×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (167) الرقية والرقاة مسائل وأحكام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2307

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحيةً طيبةً عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.

في بداية هذه الحلقة؛ تقبلوا تحياتي محدثكم/ وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج/ سالم بالقاسم، وياسر زيدان.

ضيف حلقات برنامج الدين والحياة هو: فضيلة الأستاذ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم.

فضيلة الشيخ، السلام عليكم وأهلًا معنا في هذه الحلقة.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله، مرحبًا بك، حياك الله أخي وائل، وأسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا مباركًا.

المقدم: مستمعينا الكرام؛ في حلقات برنامج "الدين والحياة" نناقش موضوعاتٍ تهم المسلم في أمور دينه، نسلِّط الضوء عليها ونتدارسها أيضًا، ونبين أصلها في كتاب الله - عز وجل - ، ونذكِّر عدةَ نقاط تتعلق بها.

 في هذه الحلقة مستمعينا الكرام حديثنا سيكون حول "الرقية والرقاة مسائل وأحكام" سنتحدث حول نقاطٍ عديدة عن مشروعية الرقية، وماهية الرقية أيضًا، وعن أنواعها وأحكامها، وغير هذه النقاط سنتحدث عنها بمشيئة الله تعالى في ثنايا هذه الحلقة.

فضيلة الشيخ اسمح لي أن نبدأ الحديث في هذه الحلقة التي نتحدث فيها تحت هذا العنوان "الرقية مسائل وأحكام" عن ماهية الرقية؛ ما هي الرقية؟ وما مشروعيتها أيضًا؟

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحيةً طيبةً لك أخي وائل وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

الرقية هي تعاويذ يُرقى بها صاحبُ المرض كالحمى والصرع ونحو ذلك من الأمراض والآفات.

 الرقية هي ما يُقرأ من الأدعية والأذكار المشروعة والكلام الطيب طلبًا للشفاء وسعيًا في كشف ما نزل بالإنسان من مرض سواء كانت هذه الرقية مما يباشرها الإنسان بنفسه على نفسه أو على غيره، فالرقية اسم جامع لما يُقرأ من القرآن ومن الأذكار والدعوات استشفاءً أو وقايةً، سواء كانت القراءة من الإنسان نفسه أو على غيره.

والرُّقية كانت موجودةً قبل الإسلام، وكانت شائعةً بين العرب، بل موجودة حتى في الديانات السابقة والشرائع المتقدمة، فأصلها واردٌ في الأديان السماوية، لكن طرأ عليها فيما قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنواع من الانحرافات، فاقترنت الرقية بالسحر والشعوَذة واللجوء لغير الله - عز وجل -؛ ولهذا جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرَّقى والتمائمَ والتِّولَة شرك»[أبوداود:3883, والحاكم في المستدرك417/4.وقال:هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي]وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم – بالشرك؛ لأن السائد فيها الخروج عن الأدعية والكلام الطيب إلى عبادة غير الله والاستغاثة بغير الله واللجوء إلى غير الله.. وما إلى ذلك مما يزيد المريض مرضًا، ويفسد القلب، ولا يدرك به الإنسان إلا فساد الدين والدنيا.

فالرقى هي ما يقال ويقرأ على النفس أو على الغير طلبًا للشفاء أو دفعًا للمرض، هذا ما يتعلق بالرقية.

 وبهذا يتبين أن الرقية نوع من الأدوية يتداوى بها الناس؛ فالدواء نوعان:

 دواء بمواد حسية وعقار يستشفى به.

 والنوع الثاني من التداوي: التداوي بالرقى؛ وهي الأدعية والأذكار والكلمات الطيبة التي يُستجلب بها الشفاء ويستدفع بها ويستكشف بها المرض، هذا ما يتعلق بمفهوم الرقية.

فالرقية :كلمات من القرآن ومن الأدعية النبوية ومن الأدعية على وجه العموم ومن الأذكار يحصل بها الشفاء ودفع المكروه من المرض النازل بالإنسان، وأيضًا يحصل بها الوقاية، فالرقية تكون استشفاءً وتكون وقايةً من الأمراض.

المقدم: فضيلة الشيخ أيضًا نريد أن نسأل عن أنواعها، بالتأكيد أن المتعارف عليه عند الناس أن الرقية مجموعة من الآيات التي تقرأ على المريض وأيضًا من الأدعية، من أدعية النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ لذا نريد أن نسأل عن أنواع الرقية حتى ندلف إلى نقاط أخرى؟

الشيخ: يمكن أن ننطلق ابتداءً فيما يتعلق بأنواع الرقية من النظر في الأحاديث النبوية الواردة في شأن الرقية، وهي أحاديث ليست بقليلة.

ورد في شأن الرقية في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة من الأحاديث من خلالها يمكن أن نعرف أنواع الرقى، بعد أن عرفنا أن الرقية هي الأذكار والأدعية والكلمات التي يستشفى بها ويطلب من الله - عز وجل - الشفاء بها، ننظر إلى ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى العرب كما ذكرت وكان عندهم رُقى كثيرةٌ يستدفعون بها المرض ويستكشفون بها الآفات ويستجلبون بها الصحة، يقول جابر: «كان لي خال يرقِي من العقرب» نوع من المرض يصيب الناس «فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرُّقى»[مسلم:2199/62] لماذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الرقى؟ لأنه كما ذكرت الشائع عند العرب قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بالرقى الرقى الشركيَّة، وهذا هو النوع الأول من أنواع الرقى التي نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الرقى، وهي المقصودة في قول عبد الله ابن مسعود: «إن الرقى والتمائم والتِّولةَ شرك» فذاك ما كان شائعًا في العرب قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم-.

ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الرقى بالكلية، وهذا ليس بغريب، وأنه في أكثر من مسألة من مسائل الأحكام الشرعية التي كان الناس فيها على غير هدي المتقين جاءت الشريعة بالمنع الكلي ابتداءً، ثم أذنت بما يحقق المصلحة دون الوقوع في المفاسد التي كانت شائعةً في العمل؛ فمثلًا الرُّقى كان فيها من الشرك والسحر والتولة واللجوء إلى غير الله ما يفسد القلوب والأبدان.

جاءت الشريعة بالنهي عنها ابتداءً، ثم جاء الإذن بما فيه نفع دون أن يكون فيه انحراف بشرك أو لجوء إلى غير الله؛ ولذلك هذا الرجل الذي هو خال جابر جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرقى فقال: يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى وأنا أرقي من العقرب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه»[سبق تخريجه قريبا] فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ينفع أخاه، لكن قيد ذلك وشرطه ألا يكون فيه شرك. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه» يعني بما يدفع عنه المكروه ويحصل له به النفع ويستجلب له به الخير «فليفعل»، ومن ذلك الرقى السالمة من الشرك أو الكفر أو السحر أو الطلاسم أو اللجوء إلى غير الله أو الكلمات المبهمة؛ فإن ذلك كله منهي عنه داخل فيما جاءت النصوص الشرعية والأحاديث النبوية في منعه.

وقد فطِن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - إلى أفضل الرُّقى وهو القرآن، استعملوه في كشف المكروه، وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرَة سافروها، فنزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم, أي: طلبوا ضيافَتهم، وهذا من عادة العرب أنه إذا نزل قوم في مكان أضافوهم، أصحاب المكان، وقروهم بما يليق بهم.

لكن أولئك أبوا أن يضيفوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلُدِغ كبيرُ ذلك المكان سيدُ ذلك الحي، فسعَوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، يعني طلبوا له العلاج بكل وسيلة ممكنة من العقاقير وسائر العلاجات الشائعة عندهم، لم يصيبوا في علاجه شيئًا، فقال بعضهم لبعض، قال بعض أصحاب هذا المنزل أو هذه البلدة أو هذا الحي: لو أتيتم هؤلاء الرَّهط الذين نزلوا وهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذين أبوا أن يضيفوهم، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، يعني يسألونهم: هل عندكم علاج؟ هل عندكم طريقةٌ للسلامة من اللدغ؟ فقال بعضهم: لو أتيناهم، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدَنا لُدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء يعني ينفعنا في شفاء سيدنا وكبيرنا؟ فقال بعضهم - وهو أبو سعيد رضي الله تعالى عنه -: نعم والله إني لأرقي. حلف على أنه يرقي، والعرب يعرفون الرقية، وهؤلاء قومٌ فيما يظهر أنهم لم يكونوا مسلمين والله أعلم؛ لأنهم أبوا أن يضيفوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا. يعني إنا طلبنا منكم حقَّ الضيافة ولم تعطونا إياه فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلًا، بما أنكم مَنعتمونا حقَّنا في الضيافة فلن أرقيَ لكم حتى تضعوا لنا مقابل الرقية جعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، قالوا: إن رقيتموه وشفي فلكم هذا القطيع من الغنم.

فانطلق الصحابي - رضي الله تعالى عنه - يقرأ على سيدهم سورة الفاتحة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَالفاتحة: 2 فقام كأنما نشط من عقال، يعني كأنما حل عنه قيد كان يمنعه من القيام والحركة، فانطلق يمشي وما به قلبة، يعني ما فيه مرض، سلم سلامةً تامةً ببركة هذه القراءة التي قرأها هذا الصحابي الكريم، فما كان منهم إلا أن أعطوهم ما اتفقوا عليه، جاءوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه بما جرى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي سعيد: «وما يدريك أنها رقية؟»[البخاري:2276] يعني ما الذي أعلمك أن سورة الفاتحة رقية يستشفى بها؟ فأقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة رضي الله تعالى عنهم على استشفائهم بالقرآن وبسورة الفاتحة على وجه الخصوص.

هذا نوع من الرقى التي أقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعجب من معرفة أبي سعيد لها، مع أنه لم يعلمه إياها صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - ندب إلى الرقية في بعض الأمراض، فجاء في العين وهي التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العين حَقٌّ»[البخاري:5740, مسلم:2187/41] أنه أمر - صلى الله عليه وسلم - بطلب الرقية لمن أصابته العين.

في صحيح الإمام مسلم من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها وهو أيضًا في البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأي في بيت أم سلمة جارية، فتاة صغيرة في وجهها سفعة، يعني في وجهها صُفرة مشوبة بسواد أو زُرقة، المراد أنه تغير في لون البشرة على خلاف المعتاد فقال - صلى الله عليه وسلم -: «اسْتَرْقُوا لَها؛ فإنَّ بها النَّظْرَةَ»[صحيح البخاري:5739] يعني اطلبوا من يرقيها فإن بها النظرة؛ يعني أصيبت بعين كانت سببًا لتغير لون وجهها ووجود هذه السفعة في وجهها.

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجَّه في هذا الحديث إلى الرقية وإلى طلبها في علاج العين، ومثله أيضًا ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص لآل حزم في رقية الحيَّة»[مسلم:2198/60] يعني رقية يتوقَّى بها سمُّ الحيات. وقال لأسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب بعد وفاته: «ما لي أرى أجسام بني أخي»[صحيح مسلم:2198] يعني جعفر رضي الله تعالى عنه «ضارعة» يعني ضعيفة هزيلة تصيبهم الحاجة، يعني أن النبي لما رأى أن فيهم هُزالًا ظن أنه بسبب قلة ما في أيديهم من طعام، فقال: «تصيبهم الحاجة؟» قالت أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها مجيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على سؤاله: «لا» تعني ليست المشكلة في هزال أبدان أبناء جعفر -رضي الله تعالى عنه- أنهم لا طعام عندهم، «ولكن العين تسرع إليهم» تعني يصابون بالعين السريعة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ارقيهم» يعني اقرئي عليهم الرقى التي يستدفع بها ما يكرهه الإنسان من الشر والأذى.

وقد فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في عياداته للمرضى؛ ففي الصحيحين من حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى مريضًا أو أتي به يعني هو جاء للمريض أو جيء بالمريض إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أذْهِبِ الباسَ رَبَّ النَّاسِ، واشْفِ أنْتَ الشّافِي، لا شِفاءَ إلَّا شِفاؤُكَ، شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا»[البخاري:5742] وهذا دعاء، لكنه مما يُستدفع به المرض ويستكشف به العلل، فكان ذلك من الرقى التي فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه فيمن عاده أو جاء إليه من المرضى.

وقد رقى جبريل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذه أعلى مراتب الرقية؛ رقية أشرف الملائكة لأشرف الخلق، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فعن أبي سعيد أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا محمد اشتَكيت؟»[مسلم:2186] يعني أصابك المرض فقال: «نعم» وهذا فيه الإخبار بالمرض في إجابة السائل على غير وجه الشكاية؛ لأن النبي لم يشكُ إلى جبريل ما نزل به من مرض، لكنه أجاب على سؤال، وهذا ليس من الشكوى المذمومة، إنما هذا من الإخبار بالواقع في إجابة السائل: «أنَّ جبريلَ أتى النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: يا محمدُ اشتكيتَ؟ فقال: نعم، قال: بسمِ اللهِ أرقِيكَ من كلِّ شيٍء يُؤذيكَ، من شرِّ كلِّ نفسٍ، أو عينِ حاسدٍ، اللهُ يشفيكَ، بسمِ اللهِ أرقيكَ» والحديث في صحيح الإمام مسلم، وهذا من أعلى ما يكون من الرقى، وهي رقية علمها وباشرها جبريل في عارض ومرض أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم-.

وفي رواية عن عائشة في نفس هذه القصة قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكي رقاه جبريل» تعني ليست مرة واحدة، إنما مرات، كلما اشتكى - صلى الله عليه وسلم - رقاه جبريل قال: «بسم الله يُبْريك» وهذا معناه أرقيك. فالرقية المقصود بها القراءة يعني بسم الله أقرأ عليك وأدعو لك، وفي الرواية الثانية: «بسم الله يبريك» أي بسم الله أطلب شفاءك، وهناك ذكر السبب، وهنا ذكر النتيجة وهي حصول البُرء في هذه الرواية «بسمِ اللهِ يُبْرِيكَ، من كلِّ داءٍ يَشْفيكَ، من شرِّ حاسِدٍ إذا حَسَدَ، ومن شرِّ كلِّ ذِي عينٍ.[مسلم:2186/39]

والنبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين كان يرقي - صلى الله عليه وسلم - بسم الله، وقد يصحَب ذلك من رِيقه ما يُستشفى به، وليس خاصًّا به - صلى الله عليه وسلم -، بل هو عامٌّ له ولغيره - صلى الله عليه وسلم -؛ ففي الصحيح من حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول للمريض: «بسم الله تربة أرضنا» يعني أرض المكان الذي فيه الإنسان «بِرِيقَةِ بعضنا» يعني يأخذ شيئًا من تربة الأرض ويبلها بريقه ويقول هذه الكلمات «يشفى سقيمنا بإذن ربنا»[البخاري:5745، مسلم:2194/54] والحديث في الصحيحين.

كل هذه الأحاديث تدل على مشروعية الرقية إذا كانت من القرآن إذا كانت من الأدعية التي تتضمن سؤال الله واللجأ إليه وسالمة من المؤاخذات من شرك أو غيره.

أما النوع الثاني من الرقى فهو ما كان فيه شرك أو كفر أو لجؤ إلى غير الله - عز وجل -، وهذا هو المقصود بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرُّقى والتَّمائمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ».

إن الرقية من حيث أنواعها نوعان:

النوع الأول: الرقى الشرعية، وهي جائزة ومباحة، ويقال: الرقية الشرعية أي: التي أذن بها الشارع وهي السالمة من الشرك، الكائنة بكلام الله أو كلام رسوله، التي ليس فيها أسماء مبهمة ولا دعاء غير الله - عز وجل -، وكذلك التي يعتقد فيها الإنسان أن الشفاء من الله - عز وجل -؛ ولذلك الحافظ بن حجر يقول: أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته؛ مثل: «بسم الله أرقيك»، ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُالحشر: 22 وما أشبه ذلك.

الثاني: أن يكون بكلام عربي. وقيل: أو بما يكون من الكلام المفهوم المعلوم، ولو كان بغير اللغة العربية، بشرط أن يفهمها التالي والمتلو عليه؛ الراقي والمرقي.

الثالث: أن يعتقد أن الرقية سبب يأذن الله تعالى فيها بالشفاء، وليست هي بذاتها تحدث الشفاء والسلامة من المرض.[فتح الباري:10/195]

إذا توفرت في الرقية هذه الأسباب الثلاثة كانت رقيةً مؤذونًا فيها، شرعية، وإذا خرجت عن هذه وتخلف فيها شرط من هذه الشروط كانت من الرقى التي نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكانت من الرقى الشركية.

لكن سؤال: وهو ما حكم الرقية؟ هل هي واجبةٌ أو سنة مستحبة أو أنها مباحةٌ أو أنها مكروهة؟ فما الحكم التكليفي؟

ونتكلم عن المأذون فيه أعني الرقى المأذون فيها، وأما الرقى الشركية فهي ممنوعةٌ محرمة، لكن ما توفرت فيه الشروط الثلاثة وهي أن تكون بكلام الله وأسمائه وصفاته، وتكون بلسان بيِّن واضحٍ مفهوم، وأن يعتقد الإنسان أن الشفاء من الله، وأن هذه سبب، إذا توفرت هذه الشروط فما حكم الرقية؟

للعلماء في ذلك قولان في الجملة:

القول الأول: المنع بمعنى الكراهة؛ لأن المطلوب من الإنسان أن يكون معتمِدًا على الله - عز وجل -، وحملوا على ذلك قولَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير عذاب ولا حساب قال: «همُ الَّذينَ لا يَكْتَوونَ، ولا يَستَرقونَ، ولا يَتطيَّرونَ، وعلى ربِّهم يتوَكَّلونَ»[البخاري:5752]؛ فترك ذلك مما يتحقق به كمال التوكل على الله.

والقول الثاني: وهو قول جماهير العلماء وجملة أهل الفقه والعلم بالأثر أن الرُّقى مباحة، وقد تكون مؤكدة أو تستحب على وجه التأكيد فيما إذا كان المصاب بها قد أصيب بالعين، فإذا كان المصاب في المرض مَعيونًا، فهنا يتأكد في حقِّه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالرقية من العين في حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها-في الجارية التي رأي في وجهها سفعة فقال: «استرقوا لها فإن بها النظرة»[سبق تخريجه]، وإلا فالأصل أن الرقى من جملة التداوي، والأصل فيها الإباحة، وعلى هذا جماهير العلماء، وبالتالي عندما يقول الرقية الشرعية لا نقصد أنها مستحبة أو واجبة إنما هي المـأذون بها شرعًا، والتي لا حرج في أن يأخذ بها الإنسان، هذا المقصود بالرقى الشرعية.

وبهذا يتبين أن الأصل في الرقى المأذون بها الإباحة إلا أن تكون الإصابة بعين، فعند ذلك يتأكد استعمالُ هذا الباب من الأبواب في دفع أذى العين، والسبب في أن العين أكَّد فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - على الاسترقاء؛ لأن الإصابة بالعين في الأصل ليست حِسيَّةً، وبالتالي العلاجات الحسية لا تأتي بالنتيجة المطلوبة في معالجة العين، قد تُخفِّف، قد تلطِّف، لكن لا تدفع الأذى الدفع الذي يكون بالأذكار والأدعية وتلاوة القرآن؛ ولهذا تأكد فيما يتعلق بالإصابة بالعين أن يستعمل فيها الرقية بتوجيه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

المقدم: فضيلة الشيخ قبل أن نذهب إلى فاصل الحلقة الأول، أريد أن أسألك عن نقطة ذكرت أنه على رأي العلماء في حكم الرقية في القول الأول الكراهة؛ كيف يتنافى كمال التوكل على الله - تبارك وتعالى - مع الرقية؟

الشيخ: أخي الكريم الأسباب كلها لا تتنافى مع حقيقة التوكل إذا كانت نظرة الإنسان إليها نظرةً سليمة، وكانت أسبابًا صحيحةً، والسبب الصحيح الذي يؤدي إلى النتيجة، خرج بذلك الأسباب الموهومة التي لا تؤدي إلى نتائج، هذه أخذها يتنافى مع التوكل، فالذي يأخذ سببًا موهومًا يتنافي مع التوكل ولا يكون بهذا محقِّقًا للتوكل مثل الذي على سبيل المثال يلبس حلقة في يده ويقول هذه الحلقة تقيني الأمراض، هذا اتخذ سببًا وهو هذه الحلقة التي جعلها في يده، لكن هذا سبب موهوم؛ ولهذا لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا وضع في يده خيطًا قال: «ما هذا؟» قال: من الحمى، يعني هذا الخيط ومثل الأساور التي تلبس لأنواع من المعالجات والاستشفاء بها قريب من هذا الذي قاله الرجل، قال: من الحمى، يعني أنا ألبس هذا الخيط حتى تنقضي الحمى، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم – بنزعه، وقال: «انزِعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا»[ابن ماجه:3531، أحمد في مسنده:20000. وضعفه الألباني في الضعيفة1029]. قال الرجل: من الواهنة، وهي نوع من المرض إما الحمى أو غيره، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزيدك إلا وهنًا» يعني لا تزيدك إلا مرضًا وسخطًا، لا تجلب لك شفاء، والسبب أن الإنسان عندما يتعلق قلبُه بسبب موهوم يزداد ضعفًا، ويتمكن منه المرض لضعف قلبه بتعلقه بسبب موهوم، فإذا كان السبب صحيحًا فعند ذلك الأحوال ثلاثة:

الأول: حال من يتعلق بالسبب ويعتقد أن السبب هو المنتِج للشفاء، فهذا لا يجوز، وهو على خطر عظيم، ولا يجوز له هذا الاعتقاد، ولا أخذُ هذا السبب؛ لأنه يعتقد أن السبب يأتي بالنتيجة بذاته.

الثاني: من الناس فيما يتعلق بالسبب من يعتقد أن هذه الأسباب لا تنتج بذاتها، إنما هي تنتج بالله، لكن يتعلق قلبه بها ويركَن إليها ويغفل عن المسبب، وهذا أيضًا من النوع المذموم؛ لأنه خرج عن حدِّ التوكل بتعلقه بغير الله - عز وجل-.

الثالث: وهو طريق أهل التوحيد والاستقامة وأهل الإخلاص وتمام الإيمان بالله: الذي يأخذ بالسبب لكن يعلق قلبه بالمسبب، بمعنى أنه إذا فعلت هذا الشيء سواء كان علاجًا أو غير علاج لإدراك مطلوب، فعلت سببًا لإدراك نتيجة معينة، أنا قلبي معلق بالله، وإنما أصبتُ هذا السبب لأجل أن الله جعله طريقًا لتحصيل هذا، لكن لا لأنه هو أو أن قلبي قد ركن إليه وتعلق به، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لأن هذا يكون الإنسان في هذه الحال محقِّقًا لكمال التوكل على الله.

فالرقية سبب للشفاء إذا تعلق الإنسان بالراقي كما سيأتي التنبيه إليه، وظن أن النتيجة بسبب هذا الراقي، وأن هذا الراقي رُقيتُه هي التي تنفع ومال إليه بقلبه، وغفل عن الكلمات التي تنتج الشفاء من كلام الله العظيم، القرآن العظيم، أو من الأدعية واللجوء إلى الله - عز وجل -؛ فهذا وقع في نوع من الإخلال بالتوكل، أخلَّ بالتوكل؛ لأن التوكل هو أن تأخذ السبب وتركن بقلبك إلى المسبب.

ولهذا بعض العلماء يقول: إنه إذا كان السبب يفضي إلى تشويش ويخرج قلب الإنسان عن تمام الاعتماد على الله والتوكل عليه فعند ذلك ترك السبب أسلم للإنسان من أخذه، لا لأن السبب لا يؤدي إلى النتيجة، ولا لأن الشريعة نهت عن أخذ الأسباب، لا، لكن هذا وقع في إشكالية وهو الآن بين أمرين؛ إما أن يعلق قلبه بالله الذي به تُقضى الحوائج أو يميل بقلبه إلى الأسباب التي لا تأتي بنتائج إلا بقدر الله ويغفل عن المسبب، عند ذلك تَرْك السبب أهون خطورةً من ترك التوكل؛ ولهذا الكمال بأن يجمع الإنسان بين الأمرين؛ بين تمام الاعتماد على الله، واعتقاد أنه لا يأتي بالشفاء إلا الله، ولا يدفع المرض إلا الله، ولا يأتي بالخير إلا الله، ولا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يدفع السيئات إلا هو، هذا من جانب.

ومع هذا الاعتقاد يأخذ ما جعله الله تعالى سببًا لنيل المطلوب وإدراك المطالب، وبهذا يتم التوحيد، ويسلم الإنسان من الخروج عن التوكل الذي هو أقوى الأسباب في إدراك النتائج؛ ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُالطلاق: 3] أي: كافيه، لكن هذا لا يعني أن يكون ذلك من طريق الأسباب، بل يأخذ من الأسباب ما يكون مؤديًا إلى النتائج دون أن يعلق قلبه بهذه الأسباب ولا أن يركن بقلبه إليها.

المقدم: فضيلة الشيخ أيضًا هناك مسألة مهمة وهي: ما هو الأفضل في حق الإنسان عندما يريد الرقية أن يرقي نفسه أم يجعل غيره يرقيه؟ ما هو الأفضل؟

الشيخ: الجواب يتبين من المقدمة؛ الأصل أن هذه الرقى تلاوة قراءة ودعوات وأذكار، يقولها الإنسان يذكر فيها أسماء الله، ويذكر فيها صفاته، ويذكر فيها كمالاته جلَّ في علاه، يستجلب بذلك الشفاء، كون الإنسان يفعل ذلك بنفسه؛ هذا أفضل من أن يطلبه من غيره؛ ولهذا كان من تمام التوكل ألا يسترقي الإنسان، فكان من جزاء السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب أن يكون الإنسان تاركًا لطلب الرقية.

ولهذا لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في خبره عن رؤية أمته ورأي معهم سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال في وصفهم - صلى الله عليه وسلم – قال: «هم الذين لا يَسْتَرقُونَ»[سبق تخريجه قريبا] يعني: لا يطلبون الرقية من غيرهم، لكن هذا لا يعني أن طلب الرقية مذموم أو أنه يتنافى بالكلية مع التوكل، لا، بل هو جائز ولا يتنافى مع التوكل، لكن من تمام التوكل وكماله أن يقتصر الإنسان في الرقية على نفسه، أحيانًا قد يقول الإنسان: أنا ما أحفظ أدعيةً وما أدرك ما آمُل من الرقى، فهنا يسترقي كما كان في شأن الجارية فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كانت الجارية لا تحسن الرقية قال: «استرقوا لها فإن بها النظرة».

وأيضًا في الحديث الآخر في حديث أبناء جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لما قالت أسماء: «تسرع إليهم العين» ماذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: «ارقيهم» فأمرها أن ترقيهم، فدل ذلك على أن طلب الرقية للغير ليس مما نهى عنه، لاسيما إذا كان هناك سبب؛ إما أنه لا يحسن الرقية، أو أنه لا يحفظ ما يكون مناسبًا في الرقية، أو أنه مرض وبلغ من المرض حدًّا لا يتمكن أن يرقي نفسه؛ كما فعلت عائشة رضي الله تعالى عنها في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها رقته - صلى الله عليه وسلم - وكانت تقرأ عليه بالإخلاص وبالمعوذتين، وتنفث في يده - صلى الله عليه وسلم -، وتمسح بيده صلى الله عليه وعلى آله وسلم تقول: لما ثقلت عليه القراءة؛ بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.[صحيح الإمام البخاري(ح5735)]

المقصود أن الأصل أن يرقي الإنسان نفسه، وقد شرع الله لنا رقية نقي بها أنفسنا ما نكره من السوء قبل نزوله:

فمن الرقى المشروعة الأذكار التي تكون في الصباح والمساء؛ هذه أدعية وتلاوات يحصل بها من الحفظ للإنسان وكفايةِ الشر ووقايته ما يستدفع به ما يكره، ومثله عند النوم فإنه قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع يده وينفث فيهما ثلاثًا ثم يقرأ الإخلاص والمعوذتين ويمسح رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، ويكرر ذلك ثلاثًا، يفعل ذلك كلَّ ليلة - صلى الله عليه وسلم-.

فالأصل أن يبادر الإنسان إلى الرقية بنفسه لنفسه، لكن لا يمنع هذا أن يرقي غيره، والدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه مريض قال: «أذْهِبِ الباسَ رَبَّ النَّاسِ، واشْفِ أنْتَ الشَّافِي، لا شِفاءَ إلَّا شِفاؤُكَ، شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا»[سبق تخريجه قريبا] فكان - صلى الله عليه وسلم - يرقي من يأتيه من أصحابه المرضى رضي الله تعالى عنهم، فدل ذلك على جواز أن يطلب الإنسان الرقية من غيره، لكن الأكمل والأصوب أن يكون ذلك بفعل الإنسان بنفسه، ولو رقاه أحد دون طلب فهذا كما جرى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رقية جبريل فإنه قال له: اشتكيت يا محمد؟ قال: نعم، فرقاه: «بسمِ اللهِ أرقِيكَ من كلِّ شيٍء يُؤذيكَ، من شرِّ كلِّ نفسٍ، أو عينِ حاسدٍ، اللهُ يشفيكَ، بسمِ اللهِ أرقيكَ».[سبق تخريجه قريبا]

المقدم: فضيلة الشيخ في الجزء الأخير المتبقي من هذه الحلقة وهو ليس بكثير، نريد أن نتحدث عن بعض السلوكيات والممارسات والأخطاء أيضًا المتعلقة بالرقية، بودِّي أن نسلط الضوء على بعض هذه الملاحظات؟

الشيخ: أخي الكريم أكبر ما يمكن أن يشوِّش على موضوع الرقية تعلُّق المريض بالراقي، وهذه إشكالية في الحقيقة تؤثر على موضوع الرقية، فالقرآن شفاء، والدعاء أعظم أسباب إدراك المطالب، والراقي قد يوفقه الله تعالى إلى حصول الشفاء لسلامة قلبه وحضورِ قلبه عند التلاوة ويقينِه وتصديقِه؛ ولهذا الذي ينبغي للمؤمن أن يعلِّق قلبه بالله لا بالخلق؛ فإنه لو أحسن العبد التداوي بالفاتحة على سبيل المثال وهي سورة يحفظها أهلُ الإسلام صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثا، لو أحسن التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء؛ وذلك بأن يقرأها مُوقنًا بمعانيها، مقبلًا على الله - عز وجل -، محسنًا الظن به - سبحانه وبحمده - في إدراك مطلوبه، وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - تجربةً له في الاستشفاء بالفاتحة يقول: "مَكَثت بمكة مدة يَعتريني أدواءٌ" بسبب السفر وما إلى ذلك من أسباب الأمراض، ذهب إلى مكة وأصابه عدد من الأمراض، قال: "ولا أجد طبيبًا ولا دواء" بحكم الغربة فلا يجد طبيبًا يداويه ولا دواء يستشفي به من الأدوية الحسية قال: "فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألـمًا وكان كثير منهم يبرأ سريعًا"[الجواب الكافي:ص9] يشفى سريعًا فينبغي أن يكون الإنسان في قراءته للأذكار والأدعية على كمال إخلاصٍ لله - عز وجل - وإقبالٍ عليه وافتقارٍ إليه وتصديقٍ بوعده، عند ذلك لا يخلف الله الميعاد.

فالأذكار والآيات والأدعية التي يُستشفى بها ويرقى بها نافعة في ذاتها إذا كانت من كلام الله وكلام رسوله، ولكن لابد أن يكون المحِلُّ قابلًا، وهو المريض بأن يكون عنده من الإقبال على الله واللجوء إليه والافتقار إليه والتعلق به - سبحانه وبحمده - ما يكون عونًا لنفع الأدوية والعلاجات، وأنت الآن حتى الأدوية الحسية الآن أحيانًا يقول الأطباء: ما ينفع العلاج الفلاني مع أنه نافع مع غيره، لكن يقول: هذا البدن لا ينفع معه هذا العلاج.

ولذلك لا تحصل النتيجة؛ لأن البدن امتنع من الانفعال لهذا العلاج، وهو علاج حسي، فالعلاج المعنوي وهو المتعلق بالقرآن والأذكار والآيات والأدعية كذلك لابد أن يكون المحل قابلًا حتى ينتج أثرًا، الدواء فعَّال ونافع لكن البدن وُجد فيه من الأسباب ما يمنع الانتفاع بهذا العلاج، وعدم ملاءمة هذا العلاج النافع لهذا البدن، فهذا للعلاجات الحسية، فمثله القرآن كذلك ومثله الأدعية ومثله الآيات ومثله الأذكار؛ قد يكون في القلب من الانصراف عن الله أو التعلق بغيره أو الغفلة عما في هذه الأذكار والأدعية والمعاني ما يجعل التأثير ضعيفًا، ما يجعل هذه المعاني مانعةً من إدراك المقصود والشفاء.

ولذلك القرآن شفاء تامٌّ من جميع الأدوية والأدواء والأمراض القلبية والبدنية بلا شكٍّ ولا ريب، وينبغي أن يوقن الإنسان بهذا يقينًا جازمًا، وأن يقبل على الاستشفاء بالقرآن بقلب مصدق، ولكن مع هذا ينبغي أن يُعرف أن الأمر بيد الله وأن الله تعالى إذا شاء كان المطلوب وقد يمتنع المطلوب لحكمة، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيلُ شفائه والعافية منه إذا صدق الإنسان في الإقبال على ربه وأذن الله تعالى في حصول النتيجة والمطلوب والشفاء.

هذا ما يتعلق بالمعنى الأول الذي ينبغي أن نتنبه له، وهو أن يبعد الإنسان عن التعلق بالقارئ، وأنا أؤكد هذا المعنى؛ لأنه المريض قد يكون بسبب ما نزل به من ضعف يضعف قلبه فيتعلق بأدنى ما يكون من الأسباب التي تكون موجبةً لمثل هذا الإشكال الكبير العظيم الذي يفسد على الإنسان أهم ما ينبغي أن يكون صالحًا سليمًا وهو قلبه: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ».[البخاري:52، مسلم:1599/107]

وليتحرَّ الإنسان من القراء من يكون مستقيمًا صاحب سنة؛ لأن من القراء من عنده مخالفات، من عنده انحرافات، ومن عنده معاصٍ تمنع من انتفاع الإنسان بهذه القراءة، لا يوجد إنسان معصوم، لكن أنا أقصد معاصي تتعلق بتلاوة القرآن وبالاستشفاء به؛ فمنهم من لا همَّ له إلا جمع الأموال وأخذ الأجرة وأخذ الجُعل على التلاوة في خلاف بين العلماء، ولكن على القول بإباحة ذلك وجوازه فإنه ينبغي أن يكون الغرضُ والمقصود بالدرجة الأولى هو نفع المريض وحصول المقصود بهذه القراءة وهذه التلاوة.

أيضًا من الإشكاليات التي تقع لبعض القراء ما يتعلق بالاستعانة بالجن، وهذا باب خطيرٌ ومزلة قدمٍ لجميع الأطراف القارئ والمسترقي المريض وأيضًا من معه ممن يرافقه.

أحيانًا يخبر بعلاجات أو يخبر بوقائع مستعينًا في ذلك بالجن، والأصل أنه لا يجوز الاستعانة بالجن وأن الاستعانة بالجن من المُحرَّمات الممنوعات التي توقع الناس في أنواع من الزلل والضلال والانحراف، فلا خلاف بين أهل العلم في حرمة الاستعانة بالجن؛ ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًاالجن: 6].

وأيضًا من الأمور والمحاذير التي ينبغي أن ينتبه لها من يذهبون إلى القراء ويسترقون بتلاوتهم وما عندهم أنه ينبغي الحذر مما يتعلق بالابتزاز المالي؛ لأنه أحيانًا يذهب إلى القارئ ويجد أنه يقرأ ولا يأخذ على القراءة شيئًا، لكن عند الخروج يقول: هذا زيت بكذا، وهذا ماء بكذا، وهذا عسل بكذا، بأسعار مُبالَغ فيها، تبلغ أضعافًا مضعفة لقيمتها الحقيقية، ومثل هؤلاء ينبغي تجنبهم والحذر منهم؛ لأن هؤلاء جعلوا القرآن وسيلةً للتكسب بخلاف من يأخذ التكلفة الحقيقية، أو يأخذ ما يمكن أن يكون من تكلفة أجرة مكان أو نحو ذلك، هذه أمور قد تُفهم وقد يدرك أن التكسب ليس هو المقصود الأكبر في القراءة، هذه بعض المعاني التي ينبغي أن يستحضرها من يطلب الرقية من غيره.

وفي الإقبال على الله واللجوء إليه بالنفس من الخير للمريض ما لا يدركه بالذهاب إلى القراء والإقبال عليهم.

هناك أيضًا محاذير تتعلق بخلوة القارئ بالمرأة، مباشرة القارئ لبدن الأجنبية، هذه أمور ينبغي أن يكون الإنسان فيها على حذر، وألا تكون القراءة وسيلةً للوقوع في محرم أو في غضب الله - عز وجل -؛ فـإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرَّم عليها».[البخاري معلقا مجزوما به في صحيحه:7/110، وعبد الرزاق في مصنفه:17097. وصححه ابن حجر في الفتح:10/79] تجوز رقية الرجل للمرأة بلا شك، والأدلة على ذلك جاءت متوافرة، لكن الكلام على توقِّي الأسباب المحرمة من خلوة ونحوها مما يمكن أن يكون سببًا للفتنة للرجل وللمرأة.

هذه بعض التنبيهات التي تتعلق بما يتعلق بالقراءة، أسأل الله تعالى الهداية للجميع، وأن يشفي مرضى المسلمين، وأن يعيذنا وإياكم من مزلة الأقدام وحبائل الشيطان.

المقدم: شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الأستاذ الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم. شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.

الشيخ: بارك الله فيكم وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والإعانة على كل خير، وأن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، وأن يسدِّد ولاة أمرنا إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وأن يوفقهم إلى كل خير، وأن يأخذ بنواصيهم إلى كل بِرٍّ، وأن يقرَّ أعيننا بحفظ بلادنا والمسلمين من كل فتنة وشر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90573 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87036 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف