×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة - تنبيهات حول الشتاء

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4596

الحمدُ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغِفِرُهُ, وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شروُرِ أَنْفُسِنا, وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا, مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لا شَرِيِكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ محُمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ اتِّبَعَ سُنُتَّهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بإِحْسانٍ إِلِى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ

فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ, اتَّقوُا اللهَ تَعالَىَ حَقَّ التَّقْوَىَ؛ فتَقْواهُ تَجْلِبُ كُلَّ سعادَةٍ, وَتَدْفَعُ كُلَّ مساءَةٍ وَمَشَقَّةٍ ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُالطلاق: 2- 3، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًاالطلاق: 4 الَّلهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالمينَ.

أيُّها المؤْمِنوُنَ, عِبادَ اللهِ, نَوَّعَ اللهُ تَعالَىَ لِعِبادِهِ الزَّمانَ؛ وفي ذَلِكَ مِنَ الحِكَمِ وَالآياتِ وَالغاياتِ وَالأَسْرارِ ما يَنْكَشِفُ وَيَنجْلَيِ لِأُوُلِي الأَلْبابِ وَالأَبْصارِ, فاتَّقوُا اللهَ عبادِ اللهِ, وَاعْتبَرِوُا بِتَحَوُّلِ الزَّمانِ وَتَغَيُّرِهِ؛ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعالَىَ في تَغَيُّرِ الزَّمانِ في اليَوْمِ وَالَّلْيلَةِ عِبْرَةً وَعِظَةً قالَ تَعالَىَ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاالفرقان: 61- 62 فَتَذَكَّروُا عِبادِ اللهِ بِهذا التَّعاقُبِ الَّليْلِ وَالنَّهارِ وَتَغَيُّرِ الفُصوُلِ وَتَعاقُبِ الزَّمانِ تَذَكَّروُا عَدَمَ الدَّوامِ؛ فَإِنَّ الدُّنْيا دَارُ ارْتِحالٍ, وَلَيْسَتْ دَارَ مُقامٍ يَتَزَوَّدُ فيها العاقِلوُنَ أَصْحابُ الأَبْصارِ بِطاعَةِ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ- وَزادُ التَّقْوَىَ الَّذي يَنْفَعُهُمْ يَوْمَ الميعادِ، ثُمَّ يَرْتَحِلوُنَ وَلَا يَكوُنُ مَعَهُمْ مِنْ هذهِ الدُّنْيا إِلَّا أَعْمالَهُمْ.

قالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًاالإسراء: 13 وَالطَّائِرُ هوَ العَمَلُ وقَدْ جاءَ في الصَّحيحيْنِ مِنْ حَديثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ –صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنانِ ويَبْقى معهُ واحِدٌ: يَتْبَعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ ويَبْقى عَمَلُهُ»البخاري(6514), ومسلم(2960) ذاكَ أَنَّ العَمَلَ: بِهِ يكَوُنُ الفوزُ وَالنَّجاةُ يوْمَ القِيامةِ «ما مِنكُم أحَدٌ إلّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرى إلّا ما قَدَّمَ مِن عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أشْأَمَ منه فلا يَرى إلّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فلا يَرى إلّا النّارَ تِلْقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ» البخاري(7512), ومسلم(1016)  اجْعَلوُا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّارِ وِقايَةً وَلَوْ بِأَدْنَىَ ما يَكوُنُ مِنَ صَالحِ العَمَلِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ.

الَّلهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقينَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، أَحْيِ قُلوبَنا ارزُقْنا البَصيرَةَ استَعْمِلْنا فيما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَاصْرِفْ عَنَّا السُّوءَ وَالفَحْشاءَ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, عِبادَ اللهِ, إِنَّ لِفَصْلِ الشِّتاءِ مِنْ الحِكَمِ والغاياتِ وَالأَحْكامِ والآدابِ ما يَنْبَغِيِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِهِ الإِنْسانُ؛ فَهذا الفَصْلُ فِيِهِ مِنَ البُرودَةِ وَتَغَيُّرِ الجَوِّ ما يَتَبَيَّنُ بهِ عَظيمَ قُدْرَةُ اللهَ –عَزَّ وَجَلَّ- الَّذي يُحَوِّلُ الزَّمانَ وَيُحَوِّلُ الأَجْواءَ عَلَىَ هذا النَّحْوَ في السُّرْعَةِ وَاليُسْرِ وَالسُّهوُلَةِ دوُنَ أَنْ يَكوُنَ للبَشِرِ تَدُخُّلٌ أَوْ يَدٌ في هَذا التَّحْويِلِ وَأَنْتَ لَوْ أَرَدْتَ أَنْ تُبَرِّدَ قاروُرَةَ ماءٍ لاحْتَجْتَ في ذَلِكَ إلَىَ عمَلٍ كبيرٍ كَثيرٍ، فهذا الجَوُّ عَلَىَ سِعَتِهِ وَرَحابَتِهِ يَتَحَوَّلُ مِنْ حَرارةِ لِبُروُدَةٍ وَمنْ بروُدَةٍ لحرارةٍ بِقُدْرةِ الواحِدِ القَهَّارِ بِقُدْرَةِ اللهِ الَّذي أَمَرَهُ إِذا أَرادَ شَيْئًا أَنْ يَقوُلَ لَهُ كُنْ فَيكوُنُ.

فسُبْحانَ مَنْ هذا صُنْعُهُ آياتٌ عظيماتٌ وَعِبَرٌ باهراتٌ ودَلائِلُ ساطعاتٌ يراها النَّاسُ بُكْرةً وَأَصيلاً، يًرَوْنَها في السَّماءِ وَالأَرْضِ وفي أَنفُسِهِمْ لَكِنِ البَلاءُ كلُّهُ في الإِعْراضِ وَعَدَمِ الاعْتبِارِ قالَ تَعالَىَ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَيوسف: 105 فَنَسْأَلَ اللهُ أَنْ يَرْزَقُنا البَصيِرِةِ وَأَنْ يَرْزُقَنا الاعْتبِارَ والانْتِفاعَ بِهذِهِ الآياتِ والعِبَرِ الَّتي بِها تُحْييِ القلوُبَ وَتَسْتَبْصِرُ قُدْرَةَ الواحِدِ القَهَّارِ جَلَّ في عُلاهُ.

أيها المؤْمنونَ, الشِّتاءُ فيهِ مِنْ مَوارِدِ الخَيْر وَالبِرِّ والطاعَةِ ما يَنْبَغِيِ أَنْ يَجْتَنِيَهُ المؤْمِنُ، وَلِذلِكَ جاءَ في حَديثِ عامِرٍ بإِسنادٍ لا بَأْسَ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ –صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «الصوم في الشِّتاءِ الغنيمةُ الباردةُ»أخرجه الترمذي(797)وَحَسَّنَهُ لِغَيْرِهِ الأَلْبانِيُّ في صَحيحتهِ ح(1921) نَعَمْ إِنَّها غَنيمَةٌ بارِدَةٌ يَسيرَةُ الحُصوُلِ يَصوُمُ نَهارَهُ وَيَقوُمُ لَيْلَهُ وذاكَ فَضْلُ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ- عَلَىَ مَنْ فَتَحَ بصيرَتَهُ فاسَتَغَلَّ زمانَهُ فيما يُقَرِّبُهُ إِلَىَ رَبِّهِ جَلَّ في عُلاهُ، فبادروُا إِلىَ الطَّاعاتِ واغْتَنِموُا الزَّمانَ فيما يُقَرِّبُكْمْ إِلَىَ اللهِ –جَلَّ وَعلا- وَتَزَوَّدوُا؛ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىَ, هِيَ خَيْرُ ما تَرْحَلوُنَ بِهِ, وَهِيَ ض~ما يبقي لكُمْ ذِكْرا بَعْدَ رَحيلكُمْ ذكْرٌ طَيِّبٌ صالحٌ بَعْدَ رَحيلِكُمْ, فَتَزَوَّدوُا بِكُلِّ صالحةٍ أَنْفِقوُا مِنْ أَمْوالِكِمْ وابْذُلُوا مِنْ جُهْدِكُمْ وَأَجْسامِكُمْ ما يَرْضَيَ اللهُ بِهِ تَعالَى عَنْكُمْ.

واعْلَموُا أَنَّ كُلَّ طاعَةٍ تُفْضِيِ بالعَبْدِ إِلَىَ انْشِراحٍ وَسُروُرٍ، وَتُؤَدِيِ إِلَىَ خَيْرٍ لَهُ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَاعْلَموُا أَيُّها المؤْمنوُنَ أَنْ مِمَّا يَنْبَغِيِ أَنْ يَعْتَنيِ بِهِ الإِنْسانُ في سائِرِ زَمانِهِ أَنْ يُحْسِنَ إِلَى الخَلْقِ بما يَسْتَطيِعُ مِنَ الإِنْسانِ، فَرَحْمَةُ اللهِ قَرَيِبٌ مِنَ المحْسنينَ وَاللهُ يُحِبُّ المحسِنينَ وَاللهُ يُعْطِيِ عَلَىَ الإِحْسانِ عَلَىَ ما يَبْذُلُهُ الإِنْسانُ مِنْ خَيْرٍ لِغَيْرِهِ ما لا يُعْطيِهِ عَلَىَ غَيْرِهِ مِنَ العَمَلِ؛ فبادِروُا إِلىَ الصَّالحِ مِنَ الأَعْمالِ, واجْتهَدوُا في الِإحْسانِ إِلَىَ الخَلْقِ: تَفَقَّدوُا جيرانَكَمْ، تَفَقَّدوُا ذَوِي الحاجاتِ مِنَ قَرابَتِكُمْ، تَفَقَّدوُا ذَويِ الحاجاتِ مِنْ فُقَراءِ بَلَدِكُمْ، تَفَقَّدوُا مَنْ لَهُ حاجَةٌ وَاسْعَوْا في سَدِّها فَإِنَّ اللهَ تَعالَىَ لَكَ كما تَكوُنُ للِنَّاسِ, مَنْ ساعَدَ النَّاسِ وَجَدَ عَوْنًا مِنَ اللهِ, مَنْ رَحِمَ النَّاسَ ,رَحِمَهُ اللهُ الرَّاحِموُنَ يَرْحَمُهُمُ اللهُ.

نَحْنُ وَللهِ الحَمْدُ نَعيشُ في نَعيمٍ عَظيمٍ وَعَطاءٍ جزيلٍ فاشْكرُوُا اللهَ عَلَىَ ذلِكَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعالَىَ يَرْضيَ لِعَبْدِهِ الشُّكْرَ كَما قالَ –جَلَّ وَعَلا- في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْالزمر: 7 فاشْكرُوُهُ عَلَىَ نِعَمِهِ القَليلِ والجَليلِ, وَمنْ شُكْرِ نِعَمِهِ جَلَّ في عُلاهُ أَنْ يَبْذُلَ الإِنْسانُ مِنْها ما يَسْتَطيِعُ لِذَوِيِ الحاجاتِ وَأَنْ يَحْتَسِبَ الأَجْرَ عِنْدَ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ- فَلَيْسَ سائِغًا وَلا مَقْبوُلًا وَلا صالحًا أَنْ يَبيتَ الإِنْسانُ شَبِعًا دافِئًا وَجارُهُ طاوِيًا بَارِدًا؛ ذاك أَنَّ الِإنْسانَ يَنْبَغي لَهُ أَنْ يَشْعُرَ بحاجَةِ إِخْوانِهِ وَأَنْ يَتَقَدَّمَ بِفَضْلِهِ ما عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ فما قَدَّمَ إِنَّما يُقَدِّمُهُ لِنَفْسِهِ وَالجارُ لا يَلْزَمُ أَنْ يكوُنَ الملاصِقُ، بَلِ الجارُ مَنْ لَهُ اتصالٌ لهُ ممنْ جَرَىَ العُرْفُ بِأَنَّهُ يُسَمَّىَ جارًا وَلَوْ كانَ عازِبًا ولَوْ كانَ عامِلًا وَلَوْ كانَ لَيْسَ لَهُ أُسْرَةٌ كُلُّ أولئِكَ مِنَ الجيرانِ الذين تَفَقَّدوُا أَحْوالَهُمْ بِسَدِّها وَاحْتَسَبوُا الأَجَرَ عِنْدَ اللهِ في ذَلِكَ فهذا بابٌ مِنْ أبوابِ البِرِّ تَنالوُنَ بِهِ العطاءَ وَالأَجْرَ.

الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلَىَ ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ, وَاسْتَعْمِلْنا فيما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ, وَاصْرِفْ عَنَّا ما لا يُرْضِيكَ عَنَّا يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ, أَقوُلُ هذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِروُهُ إِنَّهُ هُوَ الغفوُرُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:                                                            

الحمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ, لَهُ الحَمْدُ في الأُوُلَىَ وَالآخِرَةِ, وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعوُنَ, نَحمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ, لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ كما أَثْنَي عَلَىَ نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَأَصْحابِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ واقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقوُا اللهَ عبادَ اللهِ, اتَّقوُا اللهَ تعالَىض وَبادِروُا إِلَىَ صالحِ العَمَلِ, قوموُا بما فَرَضَ اللهُ تعالَىَ عَلَيْكُمْ مِنَ الفرائِضُ والواجِباتِ, وَأعْظَمُ ذلِكَ ما فَرَضَهُ عَليَكُمْ مِنْ تَوْحِيدِهِ سُبحانَهُ بِإِفْرادِهِ بالعِبادَةِ وَتَحْقيقِ مَعْنَىَ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ فَإنَّ لا إلهَ إلاَّ اللهُ معناها: أَنْ يَخْلُوَ القَلْبُ مِنَ التَّعَلُّقِ بِغِيرِ اللهَ، أَنْ يَمتَلَأَ مَحَبَّةً وَتَعْظيمًا للهِ –جَلَّ وَعَلا- دوُنَ مَنْ سِواهُ.

عَظِّموُا اللهَ جَلَّ في عُلاهُ بِقُلوُبِكُمْ, وَامْلئوُها بِمَحَبَّتِهِ؛ فَخَيْرُهُ لا يَنْفَكُّ عَنْكُمْ فما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهَ, الدَّقيقُ والجَليلُ، الصَّغيرُ وَالكَبيرُ، تَرَدُّدُ الأَنْفاسُ، وَلَحْظُ الأَعْيُنِ وَنَبْضُ العُروُقِ كُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ وَمِنْ نِعَمِهِ الَّتيِ تُوُجِبُ شُكْرَهُ –سُبْحانَهُ وَبَحمْدِهِ-.

أَيُّها المؤمنوُنَ, إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ العَمَلِ الصَّالحِ الَّذي يَنْبَغِيِ أَنْ يَتَفَقَّدَ الإِنْسانُ فِيِهِ الصَّلاةَ؛ فالصَّلاةُ نوُرٌ والصَّلاةُ صِلَةٌ بيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ فاحْرِصْ عَلَيْها فإِنَّها عاموُدُ الدِّينِ الَّذي إِذا انْهَدَمَ، انْهَدَمَ دينُكَ، وَإِذا فَسَدَ، فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِكَ فَهِيَ أَوَّلُ ما تُحاسَبُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ احْرِصْ عَلَىَ صَلاتَكَ وَإِيّاك وَالتَّفْريطَ فيها احْرِصْ عَلَىَ صَلاتِكَ وَإياكَ والتَّقْصيرَ فيها, ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾  البقرة(238).

الصلاةُ هيَ: مفتاحُ الخيراتُ, وهيَ الصلةُ بينَ العبدِ وربهِ. في الفرائضِ الخمسِ الواجباتِ تفقدوُا أنفسكمْ وأَهليكمْ ومَنْ تَحْتَ وِلايِتِكُمْ فإنَّ ذلِكَ مما فَرضهُ اللهُ تعالَى عَليكمْ فأمركمْ بالمحافظةِ علىَ الصَّلاةِ في أنفسكمْ وفيمنْ تحتَ أيديكمْ ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىطه: 132 تفقَّدوُا أَولادكمْ ذُكورًا وَإناثًا، شَبابًا وَفتياتٍ تفقَّدوُا زَوجاتِكمْ، تَفَقَّدوُا قُرابتِكُمْ في شَأْنِ الصَّلاةِ فإنها أَعظمُ المهماتِ، إذا فسدتْ فسدَ ديِنُ المرءِ، وَإذا صَلَحَتْ كانَ دينُهُ صالحًا, ومما ينبغيِ أنْ يُعلَمَ أَنَّ الصلواتِ المفروضاتِ هيَ الخمسُ المكتوباتُ: الفجرُ, والظهرُ, والعصرُ, والمغربُ, والعشاءُ, هيَ التي فرضها الله تعالىَ.

الإِخْلالُ بها خطرٌ عظيمٌ «العَهدُ الذي بَينَنا وبَينَهُم الصلاةُ، فمن تَرَكَها فَقَد كَفَرَ»أخرجه الترمذي(2621), وقال: حسن صحيحهذهِ الصَّلواتِ الخَمْس عَلَىَ يُسرِها وَسُهولتِها إِلَّا أَنَّ إِضاعَتَها سَبَبٌ للهلاكِ «مَن فاتَتْهُ العَصْرُ، فَكَأنَّما وُتِرَ أَهْلَهُ وَمالَهُ»أخرجه البخاري(552), ومسلم(626)فمنْ تركَ صلاةَ العصرِ فقدْ حبطَ عملهُ هذهِ في صلاةٍ واحدةٍ، فكيفَ بمنْ يُضَيِّعُ الصلواتِ تِلْوَ الصَّلواتِ.

احرصوُا علىَ الصلاةِ في أنفسكُمْ وأهليكُمْ واعلَموُا أَنَّ ضَياعَها ضَياعٌ للدِّينِ ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَالماعون: 4- 5 فاحذرْ أَنْ تدخلَ في هذه الآيةِ؛ فإنَّ إضاعةَ الصلاةِ توجبُ هلاكًا عظيمًا وشرًا كبيرًا، ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّامريم: 59 أعاذَنا اللهُ وإياكُمْ مِنَ الغيِّ ورزقَنا وإياكُمْ البصيرةَ والرُّشدَ إنهُ وليُّ ذلكَ والقادرُ عَلَيْهِ.

أَيَّها المؤمنونَ, إنَّ ما يَقعُ فيهِ التفريطُ في كثيرٍ منَ الناسِ في أيامِ البردِ والشتاءِ صلاةَ الفجرِ، وكذلكَ التطهرَ للصلاةِ فكثيرٌ منَ الناسِ لا يعتنيِ بالطهارةِ للصلاةِ علىَ الوجهِ المطلوبِ وقدْ قالَ اللهُ تعالىَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواالمائدة: 6 فأمرَ اللهُ بالطهارتيْنِ؛ الطهارةِ منَ الحدثش الأصغرِ بالوضوءِ، والطهارةِ منَ الحدثِ الأكبرِ بالاغتسالِ فاحْرصوا علىَ ذلكَ واعلموُا أنَّ أجرًا عظيمًا يُدركُهُ منْ يأتيِ الطهارةَ علىَ الوَجْهِ المطلوبِ منهُ في وَقْتِ البردِ والشتاءِ فقدْ قالَ النبيُّ –صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ- كما في الصحيحِ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ..»أخرجه مسلم(251)ومَعْنَىَ إِسْباغِ الوُضوءِ عَلَىَ المكارهِ: أَنْ يُبَلِّغَ الإِنسانُ الماءَ جَميعَ العُضْوِ المأموُرِ بِغَسْلِهِ فَلا يَقْتَصِرُ في غَسْلِ أَعْضاءِهِ عَلَىَ بَعْضِ ما يَجِبُ بَلْ يَسْتَكْمِلُ ذلكَ فَيْغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَىَ المرْفَقَيْنِ, وَيَعُمَّ الوَجْهَ بِالغُسْلِ, وَيَعُمَّ القَدَمَيْنِ بِالغَسْلِ وَقَدْ رَأَىَ النَّبِيُ –صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَصْحابِهِ في مَوْقِفٍ مِنْ المواقِفِ قَدْ نَهَكَهُمُ التَّعَبُ وفي سَفَرٍ فَلَمَّا تَوَضَّؤوُا لَمْ يُبَلِّغوُا الوُضوُءَ فَرَأَىَ النَّبِيُ –صَلَّىَ اللهُ عليه وسلَّمَ- شَيْئًا في أَعْقابِهمْ لَمْ يُصِبْهُ الماءُ فَرَفَعَ صَوْتَهُ قائِلًا:« ويل للأعقاب من النار»  البخاري(60), ومسلم(241). أَيْ الأَعْقابُ وَهِيَ: مُؤَخَّرُ القَدَمِ الَّتِي لمَ ْيَصِلْها الماءُ بِسَبَبِ تَقْصيِرِ المتوَضِّأِ.

فبالغوا في الوضوء واحتسبوا الأجر عند الله فإن في إسباغ الوضوء رفع الدرجات وحط السيئات «أَلا أدُلُّكُمْ على ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ على المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ»أخرجه مسلم(251) كلُّها أَعْمالٌ مُتَعَلِّقَةٌ بهذهِ الفريضةِ العظيمَةِ فَبَلِّغوُا الوُضوءَ وَأكثروُا الخُطا إِلىَ المساجدِ واحتسبوُا الأجرَ في تعلقِ قلوبكُمْ بالصلاةِ انتظارًا فإنَّ ذلكَ مما يُجْري الله بهِ الأجْرَ العظيمَ قالَ –صلَّىَ اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «فَذَلِكُمُ الرِّباطُ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ»أخرجه مسلم(251)تَفَقَّدوُا ذلِكَ في أنفسكُمْ وَكُلكمْ راعٍ وكُلكمْ مسئوُلٌ عنْ رعيتهِ تفقدوُا ذلكَ في أولادِكُمْ ذُكورًا وإِناثًا حُثوهُمْ علىَ الصَّلاةِ وعلىَ الطهارةِ لها واحْرصوُا على ألَّا يغيبَ ذلكَ عنكمْ تذكيرٌ بينَ فترةٍ وأُخرى فالنفسُ تكسلُ والعقلُ يشرُدُ والذِّهْنُ يضعُفُ والإنسانُ يَنْسىَ ونحتاجُ كُلُّنا إلى تذكيرٍ وذكرىَ ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَالذاريات: 55.

الَّلهُمَّ أَعِناّ على ذِكركَ وَشُكركَ وحُسنِ عبادتكَ, استعمِلْنا فيما تُحبُّ وترْضَىَ, واصرِفْ عناّ السوءَ والفحشاءَ، خُذْ بنواصينا إلَى ما تُحبُّ وترضَىَ، ربَّنا ظلَمْنا أَنفسنا وإنْ لمْ تَغفرْ لنا وَترحَمْنا لنكونَنَّ منَ الخاسرينَ، اللهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا وأصلِحْ أئِمَتنا ووُلاةَ أمورِنا واجْعلْ ولايَتَنا فيمَنْ خافكَ واتَّقاكَ واتَّبَعَ رضاكَ, الَّلهُمَّ وفِّقْ وليَّ أمْرِنا وَخادِمَ الحرمينَ الشريفيْنِ إلىَ ما تُحبُّ وترضَيَ سددهُمْ في الأقوالِ والأعمالِ، أعِنهمْ وكنْ لهمْ ظهيرًا ومُعينًا يا ذا الجلالِ والإكرامِ، ربنا ظلمنا أَنفُسنا وإنْ لمْ تغفرْ لنا وترحمْنا لنكونَنَّ منَ الخاسرينَ ربنا آتِنا في الدُّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النَّارِ, صَلَّوُا علىَ نَبيِّكُمْ محمدٍ صلىَ اللهُ عليهِ وَسلمَ وأَكثروُا منَ الصلاةِ عليهِ فإنَّ صلاتكمْ معروضةٌ عليهِ في هذا اليومِ, اللهمَّ صلِّ علىَ محمدٍ وعلىَ آلِ محمدٍ كما صَليتَ علىَ إبراهيمَ وعلىَ آلِ إبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ.

 

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91549 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87255 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف