يقول المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ:
عن أبي ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: "قُلْتُ: يَا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟ قَالَ: الإيمانُ باللهِ وَالجِهادُ في سَبيلِهِ. قُلْتُ: أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قَالَ: أنْفَسُهَا عِنْدَ أهلِهَا وَأكثَرهَا ثَمَناً. قُلْتُ: فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ صَانِعاً أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ . قُلْتُ : يَا رَسُول الله، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ؟ قَالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ". مُتَّفَقٌ عليهصحيح البخاري (2518) وصحيح مسلم (84).
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
أفضل الأعمال:
هذا الحديث الشريف تقدم فيه سؤال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي الأعمال أفضل؟ فأجاب ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيله".
وهذه الإجابة تدل على أن الإيمان قول وعمل.
قول بالقلب وقول باللسان، وعمل بالقلب وعمل بالجوارح وهذا ما عليه عقد أهل السنة والجماعة أنه لا يخرج العمل عن مسمى الإيمان فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سأل عن أي الأعمال أفضل؟ فأجاب بالإيمان؛ فدل ذلك على الإيمان الذي هو تصديق القلب وقول الشهادتين وسائر أركان الإسلام وصالح الأعمال كلها مما يدخل في مسمى العمل الذي يؤجر عليه الإنسان وكلف به في الوصول إلى مغفرة الله تعالى ورحمته.
بذل الأغلى ثمنا أعظم أجراً:
ثم سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبو ذر فقال: أي الرقاب أفضل؟ يعني أي الرقاب التي تعتق في سبيل الله أفضل؟ والفضل هنا في الأجر والثواب والترغيب في الإعتاق، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها".
"أغلاها ثمنًا" أي: علو ثمنها علو قيمتها وذلك أن علو القيمة في الغالب في الرقاب لا يكون إلا لجودة في المعتق من قوة في العمل وإتقان لمصالح والغالب أن العتق يتكفل فيه المعتق بنفسه، فكان أعلى ثمنا هو الأقدر على كفاية نفسه والقيام بها ولا يكون على غير بخلاف إذا كان الرقيق زمنًا أو أخرقًا أو لا يستطيع العمل فإن عتقه يحصل به منفعة من جهة لكن يتخلص صاحب المال من عبء القيام بهذا الذي تحت يده من الرقيق.
قال: أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أصحابها أو عند أهلها يعني أعلاها رغبة وما يتمسك به الناس من أموالهم وهذا وإن كان جوابًا في العتق، إلا أنه في كل أنواع المال، فإن الأفضل في الصدقة ما كان أعلى ثمنًا وما كانت النفس متعلقة به أكثر لذلك قال الله ـ تعالى ـ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾[آل عمران: 92] فإذا أخرج الإنسان ما يحب لله ـ عز وجل ـ كان ذلك برهان صدقه وصحة إيمانه وكمال رغبته فيما عند الله عز وجل.
ثم سأل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عن إذا ضعف عن بعض العمل، أو إذا لم يفعل ذلك إذا لم يفعل ما تقدم فماذا يصنع؟ إذا لم يعمل بما تقدم في المساهمة بالأعلى في أفضل الأعمال وفي أفضل الرقاب.
معونة الناس من أحب الأعمال:
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: تعين صانعًا أو تصنع لأخرق تعين صانعًا أي: تعين من يحتاج إلى عون في صناعته فهذا إحسان بالبدن والجهد.
والوجه الثاني من أوجه الإحسان بالبدن أو تصنع لأخرق أي: تعين من لا يحسن الصناعة بالصناعة له.
أقل الأعمال أن تكف شرك عن الناس:
فقال أبو ذر ـ رضي الله تعالى عنه ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل يعني إذا ما فعلت هذه الفضائل مما ليس بواجب قال: "تكف شرك عن الناس فإنه صدقة منك على نفسك" فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكف شره عن الناس القريب والبعيد، فإن كف الإنسان شره عن الناس وأذاه سواء كان الأذى قوليًا أو الأذى عمليًا أو الأذى قلبيًا بالحسد والعجب والاحتكار بكل أوجه الأذى أن تكف شرك وهو كل ما يتأذى به الناس عقدًا بالقول، أو قولًا باللسان، أو عملًا بالجوارح فإنه صدقة منك على نفسك.
فإذا طهرت قلبك من الحسد والحقد والغل والعجب، إذا طهرت لسانك من السب والشتم والهمز واللمز، إذا طهرت فعلك عن الأذى في الأنفس والدماء وفي الأموال وفي غير ذلك مما تطاله جوارحك بإعطاء الحقوق لأهلها فأبشر فإنك قد تصدقت بذلك على نفسك، كف شرك عن الناس مما تتقرب به إلى الله ـ عز وجل ـ إذ أنه صدقة منك على نفسك.
اللهم أعنا على طاعتك واستعملنا فيما تحب وترضى، واصرف عنا السوء والفحشاء واستغفر الله لي ولكم وصلى الله على نبينا محمد.