يقول المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ: عن عائشة ـ رضِي اللَّه عنْهَا ـ قالَتْ: كَانَ رسولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إِذا فاتتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيل مِنْ وجعٍ أَوْ غيرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهارِ ثِنَتي عشَرة ركْعَة. رواه مسلِم.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على البشير النذير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
قضاء صلاة الليل بالنهار:
هذا الحديث حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ تقول: «كَانَ رسولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إِذا فاتتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيل» أي صلاة التطوع من قيام الليل وما يفتح الله ـ تعالى ـ به عليه فيه من الصلوات غير المفروضات «صَلَّى مِنَ النَّهارِ ثِنَتي عشَرة ركْعَة»، قضاه من النهار أي صلاه من النهار ثنتي عشرة ركعة وذلك فيما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كما جاء في حديث عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِه مَنَ اللَّيلِ أو عَنْ شَيءٍ مِنْه فَقَرَأَه ما بين صَلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظهرِ، كُتِبَ له كأنَّما قَرأَه مَنَ اللَّيلِ»[صحيح مسلم (747)] وهذا فيما إذا فاته كما قالت ـ رضي الله تعالى عنها ـ:«كَانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذا فاتتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيل مِنْ وجعٍ أَوْ غيرِهِ،»[صحيح مسلم (746)] قضاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ضحى.
حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على دوام العمل الصالح:
والحديث يدل على عظيم حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إدامة العمل الصالح الذي يشتغل به، وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها وإن قَلَّ»صحيح البخاري (6464) وصحيح مسلم (783) فلما فاته بسبب ما غلبه من الوجع أو النوم أو غير ذلك من العوارض التي تعرض وتحول دون الإتيان بما جرى عليه عمله يقضيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يتركه ويقول فات حتى ولو كان ذلك من النوافل والمسنونات، فالقضاء ليس فقط في الفرائض والواجبات بل حتى في النوافل والتطوعات التي يغلب على الإنسان ويمكنه أن يأتي بها.
مشروعية قضاء الفوائت: وقد شرع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضاء جملة من الفوائت الدائمة المستمرة التي كان يديمها كصلاة الليل وصلاة الرواتب ونحو ذلك مما كان يديمه من العمل.
وقولها ـ رضي الله تعالى عنها ـ أنه إذا فاته يعني لم يتركه ولم يذهب الوقت دون سبب بل كان فوات ذلك لغلبة, أو لسببٍ منعه من الإتيان به, إما غلبة نوم, وإما وجع ومرض يعذر به, والنوم والمرض كلاهما عذر:
فالنوم: يعذر فيه الإنسان بترك الفريضة فضلاً عن النافلة إذا كان غلب عليه كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لا تَفْرِيطَ في النومِ إنما التفريطُ في اليقظةِ» سنن أبي داود (437)
وأما المرض: فالمرض عذر في كثير من العبادات منه الصلاة "صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ" صحيح البخاري (1117)
فإذا كان غلب بسبب المرض فترك نافلةً فإنه يسن له أن يقضي ذلك فيما أذن له فيه في قضاءه.
وقولها ـ رضي الله تعالى عنه ـ: "إنه كان يصلي ثنتي عشرة ركعة"؛ لأنه كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، والنهار ليس فيه وتر فكان يشفعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيصلي ثنتي عشرة ركعة من الضحى، وعليه فإنه من كان له عادة أن يصلي هذا العدد فيأتي به على هذا النحو، وإن كان يصلي خمسًا فليشفعها ستًا، وهلم جر في قضاء ما فاته من الوتر إذا غلب عليه.
وهذا يؤكد المعنى الذي ينبغي أن يتنبه له في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ«يا عبدَ اللهِ لا تَكُنْ مِثلَ فُلانٍ، كان يَقُومُ الليلَ فتَركَ قِيامَ الليلِ»[صحيح البخاري (1152)] فإنه من أمكنه القضاء وتركه كان ذلك تركًا لقيام الليل الذي ذم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن عمرو من فعله، ولهذا من فاته شيئًا من صلاة الليل أو فاتته صلاة الليل لوجع أو مرض فليحرص على أن يأتي به بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، وما بعد ذلك لا بأس بالإتيان بما فاته من صلاة الليل إذا كان لا يمكنه أن يأتي به ضحى، بمعنى أنه إذا شغل أو نام أو كان مريضًا لا يتمكن ثم نشط بعد صلاة الظهر, فإنه يقضيه لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَن نام عن وَترِه أو نَسيَه، فليُصَلِّه إذا أصبَحَ أو ذكَرَه»[مسند أحمد (11263)] والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.