المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير وأهلا وسهلا معنا في بداية هذه الحلقة المتجددة لبرنامج الدين والحياة عبر أثير إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة في هذه الحلقة التي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى، في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي ومن الإخراج سالم بالقاسم وياسر زيدان.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج الدين والحياة هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم أهلا وسهلا بك فضيلة الشيخ السلام عليكم.
الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبا بك حياك الله وحيا الإخوة والأخوات المستمعين والمستعمات.
المقدم:- حيا الله فضيلة الشيخ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا مستمعينا الكرام في هذه الحلقة حول أسباب الفوز برضا الله –تبارك وتعالى- ونقول ابتداء مستمعينا الكرام أن بالفوز برضا الله –جل وعلا- هو مطلب كلِّ مسلم وغاية كل عبد في هذه الحياة الدنيا وما تقرب العبد من الله –تبارك وتعالى- بفعل الطاعات وترك المحرمات إلا للوصول لهذا الهدف ألا وهو رضا الله –تبارك وتعالى-.
فضيلة الشيخ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول ذكر جملة من الأسباب والأمور التي تعين العبدَ للوصول لرضا الله –تبارك وتعالى- ولعلنا نبدأ الحديث في هذه الحلقة حول منزلة رضا الله –تبارك وتعالى- هذه المنزلة التي يطمح بالوصول إليها العبد في هذه الحياة الدنيا.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة لك أخي وائل وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات ولفريق الإعداد والعمل والإخراج في هذه الحلقة أسال الله التوفيق للجميع والسداد وأن يبلغنا وإياكم مراضيه وأن يعيننا على ما فيه خير الدنيا والآخرة.
حديثنا أخي الكريم في هذه الحلقة عن أمر عظيم جليل كبير وهو تحصيل رضا الله جل في علاه رضا الله –سبحانه وبحمده- هو غاية أهل الإيمان وهو مطلب أولي النهى من بني الإنسان الرضا جل في علاه مفتاح سعادة الدنيا وفوز الآخرة، بل إن رضا الله جل في علاه أعلى ما يبلُغه أهل الجنة من النعيم فإن رضا الله –سبحانه وبحمده- غاية النعيم ومنتهى ما يتفضل الله تعالى به على عباده يوم الميعاد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنَّ اللَّهَ يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ» أي إذا دخلوها وتنعموا وذاقوا ما فيها من نعيم «يا أهْلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ في يَدَيْكَ» فيَقولُ جل في علاه بعد أن أكرمهم وأنعم عليهم بدخول الجنة وتبوَّءوا منازلهم فيها يقول الله تعالى إكراما لهم وتفضلًا وإحسانًا «هلْ رَضِيتُمْ؟» يسألهم الله جل في علاه وهو أعلم بحالهم وبجوابهم فيجيبوا أهل الجنة «فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضى يا رَبِّ وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ» فيكونون قد بلغوا من النعيم أعلاه ومن الفضل منتهاه، ومن الإحسان غايته فيما يظنون ويرون فيقول الله –عز وجل- بفضله وكرمه «فيَقولُ: ألا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، فيَقولونَ: يا رَبِّ وأَيُّ شيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ» الله اكبر يقرُّون بإنعامه ويقرون بعظيم إحسانه وأنهم قد بَلَغوا في الغاية في النعيم غايتَه ومنتهاه، وهذا يدل على أنه انتهى كل ما يؤمِّلون بلغوا غاية ما يطلبون، حصَّلوا كلَّ ما تتمناه الأنفس، الآن الناس لو أعطوا شيئًا في الدنيا وقيل لهم هل نعطيكم أفضل؟ كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لو كان لابنِ آدمَ وادِيانِ من ذهبِ لابْتَغى ثالثًا»[البخاري:6439] فالآخرة عندما يبلغ هؤلاء من النعيم ما تمتلئ به نفوسهم رضى يقول لهم الربُّ جل في علاه: ألا أعطيكم أفضل من ذلك وقد امتلأت نفوسهم رضى بعطاء الله وكرمه منًّا وإحسانًا فيقولون: يا رب وأيُّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول جل في علاه: «فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا»[البخاري:6549، مسلم:2829/9]
الله أكبر هذا أعلى نعيم أهل الجنة، أعلى ما يتفضل الله تعالى به على أهل الجنة أن يحلَّ عليهم رضوانه جل في علاه.
وحلول رضوان الله تعالى غايةُ المُنى ومنتهى الآمال، ولا يبلغ الناس قدرَ ما ينالونه من البهجة والسرور والنعيم والسكن والطمأنينة في هذه النعمة التي يدركونها بحلول رضا الله تعالى عليهم؛ فإن ذلك نعمة لا يوازيها نعمةٌ وفضل لا يوازيه فضل. فرضوان الله تعالى إذا حلَّ على العبد أدركَ به كلَّ ما يتمنى، ونجا به من كل ما يرهب ويكره، وفاز بعطاءٍ جزيلٍ وفضل كبير ينال به ما يؤمِّل من خير الدنيا والآخرة، في الدنيا سعادة وبهجة وسرورًا وطمأنينة، وفي الآخرة الفضل العظيم الذي يدرك به غايةَ المُنى ومنتهى السعادة «أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا».
ولهذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاهدون في تحصيل رضا الله –عز وجل- لعلمهم بعظيم ما يدركونه بتحصيل رضاه فهذا موسى عليه السلام يواعده الله –عز وجل- فيأتي عاجلًا إلى ربه فيقول متوسِّلًا لله –عز وجل-: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾طه: 84 فكان مسارعًا لما وعد الله تعالى به وما يؤمله من عطائه وإحسانه فجاء عاجلًا إليه طلبًا لرضاه جلَّ في علاه.
كذلك قال –سبحانه وتعالى- في سليمان -عليه السلام- وقد أنعم عليه بملكٍ عظيم لم يُؤت أحدًا مثلَه، وهذا بيان أن رضى الله غاية المنى، أن رضى الله منتهى الأمان، أن رضا الله لا يبلغه شيءٌ من كلِّ نعيم الدنيا؛ ولهذا أوتي عليه الصلاة والسلام سلميان أوتي من القدرة والمُكْنة ما ذكره الله في سور عديدة ومنها في سورة النمل حيث قال: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾النمل: 17 تخيل، تصور، أَطلِق لفكرك الخيال في تصوِّر هذا الجمع العظيم لسليمان وحشر لسليمان جنودُه ما هم من الإنس فقط، من الإنس والجن والطير لكثرتهم وعظيم عددهم فهم يُوزعون أي: يُزادون يُردُّون لكثرتهم ووفرتهم وتدافعهم، يوزعون يدفع بعضهم بعضًا للكثرة والوفرة ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾النمل: 18 يقول ربنا –جل وعلا- في بيان حال سليمان الذي أُعطي كل هذا﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾النمل: 19
لم يلهه هذا العطاء الجزيل وهذه الهبات المتوافرة عن أن يتوسَّل لربه، أن يسأله أن يستعمله فيما يرضيه، وأن أعمل صالحًا ترضاه.
وهكذا ينبغي أن يكون كلُّ مؤمن، فإن الله تعالى بيَّن ما ينبغي أن يقوله الإنسان عندما يبلُغ الأَشُدَّ وتتوافر له النعمة بطول العمر يقول: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾ هنا اكتملت القوة واكتملت القدرات البدنية والعقلية والذهنية ﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾الأحقاف:15
مُنية المؤمنين وأمل الراشدين من أولياء الله الصالحين أن يعملوا فيما يرضي الله تعالى هكذا هم الراشدون يسعون في طلب رضا ربهم جل في علاه، يطلبون رضاه في كل أحوالهم، في عسرهم ويسرهم، في مَنشَطِهم ومَكرَهِهم، في غناهم وفقرهم، في صحَّتهم ومرضهم، في فَرَحهم وحزنهم، في كلِّ أحوالهم همُّهم ومنتهى آمالهم أن يرضي الله تعالى عنهم أن يبلغوا رضا الله جل في علاه.
ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- يذكر في هذا المعنى في سيرته وفي مقالته، في سيرته يقول –صلى الله عليه وسلم- لما مات ابنه إبراهيم تدمع العين موت الابن والنبي –صلى الله عليه وسلم- لم يكن له ولد من الذكور فرُزق بإبراهيم وقُبض عليه السلام رضيعًا.
قال –صلى الله عليه وسلم-:(( تَدمَع العَينُ، ويحزَن القَلبُ، ولا نقول إلا ما يرضي ربَّنا))[صحيح البخاري:1303، مسلم:2315/62] عظيمُ المصيبة لا يخرِج المؤمنَ عن طلب رضا رب العالمين، فلذلك لا يقول إلا ما يرضي الله جل في علاه مَهما بلغ الحزن ولذلك يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- :والله يا إبراهيم إنا بك لمحزنون أي قد أصابنا الحزن مما جرى من قبضك لكن ذلك لم يخرجه –صلى الله عليه وسلم- عن أن يكون مشتغِلا بما يرضي الله –عز وجل- فهو يعمل صالحًا يرضي ربه جل في علاه.
أيها الإخوة والأخوات المؤمن همُّه وغايته أن ينال رضا ربه ومولاه، ولذلك المؤمن كل فكره وقصده واشتغاله وهمه الفوز برضا ربه واجتناب سخطه كما قال الله تعالى في محكم كتابه ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾التوبة: 62 فإن المؤمن لا يشتغل إلا بما يرضي الله –عز وجل- كلُّ همه أن يبلغ رضا الله جل في علاه، وهذا سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه فقد ذكرته عائشة رضي الله تعالى عنها ليلة فطلبته، تبحث عنه فليس في فراشه، بيوت على صِغَرها ليس فيهامصابيح، فكانت تتلمَّس تبحث عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الحُجرة قالت: فوقعت يدي على قدميه منصوبتين وهو ساجد وكان يقول:((أعوذ برضاك من سخطك ومن معافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما ثنيت على نفسك)) [مسلم:222/486]
فكان أول ما ذكر بهذا الدعاء الذي نقلته عائشة رضي الله تعالى عنها الاستعاذة برضاه، الاحتماء برضاه، اللجأ إلى رضاه جل في علاه من أن ينزل غضبه أو أن يحلَّ سخطه جل في علاه.
فالمؤمنون مشتغلون بكلِّ ما يقربهم إلى الله وشتَّان بين من أبصر هذه الحقيقة وهي عظيم الفضل وكبير الجزاء والأجر ووافر العطاء والمنِّ لمن اتبع رضوان الله ومن باء بسخط منه وغضب؛ ولذلك يعجل الله في التفريق بين هذين الصنفين من الناس من يشتغل بطاعة الله ويرجو رضاه ويعمل صالحًا يبلغ به رضا ربه، وبين آخر يستكثر من مغاضب الله ومساخطه فلا يترك جنبًا إلا إلى آخر، ولا يسلم من خطأ إلا وتورَّط في غيره، وهو مسرفٌ على نفسه بالخطأ في قلبه والخطأ في قوله والخطأ في عمله، الخطأ في معاملة ربِّه، والخطأ في معاملة الخلق، شتان بين هذا وذاك قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ﴾آل عمران: 162 لا والله لا يستويان لا يستوي من اشتغل بالطاعة وعمل بما يرضي الله –عز وجل- ومن أسرف على نفسه بألوان المعاصي والسيئات وصنوفِ الخطايا والذنوب.
ولهذا المشروع الذي ينبغي أن نستحضره جميعًا أيها الإخوة والأخوات أنا وأنت صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا الهمُّ الأكبر الذي ينبغي ألا يغيب عنا صباحًا ومساء أن نشتغل بصالحٍ يرضي الله به عنا؛ لأنه لا سعادة لنا ولا فوز ولا نجاة ولا نجاح ولا فلاح ولا طمأنينة ولا سكنَ ولا هدوء وراحة بال ولا نعيم إلا برضا الله جل في علاه، فرضاه غاية المنى.
وقد جعل الله –سبحانه وبحمده- بفضله أسبابًا نحصِّل بها رضاه وأعمالًا تُدرك بها مراضيه جل في علاه، ومن المهم لكل مؤمن ومؤمنة أن يعلم عمومًا أن رضا الله في طاعته وفي تقواه جل في علاه، فإن هذا هو العنوان الأكبر الذي يندرج تحته جميع ما يكون من أسباب رضا الله جل في علاه، ولهذا يقول الله تعالى: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾آل عمران: 15 هذا جزاء من؟ الذين اتقوا ربهم، فتقوى الله طريق تحصيل رضاه، فاتقوه تنالوا رضاه جل في علاه، وتقواه يشمل كل طاعة أمر بها فعلًا وإتيانًا ويشمل اجتناب كل ما حرمه الله ونهى عنه –سبحانه وبحمده-.
هذا هو السبب أو العنوان الأكبر الذي يندرج تحته كل ما يكون من أسباب تحصيل رضا الله جل في علاه فرضاه في طاعته، رضاه في تقواه، رضاه في الإيمان به، رضاه في الإسلام له، رضاه في الإحسان والاشتغال بصالح الأعمال.
ثم بعد هذا البيان الإجمالي للسبب الأعم والأكبر لرضا الله جل في علاه، جاءت النصوص بذكر تفاصيل لأعمال نصَّت الشريعة على أنها مما يدرك بها رضا الله جل في علاه مما يحصل بها رضا الله –سبحانه وبحمده- ونستعرض جملة من ذلك في حديثنا في هذه الحلقة بعد هذه المقدمة المبيِّنة لأهمية الرضا وعظيم منزلته واشتغال النبيين به واشتغال سيد المرسلين به، وأنه هو الوظيفة الكبرى التي ينبغي أن يعمل بها المؤمن وأن يشتغل بها ليلَه ونهاره وبكرة وأصيلا، وفي كل مراحل عمره أن يكون همُّه أن يرضى الله عنه.
ثم ذكرت السبب الأكبر والجامع لكل أسباب رضاه –جل وعلا- وهي تقواه –سبحانه وبحمده-.
المقدم:- فيما يأتي من الوقت فضيلة الشيخ بودي أن نذكر بعض الأسباب وبعض التفصيلات فيما يتعلق بالأسباب التي تؤدي للفوز ونيل رضا الله –تبارك وتعالى-.
الشيخ:- اللهم بلغنا رضاك يا حي يا قيوم
الأسباب: تقدم قبل قليل أن السبب الأكبر والجامع لتحصيل رضا الله جل في علاه هو تقواه، اللهم اجعلنا وإياكم يا رب العالمين من المتقين، جعلنا الله وإياكم من عباده وأوليائه المتقين، التقوى فعل ما أمر الله برغبةٍ ورهبةٍ، رغبة فيما عنده وخوفًا من عقابه، وترك ما نهى الله تعالى عنه ورسوله خوفا من عقابه ورغبة في ثوابه.
جاءت النصوص بذكر جملة من الأعمال، بعض الأعمال التي فيها ذكر رضا الله جل في علاه، من ذلك وأصلُه وقاعدتُه توحيد الله جل في علاه، توحيد الله، إفراده بالعبادة أيها الإخوة والأخوات عظيم المنزلة كبير المكانة رفيع الشأن، ولتدرك ذلك انظر إلى ما اجتمعت عليه رسالات الأنبياء جميعًا من نوح إلى ختامهم عليهم أفضل الصلاة والسلام، كلهم جاءوا داعين إلى عبادة الله وحده لا شريك له، داعين إلى أن يخلص الناس العبادة لله فيعبدونه وحده لا شريك له.
وهذه الحقيقة يستهين بها بعض الناس يقول: هذا أمر واضح ولا يحتاج أن يُذكَّر به باستقراره في الفطر، وظهوره في التشريعات الإسلامية وتمام القناعة به، لكن الحقيقة أن هذا الموضوع من أهم الموضوعات وأعظمها قدرًا وأرفعها شأنًا.
الله تعالى بعث الرسل جميعًا وهم صفوة الخلق عليهم أفضل الصلاة والسلام بعثهم داعين إلى عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾النحل: 36 فما من أمة جاءها رسول بهذه الرسالة التي تواطأت عليها كلمات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، فكلهم أوحوي إليهم وأمروا بتبليغ هذه الحقيقة أنه لا إله إلا الله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾الأنبياء: 25 وفي الآية الأخرى ﴿فاتقون﴾[النحل:2] فالله تعالى بعث الرسل لعبادته وحده لا شريك له؛ وذلك أن عبادته وحده لا شريك له هي مفتاح رضاه جل في علاه، فالله يرضى عن العبد أن يوحِّدَه وأن يمتلأ قلبه محبة له وتعظيمًا.
التوحيد ليس كلمة تقال ويتجرد عنها انفعال والأعمال، بل التوحيد حقيقة يقين القلب؛ لأنه لا يستحق العبادة سوى الله، وأن يعمر هذا القلب بمحبة الله، فلا شيء أحب إليه من الله وأن يعظم الله تعالى ذُلًّا له وخضوعًا له –سبحانه وبحمده-، فالتوحيد حقيقته عمل قلبي يترجم ويسوغ القول ويسوغ العمل فيكون القول على نحو من الإخلاص لله بعيدًا عن الشرك، كذلك العمل يكون لله خالصًا فلا يبتغي لكل ما يأتيه ويَذَرُه من عمل صالح لا يبتغي إلا الله جل في علاه ليرجوه وحده لا شريك له.
هذا هو التوحيد هذا معنى لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ليست فقط أن تقول: لا إله إلا الله وأنت لا تدرك أن معناها ألا تحب إلا الله، ولا تعظم إلا الله، ولا ترجو إلا الله، ولا تتوكل إلا على الله، وألا تصرف شيئًا من العبادات لا العبادات الفعلية كالسجود والعبادات القولية كالحَلِف والنذر والدعاء والاستغاثة لغير الله بل هي له وحده –سبحانه وبحمده-.
لا يعبد سواه جل في علاه ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾البينة: 5 ليس فيه شائبة ولا شرك ولا ميل إلى غيره جل في علاه، هذا هو مفتاح رضاه جل في علاه، ولذلك إذا حقق العبد هذا فَتَح الله تعالى له أبواب العطاء.
وأذكر نموذجًا لثمرة رضا الله تعالى عن العبد فيما يتعلق بهذا العمل وهو إخلاص العبادة لله جل في علاه ما جاء في الصحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «يقولُ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى من جاءَ بالحسَنةِ فلَهُ عشرُ أمثالِها وأزيدُ، ومن جاءَ بالسَّيِّئةِ فجزاءُ سيِّئةٍ مثلُها أو أغفِرُ، ومن تقرَّبَ منِّي شبرًا تقرَّبتُ منهُ ذراعًا، ومن تقرَّبَ منِّي ذراعًا تقرَّبتُ منهُ باعًا، ومن أتاني يمشي أتيتُهُ هرولةً».
فضل الله واسع وإحسانه جزيل وكرمه كبير، ثم قال وهنا موضع الشاهد في الحديث: «ومن لقِيَني بقُرابِ الأرضِ خطيئةً ثمَّ لا يشرِكُ بي شيئًا لقيتُهُ بمثلِها مغفرةً»[مسلم:2687/22].
الله أكبر عطاء الله جزيل لو بلغت ذنوب الإنسان عنان السماء ولقي الله مُخلصًا له وحده لا شريك له لا يعبد سواه ولا يُحبُّ إلا هو، ولا يرجو إلا هو، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يسجد إلا له، ولا يستغيث إلا به، ولا يدعو إلا الله، ولا ينظر إلا لله جل في علاه فقد أخلص له العبادة، لو بلغت ذنوبه عنان السماء لجاء بما يقابلها من المغفرة من ربٍّ كريمٍ جزيل الإحسان والعطاء، ولذلك في رواية الترمذي يقول:((يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم أتيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) [الترمذي:5340. والطبراني في الأوسط4305. وإسناده حسن من حديث أنسt، وله شاهد عند مسلم من حديث أنسtسبق تخريجه]
ولهذا قال الله –عز وجل- ﴿وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ ﴾[الزُّمَر:7]، والكفر هو الشرك ﴿وإن تشكروا﴾أي: تحققوا العبادة له وحده لا شريك له﴿يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ﴾فالذي يرضاه الله تعالى لك ويرضى به عنا أن نعبده وحده لا شريك له جل في علاه.
وقد جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال:(( إن الله يَرضى لكم ثلاثة أعمال ويكره لكم ثلاثة قال أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا)) [مسلم:1715/10]وهذا التوحيد عبادته وحده لا شريك له وهذا معنى لا إله إلا الله، الثاني:((وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا)) والاعتصام بحبل الله جميعًا هو القيام بشرعه والأخذ بكل ما جاءت به الشريعة كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾البقرة: 208 قال: ((ولا تفرقوا)) وهذا ثالث ما يرضى الله تعالى به عن العبد وهو أن يلزم جماعة المسلمين، أن لا يخرج على ولاة الأمر ولا على الأمة بل يلزم جماعة المسلمين ولا يُشغِّب عليهم بما يفرِّق جماعتهم ويحببهم كالدعاوى التي تدعو إلى التحزب وإلى التشرذم وإلى الانطواء تحت أحزاب وفرق ودعوات تخالف هذا الاسم العريض الذي يشمل أهل الإسلام،﴿هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَٰذَا﴾[الحج:78]
فهذه أعمال ثلاثة كلها مما ينال بها رضا الله جل في علاه، وإذا تأملت وجدت أن هذه الأعمال الثلاثة هي ما يحصل به رضا الله –جل وعلا- عن العبد حتى في الشرائع السابقة يقول الله تعالى في محكم كتابه ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾الشورى: 13 وهؤلاء أولو العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم إبراهيم وموسى وعيسى ونوح ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ أن أقيموا الدين أي أتوا به قائمًا ولا يمكن أن يكون كذلك إلا بتوحيد الله، ولا تتفرقوا فيه أي ولا تخرجوا عن ما جاءت به الرسل عن عبادة الله وحده لا شريك له واجتماع أهل الإيمان، وإثبات رابطة الإخوة بينهم، وائتلاف أمرهم واجتماع كلمتهم تحت من ولَّاه الله تعالى أمرهم، هذا ما يتصل بالسبب الأول التفصيلي أو الأسباب الأولي التفصيلية التي يدرك بها رضا الله –عز وجل-: توحيده، والعمل بشرعه، ولزوم جماعة المسلمين.
ثم من أسباب الرضا أن يُحبَّ في الله، وهذا من أوثق عُرى الإيمان، أن يحب المسلم ما يحبه الله، وأن يكره ما يكرهه الله، فولاؤه لله ولمن ولاه الله، وهو مُبغض لما يبغضه الله جل في علاه من الأقوال والأعمال والأحوال والأشخاص والأماكن وسائر ما أثبت الله بغضه له قال تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾المجادلة: 22 كل هذا عطاء جزيل، ثم قال: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ جزاء رضاه أن يرضيهم جلَّ في علاه وأن تمتلئ صدورهم رضا به –سبحانه وبحمده-.
أيها الإخوة والأخوات!
إن إخلاص العمل لله مما يدرَك به رضاه ولهذا يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ صلاة وعبادة وذكر، الصلاة على وجه الخصوص؛ لأنها أشرف أعمال أهل الإيمان، هذا مظهرهم وصورتهم في الخارج لكن ما صورة قلوبهم؟ ما صورة بواطنهم؟ ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ قلوبهم عُمِّرت بإخلاص العمل لله والاشتغال في طلب رضاه ولذلك جملوا الباطن فجمل الله ظاهرهم ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾[الفتح:29] من أثر السجود الخالص لله هؤلاء قوم خلصت قلوبهم لله فابتغوه وابتغوا رضاه، وخلصت أعمالهم لله فأطاعوا ودانوا له جلَّ في علاه فكان ذلك في مُحيَّاهم وفي سيماهم وفي مظاهرهم جعلنا الله تعالى وإياكم منهم.
من أسباب نيل رضا الله جل في علاه أن يشتغل الإنسان بتعظيم شعائر الله، وهذا كله من فروع التوحيد؛ لأنه من عَظَّم الله عظَّم ما عظمه الله، تعظيم شعائر الله معناها أن تعظِّم كلَّ ما عظمه الله –سبحانه وبحمده- ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾الحج: 32 قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾المائدة: 2 أي ما عظمه لا تُذهِبوا حرمته، ولا تذهبوا تعظيم ما عظَّم الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾المائدة: 2 أي ولا قاصدين البيت الحرام ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾.
قال ابن عباس في معنى الآية ﴿وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ يترضون الله بحجهم[ابن كثير:2/11] أي يطلبون رضا الله –عز وجل- لما يقومون به من عمل ومن حج ومن سعي ومن خروج لوجهه جل في علاه في الرقعة التي عظمها الله جل في علاه.
من أسباب رضا الله –عز وجل- ومن الأعمال الصالحة التي ينال بها العبد رضاه –سبحانه وبحمده- أن يشتغل ببرِّ والديه وإرضاء والديه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وذلك بما لا يفضل الله جل في علاه، فرضا الله تعالى في رضا الوالدين هكذا جاء في الحديث قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «رِضى اللَّهِ في رِضى الوالِدَينِ، وسَخَطُ اللَّهِ في سَخَطِ الوالدينِ»[الترمذي:1899، والحاكم:7279، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي ] وهذا يبين عظيم الأجر والفضل ببر الوالدين، وأنه من موجبات تحصيل رضا الله جل في علاه.
أيها الإخوة والأخوات إن رضا الله يدرَك بأن يبذل الإنسان طاقته وجهده في تحصيل رضا ربه، رضا الله أمر يحتاج إلى معاناة يحتاج إلى بذل يحتاج إلى صبر، يحتاج إلى مُثابرة حتى ينال الإنسان ما يؤمِّله من رضا رب العالمين ولذلك قال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ﴾البقرة: 207 أي يبيع نفسه ﴿ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ﴾البقرة: 207 وهذا لا يعني أن أسباب الرضا صعبةٌ وعسيرة لا، لكنها تحتاج إلى أن يجاهد الإنسان نفسه، هواه، شهوته، ما يحب، في تحقيق رضا الله جل في علاه، وأن يخرج عما تميل إليه نفسه إلى ما يحبه ربه فيما إذا تعارض ما يحبه وما يحب الله جل في علاه.
ورضا الله يدرَك حتى بأي سبب من الأسباب فقد جاء في صحيح الإمام مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ اللَّهَ لَيَرْضى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْها، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْها»[مسلم:2734/89]، وهذا سبب ميسَّر ويسير وبين يدي الإنسان يدرِك به رضا ربه جل في علاه، إذا أكلت لقمةً فاحمد الله ولو كانت واحدة، إذا شربت شربة ولو كان من أيسر ما يكون من الشراب فقل: الحمد لله، فإن الله يرضى عنك بذلك.
وهذا إذا كان في يسير النعم فكيف بجليلها؟
إذا كنا يُطلب منا الحمد لله –عز وجل- والشكر له في النعم اليسيرة من الأكل والشرب ولو كان يسيرا فكيف بالنعم المتوافرة الجزيلة المتتابعة الكثيرة؟ لاشك أن حمد الله تعالى عليها وشكرَه عليها من أعظم ما يُنال بها رضاه وهي حمد الله تعالى شكره عليها من أعظم ما ينال به رضاه وهي موجبةٌ لمزيد فضله وعطاءه جل في علاه ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾إبراهيم: 7
إن مما يُدرَك به رضا الله جل في علاه أن يرضى الإنسان عن الله في قضائه وقدره؛ فإن الرضا عما يقدره الله تعالى موجبٌ لرضا الله جل في علاه؛ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم: «إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ»[الترمذي:2396، وابن ماجه:4031. وإسناده حسن] يعني عظم الثواب مقرونٌ بعظم البلاء، فكلما عظم البلاء عظم الجزاء والثواب من الله الكريم المنان، فلا تستكثر البلاء ولا تستعظم نازلة؛ فإن الأجر المرتب على عظيم البلاء عظيمٌ جزيلٌ «إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ» فاصبر لها ولا تسخط وتفزع فيجتمع عليك مصيبتان؛ مصيبة ما نزل بك من بلاءٍ مكروه، ومصيبةُ عدمِ الصبر على قضاء الله وقدره فتكون قد خسرت خسارتين: خسرت خسارة دنيا وخسارة آخرة، فإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم أي قَدَّر عليهم ما يكون فيه اختبارًا لهم ليبلغوا بذلك منزلةً عاليةً وليس أن الله لا يحبهم أو أن الله لا يرعاهم ويعتني بهم، بل إن الله يسوق لهم هذا البلاء لأجل أن يرتفع ثوابهم وتعلو درجاتهم بصبرهم واحتسابهم فمن رضي فله الرضا- وهذا الشاهد -ومن سخط فله السخط.
وينبغي للمؤمن أن يستحضر هذا المعنى وأن يرضى عن الله –عز وجل- فإن رضا الله –سبحانه وتعالى- موجبٌ لخير عظيم وعطاءٍ جزيل.
وإذا كان الإنسان يمكن أن يدرِك فوائدَ الرضا عاجلًا وآجلًا فليعلم أن ما يدركه من رضا الله في الآخرة عظيمٌ جزيل؛ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيان عظيم أجر من اشتغل برضاه -جل في علاه- ومن تعلم ذلك وروَّض نفسه على ذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَن قال حين يُصبحُ وحين يُمسي رضيتُ باللهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمَّدٍ نبيًّا كان حقًّا على اللهِ أن يرضيَه يومَ القيامةِ»[الترمذي:3389، والحاكم:1905. وصححه الحاكم.] ولهذا قل قولًا سديدًا فإن القول السديد مما يرضى الله به عنك وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ»[البخاري:6478] وهذا يبين عظيم العطاء والجزاء والأجر بكلمة قد لا يكون الإنسان حاضرًا لها عند التكلُّم بها لكن يبلغ بها منزلة عالية رفيعة بما فتح الله تعالى به عليه من كلام مسدَّد وكلام صالح وذكرٍ طيب وقول سديد.
هذه جملة من الأسباب التي يُدرك بها رضا الله جل في علاه إلا أننا نعود ونذكِّر أن كل صالحة فهي مما يرضيه والدليل قول الله تعالى: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾النمل: 19 فالله يرضى عن العبد يسجُد، يرضى عن العبد يتصدق، يرضى عن العبد يؤدي الفرائض والواجبات، يرضى عن العبد يشتغِل بإفراده وتعظيمه وتوحيده، يرضى عن العبد يتقي النار بشقِّ تمرة، يرضى عن العبد يبرُّ والديه، يرضى عن العبد يصل رحمه، يرضى عن العبد يحسن إلى زوجته وولده، يرضى عن العبد يُكرم جاره، يرضى عن العبد يؤدِّي الأمانة التي اؤتمن بها من ودائع وحقوق للخلق، يرضى عن العبد يفي بالعقود والعهود، يرضى عن العبد يبادر إلى الصالحات كل هذا مما يوجب رضا الله تعالى عن العبد.
فلا تبخل على نفسك في كل صالحة، وفي كل بِرٍّ، وفي كل خير أن تستحضر أنك مشتغل برضا الله، لكن يعظم الرضا بقدر أمرين:
أولًا: عظيمِ الإخلاص لله فكلما ازددت إخلاصًا ورغبة فيما عنده نلت رضاه.
الثاني: أن يكون عملك صالحًا متابِعًا فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- فاحرص على السنة وعلى هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- فبقدر تحقيقك لهذين الأمرين تنال أعلى نصيب من الرضا فكلُّ عمل توفِّر فيه إخلاصًا لله وابتغاء وجهه فإن الله يرضاه، كل عمل يتحقق به هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا يخرج عن سنَّته فإنه مما يرضاه الله –عز وجل- قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾الكهف: 110 وهذا الإخلاص.
المقدم: شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الأستاذ الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم شكرا جزيلا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفضت به هذه الحلقة.
الشيخ: الله يبارك فيك وأسال الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد وأن يجعل ما قلناه عونا لنا على طاعته وأن يبلغنا رضاه وأن يوفقنا إلى السداد وصالح العمل في السر والعلن، أن يحفظ بلادنا من كل سوء وشرٍّ، وأن يوفق ولاةَ أمرنا إلى ما فيه خيرُ البلاد والعباد أن يوفِّق خادم الحرمين ووليَّ عهده إلى كل بر وصلاح، وأن يعينهم ويسددهم، وأن يجعل لهم من لدنه سلطانًا ونصيرًا، وأن يحفظ بلاد المسلمين من الفتن والشرور، وأن يجمع كلمتهم على الحق والهدى وأن يوفِّقَنا إلى كل صالحة ظاهرة وباطنة
والإعانة على كل خير وأن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين وأن يسدد ولاة أمرنا إلى ما فيه خير البلاد وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.