يقول المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ: عن أَبِي موسى رضي اللَّه عنه قال: احْتَرق بيْتٌ بالْمدِينَةِ عَلَى أَهلِهِ مِنَ اللَّيْل فَلَمَّا حُدِّث رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِشَأْنِهمْ قال: «إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ» متَّفقٌ عليه.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد...
معنى النار في هذا الحديث:
هذا الحديث الشريف حديث أبي موسى الأشعري ـ رضي الله تعالى عنه ـ فيه خبر احتراق بيت في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا الحدث وهو أن بيتًا احترق في المدينة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ» هذه النار المشار إليها نار الدنيا، وقال بعض أهل العلم: المراد بها نار الآخرة، لكن الذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أن المقصود في هذا السياق، في هذا الحديث نار الدنيا.
معنى عداوة النار للمؤمنين:
ومعنى كونها عدوًا لنا مع أن الله ـ تعالى ـ جعلها نعمة للناس حيث قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ[71] أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ[72] نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ﴾[الواقعة:73]، تذكرة يتذكر بها الإنسان العقوبة الأخروية، ومتاعًا للمقوين أي متاعًا للمسافرين يوقدون بها ما يحتاجون إيقاده إنضاج طعام وغير ذلك، وهي متاع للمسافرين ولغيرهم.
فقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ» أي أناه إذا أهملت ولم توضع في مكانها كانت عدوًا تؤذي الإنسان، فكل ما آذى الإنسان فهو عدو له، ولذلك قال الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ﴾[التغابن:14] مع أنهم ممن تفرع عن الإنسان وهم أقرب الناس إليه، لكن عندما كان هؤلاء في سياق الإضرار بالإنسان صارت العداوة قائمة، أو صار موصوفًا بالعداوة.
ومنه هذا الحديث قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ»، ثم إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر ما يتوقى به هذا العدو من ضرر وأذى، فقال: «فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ» يعني إذا كان وقت النوم فإنها تطفأن وقد جاء الأمر بهذا في عدة أحاديث، في حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ: «إنَّ هَذِهِ النَّارَ عدُوٌّ لكُمْ، فَإذَا نِمْتُمْ فأَطْفِئُوها»، وهذا معناه ما جاء في الأحاديث الأخرى التي أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها بإطفاء السرج، وإطفاء المصابيح؛ لأنها كانت توقد في ذلك الزمان من النار، ويخشى أن يكون منها ضرر على الإنسان في الليل.
الحذر من كل أسباب الضرر والأذى:
ولهذا ينبغي للإنسان أن يحذر كل ما يمكن أن يكون سببًا من أسباب الأذى وإن كان ينتفع به، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرشد إلى توقي الأخطار، وأخذ أسباب السلامة، وهذا التحذير النبوي في النار لا يقتصر عليه بل يشمل كل ما يمكن أن يصدر منه أذى فالمكيفات على نحو من الاستعمال الذي يمكن أن يكون مفضيًا إلى إحراق، الأفران، الأجهزة الكهربائية، الأجهزة التي تستعمل في شحن الجوالات، الأسلاك الكهربائية في داخل البيوت... كل هذه الأمور ينبغي أن يتقى ما يمكن أن يكون فيها من ضرر؛ فإنها تكون في حال إهمالها أو في حال وضعهما موضع الخطر والضرر عدوًا للإنسان، وهذا معنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إِنَّ هَذِهِ النَّار عَدُوٌّ لكُمْ» وفي رواية احذروا هذه النار فإنها عدو لكم.
الشريعة جاءت بإصلاح الدين والدنيا:
والمقصود أنه ينبغي للإنسان أن يجتنب كل ما يمكن أن يكون من أسباب الضرر، الشريعة جاءت بإصلاح الدين، وإصلاح الدنيا، ومن إصلاح الدنيا توقي الأضرار الدنيوية. الأمر في هذا الحديث هل هو على الوجوب أو على الإرشاد؟
من العلماء ـ رحمهم الله ـ من حمله على الوجوب، ومنهم من حمله على الإرشاد، وأن ذلك على وجه التوجيه لمصلحة دنيوية، فينبغي للإنسان أن يحرص على توقي الخطر سواء أن كان وجوبًا، أو استحبابًا، أو إرشادًا.
رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:
ومن فوائد هذا الحديث شمول الشريعة لمصالح الدين والدنيا، ومن فوائده أيضًا رحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذه الأمة كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة:128].
فوجه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه لما سمع بهذا الحديث هذا التوجيه الذي فيه مصلحة.
وفيه أن الإنسان إذا سمع خبرًا ينبغي أن يقتنص ما يمكن أن يكون فيه من فائدة:
وألا تكون أحاديث الناس لمجرد تناقل الأخبار، والأحوال، والحوادث دون أن يكون في ذلك توجيه لما يصلح، واعتبار، واتعاظ، فإن السعيد من وعظ بغيره. اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.