×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2205

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة المتجددة لبرنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.

 في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي، ومن الإخراج سالم بن جاسم، وياسر زيدان.

باسمكم  جميعًا مستمعينا الكرام أرحب بضيفي وضيفكم الكريم فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ خالد المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم، فضيلة الشيخ أهلاً وسهلاً بك حياك الله، يا مرحبًا.

الشيخ خالد: حياك الله، مرحبًا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حيا الله أخي وائل، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم:حياكم الله فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول معنى حديث النبي عليه الصلاة والسلام ((أفْشُوا السَّلامَ بينَكم))[صحيح مسلم:93/54]، هذه التحية تحية أهل الإسلام لكن سنتحدث بالمجمل في نقاط متعلِّقة بالسلام، وآدابه، ومعانيه، وفضائله أيضًا.

 وقبل ذلك كله نريد أن نتحدث فضيلة الشيخ حول مبدأ السلام، هو مبدأ بين البشر كلهم على مَرِّ التاريخ، نريد أن نتحدث بهذا ابتداء.

الشيخ خالد: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد...

عنايةُ الله تعالى ببني آدم عنايةٌ ظاهرةٌ بيِّنةٌ منذ أصل خلقتهم ومبدأ نشأتهم، فالله -عز وجل- خلق آدم بيده سبحانه وتعالى، ونفخ فيه من روحه جل في علاه، وكرَّمه بما حباه من الخصال والصفات في خَلقه وفي خُلقه، وقد اعتنى الله جل وعلا ببني آدم من أول نشأتهم، فعلم آدم الأسماء كلها، وعرضه على الملائكة، وبيَّن فضله عليهم، وأسجَدَهم إكرامًا وتحية له، وكان مما علمه آدم عليه السلام أن علَّمه التحية وهي ما يحيي به الناس بعضهم بعضًا.

فكان ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التحية التي جرت لآدم عليه السلام هي التي جرت لآدم عليه السلام من الملائكة.

 فإن آدم عليه السلام لما خلقه الله تعالى وعلَّمه ما علمه، وفضله على الملائكة أمره بأن يذهب إلى جمع من الملائكة.

 ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآدم: «اذْهَبْ فَسَلِّمْ على أُولَئِكَ: نَفَرٍ مِنَ المَلائِكَةِ» جُلُوسٍ فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ ، وذهب آدم  عليه السلام إلى هذا الجمع من الملائكة الكرام فسلم عليهم.

فردوا عليه السلام، فكان أن قال الله له: «فإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرّيَّتِكَ»[صحيح البخاري:3326، ومسلم:2841/28]، فكان من أول ما جرى من التعليم في التعامل مع الناس مع الخلق، مع الغير هو التحية.

 هذا الحديث حديث أبي هريرة يبين عنايةَ الله بآدم حيث علَّمه السلام وردَّه، إذ أنه أمره بالذهاب إلى الجمع من الملائكة ولم يكن آدم معه أحد؛ لأن الله خلق آدم فردًا ثم بعد ذلك خلق زوجه، فعلمه منذ أن خَلَقه وكرَّمه بما كرمه به من التعليم علمه التحية، قال: اذهب فسلم على أولئك من الملائكة، ثم أمره أن يستمع إلى ما يردون به عليه.

قال: «فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ فإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرّيَّتِكَ»، فقال آدم عليه السلام لما ذهب إلى الملائكة: «فقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهُ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ». فكان هذا من أوائل تعليم الله تعالى لآدم وهو التعامل مع الغير، التعامل مع الآخرين.

هنا التعامل مع جِنس مختلفٍ وهم الملائكة، ولكن هذه التحية التي ألقاها آدم عليه السلام، وردت عليه الملائكة بما ردَّت من قولها: وعليكم السلام ورحمة الله،كانت هي تحية آدم وتحية ذريته.

 فالسلام تحية بَشريَّة لا تختصُّ ديانة دون ديانة، إنما هي تحية بشرية لجميع بني آدم من ذرية آدم عليه السلام، من أوائل الخلق إلى يومنا هذا إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، فهي تحية باقية على مر العصور، وكَرِّ الدهور، وتنوع الأمم والجماعات.

قد تختلف العبارات في هذه التحية لكنها مما جرى في ألسنة بني آدم منذ ذلك المبدأ في تحية آدم للملائكة وردهم عليه إلى أن شرع الله تعالى ذلك في دين الإسلام ورتَّب عليه من الفضائل والأجور ما سيأتي بيانه.

وإذا تأملت في القرآن الكريم وجدت أن التحايا التي حيا بها الأنبياء حيَّوا بها بعضهم أو أُمَمهم أو حياهم الله تعالى بها وجدت أن السلام حاضر بين في ذلك.

قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌهود:69 ،  فكانت التحية بين إبراهيم والملائكة الذين جاءوا إليه متمثلين بالصورة التي تمثَّلوا بها من صورة البشر جاءوا مسلمين عليه، عليه السلام.

وكذلك لما جاءوا إلى لوطٍ عليه السلام كانت تحيتهم أيضًا السلام حيث قالوا له كما قالوا لإبراهيم عليه السلام، قالوا له: سلام عليكم.

قال الله تعالى فيما ذكر من قِصَّة لوط عليه السلام، قال سبحانه وبحمده:   فلما جاءت رسلُنا لوطًا قالوا: سلامًا، فلما جاءت رسل الله عز وجل إلى لوط عليه السلام حيَّوه بهذه التحية، وكذلك التحية في هذه الشريعة المباركة جاءت بالسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحيي أصحابه بهذه التحية ويعلمهم إياها صلى الله عليه وسلم.

بل إنه من العجيب والمُلفِت للنظر أن تحية السلام كانت في صدر ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، ونَدَب إليه أصحابه، فإنه صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى المدينة كان أهل المدينة يترقَّبون قدومَه صلى الله عليه وسلم، ينتظرون مَقدِمه -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بلغهم أن محمدًا قد خرج من مكة، وعلموا أنه قادم إليهم صلى الله عليه وسلم فكانت منهم هذه العناية بمحاولة الترقُّب للنبي صلى الله عليه وسلم والانتظار له.

لما قدم كان من جملة من ترقَّبه وانتظره صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام، عبد الله بن سلام عالمٌ من علماء اليهود كان في المدينة، وكان عنده من العلم ما جعله يترقب قدومَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخرج، فلما رأى وجَه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: علمت أنه ليس بوجه كذَّاب، أي أنه لا يكذب صلوات الله وسلامه عليه فكان أن قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أول مَقدِمه إليهم أن قال: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ».[الترمذي في سننه:1854، وقال:هذا حديث حسن صحيح غريب]

هذا التوجيه النبوي الكريم الذي كان من أول قدومه وحضوره إلى المدينة يُبرز أهمية السلام، وأهمية هذه التحية في دين الإسلام، وفيما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه نَدَبهم أول ما ندبهم إليه من الخصال إفشاء السلام، أفشوا السلام بينكم.

وإفشاء السلام: إظهاره، وإبرازه، وإذا نظرت في هذا الحديث الشريف تبين لك أنه مصداق ما قاله صلى الله عليه وسلم في بيان موضوع رسالته وما جاء به صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إِنـــَّما بُعـِثـــْتُ لأُتـــَمّمَ صَالِح َ الأَخلاق»[ابن أبي شيبة في مصنفه:31773، وأحمد في مسنده:8952. وصححه محقق المسند]، وهذا يبين ما امتنَّ الله تعالى به على رسوله صلى الله عليه وسلم من هذه الرسالة التي كمل الله تعالى بها الشرائع، وأتم بها على البشرية النعمة

فكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول توجيهه لأصحابه عندما قدم إلى المدينة أن يظهر السلام، وأن يفشوه، وأن يبدوه فيما بينهم، وكان ذلك من دلائل صدقه التي دعت عبدَ الله بن سلام رضي الله تعالى عنه أن يُسلِم حيث سمع ذلك بعد أن رأى صدق وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق مُحيَّاه وأنه لا يكذب صلى الله عليه وسلم. يقول رضي الله تعالى: فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم  عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به يعني في حديثه لأهل المدينة عندما قدم إليها: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ»[الترمذي في سننه:2485، وابن ماجه:1334. وقال الترمذي:«هذا حديث صحيح»].هذه أعمال ندب إليها، قال: «تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ»، وفي بعض الروايات: «تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ».

هذا المأمور به هنا في أوله السلام وهو سلام القول، اللفظ الذي يتضمَّن التنبيهَ إلى ما ندب إليه صلى الله عليه وسلم من لين القول وسلامته، ثم عطف على ذلك إطعامَ الطعام الذي هو الإحسان بالمال في كفاية المحتاجين، وذكر الطعامَ لأنه أحوج ما يكون من حوائج الإنسان، وبه يقترن الإحسان القولي والإحسان العملي، فإن السلام إحسانٌ قولي وهو إعلان للسلامة من كل وجه، ويتضمن أيضًا الإحسانَ الفعلي بإطعام الطعام، وهذا ما يتعلق بصلة الإنسان بالخلق.

ثم قال: «وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ»، هذا فيما يتصل بحسن صلة الإنسان بربِّه جل في علاه وأن الإنسان يحسن الصلة بالله عز وجل ليُتِمَّ له كمال المعاش وطيبه، فإن كمال المعاش وطيبه لا يتحقق فقط بحسن الصلة بالناس بل لا يكتمل ذلك ولا يمكن أن يتحقق إلا بحسن الصلة بالله عز وجل وهي الأصل، قال: «وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ»، هذا جزاء سلامة القول، وسلامة العمل، وطيب الصلة مع الله عز وجل.

من هذا كله يتبين منزلةُ السلام، وأنه في منزلة رفيعة عالية فهو التحية البشرية، وهو تحية الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهو أيضًا أول ما ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في دار الهجرة في المدينة عندما قدم إليها، قال: «أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ».[سبق تخريجه]

المقدم: فضيلة الشيخ كنا نتحدث كمقدمة عن مبدأ السلام في حياة البشر، وأيضًا تحدثنا عن السلام تحية الأنبياء، وتحدثنا أيضًا عن السلام في ديننا الإسلامي وهو أول ما علم النبي عليه الصلاة والسلام أهلَ المدينة عندما قدم إليهم، إذا كان هناك من نقاط أخرى تتعلق بالسلام في الدين الإسلامي وإلا سندلف إلى نقطة أخرى وهي معاني السلام.

الشيخ خالد: السلام أخي الكريم فيما يتعلق بما جاءت به الشريعة، السلام هو إضافة لما ذكرت من أنه تحية البشر، وعلَّمها الله عز وجل آدم، وتحية أيضًا الأنبياء وهي من أول ما أمر الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم. إلا أنها أيضًا مما وَعَدَه الله تعالى أهلَ الجنة؛ فإن أهل الجنة ينادَون يوم القيامة بهذه التحية، قال الله تعالى: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَالأعراف:46 .

وقال تعالى: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌيونس:10 ، وكذلك قال الله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌإبراهيم:23 . فالسلام هو إنعام الله تعالى بما أكرم به عباده في هذه الحياة، وبما يكون أيضًا من نعيم الآخرة فإنه تحية أهل الجنة، تحية أهل الجنة من الله لهم، فالله تعالى يلقي عليهم السلام وهي تحيته بينهم، وقد قال الله تعالى في تحيته لأهل الجنة: ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍيس:58 ، وقال تعالى في تحية الملائكة لأهل الجنة: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًاالأحزاب:44 .

سلام منه جل في علاه، وسلام من ملائكته كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَالزمر:73 . إذًا السلام الذي هو التحية لا يقتصر فقط على تحية البشر في الدنيا إنما هي تحيةُ الله عز وجل لأهل الجنة، وهي تحية خَزَنة الجنة والملائكة عندما يتلقون أهل الجنة كما أنها تحية أهل الجنة فيما بينهم كما قال تعالى:  ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌإبراهيم:23 .

هذا كله يبين أن هذه الكلمة التي هي تحيةٌ يحيي بها الناس بعضهم بعضًا ليست كلمة مفرَّغة من معناها، فالسلام ليس مجرد قول يقوله الإنسان غائب عن معناه، وعمَّا يتضمنه من دلالات، بل السلام أمرُه عظيمٌ فالسلام في الأصل هو اسم من أسماء الله عز وجل، سمَّى الله تعالى به نفسه كما ذكر في محكم كتابه: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُالحشر:22-23 .

فهو السلام جلَّ في علاه، فهو السالم من كل عيب ونقص سبحانه وبحمده، وهو السالم في صفاته، وفي أفعاله، وفي ذاته، وفي شرعه، وفي قضائه الكونيِّ فهو سالم من كل وجه.

 كما أنه سبحانه وبحمده يسلِّم عبادَه، ويسلم أولياءه، ويسلم من شاء تسليمَه وتقدير السلامة له من بني البشر ومن سائر الخلق.

إذًا الكلمة ليست كلمةً تُلقى ألفاظًا مفرغةً من معناها، بل هي كلمات تتحمل مضمامين عظيمة، ومعاني جليلةً يدركها ويفهمها من أدرك أن ما أمر الله تعالى به عباده ليس كلماتٍ فارغةً أو كلمات لا مدلول لها بل هي كلمات ذات معانٍ عظيمة.

السلام في الإسلام، في التشريع؛ فالشرع كله سلام، السلام في الإسلام في أمره، ونهيه، وفيما شرعه من الجزاء على صالح العمل، وفيما شرعه من الجزاء على سيِّء العمل من العقوبات، فكانت عقوبات من الحدود أو من التعاذير أو من غير ذلك من الكفارات التي بها يحصل للناس السلامة.

فدين الإسلام كلُّه سلام، ولذلك سُمِّي إسلامًا؛ لأنه يسلم به الإنسان  من كل ما يكره، ويسلم به الإنسان من شرِّ الدنيا، وأذاها، وما فيها من منغِّصات، كما يسلم أيضًا من الشقاء الأخروي ويفوز كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَآل عمران:185  ولا يكون ذلك إلا لأهل التقوى والإيمان، ومن عمل بخصال الإيمان والإسلام.

إذًا السلام ليس كلمة تلقى، بل هي معنى ومضمون ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في ترجمة هذه الكلمة عملاً، قال -صلى الله عليه وسلم-: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»[صحيح البخاري:10، ومسلم في صحيحه:40/64من حديث عبد الله بن عمرو]، من سلم المسلمون من لسانه ويده، وهذا يؤكد أن السلام الذي دعت إليه الشريعة وندبت إليه ليست كلمة تقال لا معنى لها ولا أثر، بل لا يكون ذلك على وجه حقيقي إلا بتحقيق السلامة فيما يصدر عن الإنسان من قول أو من عمل.

ولهذا قال:  «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ»، من لسانه وهذا يشمل كل ما يصدر من لفظ، وقول أن يكون مما يحصل به السلامة، السلامةُ للمتكلم بعدم الوقوع في الإثم، والسلامة لغيره بأن لا يَطَاله من هذا القول أذًى أو ضرر بل لا يصل إليه إلا ما يحسن ويجمل. كذلك السلامة من اليد في قوله صلى الله عليه وسلم: «سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، والسلامة من اليد بيده أن يكفَّ شره على الناس.

ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سُئل: أي الإسلام أفضل؟ يعني أي خصاله وما جاء به أفضل وأعلى في مراتب خصال الإسلام، وخلاله، وما أمر به؟. قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من حديث أبي موسى الأشعري قال: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».[البخاري:ح11، ومسلم:ح42/66] فجعل أفضل الإسلام تحقيق السلام، أن يكون الإنسان سلامًا على نفسه، سلامًا على غيره، سلامًا على من حوله في رسالة فلا تصل إليهم مؤذيات، ولا تصل إليه مكدِّرات من قوله، ولا تصل إليه أيضًا من يده أذية أو بطش بغير حق، أو غير ذلك مما يكون من أوجه الأذى التي تصل للناس.

وهذه هي المرتبة الدنيا التي يتحقق بها للإنسان السلامة، ثم بعد ذلك تأتي مراتب الإحسان وهي مراتب عالية، وفضائل هي موضعالمسابقة بين الناس، وهي ما زاد على ذلك من إطعام الطعام، وإكرام الخلق، وإيصال الإحسان إليهم. ولذلك في حديث عبد الله بن عمر «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ: تُطْعِمُ الطَّعَامَ»[البخاري:3326، مسلم: 39/63]، وهذا إيصال للفضل والإحسان إلى الخلق، قال: «وَتَقْرَأُ السَّلَامَ»، لكن هذا ليس فقط على فئة خاصة أو نخبة منتقاة بل على من عرفت ومن لم تعرف، وهذا فيه أن الإنسان إذا حقق ما جاء به سيد الورى صلى الله عليه وسلم كان سلامًا لكل أحد قريب أو بعيد، من عرف من الناس ومن لم يعرف لقوله صلى الله عليه وسلم: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»، قوله: على من عرفت وعلى من لم تعرف أي قراءة السلام.

وكذلك إطعام الطعام فإنه لا يقتصر على من عرف الإنسان بل ذلك لكل من يصل إليه الإحسان بالإطعام، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث السلامةَ والإحسان، الإحسان بقراءة السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف، السلامة بقراءة السلام، بَذْل السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف وأما الإحسان فبإطعام الطعام، وإيصاله إلى من ينتفع به من بني آدم بل حتى من غير بني آدم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في كُلِّ كَبِدٍ رطبَةٍ أجرٌ». [ البخاري:2363، مسلم:2244/153]

وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- قصة الرجل الذي دخل الجنة في سقيه لكلب[البخاري:2363، مسلم:2244/153]، وقصة المرأة التي دخلت النار في هِرَّة حبستها فلم تطعمها[البخاري:2365]، ولم تدعها تأكل من خشائش الأرض، فكان ذلك أذىً مخالفًا للسلام الذي جاء به الإسلام فأوجب لها هذه العقوبة أن دخلت النار في هرة، وذلك لما كان سلامًا حتى على الحيوان في سقيه للكلب العطش قال صلى الله عليه وسلم:  «فَشَكَر اللَّه لهُ فَغَفَرَ ذنبه» وفي رواية: «فَشَكَر اللَّه لهُ، فَأدْخَلَه الْجنَّةَ».

فكان جزاء ذلك الإحسان، كان جزاء ذلك الإحسان هذا الفضل من الكريم المنان بأن أدخله الجنة بسبب ما تحلَّى به من خصلة السلام.

 السلام أيها الإخوة والأخوات ليس كلمة تقال بل هي كلمة تقال تترجم بالمعاني في الأقوال وفي الأعمال، ولذلك من المهم أن يبادر الإنسان إلى ترجمة هذه الكلمة التي يقولها ويبذلها في لقاءاته، وفي سيره، وفي معاشرته للناس السلام عليكم ورحمة الله أن يترجمها عملاً، أن يترجمها في قوله صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».[تقدم قريبا]

المقدم: فضيلة الشيخ آخر ما تحدثنا به عن بعض فضائل السلام، بودي أن نكمل الحديث إذا بقي لنا في فضائل  السلام شيئًا ثم سننتقل إلى بعض الآداب التي يجب أن يتحلَّى بها المسلم من آداب السلام.

الشيخ خالد: هو ما ختمنا به الحديث قبل قليل أن السلام كما أنه تحية، وفي الحقيقة ينبغي أن ينتقل من مجرد كونه تحيةً إلى أنه لفظٌ يتضمن معنى وهو أن يكون الإنسان سلامًا لمن حوله من البشر، من الإنس، والجن، والحيوان، والبيئة، وسائر ما يكون مما يتعامل معه من الخلق كلهم، «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

وهذا يشمل كلَّ ما يتعلق بمن حوله من الأشياء ابتداء بأكرم من ينبغي أن يُستحضر السلام في معاملتهم وهم أهل الإسلام، ثم بعد ذلك يعمُّ هذا -كل ما ينبغي أن يسلم من أذى الإنسان القولي أو العملي. بل حتى القلب ينبغي أن يكون سليمًا ولذلك قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ *  إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍالشعراء:88-89 ، ولا يكون القلب سليمًا إلا إذا حقَّق السلام في قوله، حقق السلام في عمله، حقق السلام فيما يدور في هذا القلب من الأعمال القلبية بأن يكون لله خالصًا، وأن يُعمَّر بمحبة الله وتعظيمه ورجائه والخوف منه والتوكل عليه والإنابة إليه وغير ذلك من أعمال القلوب، هذا فيما يتعلق بصلته بالله عز وجل.

وأما فيما يتعلق بصلته بالخلق فإنه لا يكون القلب سليمًا بالنسبة للخلق إلا إذا تحلَّى بما جعله النبي صلى الله عليه وسلم من دلائل الإيمان ومن خصاله: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»[البخاري:13، مسلم:45/71]، وهذا أعلى ما يكون من السلام القلبي تجاه غيرك أن تتمنى له من الخير نظيرَ ما تتمنى لنفسك، أن تحب له من الخير مثلَ ما تحب لنفسك.

وهذا يُترجم عملاً بأن لا تتعامل مع الناس إلا بما تحب أن يعاملوك به، من الحفاوة، والإكرام، وطيب الخصال، والبعد عن كل مؤذي ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية في الذروة من كمال السلامة في معاملة الخلق حتى أنه كان صلى الله عليه وسلم يكره أن يواجه الرجل بما يكره. وهذا في غاية الإحسان، وفي غاية اللطف أن تبعد عن كل ما يكون مؤذيًا لغيرك، ليس فقط في اللفظ، بل في اللفظ، وفي العمل، وفي طريقة المعاملة والاستقبال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدًا بما يكره إلا أن يكون حقًّا لله، فحقوق الله عز وجل محفوظة.

وهذا الحديث في صحيح الإمام مسلم في بيان ما كان عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من طيب الخصال، وكريم السجايا فكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدًا بمكروه بل إذا رأى أو سمع ما يكره لم يوجه الخطاب للشخص نفسه بل وجهه على وجه العموم قال: ((ما بال أقوام يفعلون كذا، أو يقولون كذا)) [تكرر ذلك في غير ما موقف، منه ما رواه البخاري في صحيحه:750، وفيه قالr:«ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم»]،وذلك من كريم خصاله، وطيب  سجاياه صلى الله عليه وسلم، والسلام الذي كان يترجمه صلى الله عليه وسلم في قوله وعمله.

السلام تحية أيها الإخوة والأخوات، وعندما يذكر السلام في كثير من الأحيان لا ينصرف الذهن إلا إلى معنى وهو من معاني السلام وهو ما يتعلق بالتحية. فيغفل كثير من الناس عن معاني أخرى هي من المهمات التي ينبغي أن تحضر في ذهن الإنسان وهي ما يتصل بكون هذه التحية تتضمن معاني جليلة، ويلتزم بها الإنسان لغيره بأن يصونه من الأذى القوليِّ والأذى الفعلي؛ لأنك لما تقول: السلام عليكم، أنت تعطي عهدًا وأمانًا لمن تلقي عليه السلام أن لا يصل إليه منك إلا السلام.

ولهذا كان السلام مشروعًا في أول اللقاء لأجل أنه مفتاح التواصل بين الناس، ومعلوم أن التواصل بين الناس عُرضةٌ لأمور عديدة مكروهة للإنسان لكن ذلك كله يمكن أن يتجاوزه الإنسان باستحضار معنى هذه الكلمة وهي كلمة السلام التي يعطيها على من قابله، ومن لقيه وبهذا يعيش الناس في صِلاتهم وعلاقاتهم بسلام ويبعد عن كل ما يكون من المنغصِّات.

الدنيا مجبولة على أكدار وأقدار، والآخرة هي دار السلام التي تسلم من كل مكروه، ومما يُتوقَّى به شرور الدنيا استعمال هذه التحية بين الناس، وإفشاؤها وإظهارها. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان أهمية السلام في قرب العبد من ربه فيما جاء في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ»[أبو داود:5195، وأحمد في مسنده:22192. وصححه الألباني في الصحيحة:3382]

إن أولى الناس بالله يعني  أقربهم إلى الله، وأحبهم إلى الله، أبدؤهم سلامًا يعني الذي يبتدئ غيره بالسلام.

وبذلك يعلم أن السلام وبذلَه قولًا وعملاً مما يحصل به قرب العبد من ربه جل في علاه، بل الأمر ظاهر وجليٌّ في أن السلام طريق لتحصيل الجنة، وسلامة ما بين الخلق. قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه في الصحيح من حديث أبي هريرة: «لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: أولا أدلُّكم عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».[صحيح مسلم:93/54]

أفشوا السلام بينكم أي أظهروه، إفشاء السلام هو إظهاره، وكثرته، وبذله، وأن يكون شعارًا للإنسان بأن يكون كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في جوابه على سؤال أبي موسى: أي الإسلام أفضل؟ قال:  «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ»[سبق تخريجه]، وفي حديث عبد الله بن عمرو، «تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ»[تقدم تخريجه] أي تبذل السلام على من عرفت، «وعلى وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يقول: «لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا»، فالجنة دار أهل الإيمان والتقوى جعلنا الله وإياكم منهم، ولا يتحقق الإيمان إلا بوجود المحبة بين أهل الإيمان التي يتحقق بها رباط الإسلام، ورباط الخير بين بني الإنسان، ثم قال: «أولا أدلكم عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟»  يعني ألا أرشدكم إلى عمل إذا قمتم به حصلت المحبة بينكم، قال صلى الله عليه وسلم: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».

ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على إظهار السلام، وأن يبذله، وأن يكثر منه، وأن لا يبخل به، فإن ذلك مما يجري الله تعالى به على الإنسان خيرًا عظيمًا.

 وقد دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: السلام عليكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(عَشْر)، ثم دخل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عشرون)، ثم دخل رجل ثالث فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثون).[أبو داود:5195، الترمذي:2689. وحسنه، وحسنه البيهقي في الشعب:8480]

 ثلاثون وعشرون وعشرة التي تكلم بها النبي -صلى الله عليه وسلم- هي بيان للأجر المرتَّب  على بذل هذه الكلمة، وأن قول القائل في طريقه، في بيته، في مكتبه، في شارعه، في سوقه، في مسجده، في مكالمته الهاتفية عندما يقول: السلام عليكم فهو ينال بذلك عشر حسنات، ثم إذا قال: السلام عليكم ورحمة الله صارت عشرين، ثم إذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته صارت ثلاثون، صار الأجر ثلاثين وهَلُمَّ جرًّا في زيادة الفضل والأجر، والثواب من الله عز وجل بهذه الكلمات، فهي مَبعث ثواب ومصدر آخر يناله البادئ، كما أنه يناله البادىء يناله الراد على السلام فإن في رد السلام أجرًا.

ولذلك  أمر الله تعالى أهل الإيمان بردِّ السلام، فجعل ردَّ السلام من الفرائض التي فرضها الله تعالى في حق المسلم كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَاالنساء:86 

المقدم: فضيلة الشيخ -عفوًا على المقاطعة- في قضية رد السلام، يكثُر كثيرًا فيما يتداوله الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالسلام بكلمة سلام فقط، فبالتالي كيف يكون الرد يعني؟ هل يكون الرد: عليكم السلام؟ 

الشيخ خالد: هو راتبة يعني قول: سلام، هو صيغة من صيغ السلام لكن الأكمل منها أن يقول: السلام عليكم، لكن لو قال: سلام كان ذلك تحية وقد حيا الله تعالى بها، ذكرها الله تعالى في كتابه في مواطن عديدة من سلام الملائكة على أهل الجنة، ومما ذكره الله تعالى على بعض عباده: ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍيس:58، ﴿سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَالصافات:79، ﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَالصافات:109 ، ﴿سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَالصافات:120 ، ﴿سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَالصافات:130 .

والآيات في هذا كثير فسلام هي من التحايا، لكن جاء الإسلام ببيان أكمل التحايا وهي أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقول:سلام في التحية سواء أن كان ذلك عبر وسائل الاتصال، أو غيرها مما يكون بين الناس من وسائل، هذه سورة من صور التحايا التي يحيي بها الناس بعضهم بعضًا وهي تحقق المقصود من السلام المندوب إليه.

إذًا هذه التحية صورةٌ من صور التحايا، وأكملها أن يأتي بها الإنسان كاملةً دون نقص بأن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك جملة من الآداب ينبغي أن تُعرف فيما يتصل بالسلام بعد ما تقدم من بيان معانيه وفضله.

 ابتداء السلام سنة في قولِ عامَّة أهل العلم، وردُّه واجب وهو من حق المسلم على المسلم، فإنه من حق المسلم على المسلم أنه إذا سلَّم بذَلَ السلام ورد السلام لمن سلم هذا من حق المسلم على المسلم.

فبذله سُنَّة في  قول عامة أهل العلم، وردُّه واجب إذا كان المقصود به واحدًا، وإذا كان المقصود به جماعةً فيكفي أن يرد أحدهم.

 وأما صفة السلام التي ندب إليها فقد تقدَّم أن أدنى ذلك قول: سلام، وأعلاه وأكمله أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 وقوله صلى الله عليه وسلم: إفشاء السلام فيما ندب إليه وأمر به صلى الله عليه وسلم يتضمن الأمر بالندب إلى إظهار السلام، وليعلم أنه كلما كان السلام ظاهرًا، بيِّنًا، جليًّا، شائعًا بين الناس كان ذلك مما يتحقق به للناس خيرًا.

ومن بَخِل بالسلام كان بغيره أبخل، ولذلك جاء فيما رواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبخَلَ النَّاسِ مَن بخِل بالسَّلامِ»[أبو يعلى في مسنده:6649، والطبراني في الأوسط:5591. وحسنه الألباني في الصحيحه:601. وأعله الدارقطني بالوقف. علل الدارقطني:2234]؛ لأن السلام لا يكلِّف الإنسان شيئًا فإذا أمسكه ولم يبذلْه كان ذلك مما يشير إلى نفس ممسِكة بخيلةٍ لا تبذل الحق للغير، ولا تبادر إلى الفضائل والمكرُمات.

السلام مشروع من كل أحد لكل أحد، لكن هناك ترتيب في تأكُّد البداءة بالسلام وهو ابتداء السلام بالصغير على الكبير، وابتداء الماشي على الجالس، والراكب على الماشي، والقليل على الكثير، كل هذه جاءت بها السنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ»[ صحيح البخاري:6234]، وهذه اعتبارات لاحظ فيها النبي صلى الله عليه وسلم من الأحَقُّ بأن يسلِّم لتحقيق المصلحة، الصغير مندوب إليه ومتأكَّد في حقه البداءة بالسلام على الكبير، وكذلك المارُّ على القاعد، والقليل على الكثير.

أحيانًا يسلم الإنسان ولا يرد عليه، فهنا يندب له أن يكرِّر السلام لأجل أن يُسمِع صاحبه فإن ردَّ عليه فذاك هو المطلوب، وإن لم يرد عليه فإنه لا يضرُّه ولا ينقصه،وقد جاء في بعض الأحاديث أنه إذا لم يردُّ عليه من سلم عليه فإنه يُقَيِّضُ الله تعالى من ملائكته من يردون عليه فيكون قد رد عليه السلام من هو خير ممن سلم عليه.[من ذلك ما أخرجه أحمد في مسنده:16257، والبيهقي في الشعب:6620. وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد8/66.وصححه محقق المسند] 

المقدم: فضيلة الشيخ شكر الله لك، وكتب الله أجرك على ما أفدت به في هذه الحلقة، وعلى هذه الكلمات الزاخرة، شكرًا جزيلاً فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيلاً.

الشيخ خالد: بارك الله فيكم ولعل جوانب هذا الموضوع أن تُغطَّى في لقاء آخر، أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الإسلام ممن سلِم الناس من لسانه ويده، وبادَر بكل فضيلة وإحسان. ونسأله جل وعلا أن يسلم بلادنا وولاتَنا من كل سوء وشر، وأن يسلم المسلمين من كل أذى وفتنة، وأن يعيذنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93792 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف