يقول المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ:
عن أبي ذر : قَالَ: قَالَ لي النَّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لاَ تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئًا وَلَوْ أَنْ تَلقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ». رواه مسلمحديث رقم (2626).
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد..
لا تحقرن من المعروف شيئا:
هذا الحديث النبوي تضمن وصية جامعة في المسابقة إلى كل خير والمبادرة إلى كل بر سواء كان عظيمًا جليلًا أو كان في عين الإنسان صغيرًا قد لا يراه شيئا، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لاَ تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئًا» لا تحقرن أي: لا تحتقر وتستصغر وتزهد في شيئًا من المعروف، فإن الاحتقار يفضي إلى الترك والزهد وعدم العمل والمعروف هو كل ما أمر الله ـ تعالى ـ به ورسوله من الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة الواجبة والمستحبة.
فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لاَ تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئًا» أي لا تحتقر عملًا صالحًا مهما كان في عينك صغيرًا، أو في عينك ليس له مكانة أو قدر ثم ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد ذلك صورة من صور العمل الذي يأتيه الناس في كثير من الأحيان دون أن يستشعروا ما فيه من الخير وهو أن يلقى الإنسان أخاه بوجه طلق قال: «وَلَوْ أَنْ تَلقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ» أي ولو أن تلقى أخاك بوجه مستبشر وجه مبتسم وجه تبدو عليه مظاهر القبول والبشر.
البشاشة في وجه أخيك صدقة:
هذا معنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بوجه طلق فالوجه الطلق ضد الوجه العبوس المقطب الذي اقترب، فلا يبدو فيه سرور ولا يظهر منه بشر، والناس في وجوههم على درجات ومراتب من الناس من تجده في كل أوقاته مقطبًا، ومن الناس من تجده في غالب حاله طلق الوجه مستبشرًا بشوشًا وهذا من فضل الله ـ تعالى ـ على العباد لكن ينبغي أن يستحضر الإنسان النية الصالحة فيما إذا كان من طبيعته البشر حتى يعظم أجره، وإذا كان من طبيعته التقطيب والعبوس فليستحضر الأجر ليكون ذلك له عونًا على الخروج عن هذه الحال التي تنفر فإن بشر الوجه مما يدخل به السرور على الغير وهذا مما يجري الله ـ تعالى ـ به الأجر على الناس على من عمل بذلك، وعلى من أخذ بهذه الوصية.
فإن في البشر أجرًا وفي الابتسامة ثوابًا، بينه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال: «وَلَوْ أَنْ تَلقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ» فإن ذلك من المعروف الذي ينبغي ألا يحتقره الإنسان، وأحيانًا قد يتصور بعض الناس أن البشر والابتسامة مما يقلل قدر الإنسان في قلوب الناس، فيظن أنه إذا ابتسم وكان طلق الوجه قالوا هذا ما يميز هذا مسكين وبعض الناس يقول: إن رآني الناس مبتسمًا ظنوا أنني خالي من الهموم وما إلى ذلك من المبررات التي تجعله يعني يقطب ويظهر بوجه عبوس.
الابتسامة لا تعني أن ليس عند الإنسان هم، فكم من مبتسم عنده من الهموم وعنده من الضغوط ما الله به عليم، لكنه تجاوزها بما فتح الله عليه من هذه البسمة، التي يكتسب بها أجرًا يدخل بها سرورًا على إخوانه وجزاك الإحسان الإحسان، فالله سيدخل عليه سرورًا بهذه الابتسامة وبهذه الطلاقة لوجهه.
التبسم لا يقلل من هيبة الإنسان:
ثم ما يتعلق بثقل الإنسان وقدره لا ينقصه الابتسامة، فهذا أعظم الناس قدرًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول جرير بن عبد الله وهو من الصحابة الكرام ما لقيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألا وابتسم لي ما نزل قدره ولا قلت مكانته من الابتسامة، بل كانت منقبة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالابتسامة لا تنزل قدر الرجل، ولا تضعف مكانته، إنما ترفع قدره وتعلي منزلته بما يدخل به السرور على غيره.
التبسم يزيل الشحناء:
ولهذا ينبغي لنا أيها الإخوة أن نحرص على حسن التلقي للناس والبشر في مقابلتهم وأن نحتسب الأجر عند الله ـ عز وجل ـ فنكسب بذلك خيرين؛ خير الأهم والأعظم هو الثواب عند الله ـ عز وجل ـ والخير التابع اللاحق هو القبول عند الخلق، فكم فتحت الابتسامة من مغلق، وكم أزالت من شحناء، وكم قربت من بعيد، وكم أذابت من حواجز، وبالتالي «لاَ تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئًا وَلَوْ أَنْ تَلقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ» يقول الإنسان أنا ما تعودت، إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم، كما أنك أعتدت التقطيب والعبوس تعود على الابتسامة، وستجد خيرًا حتى تكون لك عادة وعند ذلك يجري الله ـ تعالى ـ لك من الأجر ما ليس لك فيه حساب، ولا على بال ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه﴾[الزلزلة: 7]، ولا تحقرن من المعروف مهما دق شيئًا، فإن الله ـ عز وجل ـ يجري على الإنسان بالخير ما لا يرد له على حساب.
في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «بينما رجلٌ يمشي في طريقٍ إذ وجدَ غصنَ شوْكٍ فأخَّرَهُ فشَكرَ اللَّهُ لَهُ فغفرَ لَهُ»[سنن الترمذي (1958) وقال: هذا حديث حسن صحيح] هذا الأجر العظيم على هذا العمل اليسير الذي قارنه حب الخير للناس، والرغبة في إيصال الخير لهم والذب عنهم وإزالة الأذى، ليس فقط الإحسان إلى الناس موجب لمغفرة الله، حتى الإحسان للحيوان واذكروا خبر المرأة البغي التي أدخلها الله الجنة بكلب وجدته قد أنهكه العطش، فنزلت فسقته بحذائها حتى أروته فشكر الله لها فغفر لها، والآخر رجل كذلك مر في طريق فرأى كلبًا أنهكه العطش، فسقاه حتى روي فشكر الله له فأدخله الجنة.
معاملة الله ـ عز وجل ـ والاحتساب تسهل الأعمال على النفوس:
فينبغي لنا أيها الإخوة أن نحتسب عند الله، وأنا أقول مما يسهل علينا هذه الأمور ويجعلها لنا سجية أن نستشعر التعامل مع الله، أنت تتعامل مع الله في ابتسامتك لأخيك، وفي إحسانك للخلق، وفي إحسانك للناس، ولا تنتظر منهم جزاء تقول أنا ابتسم لفلان وهو مقطب ما عليك منه كن أطيب منه فخيرهم الذي يبدأ بالسلام، وخيرهم الذي يعمل بسنة الأنام صلى الله عليه وسلم.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، أهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها وصلى الله وسلم على نبينا محمد.