعْفٌ وَلَهُ شَواهِدٌ؛ فَحُسِّنَ لِغَيْرِهِ

فَبادِروُا إِلَىَ العَمَلِ الصَّالحِ، وَجِدِّوُا وَاجْتَهِدوُا؛ فَإِنِّها ساعاتٌ وَلحَظاتٌ ثُمَّ يَعوُدُ النَّاسُ بِالأَجْرِ الجزيلِ لمنْ كانَ عَامِلًا، وَالخَسارِ لمنْ فاتَهُ ذَلِكَ الموُسِمُ العَظيمُ.

أَما اليَوْمُ الآخَرُ الَّذي بَقِيَ مِنْ هَذهِ العَشْرُ وَهُوَ مِنْ خَيْرِ الأَيَّامِ فَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ الَّذي جَعَلَهُ اللهُ تَعالَىَ مَحلًّا لِلتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِذَبْحِ الضَّحايا، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِإِظْهارِ السُّروُرِ، وَالتَّعَبُّدِ لَهُ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ، ذاكَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ اليَوْمُ العاشِرِ مِنْ ذي الحِجَّةِ، وَقَدْ قالَ فيِهِ النَّبِيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ»أخرجه: أبوداود ح( 1765), وَهُوَ عَظيمٌ في مَنْزِلَتِهِ، عَظيمٌ فيما يَكوُنُ فِيِهِ مِنَ الأَعْمالِ الصَّالحةِ، عَظيمٌ فيما يَكوُنُ فِيِهِ مِنَ الأُجوُرِ وَالثَّوابِ وَالعَطاءِ الجَزيلِ مِنْ رَبٍّ يُعْطيِ عَلَىَ القَليلِ الكثَيرَ.

فَبادِروُا إِلَىَ الأَعْمالِ الصَّالحَةِ، وَجِدّوُا وَاجْتَهِدوُا في هَذِهِ الأَيَّامِ، وَاسْأَلوُا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَكْثِروُا مِنْ ذِكْرهِ في كُلِّ الأَحْوالِ وَالأَحْيانِ؛ فَإِنَِّهُ جَلَّ في عُلاهُ يَذْكُرُ مَنْ ذَكَرَهُ، وَيُعْطِيِ الجزيلَ لمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ «ومن تقرَّبَ منِّي شبرًا، تقرَّبتُ منه ذراعًا، ومن تقرَّبَ منِّي ذراعًا، تقرَّبتُ منه باعًا، ومن أتاني يمشي، أتيتُهُ هرولةً».البخاري(7405), ومسلم(2675)الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ، وَاسْتَعْمِلْنا فيما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ ظاهِرًا وَباطِنًا، أَقوُلُ هذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ ليِ وَلَكُمْ فاسْتَغْفِروُهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُوُرُ الرَّحيِمٌ.

***

الخطبة الثانية:                                                          

الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ، لَهُ الحَمْدُ في الأوُلَىَ وَالآخِرَةِ، وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعوُنَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَأَصْلِحوُا العَمَلَ ما اسْتَطَعْتُمْ إِلَىَ ذَلِكَ سَبِيِلًا، وَاجْتَهِدوُا في إِصْلاحِ سَرائِركُمْ وَظواهِركُمْ، بِإِقامِةِ حَقِّ اللهِ تَعالَىَ في السِّرِّ وَالعَلَنِ، أَدُّوُا الفَرائِضَ وَالواجِباتِ، وَجِدُّوُا فيما تَسْتطيِعوُنَ مِنَ الصَّالحاتِ، وَتَقَرَّبوُا إِلَيْهِ بِكُلِّ ما تَقْدروُنَ عَلَيْهِ مِنْ صالحِ العَمَلِ، فـ«الجنَّةُ أَدْنََى إِلَىَ أَحَدِكُمْ مِنْ شِراكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ» كَما قالَ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَالبخاري(6488). فَالعَمَلُ المقَرِّبُ إِلَىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَسيُر كَثيرٌ، وَالعَمَلُ المبْعِدُ عَنْهُ يَسيِرٌ كَثيَرٌ، وَقَدْ قَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7)  وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهالزلزلة:7-8.

وَاعْلَموُا أَنَّكُمْ في دارِ ابْتِلاءٍ وَاخْتِبارٍ، يَرَىَ اللهُ تَعالَىَ فيها صِدْقَكُمْ، وَيَرَىَ فيها ما في قُلوُبِكُمْ فَهُوَ جَلَّ وَعَلا لا يَنْظُرُ إِلَىَ صُوُركُمْ وَلا إِلَىَ أَجْسامِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلوُبِكُمْ وَأَعْمالِكُمْ؛ فَأَصْلِحوُا القُلوُبَ، وَجِدُّوُا في صَلاحِ العَمَلِ ما اسْتَطَعْتُمْ بِفِعْلِ الطَّاعاتِ، وَتَجنُّبِ السَّيِّئاتِ، وَبِكَثْرِة التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفارِ؛ فاللهُ عَزيزٌ غَفَّارٌ رَحيمٌ بَرٌّ رءوُفٌ يُعْطِيِ العَبْدَ عَلَىَ القَليلِ الكَثيِرَ، وَهُوَ يحبُّ التَّوابيِنَ وَيُحِبُّ المتَطَهِّرينَ.

عِبادَ اللهِ, ممَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَىَ اللهِ تَعالَىَ في يَوْمِ النَّحْرِ ذَبْحُ الأَضاحي، وَهِيَ سُنَّةٌ ثابِتَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَنْ كانَ واجِدًا، يَتَقَرَّبُ بِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ عَلَىَ نحْوِ ما شَرعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بهيِمَةِ الأَنْعامِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكوُنَ مِنْ بهيمَةِ الأَنْعامِ، وَأَنْ تكوُنَ سَليِمَةً مِنَ العيُوُبِ، وَأَنْ تَكوُنَ قَدْ بَلَغَتِ السِّنَّ المعْتَبَرةِ؛ لا تَذْبَحْ إِلَّا مُسِنَّةً وَهِيَ جَذَعَةٌ مِنَ الضَّأْنِ، وَما لَهُ سَنَةٌ مِنَ الماعِزِ، وَما لَهُ سَنَتانِ مِنَ البَقَرِ، وَما لَهُ خَمْسُ سِنيِنَ مِنَ الِإبِلِ، هذا هُوَ المشْروُعُ فيِما يُذْبَحُ مِنْ أَسْنانِ الضَّحايا، وَالهَدايا، وَما يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

طَيبِّوُا ما تَتَقَرَّبوُنَ بِهِ إِلَىَ اللهِ، وَاعْلموُا أَنَّ الَّذي يَصِلُ إِلَيْهِ هُوَ ما في قُلُوُبِكمْ مِنْ تَقْوَىَ، ما في قُلوُبِكمْ مِنْ مَحَبَّةٍ، ما في قُلوُبِكُمْ مِنْ تَعْظيمٍ لَهُ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْالحج:37. فَجِدُّوُا في أَنْ تُصْلِحوُا قُلوُبَكُمْ، وَأَنْ تُحَسِّنوُا نواياكُمْ، وَأَنْ يَكوُنَ غَرَضُكُمْ وَقَصْدُكُمْ رِضاهُ جَلَّ في عُلاهُ؛ فَمَنْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَدْرَكَ كُلَّ سَعادَةٍ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.

الَّلهُمَّ ارْضَ عَنَّا يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، وَاسْلُكْ بِنا سَبيِلَ الهُدَىَ وَالتُّقَىَ وَالرِّضَا يا حَيُّ يا قَيُّومُ.

أَيُّها المؤمِنوُنَ, مما يُتَقَرَّبُ بها إِلَىَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ صَلاةُ العيِدِ؛ فاحْرِصوُا عَلَيْها؛ فَإِنَّها سُنَّةٌ ثابِتَةٌ عَنْهُ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اخْرجوُا إِلَيْها في مَواضِعِ إِقامَتِها أَنْتُمْ وَأَهْليِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ، وَافْرحوُا في هَذا اليَوْمِ بِطاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِظْهارِ هَذِهِ الشَّعيِرَةِ، وَاحْرِصوُا عَلَىَ كَثْرَةِ التَّكْبيِرِ ما بَقِيَ مِنَ الأَيَّامِ، وَفي أَيَّامِ التَّشْريِقِ؛ فَهَذِهِ أَيَّامِ ذِكْرِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَكْثِروُا مِنْ قَوْلِ: «اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبيِرًا»أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ الكُبْرَىَ ح(6352) بِإِسْنادٍ صَحيحٍ وَوَقَفَهُ عَلَىَ سَلْمانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ. فَهَذا أَثْبَتُ ما جاءَ مِنْ صِيَغِ التَّكْبيِرِ، وَمَنْ كَبَّرَ بِأَيِّ صِيِغَةٍ مِنَ الصِّيَغِ الوارِدَةِ وَغَيْرِها دَخَلَ فيما نَدَبَ إِلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ الله.

الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ.

ادْعوُا لأَنْفُسِكُمْ بِكُلِّ خَيْرٍ، وادْعوُا لِوُلاةِ أَمْركُمْ بِالتَّسْديِدِ وَالتَّوْفيِقِ عَلَىَ ما يَبْذلوُنَهُ مِنْ جهوُدٍ بَيِّنَةٍ في إِدارَةِ الحَجِّ وَتَأْميِنِ الحُجَّاجِ وَإِنْجاحِ الموُسِمِ، سَلوُا اللهَ تَعالَىَ لَهُمْ التَّوْفيِقَ، وَلِلحُجَّاجِ القَبوُلَ، واشْكروُا مَنْ قامَ بِكُلِّ خَيْرٍ وَجُهْدٍ في إِصْلاحِ حالِ الحُجَّاجِ مِنَ البرامِجِ المقَدَّمَةِ إِلَيْهِمْ، وَالجُهوُدِ وَالخَدَماتِ المبْذوُلَةِ لَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مما يُشْكَرُ وَيُدْعَىَ لِلقائِمينَ بِهِ، وَاللهُ تَعالَىَ يجْزِيِ المُحْسنينَ خَيْرًا ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُالرحمن:60.

الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أموُرِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيِمَنْ خَافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ خادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّريِفَيْنِ وَوَليَّ عَهْدِهِ إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، وَفِّقْ وُلاةَ الأَمْرِ ممَّنْ يَقوُمُ عَلَىَ الحجيِجِ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَوَفِّقْهُمْ إِلَىَ كُلِّ بِرٍّ وَسَدادٍ، وَأَنْجِحْ هذا الموُسِمْ عَلَىَ أَحْسَنِ ما يُرامُ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ

الَّلهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَ الحُجَّاجِ حَجَّهُمْ، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْروُرًا وَسَعْيًا مَشْكوُرًا، وَتَقَبَّلْ مِنْ سائِرِ أَهْلِ الِإسْلامِ صالحَ أَعْمالهِمْ مِنْ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْكَ بِأَلْوانِ القُرُباتِ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، وَاسْتَعْمِلْنا فيما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ. مَنْ أرادَنا وَالمسْلِميِنَ بِسوُءٍ فَأَشْغِلْهُ في نَفْسِهِ، وَرُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ، وَاكْفِناهُ بما شِئْتَ يا قَوِيُّ يا عَزيِزُ.

رَّبنا أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، رَبَّنا انْصُرْنا عَلَىَ مَنْ بَغَىَ عَلَيْنا، رَبَّنا آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، رَبَّنا اهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَىَ لَنا، رَبَّنا اجْعَلْنا لَكَ ذاكِرينَ شَاكرينَ راَغِبينَ رَاهبيِنَ أَوَّاهِينَ مُنيبينَ، الَّلهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا، الَّلهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا، الَّلهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا، وَثَبِّتْ حُجَّتَنا، وَاغْفِرْ زَلَّتَنا، وَأَقِلْ عَثَرَتَنا، وَعامِلْنا بما أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ العَفْوِ وَالمغْفِرَةِ، وَلا تُؤاخِذْنا بِسَيِّئِ أَعْمالِنا.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكوُنَنَّ مِنَ الخَاسِريِنَ.

الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبراهيِمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيِمَ؛ إِنَّكَ حَميِدٌ مَجيِدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93998 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89899 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف