×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(169) السلام أداب وأحكام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2563

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير، وأهلا وسهلا بكم معنا في بداية هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة المباشرة التي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى، في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي ومن الإخراج سالم بالقاسم وياسر زيدان.

مستمعينا الكرام في برنامج الدين والحياة نناقش موضوعات تهم المسلم في أمور دينه ودنياه، ويسعد بها -بمشيئة الله تعالى- في دنياه وآخرته، من هذه الموضوعات التي نتحدث فيها ما تحدثنا به في الحلقة الماضية حول بعض الآداب المتعلقة بالسلام وعن فضله ومكانته ومنزلته في ديننا الإسلامي، تحدثنا كيف أن هذا السلام هو دأب الأنبياء، وكيف أن الله –تبارك وتعالى- أيضًا ذكره في كتابه الكريم في مواضع عدة، في هذه الحلقة -بمشيئة الله تعالى- سوف نتحدث استكمالًا لحديثنا السابق حول جملة من المسائل المتعلقة بالسلام، ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الأستاذ الدكتور خالد المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلا وسهلا بك معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله مرحبا بك أخي وائل وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم:- أهلًا وسهلًا فضيلة الشيخ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا استكمالًا لما بدأناه في الحلقة الماضية حول جملة من المسائل المتعلقة بالسلام، وعن فضله ومكانته، أيضًا وبعض النقاط المتعلقة به نبدأ بهذه المسائل التي سنبحثها -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة، والحديث عن فضل بدء السلام وقبل ذلك نذكِّر المستمعين الكرام بفضل السلام ومكانته ومنزلته في ديننا الإسلامي

الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فمرحبا بك أخي وائل، ومرحبا بجميع الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، حياكم الله في هذه الحلقة نتناول جملة من المسائل المتعلقة بآداب وأحكام السلام؛ وذلك أن هذه التحية هي الأكثر تردُّدًا على ألسنة الناس في لقاءاتهم وفي تواصلهم سواء كان تواصلًا مباشرًا أو عبر الوسائل، أو سواء كان مسموعًا أو صوتيًّا أو مكتوبًا، وبالتالي من المهم أن يدرك المسلم ما يتعلق بهذه التحية من أحكام وآداب السلام الذي جاء به الإسلام شامل لكل مناحي الحياة لا يقتصر على جانب من جوانبه، فهو سلام فيما بين الإنسان ونفسه، وسلام فيما بينه وبين ربه، وسلام فيما بينه وبين الأقربين منه ابتداء، بوالديه، وزوجه، وولده، وذوي رحمه، ثم بعد ذلك جيرانه، ثم بعد ذلك أهل بلده، ثم بعد ذلك الصاحب العارض، والقريب، والبعيد بل هو سلام على الإنس والجن، وجميع ما يحيط به من كل جانب.

فالسلام هو شعار الإسلام في كل نواحيه وأحكامه،«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»[ صحيح البخاري:10، ومسلم في صحيحه:40/64من حديث عبد الله بن عمرو].

 مما يتعلق بمظاهر السلام في دين الإسلام التحية التي يحيي بها المسلمون بعضهم بعضا في لقاءاتهم وفي تواصلهم، هذه التحية هي ليست من خصائص دين الإسلام، بل هي مما علَّمه الله تعالى آدم -عليه السلام- فتدرَّجت البشرية على هذا من سالف العصر، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة أن الله لما خلق آدم قال له: «اذْهَبْ فَسَلِّمْ على أُولَئِكَ، النَّفَرِ مِنَ المَلائِكَةِ، جُلُوسٌ، فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ، فإنَّها تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ»[ صحيح البخاري:3326، ومسلم:2841/28] فأمره بأن يبتدئهم بالسلام، ويتلقى منهم صفة الرد التي يردُّون بها عليك ويحفظ ذلك أنها تحيته وتحية ذريته فلما جاء قال: السلام عليكم هكذا سلم على الملائكة فردوا عليه السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله.

هذه التحية كما ذكرت هي شائعة في الأمم منذ آدم- عليه السلام- إلى يومنا هذا إلى أمة الإسلام فليست من خصائص أهل الإسلام، لكن الذي خصَّ الله تعالى به هذه الأمة هو إظهار السلام وإفشاؤه، وترتيب الفضائل على بذله، ولهذا جاء في الصحيح من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ما حَسَدَتكُم اليَهودُ على شيءٍ، ما حَسَدتْكُم على السَّلامِ والتَّأمينِ»[ البخاري في الأدب المفرد:988، وابن ماجه في سننه:856، وصححه ابن خزيمة كما في فتح الباري:11/4] ومن عجائب هذه التحية أنها ركن في عبادة يتقرب بها العباد إلى الله في أجل العبادات وهي الصلاة، فإن الصلاة مُفتَتَحة بالتكبير ومختَتَمة بالتسليم السلام عليكم ورحمة الله.

إذًا هذه التحية لها ميزة وخاصية في هذه الشريعة، ينبغي أن يُعرف ما لها من الأحكام، وما لها من الآداب التي ترتبط بها حتى يأتي بها الإنسان ويستكثر من الخير ببذلها، فهي باب من أبواب الخير والبرِّ في علاقة الإنسان بالخلق، وفيما يصلح به معاشه ومعاده، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من حديث أبي هريرة «لا تدخُلوا الجنَّةَ حتى تُؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتى تحابُّوا، أفلا أنبِّئُكم بشيءٍ إذا فعَلْتُموه تحابَبْتُم؟ أفشُوا السَّلامَ بينكم».[صحيح مسلم:93/54]

وخص بذلُ السلام وإلقاء السلام والتحية، وهي من خير الإسلام وأفضل خصاله وأعماله الظاهرة، ولذلك في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح «أنَّ رجلًا قالَ يا رسولَ اللهِ أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قالَ: تُطعِمُ الطَّعامَ، وتُقرئُ السَّلامَ على من عرَفتَ ومن لَم تعرِفْ»[البخاري:3326، مسلم: 39/63]،  فمجموع هذه النصوص يبين ما للتحية من ميزة ما لها من مكانة، ما لها من منزلة ينبغي للإنسان أن يعتني بها وأن يحرص عليها، وأن يعلم أن في المبادرة إليها وسامَ خيرية وقرب من الله –جل وعلا-، أن في المبادرة إليها وسام خيرية وقربًا من الله –عز وجل- أما كونه وسام خيرية فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ» أي فوق ثلاثة أيام «يَلْتَقِيانِ فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ»[صحيح البخاري:6077، صحيح مسلم:2560/25]، فجعل البداءة بالسلام وسام خيرية للبادئ حيث قال –صلى الله عليه وسلم- وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

 ثم إنها موجبة للقرب لله –عز وجل- فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في السنن من حديث أبي أمامة الباهلي «إنَّ أَولى النّاسِ باللَّهِ» أي أقربهم وأحبهم «من بدأَهُم بالسَّلامِ»[أبو داود:5195، وأحمد في مسنده:22192. وصححه الألباني في الصحيحة:3382]، يعني من بادر إلى بذل التحية وإلقائها والكرم بها على من يلقى، وهذا ليس خاصًّا بأفراد الناس أو بمن تعرفهم أو بالأقربين منك، بل السلام مزية وخصلة خير وبرٍّ لكل أحد كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو «أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قالَ: تُطعِمُ الطَّعامَ، وتُقرئُ السَّلامَ على من عرَفتَ ومن لَم تعرِفْ»[تقدم]، السلام يكون مبذولًا لكل أحد يلقاه الإنسان من معارفه ومن من لم يعرفه، بل بمن لم يلتق به أبدًا، أو لم يجمعه معه مجلس.

 إذا كان آدم -عليه السلام- سلَّم على غير الجنس بأمر الله فسلم على الملائكة، وردوا عليه بما ردوا عليه، فكان مفتاح خير له بأن ثبتت هذه التحية المباركة لآدم عليه السلام ولذريته.

وأيضًا ورد سلام الملائكة على بعض البشر فقد جاء في الصحيح من حديث عائشة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «هذا جِبريلُ يُقرِئُك السَّلامَ» يعني يلقي عليكِ السلام يبلغكِ السلام فقالت: السلام عليه، عليه السلام ورحمة الله وبركاته[صحيح البخاري:3768، صحيح مسلم:2447/91. ولفظة «وبركاته» عند البخاري]، فكان للتحية بين المختلف في الجنس، فكيف بالجنس الواحد!

إذًا السلام إفشاؤه وبذله، الكرم به، والمبادرة إليه مع من عرف ومن لم يعرف هو من الخصال التي ندبت إليها الشريعة المباركة ورتبت عليها الأجر والخير للباذل، وجعلته وسام خيرية لمن سبق إليه وبادر إليه؛ لذلك من المهم أن يبادر الإنسان إلى التحية، وألا يبخل بها.

 على أن الشريعة جاءت بترتيب من الأحق بالبداءة بالسلام يعني من الذي ينبغي أن يبدأ بالسلام، هو بدء السلام سنة باتفاق أهل العلم، وفضيلة بإجماعهم إلا أن هذه الفضيلة كما أنه يُندب إليها الجميع إلا أن ثمة ترتيبًا في تحقيق هذه الفضيلة.

فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ على الكَبِيرِ، والمارُّ على القاعِدِ، والقَلِيلُ على الكَثِيرِ».[ صحيح البخاري:6234]

هذا بيان الأدب في السلام، وأن الأولى في المبادرة أن يبدأ الصغير بالسلام على الكبير، وأن يبدأ المارُّ على القاعد، المارُّ يعني الماشي السائر سواء كان راكبًا أو كان مارًّا على قدميه القاعد، والقليل على الكثير، وهذه كلها ترجيحات باعتبارات الصغير على الكبير باعتبار السن، المار على القاعد باعتبار التمكُّن من إلقاء السلام، وكذلك التواضع والانخفاض وعدم العلوِّ على الخلق، القليل على الكثير بالنظر إلى القِلَّة والكثرة، فهذه اعتبارات كلها لوحظت في التقديم والندب إلى المبادرة.

لكن لو سلَّم الكبير على الصغير كان ذلك من الفضائل، وقد جاء في الصحيح من حديث أنس أن النبي –صلى الله عليه وسلم- مرَّ على غلمان في المدينة فسلم عليهم، فسلم النبي –صلى الله عليه وسلم- على الصغير، ولم يمتنع من إلقاء التحية على الصغار، مع أن الأولى أن يبدأ الصغير الكبير، فعن أنس رضي الله عنه قال «أن النبي ﷺ مَرَّ على غِلْمانٍ فَسَلَّمَ عليهم».[صحيح مسلم:2168/14]

إذًا ينبغي أن يعلم أن الندب إلى المبادرة هو في حق الجميع الصغير والكبير، والقليل والكثير، والمارِّ والقاعد، كل أحد على كل أحد لكن الأولوية في التقديم والمبادرة ما بيَّنه النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ على الكَبِيرِ، والمارُّ على القاعِدِ، والقَلِيلُ على الكَثِيرِ».

صيغة السلام التي يبتدرها الإنسان بينها الله –عز وجل- لآدم عليه السلام، فلما خلقه أمره أن يذهب إلى طائفة من الملائكة جلوسٍ كما تقدم في الحديث فأمره أن يسلم عليهم، ومعنى يسلم عليهم أن يقول: السلام عليكم، ثم أمره أن يستمع بما يجيبونه به من التحية فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله والنبي –صلى الله عليه وسلم- أمره الله تعالى بأن يلقي التحية على من جاء إليه فقال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْالأنعام: 54، فأمره الله تعالى بأن يلقي عليهم التحية بهذه الصيغة، فسواء قال: السلام عليكم، أو سلام عليكم، كله مما يؤدي المندوب إليه من البداءة بالسلام، وإفشاء السلام، وتحقيق ما ندبت إليه النصوص من هذه التحية المباركة، إلا أن السنة بيَّنت أن أكمل الصيغ في السلام هي ما كان مستوفيًا للسلام والرحمة والبركة، جاء في السنن من حديث عمران بن حصين «أنَّ رَجُلًا جاء إلى النَّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: السَّلامُ عليكم، فرَدَّ عليه، ثُمَّ جَلَسَ فقال: عَشْرٌ» يعني ثبت له من الأجر عشر حسنات بهذه الكلمة السلام عليكم «ثُمَّ جاء آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكم ورَحمةُ اللهِ، فرَدَّ عليه، ثُمَّ جَلَسَ فقال: عِشرونَ، ثُمَّ جاء آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه، فرَدَّ عليه، ثُمَّ جَلَسَ فقال: ثَلاثونَ».[أبو داود:5195، الترمذي:2689. وحسنه، وحسنه البيهقي في الشعب:8480]

هذا التفاوت في الأجر هو بناء على استكمال المندوب إليه في أكمل صور التحية، فقد بينت السنة أن أكمل التحيا هي تحية أهل الجنة، هي التحية التي يحيي الله تعالى بها عباده، هي التحية التي علَّمها الله تعالى آدم، وجعلها تحية له ولذريته السلام عليكم هذا من حيث لفظ وصيغة السلام، وأما كماله في أن يضمَّ إلى السلام الرحمة والبركات ،ولذلك لما ردَّت الملائكة لم تقتصر على قول: السلام عليكم، بل قالت: السلام عليكم ورحمة الله.

وقد دلَّت النصوص الثابتة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن ابتداء السلام تنتهي التحية إلى البركة حيث لم يزد النبي –صلى الله عليه وسلم- في تحيته وفيما ذكره من الأجر ورتَّب عليه على التحية على السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فدل هذا على أن السلام ينتهي إلى البركة، واختلف العلماء في الزيادة على قول وبركاته، يعني هل يجوز أن يزيد على السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟

الجواز في الأمر فيه: ليس ثمة ما يمنع لكن السنة الاقتصار على هذا، ولهذا ذكر كما جاء في الموطأ من خبر أن رجلًا سلم على عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى- عنه فقال له: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» هذا الوارد «والغاديات والرائحات» فقال ابن عمر: وعليك ألفًا كأنه كره ذلك على أن يزيد على قوله وبركاته فإنه قد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ذلك.[موطأ مالك:3534. وفي سنده انقطاع]

من أهل العلم من قال: إنه لا بأس بالزيادة فقد جاء في بعض الأحاديث الزيادة، وهي زيادة "مغفرته" في السلام، وقال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم- هكذا تكون الفضائل[سنن أبي داود:5196، والبيهقي في الشعب:8468. وضعفه ابن حجر في فتح الباري:11/6، والألباني في ضعيف الترغيب والترهيب:1621]، وهذا استدل به بعضهم على الجواز إلا أن الحديث لا يصح، فالأفضل في إلقاء السلام والتحية فيما يتعلق بصيغة السلام أن يقتصر على: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إذا حيَّا بعد ذلك بتحايا أخرى مثل أن يقول: مرحبا، أهلا بكم، صباح الخير، مساء الخير، وما أشبه ذلك مما يحيي الناس بعضهم بعضا به هذه في أداة منفصلة عن السلام، ولا بأس بها، وهي من طيب القول الذي يدخل في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«والكلمة الطيبة صدقة»[صحيح البخاري:2891، وصحيح مسلم:1009/56]، لكنها ليست من التحية التي شرعت وندب إليها ورتب عليها الأجر في لفظها فإن ذلك في لفظ السلام ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم- عشر ثم قال عشرون لمن زاد ورحمة الله ثم قال ثلاثون لمن زاد وبركاته.

المقدم:- فضيلة الشيخ عفوًا قبل أن تكمل هناك مسألة أخرى أيضًا وهي إلقاء السلام على غير المسلم، هل تكون بنفس هذه الصيغة التي ذكرتها قبل قليل؟

الشيخ:- إلقاء السلام على غير المسلم الأصل أن يلقي السلام الإنسان على كل من لقي لقول النبي –صلى الله عليه وسلم- «على من عرَفتَ ومن لَم تعرِفْ»، ومعلوم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال هذا القول وهو في المدينة، وفيه من فيه من أهل الإسلام ومن أهل الشرك، ومن أهل الكتاب، فالسلام من جهة العموم يلقى على كل أحد لقول الله –عز وجل-: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًاالبقرة: 83  لكن عرف أن فلانا ليس من أهل الإسلام بأن عرف شخصًا معين أنه من غير أهل الإسلام، هل يلقي التحية عليه أو لا؟ 

التحية بالسلام من أهل العلم من قال: إنه لا يحيا بالسلام إلا أهل الإسلام، وذكروا في ذلك حديث أبي هريرة في نهي النبي –صلى الله عليه وسلم- عن بداءة غير المسلمين بالسلام، لكن من أهل العلم من قال: إن هذا محمول على ما جاء به الخبر من أنهم كانوا يحيون النبي –صلى الله عليه وسلم- بتحيةٍ ظاهرها التحية، وباطنها وحقيقتها أنها دعاء عليه –صلى الله عليه وسلم- حيث كانوا يقولون السام عليك، والسام هو الموت، وهي كلمة تشتبه وتلتبس.

ولهذا قال بعض أهل العلم أنه لا بأس بالبداءة بالسلام لمن يعاملك بذلك أن تعامله بما يعاملك فإن كان يبدؤك بالسلام فأبدأه بالسلام، وهذا من العدل والإنصاف الذي يدخل في قول الله تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَالممتحنة: 8 .

فمقتضى العدل أن تعامله بمثل ما يعاملك به، فإن عاملك بإحسان فعامله به، وإن عاملك بغير ذلك فلا تعامله لكن أيضًا الحديث قد وجهه بعض أهل العلم أن ذلك في حال كان المقصود من عدم البداءة هو تحفيزُ هؤلاء إلى الرجوع إلى أنفسهم بمراجعة أحوالهم والنظر في ما سمعوه من دعوة النبي –صلى الله عليه وسلم- التي هي موافِقة لما عندهم من العلم، وما عندهم من الكتب، ولذلك أعرضوا عنها فثمة توجيهات عديدة لهذا الحديث، لكن الذي يظهر أنهم يعامَلون بمثل ما يعاملون أهل الإسلام، فإن عاملوهم ببذل التحيات تُبذَل التحية، ويستدل لذلك بالعمومات التي دلَّ عليها وقد تقدم ذكر بعضها.

هذا ما يتعلق ببذل السلام، وكنا نتكلم عن الصيغة التي تُبذل بها التحية، أما ما يتصل.

المقدم:- فضيلة الشيخ كنا نتحدث قبل الفاصل حول فضل بدء السلام، وحول صيغة السلام أيضًا، وعن إلقاء التحية والسلام على غير المسلم، نتحدث في الدقائق القادمة فضيلة الشيخ حول ردِّ السلام ما هي التوجهات الشارع الحكيم وتوجيهات ديننا الإسلامي في قضية رد السلام لمن ابتدأك به؟

الشيخ:- السلام كما ذكرت أن البداءة به فضيلة، والإجماع منعقد على أنه من المكارم التي نَدبت إليها الشريعة ورتبت عليها أجورًا كثيرة، إلا أن الاتفاق منعقد على أن ذلك سنة، فالبداءة بالسلام ليست واجبة[المالكية، والشافعية، والحنابلة على أنه سنة على الكفاية. أما الأحناف وهو وجه عن الحنابلة، وهو مقابل المشهور عند المالكية على أن البداءة بالسلام واجب ]إلا في حال واحدة وهو فيما إذا كانت ثمة شحناء بين اثنين من أهل الإسلام فإنه لا يجوز أن تمتد الشحناء بأن يقطع أحدهما الآخر فوق ثلاثة أيام ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم-:« وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» في حديث أبي أيوب وغيره «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ يَلْتَقِيانِ فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ».[تقدم]

وهذا ندب إلى البداءة بالسلام وبيان الفضيلة، وهو واجب لقطع المشاحنة والمهاجرة التي قال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ أيام» فالأصل في البداءة بالسلام أنه سنة ندب إليها النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأكد ذلك ويكون في هذه الحال حال وجود مهاجرة بين المسلم وأخيه يكون عند ذلك واجبًا فيما زاد على الثلاثة أيام وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

رد السلام لا خلاف بين أهل العلم أنه واجب، وحق لمن بذله أن يرد عليه سلامه قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَاالنساء: 86  فالله –عز وجل- في هذه الآية الكريمة أوجب رد السلام على مرتبتين؛ المرتبة الأولى:- الوجوب، وهو أن يرد التحية بنظيرها في قوله: ﴿أَوْ رُدُّوهَاالنساء: 86 ، والثانية:- وهي المندوب إليها أن يرد السلام بما هو أعلى وأكرم، وأوفى بأن يزيد المسلم على سلامه في التحية والرد عليه ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْالنساء: 86  أي إذا حياكم أحد سواء كان ذلك بالسلام أو من غيره من صيغ التحيا الآية عامة لكل من يتحيا به الناس من السلام وطيب الكلام وما يقال عند اللقاء من الكلمات الواجب رد التحية.

فيجب على من سلم عليه أن يرد التحية وهو في ردها على مرتبتين؛ مرتبة عدل، وهي أن يرد التحية بمثلها، ومرتبة فضل وهي أن يرد التحية بأحسن منها فإذا قال لك رجل: السلام عليكم، فالعدل أن تقول: وعليكم السلام، والفضل أن تقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أو وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك، وما أشبه ذلك، فقد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه جاءته أم هانئ يوم الفتح فتح مكة وكان –صلى الله عليه وسلم- يغتسل أم هانئ من قرابته –صلى الله عليه وسلم- ابنة عمه جاءت، وكان يغتسل، وكان مستورًا يعني محتجبًا، فسلمت فرد عليها السلام، ثم قال: من هذه؟ قالوا: أم هانئ فقال: مرحبًا بأم هانئ فزادها تحية –صلى الله عليه وسلم- بالترحيب بها.[صحيح البخاري:357، مسلم:336/82]

هذا ما يتعلق برد التحية في مراتبه ومنازله: الوجوب، والاستحباب وهو حق للمسلم ولذلك جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ سِتٌّ قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ».[صحيح مسلم:2162/5. وهو عند البخاري من حديث أبي هريرة(ح1240) لكن الحقوق فيه خمسة، هي المذكورة عند مسلم ما خلا الاستنصاح]

فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- السلام على المسلم من الحق العام، وهو حق كما ذكرنا عامة أهل العلم على استحبابه وأما ردُّه فهو واجب بدلالة الآية في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَاالنساء: 86  هذا ما يتصل برد السلام، وأما صيغة الرد فصيغة الردِّ هي أن يستوفي الإنسان السلام بأكمل صوره يعني يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، هل إذا قال غير ذلك يكون قد حصل الرد؟ هنا للعلماء تفاصيل في صور الردِّ وصيغه فإذا قال رجلٌ: السلام عليكم ورددت عليه: وعليكم فإنك قد قصرت نزلت عن الدرجة المأمور بها، وهي أن ترد السلام بمثل ما بذل لك حيث قال: أو ردوها، وأنت قد قصرت حيث قلت: وعليكم، دون أن تستكمل السلام بالصيغة التي بُذلت لك، فمن الواجب أن تكون رد التحية على نحو التحية، تزيد وألا تقصر عنها، ولهذا قالوا إنه إذا قال الإنسان في ردِّه على المسلم عليه: وعليكم، لم يكن قد أتى بالسلام على صورته المأمور بها، ودخل جماعة من العلماء في تفاصيل هذا فمثلا إذا قال: السلام عليكم، وقلت لكم: عليكم السلام فأسقطت الواو كان ذلك نوعًا من التقصير.[انظر الإقناع في فقه الإمام أحمد:1/238]

إذا لم تأت بالميم فقلت: عليك السلام، ولم تقل: وعليكم السلام كان هذا نوعا من التقصير، فيه تفاصيل والذي يظهر والله تعالى أعلم أنه ينبغي أن يكون على نحو الصيغة المبذولة لا في المعنى ولا في الألفاظ، فإذا كان اللفظ له ما يدل عليه مثل الميم التي تفيد خطط الجمع للتعظيم والإكرام والتفخيم فينبغي للمسلم عليه ألا يغفل ذلك عند الرد إذا كان ذلك المعنى ملاحظ بهذه الزيادة في قول المسلم: السلام عليكم، أو السلام عليكم ورحمة الله هذا ما يتعلق بصيغة الردّ أن صيغة الردّ ينبغي أن تكون في أقل الأحوال مستوفيًا للعدل، والعدل هو ما بينه قوله تعالى:

﴿أَوْ رُدُّوهَاالنساء: 86  فإذا انتقل الإنسان إلى ما هو أعلى من ذلك بأن يسعى إلى الفضل كان ذلك من توفيق الله تعالى له، وسبقه إلى الفضائل.

هذا ما يتصل بالرد، الرد فيما يتعلق بغير تحية السلام يكون أيضًا بما يناسبه من الردود، وهذا يختلف باختلاف أحوال الناس في طريقة تحياهم، فمثلا لو قال قائل: صباح الخير، أو قال: مساء الخير، فالرد عليه يكون بتحية النظير، وبذلك يتحقق المطلوب، التحية التي تكون في السلام يشرع أن تتكرر، بمعنى أنه لا يقتصر فيها على تسليم واحد، بمعنى أنه إذا سلَّم ولم يرد عليه السلام أو لم يسمع السلام من سلم عليه فإن التحية مما جاءت به الشريعة ولذلك أبو موسى tلما أتى عمر -رضي الله عنه- كرر السلام عليه، وكان عمر -رضي الله تعالى عنه- لم يجبه لعدم سماعه أو لغير ذلك من الأسباب فكرر السلام تبليغًا حتى بلغ ثلاثًا من التحية ثم انصرف.[صحيح مسلم:2153/43]

 فتكاثر السلام من إفشائه، وهو من الإكرام للمسلم، ولذلك ينبغي ألا يبخل به الإنسان عند بذله وعدم رد الآخر.

بعض الناس إذا سلمت مرة وما رد المسلَّم عليه إما لاشتغاله أو لعدم سماعه أو لغير ذلك تجده يعني لا يكرر سلام، والمسنون والمشروع أن يكرر السلام، بل تكرار السلام حتى مع تكرار اللقاء ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المسيء في صلاته أنه جاء فصلى في المسجد، ثم جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فسلم عليه فردَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- عليه السلام قال: وعليه السلام، وقال له: ارجع فصلي فإنك لم تصلِّ، رجع الرجل فصلى في نفس المكان، ليس في مكان آخر بعيد، لكنه انفصل عن النبي لعله في مجلسه بأن رجع إلى مكان صلاته، فلما قضى صلاته رجع للنبي –صلى الله عليه وسلم- فسلم على النبي –صلى الله عليه وسلم- فردَّ عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- السلام فتكرار السلام مع تكرار اللقاء مشروع.[البخاري:757، ومسلم:397/45]

ولهذا جاء في السنن من حديث أبي هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا لقِيَ أحَدُكم أخاه فليُسلِّمْ عليه» هذا ندب وتأكيد لهذا المعنى، قال –صلى الله عليه وسلم-: «فإنْ حالتْ بينهما شجَرةٌ أو جِدارٌ أو حجَرٌ ثمَّ لقِيه فليُسلِّمْ عليه»[سنن أبي داود:5200. صححه الألباني في الصحيحة:186] أي يكرر عليه السلام فإن ذلك مما أمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- وندب إليه، وكان أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- يتماشَون فإن استقبلتهم شجرة تفرقوا يمينًا وشمالًا، ثم التقوا من ورائها سلم بعضهم على بعض.[البخاري في الأدب المفرد:1011, والطحاوي في مشكل الآثار:5155. وصححه الألباني في الصحيحة:186] وهذا من الأدب الذي ينبغي أن يحرص عليه؛ لأن السلام إضافة لقول التحية بعض الناس يقول تحية خلاص سلمت، وحصلت التحية بالأول، لكن تكرار هذا يحقق المعنى المتضمن الذي تضمنته هذه الجملة من التعميم، ومن الدعاء للمسلَّم عليه، فأنت تدعو له لما تقول: السلام عليك، أو السلام عليكم، أنت تدعو له بالسلامة من الآفات والشرور والأذى.

كثير من الناس عندما يلقي التحية لا يأتي في بعدها أو لا ينقدح في ذهنه إلا ما يتصل بأنها تحية فقط، والحقيقة أنها ليست مجرد تحية، بل هي تحية، ومعنى لهذه التحية وهو ما تضمنه ذلك من معنى السلام، وتحقيق السلامة في المعاملة، والبعد عن كل ما يكره من الصلات والمعاملات والأقوال والأفعال.

هذا ما يتصل بتكرار التحية، بل التحية ندب إليها أخي الكريم وأختي الكريمة حتى في حال خلوِّ البيت خلو المكان من وجود بشر ولذلك قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْالنور: 61  جعل الله تعالى الداخل مندوبًا إلى أن يسلم على المكان الذي دخل عليه، كما في هذه الآية في سورة النور ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَالنور: 61، هذه الآية شاملة أن يسلم الإنسان على من يدخل، فليسلم بعضنا على بعض عند الدخول، وكذلك يسلم على المكان الذي دخل فيه.

 السلام مشروع لدخول سائر البيوت من غير فرق بين بيت وبيت، فهو صيغة من صيغ الإسلام، وهو صيغة من صيغ إشاعة السلام في الدخول، وهي سلام على الإنس في هذا البيت وعلى غيرهم من عباد الله الصالحين.

ولذلك قال بعض أهل العلم في شريطة التحية عند السلام على أصحاب الأماكن من البيوت: يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال: بعضهم أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لقول الله تعالى ﴿تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةًالنور: 61  والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن الأصل في هذه التحية لمن يوجد من الإنس، لكن لو كان البيت خاليًا فإذا دخلت فإنه يندب أن يسلم ولو كان البيت خاليًا، ويكون هذا سلامًا على من في هذا البيت من الملائكة، وعلى من فيه من الإنس وغير الإنس من الجن.

 هذا ما يتصل بالندب إلى إلقاء التحية وبذلها حتى في الأماكن التي ليس فيها أحد.

ولذلك نحن في الصلاة قد يستغرب كيف أصلي نحن في الصلاة إذا سلمنا قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، ونحن ما عندنا أحد، يعني قد تكون في مكان ليس فيه أحد من الناس، فتسلم على الملائكة، وتسلم على عباد الله الصالحين، ونحن في صلاتنا نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فنعم بالسلام كل خلق الله –عز وجل- ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فإنه إذا قال أحدكم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لم تدع عبدًا صالحًا في السماء والأرض إلا أصابته»[صحيح البخاري:831، ومسلم:405/55]، يعني ناله هذا السلام وهذه التحية وهذا الدعاء الذي يشمل كلَّ أحد.

وقد أُمر آدم -عليه السلام- أن يسلِّم على الملائكة كما تقدم في حديث أبي هريرة لما قال لآدم:« سلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس واستمع إلى ما يحيوك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك»[تقدم]، فلا غرابة إذا سلم الإنسان إذا دخل بيته ولم يكن فيه أحد، فحتى من عموم قول الله تعالى أو داخلة في عموم قول الله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْالنور: 61  يشمل السلام على الجنس وعلى غير الجنس لعموم قوله: ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةًالنور: 61 

المقدم:- فضيلة الشيخ اسمح لي أن نذهب لفاصل قصير، بعده إن شاء الله تعالى لدينا مسألتان نتحدث فيهما: في المصافحة في السلام، وأيضًا رفع اليد في السلام ولكن بعد فاصل قصير.

فضيلة الشيخ استكمالًا لحديثنا الذي نتحدث فيه حول جملة من المسائل المتعلقة بالسلام أسألك عن مشروعية هذين الأمرين حول المصافحة في السلام عندما تدخل مجلس وتبدأ تصافح الجالسين أم فقط السلام بإلقاء التحية يكفيك عن المصافحة. الآمر الآخر وهو فيما يتعلق برفع اليد مع السلام عندما تسلم وترفع يدك هل هذا أيضًا من المشروع في ديننا أم هو مما جرت عليه العادة للفت الانتباه عند الناس؟

يعني فضيلة الشيخ لم يتبق لدينا وقت كثير قرابة ثلاثة دقائق تقريبًا.

الشيخ:- فيما يتعلق بالمصافحة جاءت الشريعة بالندب بالتصافح وقد جاء في ذلك ما رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما من حديث البراء بن عازب أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مُسلمَينِ يلتقيانِ فيتصافحانِ إلا غُفر لهما قبل أن يفترِقا»[سنن أبي داود:5212، وسنن الترمذي:2727، وقال حسن غريب]، وهذا فيه ندب إلى المصافحة، وذلك في لقاء أخيك المسلم، تلقي عليه السلام، يلتقيان فيتصافحان مع السلام الذي ندب إليه، فيكون ذلك موجبًا لحطِّ الخطايا والسيئات.

الدخول إلى المجالس هل يدخل في عموم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان؟ 

إذا قام لك من يصافحك من أهل المجلس فهذا داخل، لكن لو دخلت على قوم وهم جلوس وقد يكونون مشتغلين بما هم مشتغلين به من حديث أو نقاش أو غير ذلك مما يشتغلون به في مجالسهم فإن كان الإنسان أخذ بظاهر عمل النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه يجلس حيث ينتهي به مجلسه، ولا يقطع على الناس حديثهم يقول: السلام عليكم، ويجلس حيث انتهى به المجلس، فهذا لا بأس به، لكن أحيانًا يقع في نفوس الناس أن شخصا دخل ولم يصافح من في المجلس بمعنى أنه لم يسلم عليهم، فينبغي الإنسان أن يقدِّم في ذلك ما هو أنسب وأصلح.

 أحيانًا قد يكون السلام مُربِكًا للمجلس أقصد المصافحة قد تكون تُربِك المجلس لاسيما إذا كانوا مشتغلين بحديث أو قد أخذ كل أحد مجلسه وفي مصافحته ما يمكن أن يشوِّش عليهم، فيجلس حيث انتهى به المجلس، كما هو هديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد كان –صلى الله عليه وسلم- لا يقيم أحدًا من مجلسه فقد قال: «لا يقوم أحد من مجلسه بل يجلس حيث انتهى به المجلس».[عند مسلم(2177/27) من حديث ابن عمرt، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ»]

هذا ما يتصل بالمصافحة في المجالس، لكن إن كان الأحب إلى الناس والأقرب إلى قلوبهم أن يصافحهم فهنا المصافحة مندوب إليها لا لأنها مما يتصل بالسلام؛ ففضل السلام حاصل بإلقاء التحية، لكن لأن ذلك مما يدخل السرور ويرجى أن يدخل في عموم قول النبي –صلى الله عليه وسلم- «ما من مُسلمَينِ يلتقيانِ فيتصافحانِ إلا غُفر لهما قبل أن يفترِقا».[تقدم]

إذًا خلاصة الكلام المصافحة ليست لازمة للسلام، السلام تحية قولية، والمصافحة تحية فعلية التحية الفعلية مندوب إليها عند اللقاء فيما إذا دخل مجلس، فإن ذلك يرجع إلى ما تعارف عليه الناس، وما يكون أسمح لحالهم، إن كان الذي تعارفوا عليه أن يدور الإنسان بالمصافحة على الجالسين، فهذا هو الذي تندب إليه الشريعة؛ لأنه من آداب المجالس، إذا كان الأمر على خلاف ذلك فإنه يجري في ذلك على ما كان به العرف جاريًا.

هذا ما يتعلق بالمصافحة أما ما يتعلق بالجانب الثاني وهو السلام بالإشارة، فالسلام بالإشارة هو إضافة إكرام للمسلَّم عليه إذا اقتضى ذلك، فالأصل في السلام أنه بالقول، لكن التحية بالإشارة دون القول خلاف السنة.

بمعنى أنه بعض الناس يشير بإصبعه، أو يشير بيديه دون أن يتلفظ بالسلام، وهذا خلاف هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- ومنه ما جاء في الترمذي وغيره أن النبي –صلى الله عليه وسلم- «ليس منا من تشبَّه بغيرِنا، فإن تسليم اليهود الإشارة بالإصبع».يعني دون السلام بالأصل «وتسليم النصارى الإشارة بالأكف»[سنن الترمذي:2695، وقال:«هذا حديث إسناده ضعيف»، وضعفه ابن حجر في الفتح:11/14، وله شاهدمن حديث جابرtأخرجه النسائي في الكبرى:10100. وجود إسناده ابن حجر في الفتح:11/14].

  والمقصود أن دون ذلك أن يتكلم بلسانه أما إذا جمع بين اللفظ والإشارة فهذا قد ورد عنه –صلى الله عليه وسلم- في حديث أسماء بنت يزيد« مر النبي –صلى الله عليه وسلم- في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى بيديه بالتسليم»[سنن الترمذي:2697، وحسنه] أشار إليهم بالتسليم أي مع التسليم فهو قد جمع –صلى الله عليه وسلم- بين اللفظ والإشارة، ويدل لذلك رواية أبي داود حيث قالت- رضي الله تعالى عنها-:« فسلم علينا».[سنن أبي داود:5204]

إذًا السلام بالإشارة المجردة عن اللفظ خلاف السنة، أما الإشارة باللفظ واليد فهذا قد ثبت عنه –صلى الله عليه وسلم-، وقد يكون هذا أحيانًا في السلام على البعيد الذي لا يبلغ صوته، قد تسلِّم ولا يسمعك، يراك يقول: مرَّ وما سلم علي، يعني لم يُشِر إلي بالسلام، فلو تكلمت، لو مررت بسيارة أو ما أشبه ذلك، لو تكلمت ما سمعك، في هذه الحال يندب لك حتى تحقِّق الفضيلة أن تجمع بين سلام اللفظ" السلام عليكم" حتى لو لم يسمعك إحنا الآن نقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فيبلغُ الملأ يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- ما من عبد صالح في السموات والأرض إلا أصابته هذه الدعوة.[تقد تخريجه]

فالسلام باللفظ لا يلزم أن يسمعه، فسلِّم بلسانك وأشر بيدك حتى يتحقق لك الجمع في حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديث أسماء بنت يزيد -رضي الله تعالى عنها- في سلامه على النساء

المقدم: شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الأستاذ الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم شكرا جزيلا فضيلة الشيخ.

الشيخ: أشكرك وأشكر الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات وأسأل الله أن يعمَّنا بالسلام، وأن يوفقنا إلى ما فيه الخير، وأن يرزقنا التحلِّي بهدي خير الأنام –صلى الله عليه وسلم- وأسأله -جل في علاه- أن يعمَّ بلادنا بكل خير وبرٍّ، وأن يحفظ ولاة أمرنا وأن يوفقهم إلى كل خير، وأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يمدَّ في عمره، وأن يبارك في قوله وعمله، وكل شأنه وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91408 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87214 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف