قال الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه رياض الصالحين: وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رَسُول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَو المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينيهِ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مشتها رِجْلاَهُ مَعَ المَاء أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ». رواه مسلمحديث رقم (244).
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فضل الوضوء:
هذا الحديث حديث أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ في فضل الوضوء، والوضوء عبادة جليلة أمر الله ـ تعالى ـ بها في كتابه وبين فضلها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سنته في أحاديث عديدة، فمنها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ» وهذا يشمل الاغتسال والوضوء والأحاديث في فضائل الوضوء كثيرة وهنا فضل من فضائله وهو تطهيره المتوضأ من الذنوب والخطايا.
جاء هذا في حديث أبي هريرة وفي حديث عمرو بن عبسه وفي حديث الصنابحي وفي أحاديث عديدة عن الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ يخبرون فيها ما سمعوه من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يجنيه المتوضأ من الطهارة من الخطايا والذنوب وكما أن الوضوء طهارة للظاهر فهو طهارة للباطن.
لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن:
ولهذا كان لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو مما تطهر به القلوب وتطيب وتصلح ومما تطهر به الأبدان، وتزكو وتخلص من المستقذرات يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا توضأ العبد أو المسلم وهو شك من الراوي إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، المسلم هو المؤمن لكن إذا اجتمع فالمسلم هو من أتى بالأعمال الظاهرة، والمؤمن يتعلق بأعمال القلوب، لكن فيما إذا استقل أحدهما بالذكر، يعني جاء ذكر المسلم فقط أو ذكر المؤمن فقط، فالمسلم هو المؤمن، والمؤمن هو المسلم.
الوضوء مطهرة للذنوب:
إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من عينه ما كان نظر إليه من المحرم مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل وجهه خرج ما نظر إليه من محرم بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، وبه يتطهر مما جنته عيناه من النظر وهذا إجمال وقد جاء في حديث عمرو بن عبسه تفصيل ذلك بأنه إذا تمضمض واستنشق خرج من فيه خطايا فمه ومن أنفه خطايا خياشيمه ومن وجهه خطايا الوجه سواء كان ذلك بالبصر أو غيره من الخطايا التي تكون بالوجه، فإذا غسل يديه خرجت كل خطيئة بطشها بيده مع الماء أو مع آخر قطر الماء.
وكذلك إذا غسل قدميه خرجت خطاياه التي مشاها مع الماء أو مع آخر قطرة ماء، فكل هذه بيان أن الوضوء ليس فقط طهارة للأعضاء الظاهرة، بل هو طهارة لها مما علق بها من آثار الذنوب والخطايا فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرجت كل خطيئة بطشها في يده وكل خطيئة مشاها برجله وكل خطيئة نظر إليها بعينه يدل على أن الخطايا والذنوب لها تأثير على الأعضاء، وهذا التأثير ينقيه ويزيله ما يكون من الوضوء الذي يتطهر فيه الإنسان من المعاصي والذنوب كما يطهر بدنه من القذر والدنس.
ولهذا ينبغي للمؤمن أن يكثر من الوضوء إذا كانت هذه الحال فإن ذلك ينقي أعضائه مما اكتسبته من الخطايا وفي آخر الحديث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "حتى يخرج نقيًا من الذنوب" وهذا يدل على أنه إذا اكتمل الوضوء، فإنه يخرج كل ما في بدنه وليس فقط أعضاء الطهارة من آثار السيئات والخطأ والذنوب.
استشعار واستحضار هذه المعاني في الوضوء:
ولهذا ينبغي أن يستشعر المؤمن هذه المعاني في أثناء وضوئه، حتى يكون ذلك عونا له على اكتساب مثل هذه الأجور واحتسابها عند الله ـ عز وجل ـ والخطايا التي تخرج ظاهر الحديث أنها كل خطيئة اكتسبها من صغير أو كبير لقوله خرجت كل خطيئة نظر إليها بعينه وخرجت كل خطيئة بطشتها يداه وخرجت كل خطيئة مشتها رجلاه إلا أن هذا في قول جماهير العلماء مقصور على الصغائر دون الكبائر، فإن الكبائر لابد فيها من توبة، وأما الصغائر فإنها تكفرها أعمال عديدة منها الوضوء.
وقد جاء قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»[صحيح مسلم (233)] فينبغي للإنسان أن يحرص على تجنب الكبائر ويحرص على البعد عنها وأن يحرص على الاستكثار من الأسباب التي تمحو السيئات والخطايا، فالصغائر يمحوها أعمال صالحة يمحوها استغفار وتوبة، يمحوها اجتناب الكبائر كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾[النساء: 31].
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واستعملنا فيما تحب وترضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد.