المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته طبتم وطابت أوقاتكم جميعًا بكل خير وأهلا وسهلا بكم معنا في بداية هذه الحلقة لبرنامج الدين والحياة عبر أثير إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة في هذه الحلقة التي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى.
في بداية هذه الحلقة مستمعينا الكرام تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصبحي ومن الإخراج سالم بالقاسم وياسر زيدان.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج الدين والحياة هو فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ خالد المصلح، أستاذ الفقه بجامعة القصيم فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلا وسهلا بك معنا.
الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحبا بكم حياكم الله.
المقدم:- حيا الله فضيلة الشيخ مستمعينا الكرام بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول بعض أحكام الشتاء التي سنتحدث عنها وعنونا لهذا اللقاء من أحكام الشتاء سنتحدث حول جملة مما ورد من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام في الشتاء وسنتحدث أيضًا عن العبرة بتغير الفصول والأيام وأيضًا سنتحدث عن بعض المسائل المتعلقة بالشتاء بعض المسائل والأحكام بمشيئة الله تعالى فضيلة الشيخ دعنا نبدأ الحديث في هذه الحلقة حول العبرة والحكمة بتغير الفصول وتغير الأيام وأحوال الزمان.
الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فالله جل في علاه خالق كل شيء وله الحكمة في كل ما خلقه –سبحانه وبحمده- فما شاء الله من شيء إلا وهذه المشيئة صادرة عن علم وحكمة وعظيم إنعام وإحسان لخلقه جل في علاه قال الله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾الإنسان: 30 فما ما من شيء يقدره الله في الكون إلا وذلك التقدير له فيه حكمة بالغة هذه الحكمة تظهر لمن فتح الله تعالى بصيرته ويسر الله له إدراك الغاية والحكمة والمقصود ومن الخلق من لا يتبين له ذلك ويظن أن ذلك التقدير خال عن حكمة ومجرد عن غاية من العليم الخبير جل في علاه.
وعلى كل حال الذي يجب أن يعتقده المؤمن في كل خلق الله وفي كل ما يجريه –سبحانه وبحمده- أنه ما من شيء شاءه ربنا ولا قضاه إلهنا ولا قدره مولانا إلا وله فيه حكمة بالغة فليس في خلق الله وقضاءه وحكم الكون ما لا حكمة فيه بل ما من شيء إلا ولله فيه حكمة وبالتالي أولو البصائر أصحاب العقول يتلمسون حكم الله وغاياته في صنعه جل في علاه فيما يجريه الله تعالى في هذا الكون من الأقضية والأقدار في الدقيق والجليل والصغير والكبير والله –سبحانه وبحمده- لفت الأنظار في محكم التنزيل على غايات وأسرار وحكم من صنعه –سبحانه وبحمده-.
ومن حكم الله تعالى التي تظهر في خلقه ما أشار إليه في تقلب الفصول وتعاقب الأحوال والليل والنهار والزمان بما ذكره تعالى ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾الفرقان: 61- 62 يعني يخلف الليل النهار ويعقب نهار الليل يعني ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾لقمان: 29 ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾الفرقان: 62 أي من أراد أن يعتبر بهذا التعاقب ويتلمس حكم الله فيه أو أراد تحقيق العبادة لله –عز وجل- وهذا معنى قوله أو أراد شكورًا أي يستدرك ما فاته من عبادة في الليل ويستدرك ما فاته من عبادة الليل في النهار فيحقق العبودية لله –عز وجل- ليلًا ونهارًا غدوًا وعشيًا وبكرة وأصيلًا.
والله –سبحانه وبحمده- له الحق على عباده فهو إلههم الذي خلقهم ومن كل خير أمدهم وما بكم من نعمة فمن الله.
أيها الإخوة والأخوات تعاقب الفصول يظهر به بديع صنع الله –جل وعلا- والله تعالى لفت الأنظار من صنعه –سبحانه وتعالى- في عدة مواضع من كتابه تصريحًا وإيماء وتنبيهًا وبأساليب متعددة من ذلك قوله –جل وعلا-: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾النمل: 88 خلقه في كتابه من بديع صنعه جل في علاه الذي أتقن به كل شيء –سبحانه وبحمده- فما من شيء خلقه الله إلا وله فيه من عجائب الخلق وبدائع الصنع ما يأسر القلوب ويلفت الأنظار ويتبين به جليل صنع العزيز الغفار –سبحانه وبحمده-.
ولهذا من المهم أن نتلمس هذه المعاني في صنع الله تعالى في كل ما خلقه، الفصول التي أجرى الله تعالى عليه الزمان أربعة فصول شتاء وصيف وهما عمدة فصول السنة، ولذلك قال الإمام مالك –رحمه الله- الشتاء نصف السنة والصيف نصفها[تفسير القرطبي:20/207]فجعل الزمان مقسوما إلى شتاء وصيف باعتبار أن ما بينهما من فصول إنما هي تمهيد وتداول.
هذا التقلب بين الصيف والشتاء لله فيه حكم ورحمات فمن عجائب صنع الله –عز وجل- في الشتاء والصيف وتحولهما إظهار عظيم قدرة الله –عز وجل- على خلق المتقابلات من الخلق، فالشتاء فيه شدة البرودة، والصيف فيه شدة الحرارة، وخالقهما هو الله الواحد القهار، ومن رحمته جل في علاه ونعمته في هذا التعاقب بين شدة حر وشدة برودة من رحمته جل في علاه أن ترى لطف الله –عز وجل- في تعاقب هذه الفصول فمن بديع صنعه –جل وعلا- أن جعل بين هذين الفصلين زمنًا يمهِّد لهذا الانتقال، فجعل الخريف برزخًا بين سموم الصيف وبرد الشتاء، يصفو به الجو ويبرد فلا ينتقل الناس من شدة حر إلى شدة برد، وكذلك الربيع برزخ بين الصيف والشتاء فلا ينتقل الناس من شدة برد إلى شدة حر، بل يمهد الله تعالى لذلك بما يجريه من هذه الفصول الفاصلة التي تمهِّد وتهيء الأبدان لما يأتي من زمان مختلفٍ في ظرفه، مختلفٍ في حاله.
الله جل في علاه نعمُه على عباده لا يحصونها ولا يدركون قدرها؛ ولذلك كان من اللازم الذي ينبغي أن يعتني به العبد أن يتأمل هذه النعم، فإن نعمه جل في علاه إذا أدركها العبد نظرها تذكرها والله تعالى قد قال في كتابه ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾البقرة: 231 أمر بذكر نعمته ولا يمكن أن يذكر الخلق نعمة الله تعالى بتلمُّسها والنظر فيها والنظر في حكمه جل في علاه.
وقد توالت كلمات الأنبياء في التذكير بنعمه، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾المائدة: 20 وقد نبه الله تعالى على خطورة الغفلة عن النعم وتحويلها إلى ما يكون سببًا موجبًا للعقوبة، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾إبراهيم: 28 لذلك يا إخواني ويا أخواتي ينبغي لنا أن نتلمس نعمةَ الله علينا في كل ما يُجريه جل في علاه قال الله تعالى بعد أن ذكر جملة من نعم الله تعالى على عباده قال: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾إبراهيم: 34 –سبحانه وبحمده- آتاكم أعطاكم من كل ما سألتموه بل أعطانا مما نسأل ومما لم نسأله جل في علاه ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾إبراهيم: 34 وقد قال الله –جل وعلا-: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾النحل: 53 فنعم الله تعالى علينا كثيرة جليلة، ينبغي أن نتلمسها لنشكر الله تعالى عليها، ومن شكر الله على هذه النعم تحقيق العبودية له قال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾النحل: 114 فعبادة الله –عز وجل- مما يدرك بها الإنسان وفاء حقه –جل وعلا- بشكره والقيام بنعمه –سبحانه وبحمده-.
الصيف والشتاء من مواضع إنعام الله تعالى على عباده ومن مظاهر حكمته ورحمته وبرِّه وإحسانه، وقد جعل الله تعالى لكل زمان ما يتقرَّب به العباد إلى ربِّهم –سبحانه وبحمده- فتجدهم لا ينفكون في زمان من الأزمنة ولا يخلو لهم وقتٌ من الأوقات وإلا ولله تعالى في هذا الزمان ما يكون سببًا إلى التقرب إليه جل في علاه؛ ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص غاية الحرص على أن يحقِّق العبودية لله –عز وجل- في زمنه كلِّه في صيفه وشتائه، في حرِّه وقُرِّه، في برده، وغير ذلك من أحوال الزمان.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن الشتاء فيه من الميزة ما ليس في غيره من الزمان، وهو أن الزمان محل العبادة لكن قد تتهيأ العبادة في زمن دون زمن وتسهُل في وقت دون وقت، من ذلك ما يكون من زمن الشتاء الذي ذكر فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه غنيمةٌ، ومعنى كونه غنيمةً أي أنه مما ينبغي للإنسان ألا يفوته بل ينبغي له أن يحرص على أن يعمِّره بما يكون سببًا لنيل رضا الله –عز وجل- والفوز بعطائه –سبحانه وبحمده- في الشتاء غنيمة لمن تنبَّه فالعمر كله غنيمة لكن كما ذكرت في زمن من الأزمنة يكون نشاط الإنسان في العبادة وقدرته على القيام بحق الله –عز وجل- أعظمَ منها في غيره من الزمان.
ولهذا من المهم أن نعتني بالزمان وأحواله، وأن نعرف أن لكل زمان من الحقوق والواجبات وأنواع القروبات ما يكون عونا للإنسان في التقرب إلى الله والسير إليه –جل وعلا-.
أيها الإخوة والأخوات نحن إلى الله صائرون وإليه سائرون وعما قريب به ملتقون جل في علاه ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾الانشقاق: 6 والراشد من عمَّر هذا الزمان بتغير أحواله وتقلب أيامه وتصرِّف ما فيه من حوادث ووقائع أن يكون ذلك مقربًا له إلى مولاه، معينًا له في تحقيق طاعة الله –عز وجل- وبهذا يُدرك الخيرَ العظيم والفوز الكبير. والله تعالى يقدِّر الليل والنهار، فهو –سبحانه وتعالى- يطيل الليل بُرهة ويطيل النهار برهة كل ذلك لتحقيق غايات وأسرار ومقاصد.
قبل أن ننتقل إلى ما يتصل بالأحكام التي ينبغي أن يُتنبَّه لها فيما يتعلق بفصل الشتاء من حكم الله تعالى في تنويع الفصول هو تذكر ما يؤول إليه الإنسان من رحمة الله بعباده أن ما وعدهم به من النعيم وما وعدهم به من العقاب على المعصية والمخالفة أقام لهم في الدنيا نظائرَ وأمثالًا يعني أقام لنا أيها الإخوة والأخوات في هذه الحياة الدنيا ما يمكن أن ندرك به ما وعدَنا به من النعيم وذلك بما يسَّره من النعم والملذات التي يدرك الناس بها شيئًا يفهمون به ما وعدهم الله تعالى في الآخرة وإن كان الفرق شاسعًا بين نعيم الدنيا والآخرة.
كذلك ما يتعلق بالعذاب والعقوبات، أقام الله في الدنيا من الحوادث والواقع التي تمرُّ بالإنسان في نفسه أو يراها في غيره ما يكون عبرةً له ويدرك به ما يكون في الآخرة ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- قال للمرأة الملاعنة قال لها:((إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة))[مسلم:1493/4] فجعل ما تعرفه من عذاب الدنيا دليلًا على ما يكون في عذاب الآخرة مع التنبيه إلى البون الشاسع والفرق والعظيم بين هذين؛ ولهذا أقام الله في أحوال الناس الكونية والطبيعية ما يتذكرون به ما يكون في الآخرة لكن من يعتبر؟ من يتَّعظ؟ من يفتكر ويحضِّر ذهنه في مثل هذه الأمور؟
أيها الإخوة والأخوات إن شدة الحر وشدة البرد يذكران بما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- من عذاب أهل النار أعاذنا الله وإياكم منها وأجارنا الله وإياكم من النار، فقد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- في النار نوعين من العذاب أجارنا الله منهما الحر الشديد والبرد الشديد الحر والزمهرير في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اشْتَكَتِ النّارُ إلى رَبِّها، فَقالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَها بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ»[البخاري:3260، مسلم:617/185].
ثم بين –صلى الله عليه وسلم- ما يدرك الناس به هذين النوعين من عذاب النار لأهل النار أجارنا الله منها «فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ» هذا في الصيف «وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ» هذا في الشتاء،كلاهما من النفَسِ الذي أذن الله تعالى به للنار لأجل ألا يأكل بعضها بعضا فإنها اشتكت إلى الله كما جاء في هذا الحديث في الصحيحين.
والمقصود أن الله تعالى أخبر أن أهل النار لا يقِرُّ لهم فيها قرار في حالٍ يُسَرُّون بها بل هم كما قال تعالى: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا﴾النبأ: 24- 25 فجهنم يعذَّب أهلها بالحر والزمهرير، فالغسَّاق هو شدة البرودة التي تكون مُهلكة، ولذلك قال ابن عباس الغسَّاق: الزمهرير البارد الذي يحرق من برده[تفسير الطبري:24/165]
ولذلك قوله تعالى: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا﴾النبأ: 24 أي بردًا يتنعمون به، ولا شرابًا يهنئون به مع أنهم يشربون الحميم الذي يقطِّع أمعاءهم، ويجري عليهم من شدة البرد الذي يحرق أبدانهم ولذلك قال الحسن –رحمه الله- :كلُّ بردٍ أهلك شيئًا يعني في الدنيا فهو من نفس جهنم[التمهيد لابن عبد البر:5/8]ولذلك تجد أن البرد أحيانًا يحرق الأشجار ويؤذي الثمار كما يؤذي الأبدان، وقد يهلكها.
فيا من آذاه حر الصيف ويا من أزعجه برد الشتاء! تذكر بهذين الحالين: عذاب أعده الله لمن عصاه فاجتنب ذلك ما استطعت، فاتقوا الله ما استطعتم وأتبع الحسنة السيئة تمحها، فإن الإنسان لا يخلو من خطأ، ولا يخلو من تقصير، وليس فينا معصومٌ غير سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه.
لكننا نجاهد أنفسنا في تحقيق طاعة الله –عز وجل- وتحصيل رضاه –سبحانه وبحمده-، ونبذل وسعنا في التخفف من السيئات بالتوبة والاستغفار وصالح الأعمال، إن الحسنات يذهبن السيئات، وأعظم الحسنات المذهبة للسيئات طلب المغفرة والعفو من العزيز الغفار.
هذه جملة من العبر والعظات والوقفات فيما يتعلق بحِكَم تعاقب هذه الفصول وهذه المواسم، ولننتقل بعد ذلك إلى بيان بعض أوجه الطاعة والإحسان التي في هذا الفصل فصل الشتاء انطلاقًا من قول النبي –صلى الله عليه وسلم- «الشِّتاءُ رَبيعُ المُؤْمِنِ؛ طالَ ليلهُ فقامَهُ، وقصُرَ نهارُهُ فصامَهُ».[أحمد:11716، وأبو يعلى:1061.وسنده ضعيف]
المقدم:- فضيلة الشيخ دعنا ننتقل إلى الجزء الثاني الذي سنتحدث عنه، وهو عن مجموعة من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام أو ما ورد في فصل الشتاء تحديدًا من أحاديث المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الشيخ:- أخي الكريم الشتاء يعني لم يرد ذكره في القرآن إلا في موضع واحد وهو ما أشار إليه –جل وعلا- من إنعامه على قريش بما ألِفوه من الرحلة التي تكون في فصل الشتاء قال الله تعالى: ﴿لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾قريش: 1- 4 هذا ما يتصل بالقرآن الكريم وهو إنعام الله –عز وجل- على عباده بتقلُّب هذه الفصول، وما يحصل لهم بها من مصالح ومنافع فيما يتعلق بالأحاديث النبوية، الأحاديث النبوية جاء فيها عدد من الأحاديث التي تَذْكُر وتُذَكِّر بنعمة الله تعالى في الشتاء منها هذا الحديث الذي ذكرناه قبل قليل وهو في مسند الإمام أحمد وفيه قال النبي –صلى الله عليه وسلم- «الشِّتاءُ رَبيعُ المُؤْمِنِ طالَ ليلهُ فقامَهُ وقصُرَ نهارُهُ فصامَهُ»، هذا الحديث في إسناده بعض المقال من حيث الثبوت، فأشار النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث إلى عبادتين يسرهما الله تعالى للمؤمن يتناسبان مع هذا الفصل، وهما يسر القيام لطول الليل، وأن الإنسان يأخذ من النوم حاجته فإن استيقظ قبل الفجر ويصلي ما كتب الله تعالى له أو يصلي أول الليل وينام ويأخذ حاجته من النوم.
وقد جاء وصف الشتاء بأنه غنيمة باردة جاء ذلك في حديث رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث عامر بن مسعود وفيه بعض المقال، وجاء في حديث عن جابر رضي الله تعالى عنه أيضًا لا يخرج إسناده من ضعف الشتاء والصيام في الشتاء الغنيمة الباردة «الصومُ في الشتاءِ الغَنيمةُ الباردةُ»[الترمذي:797، أحمد18960من حديث عامر بن مسعود الجمحي.وإسناده ضعيف، قال الترمذي:هذا حديث مرسل؛ عامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم]وجاء عن جملة من الصحابة كلماتٌ متفرقة فيما يتعلق بالشتاء وشأنه.
وعلى كل حال المشاهَد أن الشتاء فيه من الفرص ما يتعلق بأنواع القربات ما ينبغي أن يبادِر إليه المؤمن وأن يغتنم جنانه فيما يقربه إلى ربه، والناس يختلفون في هذا وتختلف أحوالهم.
مما جاء به النص اغتنام هذا الزمان في القيام، والقيام من العبادات الجليلة التي يدرك الناس بها خيرًا عظيمًا قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا﴾الإنسان: 26 وذكر الله تعالى في صفات عباده المتقين ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾السجدة: 16 وقد أعدَّ الله لهم ما لا يَرِدُ لهم على بال، فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قُرَّة أعينٍ جزاء بما كانوا يعملون، فقيام الليل يجب أن يجدَّ فيه الإنسان ليحصل نصيبًا منه، فإن ذلك مما يقرِّبه إلى الله جل في علاه من أنواع العبادات التي ينبغي أن يبادِر إليها الإنسان ليُسْرِها في فصل الشتاء.
الصوم فإن الصوم عبادةٌ جليلة وقد ذكر النبي –صلى الله عليه وسلم- فيها من الفضائل ما ليس في غيرها من العبادات من ذلك قول النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه «إلّا الصَّومَ؛ فإنَّهُ لي، وأنا أجزي به، يَدَعُ طَعامَهُ وشَرابَهُ مِن أجْلي». [البخاري:5927، مسلم:1151/164]
فجعل أجر الصيام جائزًا متجاوزا قانون التقدير والحساب، حيث لم يجعله الحسنةَ بعشر أمثالها بل قال: الصوم لي وأنا أجزي به، هذه من النوافل والعبادات التي ينبغي أن يجِدَّ فيها الإنسان ولاسيما إذا كان هذا قضاءَ واجب أيضًا يكون ذلك من عون الله على من العبد أن يقضي ما عليه من فرائض كان عليه صوم قضاء واجب كصوم الكفارات أو نحو ذلك.
هذا ما يتصل بما يتناسب مع هذا الزمان من أنواع العبادات التي يسيرها الله تعالى لعباده ويعينهم عليها في هذه الأيام المباركة أو بهذا الزمان الذي إذا اشتغل فيه الإنسان بما يعينه بالقرب من ربه كانت مباركة عليه بما فيها من الصالحات.
أيها الإخوة والأخوات ثمة أمورٌ ينبغي التنبُّه لها تتعلق ببرودةِ الجوِّ، من ذلك ما يتعلق بالطهارة، وهنا أمر ينبغي أن يَتنَبَّه له الإنسان، الطهارة مفتاح الصلاة ولذلك قال الله –جل وعلا- في كتابه الحكيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾المائدة: 6 فجعل الأمر بالطهارة الصغرى والطهارة الكبرى في قوله تعالى في محكم كتابه ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾المائدة: 6 فذكر الله الطهارتين في مُقدَّم الصلاة، ولا ينبغي أن يغفل إنسان عن أنه لا يقبل الله صلاةَ أحد إذا أحدث حتى يتوضأ، ولهذا جاء النص بذلك وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتّى يَتَوَضَّأَ»[البخاري:6954] ولهذا من المهم أن يعتني المؤمن بطهارته بحكم شدة البرودة يقع من بعض الناس ألوان من التقصير في الطهارة وذلك إما لترك الصلاة بالكلية كذا بالعذر بأن الجوَّ بارد وأنه يصعب عليه الوضوء، وإما أن يكون ذلك بالتخفف مما يجب عليه من الوضوء بالانتقال إلى التيمم، وإما أن يكون مع كونه ممن يجب عليه الوضوء، وإما أن يكون هذا بعدم إسباغ الوضوء عدمِ تبليغ الماء الأعضاءَ التي يجب أن تبلغ فهذه صور كلها يحصل فيها إخلال.
ولذلك ينبغي أن يتنبه الإنسان ففيما يتعلق بالطهارة ينبغي أن يدرك أن الصلاة لا تُقبل من غير طهارة هذه قضية لا خلاف فيها بين أهل العلم وقد جاء النص عليها من كلام سيد الأنام صلوات الله وسلامه عليه ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال –صلى الله عليه وسلم-: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتّى يَتَوَضَّأَ»[سبق تخريجه]سواء كانت فرضًا أو نفلا ،ولذلك الذين يصلون بلا وضوء هؤلاء يعبثون إذ إن هذه الصلاة ليست مقبولةً ولا هي محلَّ رضا الله –عز وجل- بل هي مردودةٌ على أصحابها.
فلابد من الطهارة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾المائدة: 6 لابد من الطهارة الصغرى للوضوء أو الطهارة الكبرى إن كان الإنسان عليه جنابة في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾المائدة: 6 فلا يقبل الله صلاة أحدٍ حتى يتطهر هذا ما يتعلق بالطهارة.
التيمم لا يصار إليه إلا في حال العجز؛ ولذلك جعله الله تعالى مخرجًا للناس وتخفيفًا عليهم فيما إذا لم يجدوا ما يحصل لهم به التطهر بالماء قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾النساء: 43 .
فجعل الله تعالى التراب الصعيدَ الطيبَ بدلًا عن الماء في حال عدم الوجود ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ ولذلك لا يجوز المصير إلى التيمم إلا في حال عدم الماء، وعدم الماء نوعان:
عدم حقيقي بألا يكون هناك ماءٌ أو يكون هناك ماء لا يكفي للطهارة.
والحال الثانية أن يكون الإنسان يجد الماء لكن عدم حكم هو قادر على الماء ولكنه لا يستطيع أن يستعمله.
المقدم:- فضيلة الشيخ ما هو ضابط شدة البرودة وعدم القدرة على استخدام الماء لو وجد؟
الشيخ:- ففي هذه الحادثة إذا كان الإنسان عدمه حكميًّا بمعنى أنه عنده ماء لكن لا يستطيع أن يستعمله إما لمرضٍ وإما لعجز وإما لشدة البرد هنا يجوز للإنسان أن ينتقل من الوضوء إلى التيمم، وهنا حدثٌ وقع لأحد الصحابة رضي الله تعالى عنه وهو عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنه- ففي السنن والمسند بإسناد جيد[أبو داود:334، أحمد:17812. وهو صحيح، قال الحاكم:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.ووافقه الذهبي] أن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال: احتَلَمتُ في ليلة باردةٍ في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلِك خاف إذا اغتسل بالماء أن يهلك من شدة البرودة فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبحَ فذكروا ذلك للنبي –صلى الله عليه وسلم- أي أخبروه أن عمرو أجنب ولم يغتسل بل تيمم وصلى بهم فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنبٌ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، يعني بيَّن له لماذا لم يغتسل؟ وقلت: في بيان اعتذاره إني سمعت الله يقول:﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيما﴾[النساء:29]فضحك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولم يقل شيئًا، يعني أقرَّ عمرو بن العاص على فعله حيث أنه استدل بالآية على ترك الاغتسال خوف الهلاك من شدة البرد، وبالتالي إذا كان الإنسان يخاف أن يهلك أو أن ينزل به ما يكره من أذى من مرض أو نحوه بسبب شدة البرد فله أن ينتقل من التطهر بالماء إلى التيمم كما فعل عمرو- رضي الله تعالى عنه- لكن هذا في حال وجود ما يخافه الإنسان حقيقةً لا وهمًا.
يعني بعض الناس فقط يريد أن يتخلَّص من المشقة أو يبعد عن نفسه العناءَ والتعب وأذى برودةِ الماء وليس أنه يخشى من ذلك ولكن ينبغي للإنسان أن يحتاط لدينه وأن يبذل وسعه فاتقوا الله ما استطعتم فإذا كانت حالُه منطبقةً على الحال التي يحصل بها الانتقال إلى البدل فلا بأس.
أما أن يكون هذا لمجرد التأذِّي ببرودة الماء فهذا ليس عذرًا ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه «ألا أدلُّكم على ما يكفِّرُ اللَّهُ بهِ الخطايا ويزيدُ بهِ في الحسناتِ قالوا بلى يا رسولَ اللَّهِ قالَ إسباغُ الوضوءِ على المكارِهِ»[مسلم:251/41] يعني التطهر طبعا ذكر الوضوءَ ومثلُه الغسل على ما يكره الإنسان يعني على شدة برد يكره معه برودة الماء أو شدة حر يكره معه سخونة الماء، فلذلك يجب أن يتقي الإنسان ربَّه وأن يبذل وسعه في أن يتطهر للصلاة على النحو المشروع هذا فيما يتعلق بالتيمم.
إذًا التيمم يجوز أن يصار إليه عند خشية الهلاك ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾النساء: 29 أما إذا كان الموضوع يتعلق فقط بالتأذي ببرودة الماء وليس أنه يخشى مرضًا أو هلاكًا فإنه عند ذلك يستعين بالله –عز وجل- ويصبر على برودةِ الماء ويتذكر قولَه –صلى الله عليه وسلم- إسباغ الوضوء على المكاره فيما يرفع الله به الدرجات ويحط به الخطايا.
الصورة الثالثة مما يتعلق بالتقصير في التطهر هو عدم إسباغ الوضوء ما معنى عدم إسباغ الوضوء؟ يعني أن يقصِّر في أن يبلغ الماءُ العضوَ المأمور بتبليغه، فتجده يغسل وجهَه غسلًا لكن غسلا لا يستوعب ما يجب استيعابَه، يغسل يديه على نحوٍ من الغسل الذي لا يحصل به المطلوب من إمرار الماء على كامل العضو من رءوس الأصابع إلى المرفقين، ومثله غسل القدمين فتجده يفرِّط في هذا ويكون في هذا داخلًا فيما جاء به الوعيد في قول النبي –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه «ويلٌ للأعقابِ من النّارِ»[صحيح البخاري:ح60، ومسلم:241/26] فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- أدرك أصحابَه رضي الله تعالى عنهم وقد حصل منهم نوعُ تقصير في غسل أعقابهم، العقب مؤخَّر القدم فلما رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- هذا التقصير قال لأصحابه «ويلٌ للأعقابِ من النّارِ» فذكَّرهم النبي –صلى الله عليه وسلم- بضرورة العناية بالأعقاب، وهي مؤخر القدم في إسباغ الوضوء، ولم يكن ذلك رضي الله تعالى عنهم إلا أنهم وصلوا كانوا في نوعٍ من العجلةِ لإدراك الصلاة فلما رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- منهم هذا التقصير قال لهم بلسان بيِّنٍ واضح «ويلٌ للأعقابِ من النّارِ» وقد جَهَر بها –صلى الله عليه وسلم- بأعلى صوته هذا عبد الله بن عمرو يقول: تخلف عنا النبي –صلى الله عليه وسلم- في سفرة سافرنها فأدرَكَنا وقد أرهقتنا الصلاة يعني تأخَّرنا تأخرًا خشينا معه من فوات الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا نمسح وليس نغسل فنادي بأعلى صوته النبي –صلى الله عليه وسلم- مرتين أو ثلاثة «ويلٌ للأعقابِ من النّارِ» ولهذا يا إخواني ينبغي أن نتنبه لهذا وأن ننبَّه أبناءنا وبناتنا ونتواصى بذلك أن تكون طهارتُنا وافيةً على نحو يحصل بها ما يجب من إسباغ الوضوء.
هذا ما يتصل بما يتعلق بالطهارة، فيما يتصل بالغسل هناك أيضًا مسألة أخرى قد يُحتاج إليها في فصل الشتاء فيما يتصل بالمسح على الخفَّين، المسح على الخفين رخصة دلَّ عليها القرآن، ودلَّت عليها السنة وأجمع عليها علماء الأمة، فالمسح على الخفين ثبت بالكتاب والسنة، وأجمع عليه علماءُ الأمة وقد فعله النبي –صلى الله عليه وسلم- وبيَّن ما يتعلق به من الأحكام، أما القرآن فقول الله –عز وجل-: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾المائدة: 6 بقراءة الخفض قراءة الجرِّ فإنها أشارت إلى المسح على الخفين.
والخفان: هما كل ما يستُر القدَمَ مما جرت العادةُ بلبسه عليهما سواءً كان ذلك من جلود أو كان ذلك من غيرِه من المصنوعات أو من الخِرَق والمنسوجات التي تُلبس على الأقدام، كل ذلك مما يكون به المسح المأمور به.
ومن مقاصد المسح على الخفاف يعني الناس يلبسون الخفاف لأسباب عديدة، ومنها التدفئة ولهذا سميت التساخين كما في حديث ثوبان بعث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سريَّة فأمرهم أن يمسحوا على العصائب -ما يعصب على الرءوس من العمائم- والتساخين[أبو داود:146، وأحمد:22383. وهو صحيح] يعني الخفاف؛ لأنها تسخِّن القدم ويحصل به أنواع من التدفئة فيُمسح على الخفين.
وليعلم أن المسح على الخفين في قول جمهور العلماء محدَّدٌ بمدَّة للمسافر والمقيم، فالمسافر يوم وليلة، والمقيم ثلاثةُ أيام بلياليها كما في حديث عليٍّ رضي الله تعالى عنه جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- «ثلاثةَ أيامٍ ولياليَهنَّ للمسافرِ، ويومًا وليلةً للمُقيمِ»[مسلم:276/85] حساب هذه المدة من الحدث بعد اللبس في قول جمهور العلماء[الشافعي, وأبو حنيفة، وظاهر مذهب أحمد. انظر المجموع:1/470، المغني:1/291] وقال آخرون: من المسح بعد الحدث[وهو قول أحمد والأوزاعي، والنووي، واختاره ابن عثيمين. مسائل أحمد لأبي داود(10), المحلى(2/95)] لكن الأقرب -والله تعالى أعلم- أن حساب المدة يبتدئ من الحدث بعد المسح، فإذا لبس الإنسان الخفَّ الساعة السابعة صباحًا وحصَلَ منه الحدثُ الساعة العاشرة فله أن يمسح إن كان مقيمًا يومًا وليلة أي إلى الساعة العاشرة من اليوم التالي صباحًا وهكذا إن كان مسافرًا فثلاثة أيام له أن يمسح من نهاية اليوم الثالث.
هذا ما يتصل بمدة المسح وفيما يتصل بالمسح أيضًا ما يتعلق بأنه يشترط للمسح على الخفِّ أن يلبِسَه على طهارة لقول النبي –صلى الله عليه وسلم- للمُغيرة بن شعبة لما هَمَّ أن ينزع خفَّه قال: «دَعْهُما، فإنِّي أدْخَلْتُهُما طاهِرَتَيْنِ»[البخاري:206، مسلم:274/79] هذا إشارة إلى بعض ما يتصل بالطهارة في شأن الصلاة وما يناسب ذلك مما يتعلق بالشتاء.
المقدم:- فضيلة الشيخ عفوًا قبل أن تكمِّل في مسألة المسح على الخفين هل هناك شروط أخرى فيما يتعلق بستر كعبِ القدم أو نفس الجوارب أو الخفين التي يلبسها الإنسان هل لها شروط معينة للمسح عليها أو لا؟
الشيخ:- جمهور العلماء على أن الجورب أو الخف الذي يمسح عليه يشترط فيه أن يكون ساترًا لمحل الفرض إلى هذا ذهب جمهور العلماء[الشافعي، وأحمد.انظر الأم:1/28، المغني:1/287] والذي يظهر والله تعالى أعلم أن كل ما يصدق عليه أنه خفٌّ سواء كان ساترًا لجميع الفرض أو أنه ساترٌ لمعظمه وغالبه بأن بدا منه شيءٌ من القدم شيء بسبب خَرق أو بسبب طريقة صنع فلا حرج في المسح عليه فيما يظهر والله تعالى أعلم؛ فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- أطلق المسح على الخفين وأباحهما: ولم يكن ثمة اشتراطاتٌ لهذا الخفِّ لأن يكون ساترا لمحل الفرض بل المقصود هو أن يكون ساترًا لغالِبه ومعظمِه، وأن يكون مما يصدُق عليه أنه خفٌّ تستر به القدم، وبالتالي لو كان يعني الملبوس دونَ الكعب مما يستر القدم أو كان فيه خروقٌ أو نحو ذلك فلا حَرَج[مذهب الإمام مالك وأبي حنيفة، واختاره ابن المنذر وابن تيمية.المدونة1/44، المبسوط1/100]، والأحوط أن يكون ساترًا لكن لو أنه وقع بأن مسح الإنسان على هذا النوع من الخفاف والجوارب فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى.
المقدم:- فضيلة الشيخ أدركَنا الوقت كثيرًا لو نختم في دقيقة لو تكرمت.
الشيخ:- هذه بعض التنبيهات التي تتصل بهذا الفصل ومما ينبغي أن يُتنبَّه إليه ما يتصل بالجَمع بين الصلوات والحرص على أدائها في وقتها، من الناس من يفرط بسبب برودة الجوِّ في صلاة الفجر فيؤخرها إلى طلوع الشمس، وهذا لا يجوز، وهو من عظائم الذنوب وكبائر الإثم أن يُخرِج الإنسان الصلاة عن وقتها من غير عذرٍ، لكن فيما يتصل بالجَمع إذا دعا إلى ذلك داع من أذى كمطرٍ يحصل به مشقةٌ أو نحو ذلك فلا حرج أن يجمع الإنسان بين الصلاتين صلاة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
والذي ينبغي يستحضره الإنسان في كل شأنه أن يحقِّق ما يُرضي ربه جل في علاه في جميع أحواله ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾الطلاق: 2- 3
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يستعملنا فيما يحب ويرضي في جميع زماننا وكل أحوالنا.
المقدم: شكر الله لك وكتب الله أجرك فضيلة الأستاذ الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم شكرا جزيلا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت به هذه الحلقة.
الشيخ: أشكرك وأشكر الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات وأسال الله أن يعمنا بفضله وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى وأن يسددنا في القول والعمل، وأن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين ووليَّ عهده إلى ما يحب ويرضي، وأن يوفِّق ولاة المسلمين إلى ما فيه خير البلاد والعباد وأن يعمَّ البشرية بما فيه الخير والصلاح وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.