المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم .. مستمعينا الكرام في كل مكان، طبتم وطابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلاً وسهلاً بكم معنا في بداية هذه الحلقة لبرنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحيات الزملاء من الإخراج "سالم بن جاسم" و"ياسر زيدان"، وتقبلوا أجمل تحية مني محدثكم "وائل حمدان الصبحي" أهلاً وسهلاً ومرحبًا بكم.
ضيف حلقات برنامج الدين والحياة هو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور "خالد المصلح" أستاذ الفقه بجامعة القصيم .. فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلا وسهلا بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ خالد: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك حياك الله أخي وائل، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول شبكات التواصل الاجتماعي بين البناء والهدم، فضيلة الشيخ سيكون حديثنا بمشيئة الله تعالى حول شبكات التواصل ومدى تأثيرها أيضًا الإيجابي والسلبي في حياة الناس، وأيضًا بعض الملاحظات السيئة والسلبية التي تؤثر على حياة الناس من خلال هذه الشبكات. ابتداء فضيلة الشيخ بودي أن نعطي مقدمة عن التقنية والتقدم التقني في وقتنا الحالي، وتأثيره أيضًا على كل نواحي الحياة في حياة الناس سواءً الجوانب الدينية والاجتماعية وغيرها من هذه الجوانب.
الشيخ خالد: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير، والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
فالإنسان خلقه الله تعالى بطبيعته، وبجبلته يبحث عن الأُنس، والاختلاط والاشتراك مع غيره. الإنسان كما يُقال: مدنيٌّ بطبعه؛ لأنه جُبِل على المشاركة، وعلى المخالطة، ولا تقوم مصالح دينه ولا دنياه، لا مصالح معاشه ولا مصالح معاده إلا بالمخالطة، وبالتالي كان من المهم أن يُبَيَّن ما يكون من تأمين آداب اختلاط الإنسان بغيره، وصور السلامة في هذا الاختلاط وهذه المعاشرة، وهذه المعايشة مع الغير.
ولذلك منذ خلق الله تعالى آدم وجَّهَه إلى ما يكون من شأن المخالطة والاحتكاك بغيره، فلما خلقه الله عز وجل أرسله إلى جماعة من الملائكة وأمره بأن يلقي السلام عليهم وأن ينظر ماذا يجيبون، فذهب فأمره الله تعالى أن يقول لهم: السلام عليكم، فلما سلَّم عليهم ردوا عليه: «وعليكم السلام ورحمة الله فزادوه ورحمة الله، فقال له الله جل وعلا: هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك»صحيح البخاري (3326)، وصحيح مسلم (2841 .
وهذه إشارة إلى الطبيعة البشرية، وأن الإنسان بطبيعته وبخلقته له لا ينكفئ على نفسه، ولا ينعزل عن محيطه حتى من غير جنسه، فليسوا من جنس الإنسان ومع ذلك كان ثمة مخالطة بين آدم عليه السلام وهو أول البشر خلقًا، وبين الملائكة وهم محيطه في ذلك الوقت، وبالتالي لابد للإنسان أن يعرف أن هذا الاشتراك مع الخلق لابد أن يتحلى بالآداب والأخلاق وسمات وخصال يجني بها خيرات هذا الاشتراك مع الناس والتواصل معهم ويتوقَّى شعورهم.
دَرَج الناس في حياتهم على أنماط من التواصل مختلفة عبر الزمان كما ذكرت عن اختلاط آدم عليه السلام بالملائكة في أول الخلق ثم خلق الله تعالى له ما يُؤنِسه من جنسه، وهو حواء ثم تفرَّع من ذلك ما تفرع من خلق الله، ولو كان بين الإنسان والشيطان من الخُلطة ما بيَّن الله لآدم عليه السلام وزوجِه عليهما السلام ما ينبغي أن يُتوقَّى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا﴾الأعراف:19-20 ، فذكر الله تعالى الخلطة الإيجابية والطبيعية التي تكون بناءً للإنسان وخيرًا له، والخلطة التي ينبغي أن يحذرها وأن يتوقَّى شرورها وهي خلطته بالشيطان وما يدعو إليه من خطوات توقِعه في أنماط الهلاك وصور الفساد.
قلت: إن أوجه التواصل البشري جَرَت عبر الزمان على نمطٍ معين حسب ما نطالعه ونقرؤه في التاريخ، وفي السير، وفي التاريخ البشري الإنساني، وكانت أوجه التواصل يحدُّها أحيانًا الزمان، ويحدُّها المكان وقد يحدها أحيانًا حدودٌ أخرى غير الزمان والمكان كالعِرق والجنس واللسان وأشبه ذلك، فاختلف الناس من جهة قوة تواصلهم عبر الزمان باختلاف أحوالهم وأماكنهم وحضاراتهم، لكنه يجمعهم أنه لم تكن خلطتهم عبر الزمان المحفوظ المعروف إلا على نمط فيه نوعٌ من الحدود التي كانت تحد الناس، وكانت تضبط أو تبين الدائرة التي تقع فيها المخالطة بينهم.
إلى أن حصلت الثورة الثنائية التي جاءت بمنتجات ومُخرَجات غيَّرت حياة الناس تغييرًا جبريًّا حتى أصبحت على صورةٍ لم يكن بها عهد، ولم يكن لهم بها معرفةٌ قبل هذا التطور، وهذا الانفجار المعرفي الذي عايشه الناس. ومن ذلك ما يتصل بشبكات التواصل وأوجه التواصل بين الناس فإنها أخذت منحًى لم يكن للناس به عهدٌ، وطلع يعني ظهرت في صور لم يكن الناس يعرفونها من قبل حتى أن التواصل جاز كل الحدود، وكل الحواجز، وكل الأمور التي عهدها الناس.
التواصل بين الناس لا يحدُّه زمان ولا يحده مكان، ولا يحده جنس، ولا تحده لغةٌ، حتى اللغة يعني أصبح التواصل بين الناس اللغة ليست عائقًا، ها الحين تشاهد تواصل أناس قد لا يعرف بعضهم حرفًا من لغة الآخر، لكن يكون بينهم من التواصل، يكون بينهم من الاشتراك ما يجعلهم يقيمون أنواعًا من المشاركة فيما بينهم على وجه من الأوجه عبر وسائل الترجمة، عبر وسائل التعبير ولو حتى بالإشارة، ففاق التواصل بين الناس التواصل المعهودَ إلى تواصلٍ غيرِ معهود لا من حيث اللسان، ولا من حيث الزمان، ولا من حيث المكان، ولا من حيث العِرق، ولا من حيث العمل، ولا من حيث..
كل الحدود التي كانت موجودة تجاوزتها هذه التقنية، وهذا الانفجار المعرفي الذي حوَّل تواصل الناس إلى صورة لم يكن لهم بها عهدٌ ولا معرفة، فأتاحت لكل راغب أن يشكِّل ما يشاء من الصلات، كل إنسان يشكل في تواصله مع من يشاء من الناس ما شاء في عالمٍ افتراضيٍّ متنوع مختلف لا يضبطه ضابط، لا حد له مكانًا، ولا زمانًا، ولا جنسًا، ولا سِنًّا، فيه تواصل بشري واسع الانتشار يكاد أن يستوعب العالم بكل ما فيه.
فكما أن التواصل استوعب جميع أوجه التواصل فثمة التواصل الصوتي، والتواصل الحرفي، والكتابي، والتواصل المرئي حتى ثمة أنواعٌ من الاختراعات التي تسعى وتجتهد في حتى المشاعر والأحاسيس وقياس ذلك فيما يتعلق بالوسائل الحديثة التي ابتكرها الناس لإيصال ما يكون بينهم من وشائج وصلاتٍ، وكان من أبرز وأكثر ما يؤثر على حياة الناس في هذه الصور المختلفة من صور التواصل شبكات التواصل الاجتماعي، فقد استوعبت أوجهَ التواصل الممكنة بين الناس ولم تكن مقتصرةً على سنٍّ، ولا على مرحلة عمرية معينة، ولا على جنس، ولا على مكان، ولا على لغة، ولا على دين، ولا على ثقافة بل كل أنواع الحواجز قد أزالها هذا النمطُ من أنماط التواصل الذي يصل فيه الناس بعضهم إلى بعض.
أحدث هذا نقلةً في حياة كثير من الناس، وصار الاشتغال بهذه الشبكات من أوجه التغيير هو تناقل الثقافات، والأفكار، وأنماط الحياة، وعدم الحصار بدائرة مكان أو زمان أو جنس أو جنس أو عرق فيما يتعلق بتشكيل الإنسان فكرًا ونفسية وثقافة، وما إلى ذلك مما يعتبر عواملَ رئيسةً في خصال وصفات الإنسان، ومن ذلك أيضًا أنه العالم الافتراضي الذي هو في شبكات التواصل أصبح عند بعض الناس هو الحياة الأساسية، أصبح ارتباط المعيشة الواقعية الحقيقية بالمحيط الذي تدركه حواسُّ اللمس والمباشرة عند بعض الناس أصبح ثانويًّا، في حين أن العالم الافتراضي أصبح هو الأساس وهو المستوعب لفكر الإنسان، والمستوعبَ لمشاعره، والمستوعب لاهتماماته.
ولذلك أنت لا تعدو أنك تجد اجتماع أبدان في مواضع كثيرة، ومناسبات عديدة لكن كل هذه الأبدان المجتمعة في مكان قد ترى بها هذه الشبكات حتى أصبح كلُّ بدنٍ وكل شخص من هؤلاء الأشخاص في قُطر، أو في اهتمام، أو في عمل أو في تواصل بينه وبين الآخر كما بين المشرق والمغرب.
وبالتالي أصبح العالم الافتراضي ذا تأثير كبير على الإنسان، وعلى فكره، وعلى دينه، وعلى أخلاقه، وعلى تعاملاته، وعلى معاشه، وعلى حاضره ومستقبله، فأصبح العالم الافتراضي يحاكي العالم الحقيقي حتى يكاد أن يخلقه في بعض الأحيان أو يمكن أن تقول: أن يلغيه.
وإذا نظرت إلى الدراسات والتوصيات التي تقوم بها المراكز المهتمة بالمسيرة البشرية وبهذا النمط من أنماط المؤثرات في حياة الإنسان تجد التوصيات المختلفة والآراء المتنوعة التي تسعى إلى ضبط هذا النمط من التواصل حتى لا يطغى على حياة الناس، فتجد التوصيات والتوجيهات والإرشادات وبيانَ المحاذير التي من خلالها يمكن أن يجنى ثمار هذا التواصل وتتوقى آثاره السلبية.
وبقدر ما يحصل من هذه الأوجه من أوجه التواصل بين الناس من خير ومنافع، وبناء الإنسان، ومعرفة وسائل للخير، بقدر ما تتهاوى فيه القيم، وتزلُّ فيه الأقدام إذا كان استعمالًا غيرَ راشد، أو إذا كان قد غابت القيم، والضوابط التي تضبط مسار الإنسان في هذا العالم المفتوح الذي لا يُردع فيه الإنسان عن الشر، وعن مزالق الخطر إلا أن يكون على وعيٍ ويقين مع توفيق الله عز وجل، على وعي بالمخاطر، ويقين بضرورة توقِّيها، ويُبعد ويقي نفسه مهاوي الشبهات والانحرافات الفكرية المتنوعة التي قد تحذفه وتجذبه إما إلى أقصى يمين أو إلى أقصى يسار.
وبالتأكيد أن الخطر لا يقتصر فقط على جانب الانحرافات السلوكية المتعلقة بشهوات الناس، سواءً فيما يتعلق بالمخدرات، أو فيما يتعلق بالفساد الأخلاقي، أو الإباحية أو نحو ذلك إنما ثمة أيضًا الأخطاء المتعلقة بالأفكار التي إذا لم يعِ لها الإنسان، ويكون على بصيرة في تَوقِّيهَا والحذر منها قد يعلق في شيء منها وتنشَب أظفارها في أفكار الناس، وتهوي بهم إلى انحراف إما انحلال وإلحاد، وإما غلوٍّ وإرهاب أو نحو ذلك من الأخطاء المحيطة.
لهذا وذاك من المهم أن نتوعَّى جميعًا، وأن نكون على وعي دائم بأن هذه الوسائل وسائل التواصل، شبكات التواصل بشتَّى صورها المسموعة والمرئية والحرفية وغيرها مما يحدث من أوجه التواصل بك أسماعها سواءً المنتشر في منطقة قد ينتشر في منطقة يعني نمط من التواصل أو على التطبيقات وينتشر في جهة أخرى نمط آخر لكن الجميع يشترك في كونه من أوجه التواصل البشري لابد أن يُضبط ذلك، ويقيَّد بما يقي البشرية مخاطر هذا النمط من التواصل المفتوح الذي يجعل الإنسان في بحرٍ متلاطم من الأخطار التي إذا لم يكن على وعي منها سيغرق.
تمامًا كالذي يقذِف بالإنسان في محيط متلاطم الأمواج دون أن يعطيه الأسبابَ التي يدرك بها النجاةَ من معرفة السباحة وما أشبه ذلك من وسائل النجاة وتوقي الأخطار في هذا البحر المتلاطم.
نتطرق إن شاء الله تعالى إلى جملةٍ من السلبيات التي هي معاولُ هدمٍ للإنسان في هذه الوسائل، وأما الجانب المشرق فهذا فِناءٌ واسع وهو لا ينحصر في صورة من الصور، ولا في نمط من الأنماط، ولا في جانب من جوانب حياة الإنسان يشمل كلَّ حياته في بناء الإنسان، وبناء فكره، وبناء معرفته، وبناء مصالحه في أمر دينه، وفي أمر دنياه في معاشه ومعادِه على حدٍّ سواء إلا أنه يعكِّر على هذا أن هذه الوسائل، وهذه الشبكات التي انخرط في استعمالها والاهتمام بها، والتأثر بها معظمُ الناس اليوم الجوانب السلبية التي لابد أن نكون على وعيٍ وعلى حذر، وعلى حضور ذهن في توقِّيها والسلامة منها.
المقدم: فضيلة الشيخ في هذا الجزء بمشيئة الله تعالى بودي أن نتحدث فضيلة الشيخ، وأن نسلِّط الضوء على بعض الجوانب السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي للتحذير منها، وأيضًا للفت الانتباه حولها لكي يعتني وينتبه لها الناس من خلال تعاملهم مع هذا الفضاء الرحب وهو وسائل التواصل الاجتماعي.
الشيخ خالد: عندما نتحدث عن الجوانب التي ينبغي أن يُحذر منها، عن المخاطر التي يجب أن تُتَوقى أو يتوعى لها الناس، نحن لا نتحدث عن مخاطر تتهدَّد فئةً من الفئات، يعني لا نتحدث عما يتصل بالمخاطر التي تتصل بالأطفال والصغار أو من كان في مراحل المراهقة أو نحو ذلك إنما نتحدَّث عن مخاطر تتهدد جميع الفئات العمرية.
شبكات التواصل انخرط فيها الصغير والكبير، الرشيد والسفيه، الذكر والأنثى، المتعلم والجاهل، ولذلك تجد أنه جميع تطبيقات التواصل "تويتر، "فيسبوك"، "سناب شات"، والإنستجرام"، وما إلى ذلك من الأسماء الكثيرة والصور العديدة التي تمثِّل أو هي نماذج من نماذج التواصل الذي انخرط في فئات كثيرة من الناس في شبكات التواصل الحديث، يدخلها الصغير والكبير، والذكر والأنثى، ويدخلها الحاضر والباد، والعاقل الرشيد والسفيه الضعيف.
وبالتالي نحن نقول: الجميع ينبغي أن يكون على وعي من هذه المخاطر، وعلى إدراك لعواقب الاستعمال السيئ لهذه الشبكات. هذه الشبكات خطورتها لا تتعلق في جانب من الجوانب يعني لا تنحصر في جانب الأخلاق ولا في جانب اقتصاد بل إن تأثيراتِ هذه الشبكات والعواقبَ السيئة الناتجةَ عن عدم وعي المستخدمين لها تطال جميعَ النواحي البشرية، جميع نواحي الحياة البشرية بلا استثناء فيما يتعلق بدينهم، فيما يتعلق بدنياهم، فيما يتعلق بمعاشهم، صحتهم، اقتصادهم، اجتماعهم، سياستهم، كل ما يكون من نواحي الاهتمام البشري يعتريه من التأثير ما يعتريه من خلال هذه الشبكات بأنواعها وصورها.
وبالتالي ينبغي أن نتهيأ جميعًا لأن نكون على وعي وإدراك أن مخاطر هذه الشبكات لا تنحصر في فئة عمرية، وبالتالي لن يكون أحد منا خارجًا عن دائرة الاهتمام بهذا الموضوع، العناية به، الحرص على التزوِّد بالأسباب المُعينة لتوقي ما يمكن أن يكون من الآثار السلبية والأخطار في استعمال هذه الوسائل، ولذلك تجد الانحرافات لا تقتصر على صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى في استعمالات هذه الوسائل بل هي شاملةٌ، ولمَّا أدركت الجهاتُ العالمية على وجه العموم في العالم كله مخاطرَ وسلبيات الاستعمال لهذه الوسائل وما إلى ذلك نشأ من الأنظمة والقوانين ما يكون ضمانةً لتقليل ما يمكن أن يكون من المخاطر، وتنبيه المستعملين إلى ما يكون من الشرور التي يمكن أن يتعرَّضوا لها من خلال استعمالاتهم لهذه القنوات التي من خلالها يكون التواصل بين الناس.
ولذلك تجد أنه في بعض البرامج قد يجري تنبيهٌ بالنظر إلى العمر أو السنِّ وأنه لا يستعمل دون السن الفلاني، المحددة المعينة وما أشبه ذلك من الضوابط وهي تختلف من ثقافة إلى ثقافة، ومن بلدٍّ إلى بلد.
المؤمن عنده ضوابطُ إلهيةٌ ربانية ينبغي أن لا تغيب عنه، وهذا لا يعني أن لا تُتَرجم هذه الضوابط الإلهية الربانية إلى أنظمةٍ وإلى قواعد، وبنود يمكن أن تضبط المسيرةَ الإنسانية.
الإنسان يحتاج إلى ضبط، الله عز وجل لما أمر آدم عليه السلام بدخول الجنة هو وزوجه أمره بأن يأخذ ما يشاء لكن نهاه وحذَّره من شيء، كذلك كلُّ أمر ندخله سواءً كان مما نلتذُّ به أو نكرهه ينبغي أن نعرف أن ثمة مخاطر لابد من الحذر منها، ترك الحبل على غاربه، غياب الوعي بهذه المخاطر يوقِع الإنسان في أنواع من الانحراف والفساد.
لذلك دخولنا إلى هذا العالم الافتراضي، إلى هذه الشبكات دون أن يكون عندنا وعيٌ بمخاطرها، ومزالقها، وأضرارها هو في الحقيقة إلقاءٌ بالنفس، والفكر، والدين، والأخلاق، والقيم إلى التهلكة، وتعريضٌ لها إلى ما يزلزلها، وقد يمحوها، وقد يستبدلها بما يكون ضارًّا على الإنسان نفسه على أسرته وعلى مجتمعه، ولذلك من المهم أن نكون على وعي، وأن نكون على بصيرةٍ في هذا الاستعمال، وأن نجعله استعمالاً راشدًا يعود علينا صغارًا وكبارًا ذكورًا وإناثًا بجميع مراحلنا العمرية بالخير والنفع لأنفسنا، ولديننا، ولوطننا، ولمجتمعنا، وأُسَرِنا، وبذلك نكون قد جنينا الثمار وتوقَّينا الأخطار.
بذلك نكون قد حصَّلنا المصالح وتوقَّينا المفاسد والأضرار، لهذا أُنبه إلى أن قانون ونظام الجرائم المعلوماتية الذي رُتِّب وعُمِّم ونشر وتُرجم تطبيقًا في حياة الناس اليوم هو من الوسائل التي يتوقون بها كثيرًا من الأخطار المتعلقة باستعمال هذه الوسائل.
ومن المهم أن نكون على وعي وثقافة بالتحذيرات والتنبيهات التي تضمنها هذا النظام لأنه "يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"أثر ينسب إلى الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه. الاقتضاب في غريب الموطأ، (1/467)، أخرجه الخطيب في التاريخ بسنده إلى عمررضي الله عنه(5/172) . فيكون الإنسان عنده وعيٌّ بجوانب الخطأ والخطر والمخالفة التي تقيه ما يمكن أن يكون من المزالق.
هذه الأنظمة لم تُجعل لأجل الحد من الاستعمال بل لأجل الترشيد في الاستعمال مثل أنظمة المرور، مثل سائر الأنظمة التي مقصودها وغرضها حماية الإنسان ووقايتُه في نفسه أن يتضرر في نفسه، أو أن يضر غيره.
من المظاهر التي ينبغي أن يتنبه لها أن هذه الوسائل وسائل التواصل أصبحت مَرتعًا خصبًا لكل أصحاب الأفكار بشتَّى صنوفها، وتنوعاتها التي تصطاد وتقتنص الناس لوسائل خفيَّة وطرائق متنوعة بعضها صريح، وبعضها مُلتوي، وبعضها مباشر، وبعضها متدرِّج للتأثير عليهم، وتغيير أفكارهم، وإحداث تحوِّل في ما يتعلق بثقافتهم أو دينهم أو ما أشبه ذلك مما يمكن أن يكون مصيدةًّ فكرية، سواءً كان ذلك بصور الانحلال والانحراف أو بصور الغلوِّ والتعصب والتشدد الذي يخرج به الإنسان عن الصراط المستقيم.
ولهذا من المهم أن يكون الإنسان على وعي، وعلى بصيرة في كل ما يتصل بالأوجه والوسائل التي تصل إليه سواءً كانت مسموعةً أو مكتوبة والأفكار التي يتطرق لها، لابد أن يدخل وهو قد تحصَّن وأن يكون عنده وعيٌ يقيه الأخطار، وأن لا ينجرَّ وراء كل دعاية أو كل ما يمكن أن يزخرَف له، فالباطل في كثير من الأحيان لا يقدم للناس في صورته الحقيقية، ولا يظهر وجهُه القبيح إنما يقدَّم على وجه من التزيين والزخرفة والتنميق والتحلية التي تجعل الناس ينجذبون إلى هذه الأفكار من حيث لا يشعرون.
وكما قال الله تعالى في جانب من جوانب التواصل البشري وهو القول في محكم كتابه قال: ﴿شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾الأنعام:112 واليوم الزخرف ليس فقط في القول، التزيين للشرِّ ليس فقط في الأقوال، يكون في القول، يكون في طريقة العرض، يكون في المحيط الذي يجذب ويصور الفكرة القبيحة الخطيرة المدمِّرة بأنها طريق نجاة، وبأنها طريق سلامة، وبأنها طريق تقدُّمٍ وبلوغ للغاية والكمال البشري فيتورط به من يتورط ممن لا يعرف.
لذلك من المهم أن نكون على حذر ممن يتصيدوننا صغارًا وكبارًا، الناس يتفاوتون في مدى التأثير وليس العمر هو العامل الوحيد في الحصانة بل العمر لاشك أن له أثرًا في الوعي والحذر لكن ثمة معاييرُ أخرى ينبغي أن تُفعَّل لتوقي هذه الأخطار، فيكون الإنسان على وعي بكل تواصل يدخل فيه أن لا يكون سببًا مدمِّرًا لدينه، ولا داعية للإفساد في بلده ووطنه ومجتمعه، ولا خارجًا عن قيمه، وأخلاقه وما نشأ عليه من الآداب المرعيَّة، والأعراف المعهودة في مجتمعه، فإن ذلك سيوقعه في مصادَمةٍ، وفي خروج عن الحياة التي ينبغي أن يكون عليها في الواقع وفي العالم الافتراضي.
أيضًا من الأشياء التي ينبغي أن تتوقى ما يكون من مهاوي الفتن والشرور والفساد سواءً كان فيما يتعلق بالشهوات فيما يتصل بالإباحية، أو فيما يتصل بما يدمِّر العقل والفكر من المخدرات والخمور ومذهبات العقل، فيما يتعلق أيضًا المُلهيات التي توصل الإنسان إلى أن يلقي بنفسه إلى الهلاك، ونحن نعرف ونسمع شواهد كثيرةً تورَّط فيها صغارٌ وكبار في أنواع من اللعب وانهماك في التواصل الذي يتدرج بالإنسان إلى أن يقتل نفسه، ولسنا ببعيد عن الحوادث التي جرت في الفترة السابقة من انتشار بعض التطبيقات والألعاب التي تُوقِع المشتركين فيها في تدمير نفسي، أو تدمير فكري، أو تدمير أخلاقي، أو تدمير حياتي بأن تقودَه إلى الانتحار أو إلى أن يقتل نفسه بطريقة أو بأخرى.
هذه الأخطار من الضروري أن نكون على وعي منها وهي تتجدد وتأخذ صورًا عديدة، ولا تنحصر في تطبيق أو في نمط، فالمفسدون في الأرض الذين يسعون إلى إهلاك البشر لتحقيق أغراضهم ومصالحهم لا ينحصرون في صورة من صور الفساد بل يسعون في الأرض فسادًا بكل أوجه الفساد الممكنة المتاحة لهم، وتتنوع هذه الصور وتأخذ أنماطًا عديدة.
اختراق الخصوصيات أيضًا هو مما يزيِّنه بعض الناس وقد يجعله أحيانًا نوعًا من أنواع القوة والقدرة في اختراقهم، في اختراق خصوصياتهم سواءً كان ذلك فيما يتعلق بالخصوصية المتصلة بالمال، من حيث النهب والسلب والاختلاس وما أشبه ذلك، أو الخصوصية المتعلقة بالمعاش والحياة من صور وأسرار وما أشبه ذلك فيما يسمى "بالهكرز" الذين يخترقون لتحقيق مصالح وإلحاق الأذى بالناس سواءً كان ذلك في اقتصادهم أو في معاشهم أو في نمط حياتهم ينبغي أن يكون الإنسان على حذر من التورط في هذه المسالك، وأن يكون على وعي في أخذ طرق السلامة التي تقيه شرور هؤلاء.
هذه نماذج من الأخطار المحيطة التي تستوعب أو تصل إلى الناس من خلال هذه الوسائل، من الأخطار التي نلمسها جميعًا هو الانعزال عن العالم الحقيقي، والبعد عنه، والانهماك الكلي أو الأغلبي في هذه الوسائل، وهذا يحتاج إلى أن نتعاون جميعًا على الحد منه؛ لأنه ليس صحيحًا أن يستبدِل الإنسان الحياة الحقيقية، والعلاقات المباشرة بالأهل والجيران، والزملاء في العمل، والزملاء في أماكن الاشتراك الحياتية في هذا العالم الافتراضي، فإن هذا العالم الافتراضي ينبغي أن لا يتضخم حتى يُلغِي كل هذه الأوجه من التواصل الحقيقي الذي يعايشه الإنسان فإنه إذا تضخَّم أصبح الإنسان غائبًا عن نفسه، غائبًا عن محيطه، منهمكًا في عالم لا يباشِرُه ولا يعايشه من حيث الحقيقة والواقع.
وبالتالي ينبغي الحذر من أن تستوعب هذه الوسائل فكرَنا وحياتنا ووقتنا على نحو يضرُّ بمعاشنا والتزاماتنا تجاه ديننا، تجاه وطننا، ومجتمعنا، وتجاه أنفسنا، وتجاه أسرنا، وتجاه المحيط الذي نعيش فيه. كل هذه المعاني ينبغي أن تكون حاضرةً، وأن تُتوقى هذه الأخطار لينجو الإنسان من هذه الشرور التي قد تفضي إلى فساد معاشه ومعاده.
وأيضًا من المهم أن نعرف أن الوسائل قد تكون أسلحة تدميريةً للمجتمع والوطن ولحمته واجتماعه وانتظام أحواله، ذلك من خلال التشكيك والتشبيه والتشويش على الوطن، وعلى منجزاته، وعلى قادته، وعلى رموزه، وعلى اجتماعه، فينبغي أن نكون على وعي من هذه الأخطار التي ينفُذ من خلالها الأعداء وهي بيئة خصبة وخطيرة جدًا توجَّه فيها حروب قذرة على المجتمعات لفكِّ نظامها، وحلِّ رباطها، وإيجاد فجوة بين الراعي والرعية، بين الناس وولاة أمورهم على نحوٍ تدمَّر فيها المكتسبات، وتهمش فيه المنجزات، ويكون الناس أعداءً لوطنهم، وأعداء لمجتمعاتهم من خلال بثِّ الفرقة والفوضى والزعزعة، ونشر الإشاعات والتحريض وما إلى ذلك من الأساليب التي يتبعها الأعداء للنيل من مجتمعنا.
ونحن ولله الحمد يعني في عالمنا الحقيقي نعيشُ نعيمًا نُحسد عليه في ترابطنا، واجتماعنا، وأُلفتنا، وسلامة مجتمعنا من الانحلال والانحراف والإرهاب والغلوِّ على نحو من الانسجام مع ما فتح الله تعالى علينا ولله الحمد في هذه المملكة المباركة من بركات الأرض والسماء، وخيراتٍ عظيمة فينبغي أن نقدر حق هذه النعمة، وأن نشكر الله تعالى عليها، وأن نحافظ عليها، وأن نكون يدًا واحدة مع ولاة أمرنا، ومن ولَّاه الله تعالى علينا في المحافظة على هذا الوطن ومكتسباته ومنجزاته، وأن نقطع الطريق على كل مُفسد محرِّض يسعى إلى النيل من اجتماعنا وائتلافنا.
ومن خلال هذه التنبيهات، من خلال هذا الوعي بهذه الأخطار نسلم من هذه الأخطار والآفات التي تتسرب إلى كثير من الناس من خلال هذه الشبكات التي يتواصلون من خلالها، وليعلم المؤمن أنه ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ق:18 ، فإذا غاب الرقيب، وأَمِنت على نفسك من أن تطالك العقوبة الدنيوية أو النظامية فاعلم أن الله عليك رقيب ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾آل عمران:181 ، والله تعالى يقول في محكم كتابه: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾الجاثية:29 .
فاتق الله في نفسك فلا تلقها إلى مهاوي الضلال والانحراف، واتق الله في أسرتك، وفي مجتمعك، وفي وطنك، وفي ولاة أمرك، وفي مكتسباتك، واحرص على البعد عن كل ما يضرك، وكل لبنة بناءة في مجتمعك ومحيطك.
المقدم: جميل، فضيلة الشيخ يعني الوقت أخذنا كثيرًا كان بودي أسألك عن بعض الأحكام التي في حياة الناس، الأحكام الفقهية التي تسري على مواقع التواصل الاجتماعي.
بعض الناس قد يقول: بما أنه عالم افتراضيٌّ فبالتالي لا يحاسب على نفسه كثيرًا في موضوع السبِّ، الشتم وغيرها، والغيبة، والنميمة وغير هذه النقاط، في نصف دقيقة لو تكرَّمت فضيلة الشيخ لو تعطينا إضاءةً حول هذه الموضوع.
الشيخ خالد: لا، على كل حال صحيح هو عالم افتراضي لكن المؤمن مأمورٌ بأن يقول الحق، وأن يتجنَّب الزور حتى في فكره، ولو لم يتكلم الله تعالى يقول: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾البقرة:284 إذا كان جرت الآية في أول الأمر المحاسبة على ما يدور في النفس فكيف بما يخرج عنها قولًا أو عملًا! حتى لو كان عالمًا افتراضيًّا يجب أن يُراعى فيه ما يحِلُّ وما يحرم، في العالم الافتراضي لا يحل لك أن تسبَّ أو تشتم وتقول: لا، أنا باسم مستعار، والذي أسبُّه باسم مستعار، أنت تتعامل مع إنسان ولو كان قد لبس قناعًا.
أنت الآن لو يجيك شخص لابسًا قناعًا وأنت لابس قناعًا، كيف تتعامل معه؟ هل يجوز لك أن تضربَه؟ هل يجوز لك أن تنتهك حقَّه، هل يجوز لك أن تأخذ ماله؟
الجواب: لا بالتأكيد؛ لأنه مهما كان حتى لو كان مخفيَّ الشخصية أو أنت مخفي الشخصية فهذا لا يخرجك عن المحاسبة، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾غافر:19 ، أنت معلوم عند الله ولذلك أنت تعامل الله في الخلق ولا تعامل الخلق بعيدًا عن رقابة الله ومحاسبته جل في علاه.
فكل الأحكام الجارية فيما يتعلق بحقوق الناس وصيانتهم سواءً كان ذلك في العالم الحقيقي أو كان في العالم الافتراضي يجب أن يُدرَك أنه لا فرق في هذا بين الغِيبة والنميمة وقبيح القول، منهيٌّ عنه في العالم الافتراضي وفي العالم الحقيقي.
المقدم: شكرًا جزيلاً لك فضيلة الشيخ، شكر الله لك وكتب أجرك، شكرًا جزيلاً الأستاذ الدكتور فضيلة الشيخ "خالد المصلح" أستاذ الفقه "بجامعة القصيم"، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على ما أفضت به في هذه الحلقة.
الشيخ خالد: بارك الله فيك، وأسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل سوء وشر، وأن يعيننا على ما فيه خيرنا وصلاح أنفسنا، ومجتمعاتنا وبلادنا، وأسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا من كل سوء، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه الخير وأن يوفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما فيه البر والصلاح واجتماع الكلمة، وأن يجعلهم عونًا على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.