×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (166) الصلاة وأثرها في تكفير الذنوب والخطايا

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2756

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحيةً طيبةً عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.

في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.

 في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم/ وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج/ سالم برداسي، ومصطفى الصحفي.

ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم.

فضيلة الشيخ أهلًا وسهلًا، وحياك الله، يا مرحبا.

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياك الله أخي وائل، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، مرحبًا بكم.

المقدم: حياكم الله، بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة تحت عنوان "الصلاة ومغفرة الذنوب".

في هذه الحلقات من برنامج "الدين والحياة" نناقش موضوعات دائمًا ما تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، ويسعد بها -بمشيئة الله تعالى- في دنياه وآخرته، ويرتقي بها في درجاته بمشيئة الله تعالى.

في هذه الحلقة مثل ما ذكرت سيكون حديثنا حول "الصلاة ومغفرة الذنوب"، سنتحدث تحت نقاط كثيرة متعلقة بهذا الموضوع، ولعلنا نبدأ فضيلة الشيخ بالحديث حول مكانة ومنزلة الصلاة في ديننا الإسلامي؛ هذا الركن الثاني من أركان الإسلام والتي فرضها الله - تبارك وتعالى - في السماء على نبينا محمد عليه أفضل السلام وأتم التسليم، نريد أن نبدأ الحديث حول مكانة الصلاة في ديننا الإسلامي.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير؛ نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فالله تعالى شرع لعباده من العبادات والطاعات ما يحققون به غاية الوجود ومقصود الخلق؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات: 56 ، والعبادة في الأصل هي صلاح القلب واستقامته بتوحيد الله - عز وجل - ونفيه الشرك عنه، لا إله إلا هو جل في علاه، ويتحقق ذلك بما شرعه - جل وعلا - من الفرائض والواجبات والشرائع التي تحقق عبادة الله وحده لا شريك له، وتعمر القلب بمحبته وتعظيمه وعبادته وحده دون ما سواه.

ومِن أجلِّ العبادات التي يتحقق بها توحيد الله - عز وجل - ويتحقق بها صلاح القلب واستقامته، يتحقق بها عمارة القلب بمحبة الله وتعظيمه، مِن أعظم العبادات في تحقيق هذه المقاصد الصلاة؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِالعنكبوت: 45، ثم قال: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُالعنكبوت: 45  يعني ما في الصلاة من ذكر الله - عز وجل - أثر ذلك في صلاح القلب واستقامته أكبر من كل ما يمكن أن يكون من الفوائد والثمار المحصلة في هذه العبادة الجليلة.

الصلاة عماد الدين الذي لا يقوم دين أحد إلا به، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء في المسند وفي السنن من حديث معاذ بن جبل، قال لمعاذ: «ألا أُخبِرُك برأسِ الأمرِ، وعمودِه، وذُروةِ سنامِه؟» قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأسُ الأمرِ الإسلامُ» يعني توحيد الله - عز وجل -، المقصود بالإسلام: عبادة الله وحده لا شريك له، الإسلام هو لا إله إلا الله، فرأس الأمر إفراد الله بالعبادة، توحيده جل في علاه، ويقوم هذا التوحيد بعمود، قال: «وعموده الصلاة» أي: والذي يقيمه ويقرره في القلب ويصلحه ويجعل التوحيد ضارب الجذور راسخ البناء في قلب الإنسان الصلاة، سواء كانت الصلاة المفروضة أو الصلاة المتطوع بها: «وذُروةُ سنامِه: الجهادُ في سبيل الله».[سنن الترمذي:ح2616، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]

الصلاة هي ثاني الأركان بعد الشهادتين،هي التي تلي التوحيد، والتوحيد يقرَّر بهذه الشهادة العظيمة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم بعد ذلك يأتي الركن الثاني من أركان الإسلام وهو أول الأركان العملية "الصلاة" قال: «وإقام الصلاة» في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «بُنِيَ الإسْلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضانَ».[صحيح البخاري:ح8]

فإقام الصلاة هو العمل الذي تصدَّر جميع الأعمال البدنية والأعمال القولية والأعمال المالية التي تعبَّد الله تعالى بها الناس من صلاة وزكاة وحج وصوم، فهي رأس أركان الإسلام وأوله؛ ولذلك لما بعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معاذًا إلى اليمن ليدعو ويعلِّم الناس هذا الدين قال: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله» ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «فإن هم أطاعوك لذلك» يعني أجابوك إلى التوحيد الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - «فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات»[سنن أبي داود:ح1584، وصححه الألباني في الإرواء:ح782] فجعل الصلاة أول ما يُطلب من الناس بعد توحيد الله - عز وجل - والإقرار له بالإلهية - سبحانه وبحمده -، وبه يتبين عظيم المنزلة التي تتبوأها هذه العبادة الجليلة العظيمة الرفيعة في منزلتها ومكانتها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»[سنن الترمذي:ح2621، وحسنه] وهذا يبين خطورة التفريط في الصلاة وإضاعتها وتركها، وأن ذلك يوجب هذه العقوبة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الخروج عن العهد الذي بينه وبين الناس: «العهد الذي بيننا وبينهم» يعني بين أهل الإسلام وغيرهم ممن يلتحق بهم «الصلاة، فمن تركها فقد كفر».

وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر: «بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ»[صحيح مسلم:ح82/134]، والأحاديث في بيان منزلة الصلاة من العمل عديدة وكثيرة، هذا بعض ما جاء من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان منزلة الصلاة ومكانتها فيما شرعه الله تعالى وفرضه على عباده، وفي الآخرة تتصدر الصلاة الأعمال بعد التوحيد؛ فإن هناك أناسًا يسألون يوم القيامة عن توحيدهم لله - عز وجل - وعبادتهم له، فيُنَادَوْنَ:﴿مَاذَآ أَجَبۡتُمُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ[القصص:65]، فيما دعوكم إليه من عبادة الله وحده لا شريك له؟ ثم أول ما يسأل عنه الناس من العمل بعد توحيد الله وإفراده بالعبادة؛ يسألون عن الصلاة؛ جاء في السنن عند النسائي والترمذي وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ أوَّلَ ما يُحاسبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه» والمقصود بالصلاة التي يحاسب عليها الصلوات المفروضات الواجبات المكتوبات التي جعلها الله تعالى فرضًا على كل أحد من الذكور والإناث؛ وهي صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الجمعة.

هذه هي الخمس المكتوبات التي يحاسب أول ما يحاسب الإنسان عليه من العمل على هذه المكتوبات والفرائض الواجبات من الصلوات الخمس، «فإن صلحت» يعني أداها على ما تصلح به على النحو الذي أمر الله تعالى به «فإن صلحت فقد أَفْلَحَ وأَنْجَحَ» أفلح أي: أدرك ما يؤمل وما يحب من المحبوبات والمسعدات والمسرات، «وأنجح» أي: نجح في اختباره «وإن فَسَدَت» هذه الصلوات لما كان فيها من النقص أو القصور، أو الترك أعوذ بالله «فقد خاب وخسر»[سنن الترمذي:ح413، وحسنه] بقدر ما معه من فسادها، الفلاح والنجاح بقدر ما معه من الصلاة، والفساد في حاله في الآخرة والخيبة والخسار بقدر ما معه من فساد صلاته، فالفلاح والنجاح يوم القيامة بقدر ما يكون عليه الإنسان في صلاته صلاحًا واستقامةً، والخيبة والخسار يوم القيامة بقدر ما يكون في صلاته من فساد ونقص، فنسأل الله أن يعيننا على تكميل حقه في هذه الفريضة العظيمة وهذه العبادة الجليلة التي هي أجلُّ العبادات وأعظم الطاعات بعد توحيد الله - عز وجل - وإفراده - سبحانه وبحمده - بالعبادة.

هذا نموذج وعرض موجز لبيان مكانة الصلاة، ويمكن اختصار هذه المكانة في كلمة ذكرها الإمام أحمد - رحمه الله - ونسبت إليه وهي أن: "قدر الإسلام في قلب العبد بقدر ما يكون في قلبه من تعظيم الصلاة، فإذا أردت أن تعرف قدر الإسلام في قلبك" يعني ثقل الإسلام في قلبك وتمكن الإسلام من قلبك وتعلق قلبك بالإسلام وقدر تعظيمك للإسلام "فانظر إلى قدر الصلاة في قلبك"؛ فبقدر ما يكون اهتمامك بالصلاة، عنايتك بها، إقامتك لها، حرصك عليها، إصلاحك لها بقدر ما يكون إقامتك لدينك، إسلامك، صلاح دينك، صلاح ما بينك وبين ربك، نسأل الله أن يعيننا على ذلك وييسر لنا، وأن يجعلنا ممن يقوم بهذه العبادة على الوجه الذي يرضيه جل في علاه.

إقامة الصلاة والإتيان بها ينفتح به للإنسان سعادات وخيرات عظيمة متنوعة كثيرة لا حصر لها ولا عد؛ ولذلك أكثر ما جاء في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية فيما يتعلق ببيان الفضائل والأجور والثواب جاء في شأن الصلاة، وقد تنوعت فضائل الصلاة، ويمكن أن نجملها في فضلين عامين:

الفضل الأول: أن الصلاة موجِبة لدخول الجنة، وموجبة لعلو المنزلة فيها، وارتفاع المكانة فيها؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله مرافقته في الجنة في سؤال الصحابي الكريم -رضي الله تعالى عنه- الذي كان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني: «اسأل ما شئت» هذه في صحيح الإمام مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي قال:كنتُ أَبيتُ عِندَ بابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأُعطيهِ وَضوءَه"فقال لي: «سل» يعني مكافأة له على خدمته له، قال له: «سل» يعني اطلب «ما تشاء» والمتبادر أنه لما قال له: «سل» يعني من حوائجه التي تنقضي بها أمورك وتحصل بها مصالحك في الدنيا، فقال لي: «سل» فقلت: "أسألك مرافقتك في الجنة"، ربيعة بن كعب الأسلمي ما رضي بشيء دون مرافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، نسأل الله من فضله، "أسألك" يعني أطلب منك "مرافقتك في الجنة" ما لي حاجة غير هذا، قال: «أوغير ذلك؟» يعني: ما لك حاجة غير هذا؟، يعني: هل تسأل شيئًا غير هذا؟ قال: "هو ذاك" ما لي شيء ولا طلب إلا هذا الطلب؛ أن يرافقه - صلى الله عليه وسلم - في الجنة.

 وأنت إذا تأملت هذه المسألة تيقنت أن ربيعة بن كعب الأسلمي ما قال هذه المسألة إلا ليقينه بأن هناك جنة سيؤول إليها المتقون وسيدخلها عباد الله الصالحون؛ ولذلك لم يرض بعوض عاجل من مصالح الدنيا، فلم يقل: أعطني كذا أو امنحني كذا من مصالح الدنيا ومكاسبها، أو أموالها، أو متاعها، بل قال: «أسألك مرافقتك في الجنة» الشاهد في هذا الحديث الذي سقناه لأجله هو بيان مكانة الصلاة، ماذا قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود»[صحيح مسلم:ح489/226] يعني إذا كنت تريد مني أن أسأل الله لك المرافقة في الجنة فالطريق لتحقيق المرافقة في الجنة هو كثرة السجود؛ «فأعني على نفسك بكثرة السجود» أي: بكثرة الصلاة سواء كانت الصلوات المفروضات أو الصلاة المستحبة والمتطوع بها، وهي باب واسع؛ منها ما هو مندوب إليه على وجه الخصوص كالرواتب، أو مندوب على وجه العموم فيما يصليه الإنسان في غير أوقات النهي.

المقصود أن الفضل المترتب على الصلاة يرجع إلى شيئين:

الأول: أنه طريق الفوز بالجنة، وتحصيل أعلى المراتب فيها وهو مرافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، أسأل الله أن يبلغني وإياكم هذا الفضل، وأن يعيننا عليه.

أما الفضل الثاني الذي يترتب على فعل الصلاة، ونتكلم عن الفضائل الأخروية، أما الفضائل والمصالح والفضائل الدنيوية فهي كثيرة ونحن نتكلم عما يتعلق بالفضائل الأخروية، فالفضل الأخروي العظيم الذي يدرك به الإنسان من طريق الصلاة هو: أنها موجبة لمغفرة الذنوب وحط الخطايا والسيئات وتكفير ما كان من سيئ العمل؛ ولهذا ليس مثل الصلاة شيء من الأعمال، فكل الأعمال تتقاصر دون الصلاة في تحصيل الفوز والسبق في الآخرة، وكل الأعمال تتقاصر دون الصلاة في تحصيل مغفرة الذنوب وتكفير الخطايا، ولعلنا نستعرض شيئًا من منافع الصلاة في الجانب التالي من الأجور المرتبة عليها، وهي تكفير الذنوب والخطايا، هو مما يدركه الإنسان بالصلاة في مواضع عديدة، والنصوص النبوية كثيرة سنعرض لذلك -إن شاء الله تعالى- بذكر شواهده وأدلته من كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، ضيفنا الكريم الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم.

 فضيلة الشيخ أهلًا وسهلًا بك مجددًا، حياك الله.

الشيخ: مرحبًا بك، حياكم الله، وأهلًا وسهلًا بكم.

المقدم: حياكم الله فضيلة الشيخ، كنا نتحدث قبل الفاصل حول الأجور المترتبة حول الصلاة، وذكرنا النوع الثاني والشق الثاني وهو مغفرة الذنوب، والله - تبارك وتعالى - يغفر الذنوب للإنسان بهذه الصلاة، وذكرت أنه يوجد شواهد من أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذا الأجر والفضل المترتب على هذه الصلاة.

الشيخ: أخي الكريم، أيها الإخوة والأخوات، مغفرة الذنوب من أعظم ما يحتاجه المسلم؛ ولذلك تعددت الأسباب في الكتاب والسنة التي يغفر الله تعالى بها ذنوب عباده، ونَوَّعَ الله بفضله ومَنِّه وكرمه ورحمته ورأفته وواسع فضله وجليل إحسانه الأسبابَ التي تغفر بها الذنوب، وهذا يرجع إلى حقيقة وهي أن الإنسان مجبولٌ على الخطأ، ولابد له من ذنب يقارفه بطبيعة ما خلقه الله تعالى عليه، جاء في الترمذي وغيره من حديث قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلُّ ابنِ آدمَ خَطَّاءٌ» يشمل الذكر والأنثى، والجميع من بني الإنسان، ثم قال: «وخيرُ الخطَّائينَ التَّوابونَ»[سنن الترمذي:ح2499، وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ]، وهذا الحديث يقرر هذه الحقيقة؛ أن الناس مجبولون على التورط في الخطأ، ولكنهم يتفاوتون فيما بعد ذلك، وهو ما يترتب على الخطأ من اليقظة والانتباه؛ فمن الناس من يستيقظ ويفيق ويبادر إلى إصلاح العمل وتسديده والتوبة إلى الله - عز وجل - من الخطأ والتقصير، ومنهم من يمضي في خطئه؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «وخيرُ الخطائينَ التَّوابونَ» ووجود الخطأ جِبِلَّة وطبيعة في بني آدم، ولكن الشأن ليس في ألا يقع في خطأ، فهذا لابد منه، وهم مطالبون بأن ينأوا بأنفسهم عن الخطأ ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، لكن إذا وقعوا في خطأ فالمطلوب هو أن يتوبوا وأن يستغفروا وأن يُنيبُوا إلى الله - عز وجل -، وأن يستعتبوا بطلب أسباب المغفرة، وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لو لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لهمْ»[صحيح مسلم:ح2749/11]، فمن رحمته -جل في علاه- أن جعل طريق العودة والأوبة للعباد مفتوحًا بأخذ أسباب محو الذنوب والخطايا ومغفرة السيئات والخطيئات؛ ولهذا من المهم أن يعتني المؤمن بما ذكره الله تعالى في كتابه وبما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته من أسباب مغفرة الذنوب والخطايا، من أسباب حط السيئات؛ حتى يتخفف الإنسان من هذا الحمل؛ الذنوب حِمل والذنوب عِبء وثقل ينوء به الإنسان؛ ولذلك جعل الله تعالى المغفرة مما يتخطى به الإنسان عما أثقله؛ ولذلك قال الله تعالى لنبيه -صلوات الله وسلامه عليه-: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَالشرح: 1 - 4، فالله - عز وجل - يقول في محكم كتابه ممتنًّا على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن وضع عنه وزره، أن وضع عنه خطاياه، فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا العطاء الجزيل تخفف به النبي - صلى الله عليه وسلم - من عبء الخطايا وعبء الذنوب والسيئات؛ ولذلك نحن بحاجة إلى أن نتخفف من هذا الحمل.

والخطيئة - أيها الإخوة والأخوات - حمل على الإنسان، ينبغي له أن يجتهد في أن يتخفف منه، الذنوب ليست أمورًا يخف حملها ولا تؤثر على الإنسان، بل هي ثقل وهي عبء يتخفف منه الإنسان بالتوبة والأوبة إلى الله - عز وجل -، وهذا الحمل في أول ما يقعُ يقع على القلب؛ ولذلك إذا كثرت الذنوب على الإنسان أثقلت القلب عن نشاط العبادة وكانت حملًا ثقيلًا على قلبه كما لو حمل حملًا على بدنه، فالنفس لا يمكن أن تستقيم وتنشط للصالحات وهو منغمس في الذنوب والسيئات، لابد له من أن يبادر إلى التوبة ليتخفف، فلا تزال الذنوب بالعبد إذا لم يتب منها حتى تهلكه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إيَّاكمْ ومحقَّرات الذنوب، فإنهنَّ يجتمعنَ على الرجلِ حتى يهلكْنَهُ»[مسند أحمد:ح3818، وصححه الألباني في الصحيحة:ح389] هكذا قال - صلى الله عليه وسلم-.

ولما كان الأمر على هذا النحو من أن الذنوب عبء على القلوب ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَالمطففين: 14  وعبء على الأبدان تثقلها وتعيق حركاتها في الطاعة إلى الرحمن كان الإنسان مطلوبًا منه أن ينوع الأسباب التي يحط الله تعالى بها الخطايا، ومن ذلك اجتهاده في الأعمال التي جعلها الله - سبحانه وبحمده - موجبةً للتخفيف من الذنوب والمغفرة له، ومن أعظم ذلك الصلاة فإن الصلاة من أعظم الأسباب التي يمحو الله تعالى بها الخطايا ويحط بها السيئات، وحتى يتبين هذا جليًّا لنستعرض جملةً من النصوص النبوية الواردة في شأن مغفرة الذنوب للصلاة مبتدئين أولًا بالنداء للصلاة:

النداء للصلاة وهو الأذان مما رتب فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أجرًا وثوابًا يتعلق بمغفرة الذنوب؛ ففي صحيح الإمام مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا، وبالإسْلامِ دِينًا، غُفِرَ له ذَنْبُهُ»[صحيح مسلم:ح386/13]، هذا النداء للصلاة، النداء للصلاة إذا سمعته وقلت حين تسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، الأجر والثواب المرتب على هذه الكلمات الموجزات التي لا تستغرق جزءًا من الدقيقة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «غُفر له ذنبه»، فإجابة المؤذن بهذه الإجابة هي مما يغفر به الذنب.

متى يقول هذا الذكر؟ من العلماء من يقول: يقوله إذا بلغ المؤذن الشهادتين، إذا قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، بعده مباشرة السامع يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا ورسولًا؛ لينال هذا الفضل: «غفر له ذنبه» أي: غفر الله تعالى له ذنبه.

ومن أهل العلم من يقول: إنه يقول ذلك بعد الفراغ من الأذان، والأمر في هذا واسع، متى قاله في الأذان، وأنسب ما يكون بعد الشهادتين، فإنه يدرك هذه الفضيلة العظيمة، وهي: «غفر له ذنبه» هذا في الأذان للصلاة.

في الاستعداد لها والتهيؤ من حطِّ الخطايا والذنوب ما جاء في أحاديث كثيرة؛ ففي صحيح الإمام مسلم من حديث عثمان بن عفان قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَوَضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ» هذا الوضوء للصلاة ولغيرها من الأعمال سواء كانت الصلاة المكتوبة أو الصلاة النافلة أو كان لذكر الله، لكن نحن نتكلم للوضوء للصلاة لارتباطه بموضوعنا، وهو أثر الصلاة لمغفرة الذنوب «مَنْ تَوَضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ، خرجَتْ خطاياهُ مِنْ جسدِهِ، حتى تَخْرُجَ مِنْ تحتِ أظفارِهِ»[صحيح مسلم:ح245/33] هذا في صحيح الإمام مسلم من حديث عثمان، وجاء في حديث عمرو بن عبسة تفصيل ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما منكُم من رجلٌ يُقرِّبْ وضُوءًا ثُمَّ يمضمض ويستنشق وينثر إلا خرَّتْ خطايا فِيهِ وخياشيمهِ مع الماءِ، ثم يغسلُ وجههُ كما أمرهُ اللهُ -عز وجل- إلا خرَّتْ خطايا وجههِ من أطرافِ لحيتِهِ مع الماءِ، ثم يغسلُ يديه إلى مرفقيهِ إلا خرَّتْ خطايا يديهِ من أناملهِ مع الماءِ، ثم يمسحُ برأسهِ إلا خرَّتْ خطايا رأسهِ من أطرافِ شعرهِ مع الماءِ، ثم يغسلُ قدميهِ إلى الكعبينِ كما أمرهُ اللهُ عز وجل إلا خرَّتْ خطايا رجليهِ من أطرافِ أصابعهِ مع الماءِ»[صحيح مسلم:ح832/294] هذا كله فضل وتطهير للوضوء.

وجاء ذلك أيضًا في حديث أبي هريرة: «إذا توضَّأَ العبدُ المسلمُ - أوِ المؤمنُ - فغسلَ وجهَهُ، خَرجَت مِن وجهِهِ كلُّ خطيئةٍ نظرَ إليها بعَينيهِ معَ الماءِ - أو معَ آخرِ قطرِ الماءِ، فإذا غَسلَ يديهِ خرجَت من يديهِ كلُّ خطيئةٍ بطشَتها يداهُ معَ الماءِ - أو معَ آخرِ قَطرِ الماءِ، فإذا غسَل رجلَيهِ خرجَت كلُّ خطيئةٍ مَشَتْها رِجلاهُ معَ الماءِ أو معَ آخرِ قطرِ الماءِ - حتى يخرُجَ نقيًّا منَ الذُّنوبِ».[صحيح مسلم:ح244/32]

يعني إذا تم وضوؤه على النحو الذي ذكره - صلى الله عليه وسلم - خرج الإنسان من ذنوبه جميعًا، خرج من كل ذنوبه، خرج نقيًّا من الذنوب، نسأل الله من فضله، هذا فضل الاستعداد والتهيؤ للصلاة.

وقد جمع ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الإمام مسلم: «أَلا أدُلُّكُمْ على ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا: بَلى يا رَسولَ اللهِ، قال: إسْباغُ الوُضُوءِ على المَكارِهِ» الوضوء أن يتوضأ الإنسان حتى مع ما يكره من برد أو حَرٍّ أو غير ذلك، «إسباغ الوضوء على المكاره» تبليغ الوضوء وتكميله «وكَثْرَةُ الخُطى إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ»[صحيح مسلم:ح251/41] هذا مما يمحو الله به الخطايا.

وفي صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «وَما مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ مِن هذِه المَساجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوها حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بها دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عنْه بها سَيِّئَةً»[صحيح مسلم:ح654/257] المشي إلى المسجد وإلى الصلاة حتى لو كانت الصلاة في غير المسجد، المشي إلى الصلاة يحط الله به الخطايا «كتب الله بكل خطوة يخطوها حسنةً، ويرفع بها درجةً ويحط بها سيئةً».

والأحاديث في ذلك عديدة التي فيها بيان أن المشي إلى الصلاة مما يحط الله تعالى به خطايا العباد وذنوبهم، في كل خطوة يخطوها إلى الصلاة في المسجد أو في غيره.

وفيما يتعلق بالصلاة عمومًا مما يكفر الله بها الخطايا كل الصلوات المفروضات والمكتوبات، في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه قال: «مَن توضَّأ نحوَ وضوئي هذا، ثمَّ صلَّى رَكْعتينِ لا يحدِّث فيهِما نفسَهُ، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ»[صحيح البخاري:ح159] فالصلاة في الجملة الفرض منها والنفل تكفر الخطايا؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ وضوءًا تامًّا، ثم قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا» أي: وضوءا تامًّا كهذا الوضوء الذي توضأته، «ثم صلى ركعتين» سواء كانت الركعتين فريضةً كالفجر، أو كانت نافلةً، أو كانت صلاة فريضة أكثر من ركعتين، لكن ركعتان هما الحد الأدنى من الصلوات التطوع والفريضة، إلا الوتر، «لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه»، وهذا فضل عظيم على وضوء كامل بصلاة يكون القلب فيها حاضرًا خاشعًا.

وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود أن رجلًا أصاب ذنبًا فأتى عمر بن الخطاب فعظم عليه، ثم أتى أبا بكر فعظم عليه أن يجيب، ثم أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، فقال له قول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَهود: 114  قال الرجل: "يا رسول الله ألي هذه؟" يعني نزلت لي خاصة؟ ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ قالr: «لمن عمل بها من أمتي».[صحيح البخاري:ح4687]

والتكفير بالمكتوبات أعظم منه في غيره، يعني تكفير الذنوب بالصلاة المكتوبة أعظم منه في الصلوات المتطوع بها؛ لأن الواجب هو أحب ما تقرب به العبد إلى الله - عز وجل -، وقد مثَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - تكفير الذنوب بالصلوات الخمس فقال كما في الصحيح من حديث أبي هريرة: «أرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهَرًا ببابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فيه كُلَّ يَومٍ خَمْس مرات» يعني نهرًا على الباب تخرج وتنغمس في الماء في اليوم خمس مرات، سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هل يبقي من درنه شيء؟» هذا الذي فعل هذا الفعل يغتسل في نهر جارٍ خمس مرات في اليوم، قالوا: "لا يبقى من درنه شيء".

 وذكر النهر ولم يذكر البركة أو المسبح؛ لأن الماء لا يتجدد في البركة والمسابح، لكن في النهر الماء يتجدد؛ ولذلك قال: «أرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهَرًا ببابِ أحَدِكُمْ» وهذا أعظم في التطهير والتنظيف «يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟» قالوا: "لا يبقى من درنه شيء"، قالَ: «فَذلكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهن الخَطايا»[صحيح البخاري:ح528] يعني هذا صفة أثر الصلوات الخمس في محوها للخطايا مثل تمامًا تطهير البدن بهذا الانغماس في الماء النقي الطيب الطاهر الجاري في نهر خمس مرات في اليوم، وهذا يؤكد أن الصلوات الخمس مما يغفر الله تعالى بها الخطايا، وهذا ليس خاصًّا بصلاة الجماعة، ولا خاصًّا بالصلاة في المساجد، هو عام لكل مصلٍّ يصلي هذه الفرائض من ذكر أو أنثي، من رجل أو امرأة، في بيته أو في مسجده، أو في غيره من المواطن.

ولذلك ينبغي للإنسان أن يحتفي، وأن يحتفل، وأن يعتني بهذه العبادة الجليلة، وألا يفرِّط في حقها؛ فإنه مما يجري الله تعالى به الخير العظيم عليه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ»[صحيح مسلم:ح228/7] أي: جميع العمر، فما دمت تصلي الصلوات الخمس فأبشر على هذا النحو الذي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاجتهاد في تكميلها والإحسان فيها والإقامة لها فأبشر؛ فإن الذنوب تتحاتُّ وتغفر وتكفَّر، وذلك الدهر كله.

ومن فضل الله وكرمه وعظيم إحسانه وجوده أن عملًا في الصلاة يحصل به من تكفير الذنوب والخطايا ما تسر به النفوس وتبتهج، التأمين؛ قول "آمين" بعد قراءة الفاتحة، جاء فيه في الصحيح من حديث أبي هريرة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمَّنَ القارِئُ فأمِّنُوا» القارئ الإمام، هذا في صلاة الجماعة، لكن هو في صلاة الجماعة وغيرها، «فإنَّ المَلائِكَةَ تُؤَمِّنُ، فمَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ»[صحيح البخاري:ح780] في قول آمين في الصلاة يوجب هذا الفضل وعظيم الأجر، فالصلاة كلها تكفر الذنوب، وقول آمين فيها إذا وافق تأمين الملائكة، ومن يصلي ويقرأ الفاتحة في الصلاة عددًا من المرات، وفي اليوم عددًا من المرات في الفرائض لو اقتصرنا على الفرائض فقط بسبعة عشرة ركعة يقول: آمين، ما في شك أنه لم يخيبه الله وسيجعله يوافق الملائكة في شيء من تأميناته التي يدرك بها ما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -: «غفر له ما تقدم من ذنبه».

وفي قول: «ربنا ولك الحمد» أيضًا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين: «وإذا قالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ. فَقُولوا: اللَّهُمَّ رَبَّنا لكَ الحَمْدُ» ثم قال: «فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ» يعني في قوله: «ربنا ولك الحمد» عند رفعه من الركوع «مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه».[صحيح البخاري:ح796]

مواطن مغفرة، ومواطن هبات، وجليل عطاء، وكريم فضل من منان عظيم رءوف رحيم جزيل الإحسان - سبحانه وبحمده -، هذا ما يكفر الله تعالى به للمصلي في كل صلاة يتوجه بها إلى ربه جل في علاه.

وقد جاء التكفير مقيدًا ببعض الصلوات كالجمعة مثلًا؛ فالجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، كَفّارَةٌ لِما بيْنَهُنَّ، ما لَمْ تُغْشَ الكَبائِرُ»[صحيح مسلم:ح233/14]، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أتى الجُمُعَةَ، فاسْتَمع وأَنْصَتَ، غُفِرَ له ما بيْنَهُ وبيْنَ الجُمُعَةِ، وزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيّامٍ»[صحيح مسلم:ح857/27] ففضل الله - عز وجل - على عباده في كل أحوالهم وأوقاتهم.

يا إخواني الذكر بعد الصلاة مما يغفر الله تعالى به الخطايا؛ فقد جاء في صحيح الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن سبَّحَ اللهَ دُبُرَ كلِّ صَلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ، وحَمِدَه ثلاثًا وثلاثينَ، وكبَّرَه ثلاثًا وثَلاثينَ» يعني قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر: «وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ»[صحيح مسلم:ح597/146]

قف على الشاطئ في يوم فيه موج ومدٌّ، وانظر إلى كمية الزبد في المنطقة التي أنت فيها هل تحصيه؟ لا، فكيف بزبد البحر في كل الدنيا! الله أكبر، فضل الله واسع ومغفرته -جل في علاه- تتلاشي في جنبها الخطايا والذنوب؛ ولهذا لنتعرض أيها الإخوة والأخوات لهذه الأسباب التي توجب المغفرة، فإذا صليت سبِّح ثلاثًا وثلاثين، واحمد ثلاثًا وثلاثين وكبر ثلاثًا وثلاثين، واختم ذلك بـ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأيقن أنه إذا أتيت بذلك على الوجه الذي أُمرتَ به غُفرت خطاياك وإن كانت مثل زبد البحر، فالله - جل وعلا - لا يخلف الميعاد.

المكث في المسجد وفي المصلى على وجه العموم، المكان الذي يصلي فيه الإنسان؛ في المساجد إذا كانت مواضع صلاة في حق الرجال الذين تجب عليهم الجماعة، أو كانت مواضع صلاة في حق من يصلي في غير المساجد من النساء في البيوت وأهل الأعذار في أماكنهم، إذا صلى الإنسان ومكث في مصلاه؛ أي: في موضع صلاته، يذكر الله - عز وجل - فإنه قد جاء فيه الفضل أن «الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مصلاه الذي صلى فيه» هذا يشمل المصلى في المسجد، ويشمل المصلى المعدَّ للصلاة في غيره «تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه»[صحيح البخاري:ح445]، فمن موجبات المغفرة للإنسان هذا الفضل العظيم الذي أعطاه الله تعالى مَن مَكَثَ في مصلاه يذكر الله تعالى ويتعبده ويتقرب إليه بالمكث في مكان الصلاة.

المقدم: فضيلة الشيخ المكث في المصلى في حق النساء؛ هل يكون معنا أيضًا؟

الشيخ: نعم، في حق النساء في ظاهر الحديث؛ لأنه قال: «الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مصلاه الذي صلى فيه» ولم يقل: في مسجده الذي صلى فيه، وفضل الله واسع، فيشمل المسجد بالنسبة لمن يأتي إليه من أهل المساجد الذين تجب عليهم الصلاة فيها، وكذلك يشمل مواضع الصلاة في حق غيرهم ممن لا تجب عليهم الصلاة في المساجد؛ كالمعذورين والنساء ونحو ذلك، وفضل الله واسع.

من أسباب المغفرة في الصلاة أنه إذا أذنب الإنسان ذنبًا وتوجه إلى ربه مصليًا مستغفرًا نال منه العفو والمغفرة جل في علاه؛ فقد جاء بإسناد جيد في مسند الإمام أحمد وفي السنن من حديث أبي بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما مِن رَجُلٍ يُذنِبُ ذَنبًا ثمَّ يقومُ فيَتَطَهرُ ثمَّ يُصَلِّى ثمَّ يستَغفِرُ اللَّهَ إلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لهُ»[سنن الترمذي:ح406] وقرأ قول الله - عز وجل - ﴿والَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ[آل عمران: 135] وفي الحديث خبر الرجل الذي ألم بذنب ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدله - صلى الله عليه وسلم - على الصلاة ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَهود: 114. [صحيح البخاري:ح4687]، وهذا لا يقتصر فقط على نمط أو ذنب من الذنوب دون غيره بل هو شامل للذنوب كلها؛ فإن التوبة إلى الله بالصلاة والتوجه إليه والاستغفار مما يحط الله تعالى به الخطايا والسيئات.

سئل الإمام أحمد عن رجل اكتسب مالًا من شبهة يعني من طريق فيه شائبة إما عقد محرم أو غير ذلك فيه اشتباه، أو فيه تحريم، صلاته وتسبيحه يحط عنه شيئًا من ذلك، الإمام أحمد يسأل عن رجل اكتسب مالًا من محرم؛ صلاته وتسبيحه هل يحط عنه شيئًا من ذلك؟ يعني يغفر له بصلاته وتسبيحه ما جرى من كسب غير مباح، فقال: «إن صلى وسبح يريد به ذلك» يعني صلى أو سبح يريد أن يغفر الله تعالى له ما كان من كسب المحرم يقول - رحمه الله -: «فأرجو» يعني أطمع أن يقبل الله تعالى منه ذلك وأن يغفر له؛ «قال الله تعالى» استدل الإمام أحمد على طمعه في حصول المغفرة في صاحب الكسب المشتبه إذا صلى أو سبح - قال: ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا﴾ الصلاة والتوبة، ﴿وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ وهو ما جرى من كسب محرم أو غيره ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمالتوبة: 102  و﴿عَسَى﴾ في كلام الله محققة الوقوع أي: سيتوب الله تعالى عليهم، والله - جل وعلا - كريم منان لا يخلف الميعاد - سبحانه وبحمده-.

هذه بعض اللمحات والشذرات من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تبرز عظيم ما يدركه المؤمن والمؤمنة من المغفرة بهذه الصلاة العظيمة وهذه العبادة الجليلة، وهي صلاته ووقوفه بين يدي ربه جل في علاه.

وجدير بالمؤمن أن يتعرض لأسباب المغفرة في كل أعماله وفي كل شئونه، وفي الصلاة المتكررة في اليوم مرات وفي مناسبات عديدة من نهاره وليله، أن يتعرض أن يكون ممن يغفر له ذنبه.

سؤال ولعله يكون في خاتمة الحديث: ما الذي تغفره الصلاة من الذنوب؟ من تاب محا الله خطاياه؛ ولذلك جاء في الحديث أن «من أذنب ذنبًا ثم قام فتطهر وصلى واستغفر الله - عز وجل - غفر الله له ذنبه»، كما فيما تقدم في حديث أبي بكر -رضي الله تعالى عنه-: «ما مِن رَجُلٍ يُذنِبُ ذَنبًا ثمَّ يقومُ فيَتَطَهرُ ثمَّ يُصَلِّي ثمَّ يستَغفِرُ اللَّهَ إلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لهُ»[سنن الترمذي:ح406، وحسنه] وهذا يشمل كل ذنب صغير أو كبير ﴿والَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْآل عمران: 135  وهذا استغفر، وهذا أتى بالتوبة، لكن لو كان الإنسان لم يأت بالتوبة من الكبائر فإنه يغفر له الصغائر، أما مَن تاب مِن الكبائر فإنه يغفر له بصلاته كل ما كان من سيئ عمله صغير أو كبير.

نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يرزقنا البصيرة في حق هذه الصلاة العظيمة التي هي من أعظم موجبات مغفرة الذنوب وحط الخطايا والسيئات، ومن أعظم أسباب العلو في المراتب والدرجات والمنازل يوم القيامة، كما أنها سبب عظيم لإدراك السعادة والانشراح والبهجة والسرور وتيسير الأمور في الدنيا؛ فإن «الصلاة نور»[صحيح مسلم:ح223] كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ينير الله تعالى بها قلب العبد وينير بها وجهه، وينير بها حياته فيدرك بذلك خيرًا عظيمًا، أسأل الله أن يرزقني وإياكم إقامة الصلاة على الوجه الذي يرضاه.

المقدم: شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.

الشيخ: شكرًا لكم، وأسأل الله تعالى أن يقر أعيننا بصلاح أنفسنا واستقامة أحوالنا، وأن يوفقنا إلى ما فيه الخير، وأن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين وولي عهده إلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وبطن. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91424 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87224 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف