إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شُروُرِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا.
وأًشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهد أَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدَّيِنِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَجَدُّوُا وَاجْتَهِدوُا في صَالحِ الأَعْمالِ؛ فَإِنَّ النَّجاةَ يَوْمَ القِيامةِ بما يُقَدِّمُ بِهِ الإِنْسانُ مِنْ صالحِ عَمَلِهِ، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾البقرة:197 .
أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ أَجَلَّ ما تَقَرَّبَ بِهِ العَبْدُ إِلَىَ رَبَّهِ مِنْ صالحِ العَمَلِ إِخْلاصُهُ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، تَوْحيدُهُ لربِهِ، عِمارَةُ قَلْبِهِ بمحَبَّةِ اللهِ وَتَعْظيِمُهُ، وهذا هُوَ مَعْنَىَ "لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ"، فَلا يَكوُنُ في القَلْبِ إِلهٌ سُواهُ يُحَبُّ وَيُعَظَّمُ، وَبِهِ يَطيِبُ قَلْبُهُ، وَيَسْتَقيمُ عَمَلُهُ، وَيُصْلِحُ ظاهِرَهُ وَباطِنُهُ، وَأَمَّا أَجَلُّ ما يَكوُنُ مِنْ العَمَلِ الظَّاهِرِ فالصَّلاةُ هِيَ أَجَلُّ الأَعْمالِ الظَّاهِرَةِ وَخَيْرُها، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ - في حديث مُعاذٍ: «ألا أدُلَّك على مِلاك ذَلك»، بَعْدَ أَنْ عَدَّدَ لَهُ أَبْوابُ الخَيْرِ، فَقَالَ: بَلَىَ يا رَسوُلَ اللهِ، قالَ: «رأس الأمر الإسْلام» وهو تَوحِيد الله وإِخلاصُ العمَلِ له «وعَمُوده الصلاة»، أَيْ: وَقِوامُهُ الَّذي يَسْتَقيمُ بِهِ في أَعْمالِ الجوارِحِ الصَّلاةُ، «وذُروَة سَنامه الجِهادُ في سبيل الله»أخرجه: الترمذي(2616), وَقالَ: حَسَنٌ صحيحٌ.وَالصَّلاةُ - أَيُّها المؤْمنوُنَ - أَعْظَمُ شعائِرِ الدِّينِ، وَأَهَمُّ أَركانِ الإِسْلامِ بَعدَ الشَّهادَتيْنِ؛ كَما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البيت مَن استطاع إليه سبيلًا»أخرجه: البخاري(8), ومسلم(16).
أَيُّها المؤْمنوُنَ عِبادَ اللهِ, الصَّلاةُ أَحَبُّ الأَعْمالِ إلىَ اللهِ، فَلْيَكُنْ هذا مِنْكَ عَلَىَ بالٍ؛ فإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمالِ إِلَىَ اللهِ الصَّلاةُ عَلَىَ وَقْتِها؛ لهذا أَجابَ رَسوُلُ اللهَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسْعوُدٍ عِنْدما سَأَلَهُ فَقالَ: يا رسوُلَ اللهِ، أَيُّ الأَعْمالِ أَحَبُّ إِلَىَ اللهِ؟ قالَ: «الصَّلاةُ عَلَىَ وَقْتِها»أخرجه: البخاري(527), ومسلم(85).وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْمَلُوا أنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ»أخرجه: ابْنُ ماجة(277), وَهُوَ صَحيحٌ بمجْموعِهِ.وَالصَّلاةُ عِبادَ اللهِ صِلَةٌ بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّه؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: «أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ»مسلم(482)، وَالسُّجوُدُ في غالِبِهِ يَكوُنُ في الصَّلاةِ، فَأَكْثروُا مِنَ الدُّعاءِ. وَقَدْ قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يَرْويِهِ عَنْ رَبِّهِ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فنصفُها لي ونصفُها لعبدي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»، ثُمَّ ذَكَرَ ما يُجيِبُ بِهِ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - المصَلِّي عِنْدَ قِراءَةِ الفاتِحةَ، «فإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ العبد: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قَالَ اللَّهُ - عزَّ وجل -: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ العبد: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ الله - عزَّ وجلَّ -: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: هَذَه بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نصفين، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»، وهو ما في بقية قراءة الفاتحة، «فإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ الله تعالى: هذا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»مسلم(395)فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَاعْرِفوُا قَدْرَ الصَّلاةِ؛ فَإِنَّ شَأْنَها عَظيمٌ، هِيَ مِفْتاحُ الجَّنِة وَمِفْتاحُ الخَيْراتِ؛ لِذلَكَ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَما في الصَّحيحيِْن مِنْ حَديثِ أَبي موُسَىَ الأَشْعَرِيِّ: «منْ صلَّى الْبَرْديْنِ دَخَلَ الْجنَّةَ»البخاري(574), ومسلم(635)، وَالبَرْدانِ هُما الصُّبْحُ وَالعَصْرُ، «مَنْ صلَّى الْبَرْديْنِ دَخَلَ الْجنَّةَ»، أَيْ: مَنْ صَلاهُما في وَقْتِهما وأَتَىَ بِهما عَلَىَ نَحْوِ ما أُمِرَ كانَ هذا مِنْ موُجباتِ وَأَسْبابِ دُخولِ الجَنَّةِ، وَقَدْ قالَ النبَّيِ ُّ- صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىض آلهِ وَسلَّمَ - فيما أجابَ بِهِ أَحَدَ أَصْحابِهِ وهُوَ رَبيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُ، قالَ: «سَلني» قال: أسألك مُرافقتكَ في الجنَّةِ، فقالَ النَّبيُّ - صلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَأَعِنِّي عَلَىَ نَفْسِكَ بِكَثْرة السُّجودِ»مسلم(489)
الصَّلاةُ ـ أَيُّها المؤْمِنونَ ـ تَحُطُّ الخَطايا، وَتَرْفَعُ الدَّرجاتِ، فَقَدْ جاءَ عَنْ أبي هُريْرَةَ - رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ فهَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟»، ـ أي هل يبقى من قذره أو وسخه شيء؟ ـ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِا الْخَطَايَا»، البخاري(528), ومسلم(667)فالصَّلواتُ الخَمْسُ نْهرٌ جارٍ بَيْنَ يَدَيْكَ تَتَطَهَّرُ بِهِ في اليَوْمِ خَمْسَ مَرَّاتِ، لا تُطَهِّرْ بَدَنَكَ فَقَطْ، بَلْ تُطَهِّرُ قَلْبَكَ، وَتُطَهِّرُ صَحائِفَكَ، وَتُطَهِّرُ ظَاهِرَكَ، فالصَّّلاةُ طَهارةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، طَهارةٌ لِلقَلْبِ، وَطَهارةٌ لِلبَدَنِ، وَطَهارةٌ لِلصَّحائِفِ مِنَ الخَطايا وَالآثامِ، فَأَقْبِلُوا عَلَيْها أَيُّها المؤْمِنوُنَ، حافظوُا عَلَيْها، فَإِنَّ الأَجْرَ فيها عَظيمٌ، قالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ»، أَيْ: الوُضوُءُ وَتَبْليِغُهُ في وَقْتٍ يَكْرَهُ الإِنْسانُ الماءَ إِمَّا لِشِدَّةِ بَردٍ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ، إِسْباغُ الوُضوُءِ أَيْ: تَكْميِلُهُ وَتَتْميِمُهُ عَلَىَ المكارِهِ، «وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ».مسلم(251)هَذِهِ أَعْمالٌ ثَلاثَةٌ قَالَ فيها النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟»، وَإذا تَأَمَّلْتَها وَجَدْتَها جَميعًا تَرْتَبِطُ بِالصَّلاةِ؛ فَالوُضوُءُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلاةِ، وَكَثْرَةُ الخُطَىَ أَيْ: المشْيُ إِلَىَ المساجِدِ لِإقامَةِ الصَّلاةِ، وَانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ تَعَلُّقُ قَلْبِ العَبْدِ بِالصَّلاةِ، فَإذا فَرغَ مِنَ الصَّلاةِ راقَبَ وَانْتَظَرَ الصَّلاةَ الأُخْرَىَ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ بِالإقامَةِ في المسْجِدِ، أَوْ بِالخروُجِ مَعَ تَعَلُّقِ قَلْبِهِ بِالمسْجِدِ؛ وَلهذا قالَ النبَّيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السَّبْعَةِ الَّذينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمٍ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: «رجلٌ قلبه مُعلَّقٌ بالمساجد»البخاري(660), ومسلم(1031)، حَتَّىَ إِذا خَرَجَ مِنَ المسْجِدِ فَقَلْبُهُ مُعلَّقٌ بِالمسْجِدِ يِنْتَظِرُ الصَّلاةَ تُلْوُ الصَّلاةِ.
«الصَّلاةُ» يا عِبادَ اللهِ «نورٌ» هَكذا قالَ سَيِّدُ الوَرَىَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، «الصلاة نور»مسلم(223) يُنيِرُ اللهُ بِها تَعالَىَ قَلْبَكَ، وَيُمَيِّزُ اللهُ تَعالَى بها لَكَ بَيْنَ الحَقِّ وَالباطِلِ، وَيُنيِرُ اللهُ تَعالَىَ بِها صَحائِفُكَ، وَيُنيِرُ اللهُ تَعالَىَ بِها قَبْرَكَ، فَتَكوُنَ عَلَىَ نُورٍ تُهدَىَ بِهِ إِلَىَ كُلِّ خَيْرٍ، وَتَتَوَقَّىَ بِهِ كُلَّ شَرٍّ، حافِظْ عَلَىَ الصَّلاةِ أُيَّها المؤْمِنُ؛ فَإِنَّ الصَّلاةَ أَمْرُها عظيمٌ، وَشَأْنُها كَبيرٌ، أَنْتَ المنْتَفِعُ بها، وَأَنْتَ الخاسِرُ إِذا ترَكْتَها، فَلا نوُرَ لَكَ وَلا ضِياءَ، وَلا هُدَى، ولا اسْتِقامَةَ، وَلا صلاحَ وَلا بِر بترك الصَّلاةِ - أَيُّها المؤْمِنُ - أَوِ التَّفْريِطِ فِيها.
فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَحافِظوُا عَلَىَ الصَّلواتِ؛ فالمحافَظَةُ عَلَيْها دَليلُ الإيمانِ، بها يُنْهَىَ المرْءُ عَنِ الفَحْشاءِ وَالمنْكَرِ كَما قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾+++العنكبوت:45 ، اللهم أعنَّا على ذكرك وشُكرك وحُسنِ عِبادتِكَ، ارْزُقْنا إِقامةَ الصلاةِ علَىَ الوَجْهِ الَّذيِ تَرْضَىَ بِهِ عَنَّا، وَاصْرِفْ عنَّا السُّوُءَ والفَحْشاءَ، أَقوُلُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِروُهُ إنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيمُ.
***
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ حَمْدًا كَثيرًا طَيِّبًا مُباركًا فِيِهِ، حَمْدًا يُرْضيهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ صَلَّى اللهَُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ لَزِمَ هَدْيَهُ وَاتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدين .
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقوُا اللهَ عبادَ اللهِ، أَمَركُمُ اللهُ تعالَىَ بالمحافظَةِ عَلَىَ الصَّلواتِ فقالَ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾البقرة:238 ، وَقَدْ وَعَدَكُمْ عَلَىَ ذَلِكَ خَيرًا عاجِلًا وَآجِلًا، جاءَ في الحَديثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، نوُرًا تَنْكَشِفُ بِهِ ظُلماتٌ يوْمَ القِيامَةِ، وَبُرهانًا أَيْ: دَليلًا عَلَىَ صِدْقِ إِيمانِهِ، وَنجاةً يَوْمَ القِيامَةِ، أَيْ يُنَجِّيِهِ اللهُ تَعالَىَ بها يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ الأَهْوالِ وَالكُرُباتِ وَالنَّارِ؛ أَعاذَنا اللهُ وَإيَّاكُمْ مِنْها. «وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا»، أي: لم يُحافظ على الصلوات كما أُمِر «لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلا بُرْهَانًا وَلا نَجَاةً وكان يوم الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ».أخرجه أحمد(6576), بإسناد حسن .
فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، وَحافِظوُا عَلَىَ الصَّلواتِ؛ فَإِنَّها عِبادَةٌ جَليلةٌ أَمَرَ اللهُ تَعالَىَ بِها النَّبيِّينَ، وَحَرَصوُا عَلَيْها غَايَةَ الحِرْصِ، فَهذَا إِمامُ الحُنفاءِ إِبْراهِيِمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - يَقوُلُ في دُعائِهِ: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾إبراهيم:40 ، وهذا موسى - عليه السلام - يأمره ربه فيقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾طه:14 .
وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَهَمِّيَّةَ الصَّلاةَ، وَأَنَّها فَرْضٌ فَرَضَهُ اللهُ تَعالَىَ عَلَىَ عِبادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سِياقِ مَوْتِهِ، وَفي حالِ احْتِضارِهِ كانَ يَقوُلُ لأَصْحابِهِ وَمَنْ حَضَرَهُ: «الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»أخرجه أحمد(26483), وَهُوَ: صَحيحٌ لِغَيْرِهِ، فحافِظوُا أَيُّها المؤْمِنونَ عَلَىَ الصَّلاةِ؛ فَهِيَ مِنْ أَهَمِّ الأُموُرِ وَأَجَلِّها، وَقَدْ قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعوُدٍ - رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ -: «مَن سرَّه أن يلقى الله غدًا مُسلمًا فليُحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن» أيْ: يُحافِظُ عَلَىَ هَذِهِ الصَّلواتِ في المساجِدِ، «فإن الله شرع لنبيكم سُنن الهُدى، وإن هنَّ من سُنن الهُدى»، ثُمَّ قال - رضي الله تعالى عنه -: «ولَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيوُتِكُمْ كما يُصلِّيِ هذا المُتخَلِّفُ في بَيْتِهِ لتركتم سُنَّة نبيكم، ولو تركتم سُنة نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ»، ثُمَّ يَقوُلُ - رَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُ -: «وما مِنْ رجُلٍ يتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطَّهوُرَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَىَ مَسْجدٍ مِنْ هَذِهِ المساجِدِ إلَّا كَتَبَ اللهُ لهُ بِكُلِّ خُطْوةٍ يَخْطوُها حَسَنةً، ويرفعه بها درجة، ويحُط عنه بها خطيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به» يعني في حال مرضه وعجزه، «ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف».أخرجه مسلم(654), .
فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على هذه الصلوات، ومروا أولادكم وأهليكم من الذكور والإناث، مروهم بالصلاة؛ فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾طه:132 ، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾التحريم:6 ، وَمِنْ أَعْظَمِ وَأَجلِّ ما يكوُنُ مِنِ الأُموُرِ الَّتيِ تَقِي النَّارَ، وَتَجْلِبُ الخيراتِ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ هذِهِ الصَّلواتِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ حافَظَ عَلَيْها حَفِظَ دِيِنَهُ، عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَكْتُبُ إِلَىَ وُلاتِهِ وَإِلَىَ وُكلائِهِ في الأَمْصارِ:" إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفِظها وحافظ عليها حفِظ دينه، ومَن ضيعها فهو لما سواها أضيع"أَخْرَجَهُ مالكٌ في مُوَطَّأِهِ ح(6)، وَاعْلَموُا أَنَّ أوَّلَ ما يُحاسِبُكُمْ بِهِ اللهُ تَعالَىَ يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ الأَعْمالِ المُتعَلِّقَةِ بِالجوارحِ في حَقِّهِ أَنَّ أَوَّلَ ما يُحاسِبُكُمْ بِهِ هُوَ الصَّلاةُ، فَإذا صَلُحَ حالُكَ في الصَّلاةِ صلُحَ حالُكَ في سائِرِ العَمَلِ.أَخْرجَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ(413) وَقَال:َ حسَن غَريبٌ. وَلَهُ شواهدُ .
الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرِكَ وَشُكْركَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ، ارْزُقْنا إِقامَةَ الصَّلاةِ، وَإِيتاءَ الزكاةِ، وَالعَمَلَ بما تَرْضَىَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكرْامِ، رَبَّنا اجْعَلْنا منْ مُقيميِ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرَّياتِنا واهْدِنا سُبُلَ السَّلامِ يا ذا الجَلالِ وَالإِكرْامِ.
الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتنا وَوُلاةَ أُموُرِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فيمَنْ خافكَ واتَّقاكَ واتَّبعَ رِضاكَ يا ربَّ العالمينَ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ خادِمَ الحَرَميْنِ الشَّريفَيْنِ ووَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَىَ ما تُحبُّ وَتَرْضَىَ، خُذْ بِنواصِيِهمْ إِلَىَ البِرِّ وَالتَّقْوَىَ، سَدِّدْهُمْ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ يا ذا الجلالِ وَالإِكْرامِ.
الَّلهُمَّ احْفَظْنا وَاحْفَظْ بِنا، وَأَقِرَّ أَعْيُننا بِسلامِةِ أُموُرَنا وَصَلاحِها، وَصلاحِ أحْوالَنا في السِّر وَالعَلَنِ يا ذا الِجلالِ وَالإِكْرامِ.
ربَّنا ظَلَمنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكوُنَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.
الَّلهُمَّ انْصُرْ جُنودَنا المقاتِليَن، وَرِجالَ أَمْنِنا الحارِسينَ، وَقِنا شَرَّ الأَشرارِ يا ذا الجَلالِ وِالإِكْرامِ.
الَّلهُمَّ وَاحْفظْ بِلادَ الِإسْلامِ منْ كُلِّ سوُءٍ وَألِّفْ بَيْنَ قلوُبِهِمْ، وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنَهُمْ يا رَبَّ العالمينَ، الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْألُكَ أَنْ تَغْفِرَ لَنا الخَطَأَ وَالزَّلَلَ، وَأَنْ تَتَجاوَزَ عَنْ كُلِّ خَطَأٍ سرٍّ أَوْ إِعْلانٍ.
الَّلهُمَّ اسْتَعْمِلْنا فيما تُحُبُّ وَتَرْضَىَ، وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوُءَ وَالفَحْشاءَ، أَعِذْنا مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ.
رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمَ ْتَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنكوُنَنَّ مِنَ الخاسِرينَ، رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ يا رَبَّ العالمينَ.
الَّلهُمَ صَلِّ عَلَىَ مُحمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحمَّدٍ؛ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْراهيمُ وَعَلَىَ آلِ إبراهيمَ إِنَّكَ حَميدٌ مَجيِدٌ.