إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شُروُرِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًّا مُرْشِدًا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلَّا اللهُ، وَحَدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقوُا اللهَ تَعالَىَ حَقَّ التَّقْوَىَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾آل عمران: 102 .
أَيَّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ الخَيراتِ وَالبرَكاتِ لا يَأْتي بِها إِلَّا اللهُ - جَلَّ وَعَلا -؛ فَلا مانِعَ لما أَعْطَىَ وَلا مُعْطِيَ لما مَنَعَ وَلا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْهُ الجَدُّ، لا يَأْتي بِالحَسناتِ إِلَّا هُوَ، وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئاتِ وَالمكرْوُهاتِ إِلَّا هُوَ؛ فَتَباركَ اللهُ رَبُّ العالمينَ، بِيِدِهِ الملْكُ، لَهُ مَقاليدُ السَّمواتش وَالأَرْضِ، ما شاءَ كانَ وَما لمْ يَشأْ لمْ يَكُنْ.
أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ، إِنَّ مِنْ بَركاتِ رَبِّنا - جَلَّ في عُلاهُ - ما أَكْرَمَ بِهِ بِني آدَمَ مِنْ أَوائِلِ خَلْقْهِمْ وَأَطْوارِ إِيجادِهِمْ؛ قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ المؤمنون: 12 - 14 .وَمِنْ بَركاتِهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ أَنْ خَلَقَ لَنا السَّمواتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ لَنا ما فيهِما قالَ اللهُ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾الجاثية: 13 ، وَمِنْ لُطْفِهِ وَعَظيمِ عِنايَتِهِ بِبَنيِ آدَمَ أَنْ هَيَّأَ لَهُمُ الأَرْضَ لِينالوُا مِنْ خيْراتِها وَبَركاتِها وَمَنافِعها ما يْصْلُحُ بِهِ معاشُهُمْ وَما يَسْتَقيمُ بِهِ مَعادُهُمْ؛ قالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾فصلت: 9- 10 .
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ البرَكةَ كُلَّها مِنَ اللهِ تَعالَىَ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ العالمينَ، مَنْ أَلْقَىَ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ بَركاتِهِ فَهُوَ المبارَكُ؛ وَلهذا كانَ كِتابُهُ مُباركًا وُبَيْتُهُ مُباركًا وَالأَزْمِنَةُ وَالأَمْكِنَةُ الَّتي شَرَّفَها وَاخْتَصَّها عَنْ غَيْرِها مُباركَةً، وَقَدْ باركَ اللهُ أَشْخاصًا، وَبارَكَ أَعْمالًا وَأَحْوالًا، وَلَهُ - جَلَّ وَعَلا - في ذَلِكَ الحكْمَةُ البالِغَةُ، البركَةُ تَكوُنُ في كُلِّ شَيْءٍ، فاللهُ تَعالَى إذا بارَكَ في شَيْءٍ كانَ ذَلِكَ مِفْتاحَ خَيْرٍ عَظيمٍ لَهُ، باركَ اللهُ أَشْياءً وأَشْخاصًا وَأَعْمالًا وَأَماكِنَ وَأَزْمِنَةً وَأَرْزاقًا وَأَوْلادًا وَمراكِبَ، كُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ.
وَالعاقِلُ الرَّشيدُ مِنْ بَنيِ آدَمَ مَنْ يَسْتَفْتِحُ البركاتِ وَيَطْلُبُ مِنَ اللهِ - جَلَّ وَعَلا - أَنْ يُبارِكَ لَهُ في شَأْنِهِ وَفي حَالِهِ وَعَمَلِهِ.
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, البرَكَةُ مِنْحَةٌ مِنَ اللهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ البركةُ هِبَةٌ يَتَفَضَّلُ اللهُ تعَالَىَ بِها عَلَىَ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، بها يَكْثُرُ الخَيْرُ، بها يَنْموُ وَيزْدادُ الفضْلُ، بها يَسْتَقِرُّ الإِحْسانُ وَيَسْتَمِرُّ وَيَدوُمُ، فالشَّيْءُ إذا باركَهُ اللهُ تَعالَىَ كَثُرَ خَيْرُهُ وَعَظُمَ نَفْعُهُ وَجادَ عَطاؤُهُ، وَدَامَ فَضْلُهُ وَقَرَّ إِحْسانُهُ، وَأَدْرَكَ الإِنْسانُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ ما يُؤَمِّلُ مِنَ الخَيْرِ وَالنَّفْعِ، وَإِذا نُزِعَتِ البرَكَةُ مِنْ شَيْءٍ وَلَوْ كانَ عَظيمًا كَثيرًا كَبيرًا قَلَّ خَيْرُهُ وانْحَسَرَ فَضْلُهُ واضْمَحَلَّ نَفْعُهُ وَلمْ يُدْرِكُ النَّاسُ بِهِ شَيْئًا مِنْ مَقاصِدِهِمْ.
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ البرَكَةَ الَّتِي يَتَفَضَّلُ اللهُ تَعالَىَ بِها عَلَىَ عِبادِهِ مِنْها ما هُوَ وَهْبٌِي ابْتِدائِيٌّ، وَهُوَ ما جَعَلَهُ اللهُ تَعالَىَ في هذِهِ الأَرْضِ مِنَ البرَكاتِ الَّتي هَيَّأَ بِها مَصالحُ العِبادِ، وَمِنْها ما تُنالُ بِالسُّؤالِ وَالطَّلَبِ وَالسَّبَبِ والتَّسَبُّبِ وَتُسْتَجْلَبُ وَتُسْتَحْصَلُ، وَالعاقِلُ البَصيِرُ مَنْ جَدَّ وَاجْتَهَدَ في مَعْرِفَةِ تِلْكَ الأَسْبابِ الَّتي تُنالُ بِها البرَكاتُ وَيَسْتَكْثِرُ بها مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسانِهِ، وَتُسْتَفْتَحُ بها بَركاتُ السَّماءِ وَالأَرْضِ.
أَيُّها المؤْمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, كُلُّكُمْ مُحْتاجٌ إِلَىَ بَركَةِ اللهِ وَبرَكاتَهِ، كُلُّ فُقيِرٍ إِلَيْهِ - جَلَّ و!َوَعَلا - في دَقيِقِ الأَمْرِ وَجَليِلِهِ، غَنِيِّكُمْ وَفَقيِركُمْ، صَحِيحِكُمْ وَمَريِضِكُمْ، شَريِفِكُمْ وَوَضِيعِكُمْ، عَامِلِكُمْ وَفارَغِكُمْ، كُلُّكْمْ إِلَيْهِ فُقَراءُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾فاطر: 15 .
أَيُّها النَّاسُ عِبادَ اللهِ, إِنَّ أَعْظَمَ الأَسْبابَ الَّتيِ تُدْرَكُ ِبها البرَكاتُ وَتُسْتَفْتَحُ بها أَبْوابُ الخيْراتِ تَقْوَىَ اللهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ فاتَّقوُا اللهَ أَيُّها المؤْمِنوُنَ في السِّرِّ وَالعَلَنِ في الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ في حَقِّهِ وَحَقِّ عِبادِهِ؛ فَمَنِ اتَّقَىَ اللهَ جَعَلَ لَهُ مِنْ كُلَّ ضِيِقٍ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ مَخْرَجًا، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾الطلاق: 2 - 3. تَقْوَىَ اللهِ - سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ - أَعْظَمُ ما تُنالُ بِهِ البركاتُ وَتُدْرَكُ بِهِ خَيْراتُ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَيَفوُزُ بِهِ الإِنْسانُ بِسعادَةِ الدُّنْيا وَنَعيمِ الميعادِ وَالمرْجِعِ إِلَىَ اللهِ تَعَالَىَ.
تَقْوَىَ اللهِ تَكوُنُ بِفِعْلِ ما أَمَرَ وَتَرْكِ ما نَهَىَ عَنْهُ وَزَجَرَ؛ رَغْبَةً فيِما أَعَدَّ مِنْ ثَوابٍ، وَخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ وَسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ جَلَّ في عُلاهُ .
مِفْتاحُ البرَكاتِ تَقْوَىَ اللهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ يَقوُلُ رَبُّكُمْ سُبْحانَهُ: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾الأعراف: 96 ، فَكُلُّ مَنْ أَطاعَ اللهَ فَقَدْ أَخَذَ بِأَعْظَمِ أَسْبابِ فَتْحِ الخَيْرِ وِالبرَكاتِ في دُنْياهُ وَاسْتَجْلَبَ بَرَكاتِ السَّماءِ وَالأَرْضِ؛ يَقوُلُ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾الجن: 16 أَيْ: لَنالوُا مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسانِهِ وَبِرِّهِ وَعَطائِهِ ما تَحْصُلُ لهُمْ بِهِ كمالُ الحياةِ؛ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ في الآيةِ الماءَ الَّذي قالَ فِيِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾الأنبياء: 30 .
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ أَسْبابِ الفَوْزِ بِبَركَةِ اللهِ تَعالَىَ أَنْ يَلْزَمَ العَبْدُ الاسْتِغْفارَ؛ فَما مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ ذَنْبٌ في السِّرِّ أَوِ العَلَنِ في الغَيْبِ أَوِ الشَّهادَةِ في الظَّاهِرِ أَوِ الباطِنِ، «كُلُّ ابْنُ آدمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِيِنَ التَّوابُوُنَ»كَما قالَ صَلَّى اللهً عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الترمذي ح(2499) بإسناد حسنتَقْوَىَ اللهِ لُزوُمُ أَمْرِهِ، لَكِنْ لابُدَّ مِنْ عَثْرَةٍ، وَلابُدَّ مِنْ هَفْوَةٍ، وَلابُدَّ مِنْ غَلَطٍ، وَلابُدَّ مِنْ سَيِّئَةٍ بِطَبيِعَةِ البَشَرِ، المُخْرجِ مِنْ ذَلِكَ: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها»الترمذي ح(1987), وقال: حسن صحيح, وَأَعْظَمُ الحَسَناتِ الماحِيَةِ لِلسَّيِّئاتِ التَّوْبَةُ وَالاسْتِغْفارُ؛ فَالتَّوْبَةُ وَالاسْتِغْفارُ مِنْ أَعْظَمِ ما تُنالُ بِهِ البركاتٌ؛ قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾نوح: 10- 12 ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَتوُبُ إِلَيْهِ.
الاسْتِغْفارُ وَالتَّوْبَةُ مِفْتاحٌ عَظيمٌ، تُدرَكَ بِهِ المطالبُ، فإِذا عَثَرْت أَيُّها المُؤْمِنُ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، إِذا عَثَرْتَ بمواقَعَةِ مُحرَّمٍ فافْزَعْ إلَىَ الاسْتِغْفارِ وَلا تُؤَخِّرْ وَلا تُؤَجِّل إذا أَخْطَأتَ، بَادِرْ إِلَىَ التَّوْبَة وإلىَ الرُّجوُعِ إِلَىَ العزيزِ الغَفَّارِ، فاللهُ يُحِبُّ التوَّابينَ وَيُحِبُّ المتَطَهِّرِينَ؛ قالَ تعالَىَ: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾هود: 3 فالنتيجة: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾هود: 3 .
أَيُّها المؤْمنوُنَ, إِنَّ مِنْ أَسْبابِ حُصوُلِ البَركَةِ وَإِدْراكِها اللَّجَأَ إِلَىَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، سُؤالَ اللهِ وَدُعاءَهُ، التَّضُرُّعُ لهُ جَلَّ في عُلاهُ؛ أَنْ يُبارِكَ لَكَ في نَفْسِكِ وَأَهْلِكَ وَمالِكَ وَجَميعِ شَأْنِكَ وَجَميعِ ماَ أَعْطَاكَ؛ وَلِذَلَكَ كانَ مِنْ دعاءِ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ - الَّذي عَلَّمَهُ
أَمُّتَهُ: «وبارك لنا فيما أعطيت»مسند أحمد(1718)بإسناد صحيح بَلَغَنا نَفْعُهُ، بَلَغَنا خَيْرُهُ، بَلَغَنا نَماءُهُ وَزِيادَتُهُ، أَفِضْ عَليْنا مْنْ جُودِكَ فيهِ؛ فَما بَارَكَه اللهُ عظَمَّ نَفْعَهُ وَكثُر، وَما نُزعِ بَركَتُه ُكاَنَ لا شَيْءَ، بَلْ هُوَ شَيْءٌ مُضْمَحِلٌ.
سُؤالُ اللهِ تَعالَى فيما أَعْطاكَ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ المفاتيِحِ الَّتيِ تُنالُ بها البركاتُ، وَقَدْ دَعا النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِالبرَكَةِ لِبَعْضِ أَصْحابِهِ، فَكَانَ ثَمَرةُ ذَلِكَ شَيْئًا عَظيمًا يَفوُقُ الوَصْفَ؛ فَفيِ صَحيحِ الِإمامِ البُخارِيِّ مِنْ حَديثِ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطاهُ دِينارًا لِيَشْترَيَ بِهِ شاةً، فاشْتَرَىَ للنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّينارِ شاتيْنِ، فَباعَ شاةً بِدينَارٍ وَرَجَعَ إلىَ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عليه وسلمَ - بِشاةٍ وَدينارٍ، فَرَجَعَ كاسبًا شاةً بِلا ثَمَنٍ مقُابِلَ ما بَذَلَهُ الَّنِبُّي - صلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمَّا رَآهُ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ» البخاري ح(3642), والترمذي ح(1258), «فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ»؛ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ. وَدَعَا - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَسِ بنِ مالكٍ لما جاءَتْ أُمُّهُ قالَتْ: «خُويدمك أنس ادع الله له». فقال - صلى الله عليه وسلم -: هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللهَ لَهُ، فَقَالَ: «اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ» فدعا له بالبركة في كثرة ماله وولده. يقول أنس رضي الله تعالى عنه: «فَواللَّهِ إنَّ مالِي لَكَثِيرٌ، وإنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعادُّونَ على نَحْوِ المِئَةِ يجيئون ويذهبون بين يدي شهودًا» مسلم ح(2481)ذاكَ فَضْلُ اللهِ وذاكَ بَركَتُهُ بِبِركَةِ دُعاءِ النَّبِيِّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.-فادْعوُا اللهَ بِالبرَكَةِ في شُؤوُنِكْمُ كُلِّها، وَاسْأَلوُهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَما باَركَهُ اللهُ زادَ وكَثُرَ خيَرُهُ وَنَفْعُهُ, وَتَوَقَّيْتَ بِذلِكَ شَرَّهُ وَما يَكوُنُ مِنْ ضُرِّهِ.
الَّلهُمَّ بارِكْ لَنا فِيما أَعْطَيْتنا، وَاجْعَلْنا مُباركِيِنَ يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ في أَنْفُسِنا وَأَهْليِنا وِأِوْلادنا وَأَمْوالِنا وَبلادِنا وَسائِرَ أَحْوالِنا. رَبَّنا آتِنَا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةْ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ. أقول هذا القولَ وأسْتَغْفِرُ اللهَ العظيمَ ليِ ولكمْ فاسْتَغْفِروُهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيمُ.
***
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثيرًا طَيِّبًا مُباركًا فيهِ، حَمْدًا يُرْضِيهِ، وَأَشْهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدٌ اللهِ وَرَسوُلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهَ وَعَلى آله وصحبهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد:
فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، لازِموُا تَقْوَاهُ ما اسْتَطَعْتُمْ إِلىَ ذَلِكَ سَبيِلًا؛ فالتَّقوَىَ تَجْلِبُ كُلَّ خَيْرٍ وَتَدْفَعُ كُلَّ ضُرٍّ.
أَيُّها المؤْمنوُنَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ مِنْ أَسْبابِ الفوْزِ بِالبرَكَةِ وَتحَصيِلِها الإِحْسانُ؛ قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ﴾الرحمن: 60, فالإِحْسانُ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبابِ الَّتيِ تَحْصُلُ بها البرَكاتُ؛ وَلهذا مَنْ ظَنَّ أَنَّ إِمْساكَ الخَيْرِ مِنَ المالِ أَوْ الجاهِ أَوْ النَّفْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ مالِهِ وَما عِنْدَهُ مِنْ خَيْرٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ، فَـ«ما من يوم يصبح فيه الناس إلا وملكان يقولان: اللهم أعط منفقًا خلفًا»؛ وَالنَّفَقَةُ تَشْمَلُ النَّفَقَةَ عَلَىَ النَّفْسِ بِكفايتَِها وَالنَّفَقَةَ عَلَىَ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ مِنَ الزَّوْجاتِ وَالأَوْلادِ وَالأَهْلِ، وَالنَّفَقَةُ الواجِبَةُ بِإِخْراجِ الزكاةِ وَالنَّفَقَةِ المسْتَحَبَّةِ بِالصَّدَقاتِ وَسائِرِ الهِباتِ وَالعطايا لِلقَريِبِ وَالبَعيِدِ، «اللهم أعط مُنْفِقًا خَلفًا» وَيقوُل الَملَكُ الآخَرُ: «الَّلهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»البخاري ح(1442)مسلم(1010) ، ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾سبأ: 39 ، أحسنوا يحسن الله تعالى إليكم فالله ـ جل في علاه ـ قد قال: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾الأعراف: 56 .
أَيَّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ أَسْبابِ الفَوْزِ بِبَرَكَةِ اللهِ تَعالَىَ أَنْ يَكوُنَ الإِنْسانُ باذِلًا سَخِيَّ النَّفْسِ فيما يَتَعامَلُ بِهِ مِنَ المالِ؛ فَذاكَ الَّذِيِ شَحَّ بِالمالِ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ مُتَشَوِّفًا إِلَيْهِ لا يَرْغَبُ إِلَّا فِيِهِ وَلا يَنْظُرُ إِلَّا إِلَيْهِ يُبْتَلَىَ بِمَحْقِ البركَةِ وَذهابِ الخَيْرِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَوْ كَثُرَ ما مَعَهُ.
وَإِلَيْكم هذه القصة:
حَكيمُ بْنُ حِزامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ المالِ فَأَعْطاهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ ثانِيَةً فَسَأَلَهُ فَأَعْطاهُ، ثُمَّ رَجَعَ ثالِثَةً فَسَأَلَهُ فَأَعْطاهُ، وفي الثَّالِثَةِ قالَ: «يا حَكيمُ إِنَّ هذا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ» يَجْلِبُ النَّاسَ بِبِهاءِ مَنْظَرَهِ وَطِيِبِ مَذاقِهِ، «إنَّ هذا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسخاوَةِ نَفْسٍ بوُرِكَ لَهُ فِيِهِ» فَمَنْ أَخَذَ المالَ بِنَفْسٍ سَخِيَّةٍ غَيْرِ مُمْسِكَةٍ وَلا شَحيِحَةٍ بارَكَ اللهُ لهُ فيما أَخَذَ وَلَوْ كانَ قَليلًا، «ومن أخذه بإشراف نفس» لَهْفِ وَتَشَوُّفٍ وَحِرْصٍ وَإِمْساكٍ «لمْ يُبارَكْ لَهُ فِيِهِ وَكانَ كالَّذي يَأْكُلْ وَلَا يَشْبَعْ» البخاري ح(6441)مسلم(1035) فَمَهْما مَلَأَ بَطْنَهُ لمْ يُفارِقْهُ الجوُعُ، وَهَكذا مَنْ أَخَذَ المالَ بِتَشَوُّفٍ وَشُحٍّ مَهْما كَثُرَ رَصيدُهُ وَعَلا كانَ كالَّذي يَأْكُلْ وَلا يَشْبَعُ، الفَقْرُ فَقْرُ القلوُبِ «ألا وإن الغنى غنى النفس»البخاري(6446), ومسلم(1051) كَما قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلا تُتْبِعوُا أَنْفُسَكُمْ الأَمْوالَ بِتَشَوُّفٍ وَشُحٍّ، كُلُّ النَّاسِ مْجبوُلوُنَ عَلَىَ حُبِّ الأَمْوالِ، لَكِنْ شَتَّانَ بَيْنَ مَنْ يحُبُّها وَقَدْ عَلَقْتْ نَفْسُهُ بِها فَلا يَراها إِلَّا للإِمْساكِ، وَمَنْ أَحَبَّها وَجَعَلَها في مَواطِنِ البِرِّ وَالخيْرِ وَصَرَفَها في مَواطِن الرُّشْدِ والهُدَىَ، كانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ البرَكَةِ.
وَأَمَّا الكَسْبِ فَما كانَ حَلالًا مِنْهُ طَيِّبًا كانَ مُباركًا، وَما كانَ بِطَريقٍ مُلْتَوٍ مِنْ غِشٍّ أَوْ كَذِبٍ أَوْ تَدْلِيسٍ أَوْ اخْتِلاسٍ أَوْ مُراوَغَةٍ فَمَهْما كَثُرَ فَهُوَ مَمْحوُقُ البركَةِ: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾البقرة: 276 ، وَقَدْ قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البيِّعانِ بالخيارِ ما لَمْ يتفَرَّقا فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما» فَالبرَكَةُ ثَمَرةُ الصِّدْقِ والبيانِ والحِرْصِ عَلَىَ صِدْقِ الكَسْبِ وَطِيِبِهِ «وَإِنْ كَذَبا وكَتَما» وَهذا بِالتَّدْلِيِسِ وَالغِشِّ وَالمخادَعَةِ والتَّغْريِرِ «مُحِقَتْ بَركَةُ بيْعِهِما»البخاري ح(2079), ومسلم(1532)فَأَقْبِلوُا عَلَىَ المكاسِبِ بِكُلِّ ما تَسْتطيعوُنَ مِنَ الصِّدْقِ سَواءٌ كُنْتُمْ تُجَّارًا أَوْ كُنْتُمْ عُمَّالًا في وَظَائِفَ، فَمَنْ أَدَّىَ الوَظيِفَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَدَّىَ الأَمانَةَ عَلَىَ الوَجْهِ المطلوُبِ مِنْهُ بوُرِكَ لهُ في راتِبِهِ، وَمَنْ غَشَّ وَأَخَلَّ بِالأَمانَةِ وَضَيََّعَ ما اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فَمَهْمَا كانَ رَاتِبُهُ عاليًا فإِنَّ البركةَ ممْحوُقَةٌ مِنْهُ.ض
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ أَسْبابِ الفوزِ بالبركةِ الحِرْصَ عَلَىَ ما أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الأَشْياءِ المباركَةِ زَمانًا وَمَكانًا وَحالًا وَعمَلًا وَذَاتًا، فَكُلُّ ما أَخْبَرَ أَنَّهُ مُبارَكٌ فاحْرِصْ عَلَيْهِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذِلَكَ وَهُوَ أَشْياءٌ كَثيِرَةٌ قَوْلُهُ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»الترمذي ح(1212), وقال: حسن أَيْ: في أَوائِلِ النَّهارِ، فَيَقْضِيِ الإِنْسانُ مِنَ الأَعْمالِ في أَوائِلِ نهارِهِ أَعْمالِ دِيِنِهِ وَأَعْمالِ دُنْياهُ ما يُدْركُِهُ في بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، وَقالَ: «إن في السحور بركة»البخاري ح(1095), ومسلم(1923) فَمَنْ حَرَصَ عَلَىَ ما ذُكِرَ فيهِ بَركَةٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَىَ الوَجْهِ المشروُعِ كانَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبابِ حُصولِ البركاتِ.
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ أَسْبابِ البركاتِ العَامَّةِ في المجتَمَعاتِ: الاجْتِماعِ والائْتِلافِ, وَتَرْكِ الفُرْقَةِ والخِلافِ, وَنَبْذِ كُلِّ ما يَكوُنُ مِنْ أَسْبابِ الشِّقاقِ وَالفَوْضَىَ؛ قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾آل عمران: 103 فالاجْتِماعُ مِنْ موُجِباتِ حُصوُلِ البرَكَةِ؛ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِيِ لَنا وَنَحْنُ نَنْعَمُ وَنَرْفُلُ بِنِعَمٍ كَثيِرٍة وَأَلْوانٍ مِنَ العطايا وَالِهباتِ عَديَدةِ في دِيِنٍ وَدُنْيا أَنْ نَحْرِصَ عَلَىَ الاجْتِماعِ وَالائْتِلافِ فَنَجْتَمِعُ عَلَىَ وُلاةِ أَمْرِنا وَنَجْتَمِعُ عَلَىَ الحَقِّ وَالهُدَىَ كَما أَوْصَانا رَسوُلُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنَقْطَعُ كُلَّ مَنْ سَعَىَ في فُرْقَةٍ أَوْ خِلافٍ؛ قالَ اللهُ تعالَى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾الشورى: 13 فاجْتَمِعوُا عَلَىَ الطَّاعَةِ وَالإِحْسانِ.
وَإذا كانَ الاجْتِماعُ عَلَىَ الطَّعامِ وَهَوُ اجْتِماعٌ عارِضٌ مِنْ أَسْبابِ البرَكَةِ فيِهِ فَما بالُكُمْ بالاجْتِماعِ العامِّ بَيْنَ الرُّعاةِ وَالرَّعِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْبابِ الائْتِلافِ وَالاجْتِماعِ وَالخَيْرِ؛ قالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَة يَكْفِي الثَّمَانِية»أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ح(2058)، و«البَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ »كَما أَخْبَرَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَخْرَجَهُ الترمذي ح(1805), وَقالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فما اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَىَ طَعامٍ إِلَّا بوُرِكَ لهُمْ فِيِهِ؛ كَما قالَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجْتَمِعُوا عَلَىَ وُلاةِ أَمْركُمْ واسْتَلْهِموُا كُلَّ ما أَوْصاكُمْ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عُلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الائْتِلافِ والاجْتمِاعِ؛ فَإِنَّ ذلكَ مِنْ أَسْبابِ حصوُلِ البركاتِ.
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ البركاتِ: أَنْ يَرْضَىَ الِإنْسانُ بما قَسَمَ اللهُ تَعالَى لَهُ؛ فالرِّضا بِقِسْمَةِ اللهِ مِنْ خَيْرِ ما تُنالُ بهِ البركاتُ فيما أَعْطاكَ اللهُ، فَأَقْصِرْ نَظَرَكَ عَنْ كُلِّ ما في يَدَيْ غَيْرِكَ وَاسْأَلِ اللهَ مِنْ فَضْلِهِ. إِلَيْكَ هذا التَّوْجِيِهُ الإِلهيُّ: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾النساء: 32 ما طريق تحصيل الخيرات والمبرات؟ ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾النساء: 32 فَإِذا رَغِبْتَ نَفْسَكَ خَيْرًا عِنْدَ غَيْرِكَ فاقْطَعْ نَظَرَكَ عَمَّا في يَدِهِ فَلَنْ يَجْلِبَ لَكَ خَيْرًا، إِنَّما الخَيْرِ بِسُؤالِ مِنْ بِيَدَيْهِ مِلكوُتُ كُلِّ شَيْءٍ - سُبْحانَهُ وَبِحَمِدِهِ -، تَوَجَّهْ إِلِيْهِ وَضَعْ حاجَتَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ لا قَضَاءَ لهَا إِلَّا بِهِ، لا مَانَعَ لما أَعْطَىَ وَلا مُعْطِيَ لما مَنَعَ وَلا يَنفعُ ذا الجَّدِّ مِنْهُ الجدُّ.
الَّلهُمَّ بارِكْ لَنا فيما أَعْطَيْتَنا، الَّلهُمَّ اسْتَعْمِلْنا فيما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ والفَحْشاءَ، اجْعَلْنا مِنْ حِزْبِكَ وَأَوْلِيائِكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
الَّلهُمَّ أَعْطِنا مَا تَرْضَىَ بِهِ عَنَّا، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ ما يَكوُنُ سَبَبًا لِغَضَبِكَ وَسَخَطِكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.
نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ إِيمانًا صَادِقًا وَعَمَلًا صَالحًا وَيَقَيِنًا راسِخًا وَقَدمًا في الخيْرِ ثَابِتةً، الَّلهُمَّ أَحْسِنْ مُنْقَلَبَنا وَأَحْسِنْ لَنا الخاتِمةَ في الأُموُرِ كُلِّها، أَدْخِلْنا في كُلِّ أَمْرٍ مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنا مُخْرجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصيِرًا.
الَّلهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، انْصُرْنا عَلَىَ مَنْ بَغَىَ عَلَيْنا، آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكوُنَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.
الَّلهُمَّ اغْفِرْ لِإخْوانِنا الَّذينَ سبَقَوُنا بِالإيمانِ وَلا تَجْعَلْ في قُلوُبِنا غِلًّا لِلذِيِنَ آمنوُا رَبَّنا إِنَّكَ رؤوُفٌ رَحيمٌ.
الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَبارِكْ لَنا في أَرْزاقنِا وأَعْطِنا ما تَرْضَىَ بِهِ عَنَّا يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَليَّ أَمْرِنا إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ خادِمَ الحَرَمَيْنِ ووَلِيَّ عَهْدِه إِلَىَ كُلِّ خَيْرٍ وَبِرٍّ، سَدِّدْهُمْ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ وَاجْعَلْ لهُمْ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصيرًا، اجْمَعَ بهِمْ كَلِمَةَ المسْلِمينَ وَادْفَعْ بِهِمْ عَنَّا وَعَنْ أَهْلِ الإِسْلامِ كُلَّ سوُءٍ وَشَرٍّ يا ربَّ العالمينَ، رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
الَّلهُمَ صَلِّ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبراهيمَ وَعَلَى آلِ إبراهيمَ؛ إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ.