يقول المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا» رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين أما بعد..
أجور سنن التجهز لصلاة الجمعة:
يقول النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا» أي صلاتها واستمع وأنصت وهذا لأجل تحقيق ما أمر الله ـ تعالى ـ به إلى السعي لذكره، غفر له ما بين الجمعة والأخرى وزيادة ثلاثة أيام هذا هو الثواب والأجر لمن أدرك هذا العمل وهو إتمام الوضوء والاستماع والإنصات للخطبة والاستماع والإنصات المقصود به الإقبال التام بالأذن وبالقلب على ما يسمعه من ذكر الله ـ عز وجل ـ لما في ذلك من النفع العظيم ولهذا قال ـ تعالى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾[الجمعة: 9] أي ترك كل ما يشغل عن ذكر الله، ﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[الجمعة: 9] فلما فيه هذا الاستماع من الخير أمر الله ـ تعالى ـ بالانصراف عن كل شيء والإقبال عليه والتهيؤ لهذا الذكر وسماعه.
وهذا الأجر المرتب في هذا الحديث على إحسان الوضوء والاستماع والإنصات، وفي حديث آخر قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي رواية أخرى لهذا الحديث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَن اغتسَلَ، ثم أتى الجُمعةَ، فصلَّى ما قُدِّرَ له، ثم أنصَتَ حتى يَفرُغَ مِن خُطبتِه، ثم يُصلِّي معه؛ غُفِرَ له ما بيْنه وبين الجُمعةِ الأُخرى، وفضْلَ ثلاثةِ أيَّامٍ» فذكر الاغتسال, والاغتسال من السنن المؤكدة، وقد قال جماعة من أهل العلم: إنه من واجبات المؤمن الآتي للجمعة في يوم الجمعة.
استحباب غسل الجمعة:
والراجح ما عليه الجمهور من أن الاغتسال للجمعة سنة مؤكدة إلا أن يكون له ما يؤذي من رائحة، فعند ذلك يكون في حقه واجبا؛ لئلا يؤذي غيره، أما إذا لم يكن رائحة مؤذية، فإن الاغتسال سنة مؤكدة هذا الأجر المذكور في هذا الحديث غفر له ما بين الجمعة والأخرى وزيادة ثلاثة أيام يذهب باللغو، ولذلك قال: "ومن مس الحصا فقد لغا" بعد أن بين الأجر والثواب، بين ما يذهب ذلك الأجر والثواب وهو اللغو، واللغو هو الاشتغال بالباطل قولًا أو عملًا.
عدم الانشغال عن الخطبة:
ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث: «من مس الحصا فقد لغا» والمس عمل ومثله القول فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «ومَن قال لِصاحِبِه يومَ الجُمُعةِ: أَنْصِتْ فقد لَغَا» فاللغو يكون بالقول وهو الكلام ولو كان أمرًا بالمعروف أو نهيًا عن المنكر، إذا كان الكلام لغير الإمام ويكون بالفعل وهو اشتغال الجوارح بما يشغله عن الإنصات ومس الحصا ذكر فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صورة من صور الاشتغال، لكن الحكم ليس مقصورًا على مس الحصا، فلو اشتغل بشيء غير مس الحصا كأن يشتغل بثيابه عبثًا أو بغطرته أو بفرش المسجد أو يشتغل بالجوال في أثناء الخطبة أو يشتغل بكتابة كل هذا يدخل فيما ذكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من مس الحصا فقد لغا".
وأن من العجيب أن بعض الناس يأتي إلى الجمعة، ثم يجلس في مكان ويشتغل في وقت الخطبة والإمام يتحدث ويذكر بمطالعة مواقع أو مراسلة أو قراءة رسائل أو ما أشبه ذلك، وهذا يذهب عليه الأجر المذكور في هذا الحديث غفر له ما بين الجمعة والأخرى وزيادة ثلاثة أيام.
ينبغي للإنسان أن يستمع وأن ينصت وليس فقط أن يستمع لأن الاستماع يمكن أن يستمع الإنسان وهو مشتغل بشيء، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتأكيد تمام الإقبال على الخطيب أكد بقوله: "ومن مس الحصا فقد لغا" أي ينقطع الإنسان عن كل شغل يمكن أن يصرف قلبه أو أن يشغله عن الإنصات للإمام.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.