عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:» أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً« رواه البخاريحديث رقم (6419).
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...
فهذا الحديث حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً«، ومقصود الحديث أن الله ـ تعالى ـ قد بلغ في العذر غايته من شخص أمهله حتى بلغ هذا السن الذي هو عمر غالب الناس، فإن أعمار بني آدم من أمة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بين الستين والسبعين، فإذا بلغ الإنسان الستين فقد بلغ من العمر قدرًا يكون قد استوفى كل مراحل العمر التي يستطيع من خلالها التقرب إلى الله.
فمراحل العمر أربعة:
المرحلة الأولى: سن الصبا إلى البلوغ.
المرحلة الثانية: الشباب إلى الخمسين.
المرحلة الثالثة: الكهولة إلى الستين.
المرحلة الرابعة: الشيخوخة وهي ما بعد الستين.
على خلاف بينهم في التقدير إلا أن مقصود الحديث أن الله ـ تعالى ـ قد أنعم على العبد نعمة عظمى يستوجب أن يكون فيها على أحسن حال إذا بلغ هذا العمر، العذر إذا بلغ هذا العمر وهو الستين، وذلك أن طول العمر نعمة ومنحة من الله عز وجل فـ «خيرُكُم مَن طالَ عُمرُهُ، وحسُنَ عملُهُ»[سنن الترمذي (2330)]، فإذا بلغ هذا العمر في طاعة الله وتوحيده والإيمان به، والعمل بما يحب ويرضى؛ كان ذلك مما يستبشر به الإنسان، وإذا كان على غير ذلك من التفريط والتقصير والغفلة فإنه قد بلغ المنتهى في العذر.
قد أعذر الله إلى الإنسان بالإمهال:
ولا يعني هذا أن من مات دون ذلك معذور في تقصيره، بل كل امرئ يدرك عمرًا يتمكن فيه من صالح العمل ثم لا يكون منه ذلك فإنه مؤاخذ. قال الله ـ تعالى ـ في أهل النار: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾[فاطر:37] هذه أمنية أهل النار أعاذنا الله وإياكم منها، يتمنون الرجوع للاشتغال بالعمل الصالح، ﴿أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾، ماذا كان الجواب؟
قال الله ـ تعالى ـ: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾[فاطر:37]، فقوله: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ يعني قد أمهلناكم عمرًا يحصل لكم فيه التذكر لكن لم يكن منكم ذلك، فلا تطلبوا العودة إلى الدنيا للعمل الصالح؛ لأنكم لو عدتم كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾[الأنعام:28] هذا في أمنيتهم، والواقع أنهم لا يرتدعون عن الغفلة والعصيان لتمكن ذلك في نفوسهم، حتى لو ردوا فإنهم سيعودون إلى ما كانوا عليه من سيء العمل.
التزود بالصالحات:
المقصود أيها الإخوة أن كل عمر يُمْنَحه الإنسان فهو مهلة ينبغي أن يتزود فيه من الصالحات ما يكون قربة له إلى الله، فإذا بلغ الإنسان هذا العمر المديد كان ذلك من إنعام الله عليه أن يجد ويجتهد في مزيد صالح من العمل كما قال ـ تعالى ـ: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾[البقرة:197]. الصغير والكبير كلهم مبتلون بأعمارهم أن يروا الله تعالى من أنفسهم خيرًا، ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الملك:2].
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يجعلنا ممن طال عمره، وحسن عمله، ووقي الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحسن لنا العاقبة، وأن يرزقنا جميل النهاية وحسن المآل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.