يقول المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ: عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي، حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّريقِ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِئ أعمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ في المَسْجِدِ لاَ ُدْفَنُ». رواه مسلم حديث رقم (553).
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فهذا الحديث الشريف حديث أبي ذر ـ رضي الله تعالى عنه ـ فيما يخبر به عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه عرض عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعمال أمته والمقصود بأمته أي من أجابه إلى ما جاء به من الهدى ودين الحق وهم أهل الإسلام فعرض عليه ما يكون من المسلمين من الأعمال.
عرض الأعمال مباشرة أو بواسطة:
والعرض من الله ـ عز وجل ـ إما مباشرة أو بواسطة ملك والمقصود أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرض عليه أعمال الأمة ما يكون منها من الأعمال حسنها وسيئها يعني ما كان منها صالحًا يؤجر عليه أصحابه وما كان منها سيئًا يعاقب به فاعله، ثم ذكر ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رآه من الحسن وفيما رآه من السيئ واختار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عملين أخبر بهما وهما في الحسن إماطة الأذى عن الطريق وفي السيئ النخاعة أي النخامة تكون في المسجد لا تدفن، فذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جملة أعمال الأمة هذين العملين وسبب اختيار هذين العملين في الذكر أنهما من أيسر الأعمال إتيانًا وتوقيًا أي من أسهل ما يكون من العمل الذي يقوم به الإنسان إتيانًا إماطة الأذى عن الطريق، لأنه لا يتكلف في الغالب إذ إنه ينحي عن الطريق ما يتأذى به الناس وهذا لا يكلف العامل شيئًا إذ إنه لا يطلب في العادة إنما يكون في طريق الإنسان وهو سائر فيجد أذى فينحيه وفي المقابل في السيئ النخاعة وهي النخامة تكون في المسجد أي في أرضه في داخله أو في فنائه لا تدفن أي يراها الإنسان سواء من أخرجها أي من تنخم أو تنخع أو من رآها ولو لم تكن منه لا تدفن فهذه من الأمور اليسيرة التي يأتيها الإنسان وتكون سببًا للأجر ويتوقاها الإنسان وتكون سببًا للوزر إذ إن إزالة النخاعة والنخامة من المسجد من تعظيم شعائر الله ـ عز وجل ـ وهو أمر لا يكلف إذ إنه غاية ما هنالك أن تدفن أن يكب عليها من التراب ما يخفيها ويزيل صورتها القبيحة.
أعمال يسيرة لكن مضيعة:
وهذان العملان اللذان ذكرهما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على خفتهما ويسرهما إلا أن التفريط فيهما كبير، فكم يرى الإنسان من الأذى في طريقه ولا يزيله، بل بعض الناس يضع الأذى في طريق المسلمين وهذا قد يعجب منه الإنسان.
إماطة الأذى:
الأذى يا إخواني ما هو الأذى الذي إماطته صدقة وإماطته يؤجر عليه الإنسان وهي من حسن هي إزالة كل ما يؤذي وما يؤذي لا ينحصر في صورة واحدة، بعض الناس يظن أن الأذى هو قذر أو صخرة أو شيء من هذا وهذا في الحقيقة نوع من الأذى لكنه ليس كل الأذى إذ إن من الأذى أن يقف الإنسان في موقف يؤذي الناس يوقف سيارته في طريق الناس وهذا نشهده في أوقات الازدحام وأوقات ورود الناس على مكان معين كما لو وردوا مساجد مثلا في الجمع أو وردوا مدارس لإنزال أولادهم أو أخذهم تجد بعض الناس يوقف سيارته ولا يبالي بالآخرين وهذا من الأذى الذي إماطته صدقة وإماطته من خصال الإيمان، فالأذى لا ينحصر فقط في إزالة القاذورات بل إزالة كل ما يؤذي سواء قذر أو ما يعثر به الناس أو إزالة مراكب عن أماكن لا توقف فيه بل حتى أماكن الجلوس إذا جلس الإنسان في مكان يؤذي الناس فإنه أذى وإماطته عن الطريق مما يؤجر عليه في نفسه وأمره بذلك مما يؤجر به الآمر يؤجر عليه الآمر.
فإماطة الأذى مفهوم واسع وهي من خصال الإيمان:
التي يؤجر عليها الإنسان، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الإيمانُ بضعٌ وسبعونَ شُعبةً أعلاها شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأدناها إماطةُ الأذى عنِ الطَّريقِ»[صحيح مسلم (35)] فهو من خصال الإيمان لكن مع هذا مع كونه من أدنى خصال الإيمان يفرط فيه كثير من الناس، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين عظيم الأجر الحاصل لمن أماط الأذى فأخبر عن رجل أزال غصنًا من طريق الناس، فشكر الله له فغفر له وهذا ثواب عظيم على عمل يسير.
إذا احتسب الإنسان فإنه سيأتي من العمل ويجد من أبواب الخير ما يصل به إلى أجر عظيم وفوز كبير.
النخامة في المسجد خطيئة:
وأما النخاعة فتشمل كل ما يتأذى به الناس في المساجد سواء كانت نخاعة أو مناديل فيها قذر أو ما إلى ذلك مما يستقذر وينزه عنه المسجد، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «النُّخامةُ في المسجدِ خطيئةٌ»[مسند أحمد (12062)، وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين] يعني ذنب وإثم وكفارتها دفنها.
ولهذا ينبغي للإنسان أن يقي المساجد كل ما يستقذر ويستقبح من الأقذار حتى الطاهرة لأن النخامة طاهرة على الصحيح ومع ذلك يطهر منها المسجد لاستقذار الناس لها، فرمي المناديل ترك المخلفات من المشروبات أو المأكولات في المسجد كل هذا مما ينبغي أن يتوقاه الإنسان تعظيمًا لبيوت الله ـ عز وجل ـ وإجلالًا لها وهي نظير ما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أن النخامة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها والمقصود بالدفن الإزالة سواء كان بالدفن أو بالمسح ولذلك رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نخامة في قبلة المسجد فأتى وحكها ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشيء في يديه حتى أزالها وقد تمعر وجهه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي تغير لون وجهه لما رأى هذا المستقذر في جدار من جدر المسجد.
لا تحقرن من المعروف شيئا:
ولهذا أنا أوصي نفسي وإخواني بتعظيم شعائر الله، وفائدة هذا الحديث أننا لا نحقر شيئًا من أعمال الخير باستصغاره ولا نحقر شيئًا من أعمال الشيء باستصغاره الشيطان يدخل علينا من هذين المدخلين، يأتينا في الحسنات والصالحات يقول هذا ما تدخلك الجنة اتركها، ويأتينا في السيئات يقول هذه ما تدخلك النار افعلها، وبالتالي نقصر في الحسنات ونتورط في السيئات والمعاصي والواجب على المؤمن أن يكون فطنًا فيبادر كل حسنة بفعلها ويبادر كل سيئة ولو صغرت بتركها قد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إيَّاكم ومُحقَّراتِ الذُّنوبِ» يعني الذنوب اللي ما تشوفونها شيء صغيرة بعيونكم «إيَّاكمْ ومحقراتُ الذنوبِ، فإنهنَّ يجتمعنَ على الرجلِ حتى يهلكْنَهُ»مسند الإمام أحمد (3818)
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.