قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه [رياض الصالحين]:
عن أبي ذر جندب بن جنادة ـ رضي الله عنه ـ قال الله ـ تعالى ـ: «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُوني».
الحمد لله رب العالمين، واصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فهذا هو النداء السادس: الذي نادى الله ـ تعالى ـ فيه عباده مبينًا لهم علومًا جليلة تتعلق به، وتتعلق بهم، قال جل في علاه فيما يرويه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه: «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُوني»، هذه الجملة وهذا النداء جاء بعد النداءات السابقة المتضمنة إثبات كمال عدل رب العالمين، والمتضمنة إثبات كمال إحسانه في قوله: « يَا عِبَادِي كُلُّكُم ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ،كُلُّكُمْ جائعٌ إِلاَّ منْ أطعمتُه، كلكم عَارٍ إلاَّ مِنْ كَسَوْتُهُ» هذه النداءات يخبر فيها ـ جل وعلا ـ عن إحسانه على عباده، ثم بعد هذا الإحسان الذي تضمن بيان كمال افتقار الخلق لله ـ عز وجل ـ في هدايتهم، وفي إطعامهم، وفي كسوتهم، وفي مغفرة ذنوبهم، والتجاوز عن ذلاتهم وخطاياهم، أثبت كمال غناه عنهم «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني» فالله ـ تعالى ـ تنزه عن أن يناله شيء من ضر عباده فهو ـ جل وعلا ـ العزيز الذي يمتنع عن أن يصل إليه شيء من ضر عباده، أو أذاهم المتعلق بما يحصل به ضرر.
الله الغني في علاه:
فهو ـ جل في علاه ـ الغني عنهم كامل العلو في أسمائه وصفاته، وذاته جل في علاه فلا يبلغ العباد إضرارًا به «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُوني»، وبهذا يُعلم أن العباد مفتقرون إليه وهو الغني عنهم جل في علاه، كما قال ـ تعالى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[فاطر:15]، وكما قال ـ تعالى ـ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[آل عمران:97]، فالله ـ تعالى ـ غني عن الخلق لأنه جل في علاه قد سما بأسمائه وصفاته عن أن يضره عباده أو أن ينفعوه.
فالعبادات كلها عائد نفعها إلى العباد، ومضرة ما يكون من سيئات أعمالهم لا تتجاوزهم؛ بل هي نازلة بهم، ولذلك قال ـ تعالى ـ: ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾[يونس:108]، ولهذا كل عبادة توفق إليها، وكل سيئة تقع فيها المستفيد هو أنت، والمتضرر هو أنت، ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ فكل طاعة توفق إليها فاحمد الله فنفعها عائد إليك، والله جل وعلا لا يناله منك إلا التقوى، ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾[الحج:37]، وفي المقابل السيئات مهما عظمت، وجلت، وكبرت فإنها لا تنقصه شيء جل في علاه فهو الغني، الحميد، العزيز، الممتنع جل في علاه عن أن يناله عباده بمضرة.
فإذا وقعت في معصية فإنما ضرها عليك، ونفعها لك، فجد في نفع نفسك ووقايتها من أضرار المعاصي والسيئات، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.