المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طبتم وطابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، وأهلاً وسهلاً بكم معنا في بداية حلقة جديدة من برنامج الدين والحياة عبر أثير "نداء الإسلام" من مكة المكرمة في هذه الحلقة التي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى. في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل حمدان الصدقي، ومن الإخراج سالم بن جاسم، وياسر زيدان.
مستمعينا الكرام ضيف حلقات برنامج الدين والحياة هو فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم. فضيلة الشيخ بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة من حلقات برنامج الدين والحياة التي نختار فيها موضوعاتٍ تهمُّ المسلم في أمور دينه ودنياه، وأيضًا نسلِّط الضوء فيها على توجيهات ديننا الحنيف من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي الأكرم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
في هذه الحلقة سنتحدث حول موضوع انتقاء الأصحاب بالتأكيد هناك توجيهات كثيرة في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي الأكرم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فيما يتعلق معنا باختيار الأصحاب لكن ابتداء فضيلة الشيخ دعنا نتحدث عن الصاحب في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه الأكرم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
الشيخ خالد: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد...
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ خالد: هذه القضية وهي قضية الصاحب، وما يتصل به من معايير اختيار الصاحب وانتقائه قضية مهمة في ذروة القضايا ومهماتها، ولذلك جدير بنا أن نعتني بتناول هذا الموضوع لنفوز بالصاحب النافع، ونتوقى ما يمكن أن يكون من أضرار الصحبة. الإنسان بطبيعته يخالط، ويعاشر، وهو مدني بطبعه كما قيل، ولذلك لا يمكن أن ينفصل وينفك عن من يخالطه من الناس بل أن الله تعالى لما خلق آدم أمره أن يذهب إلى جمع من الملائكة فيلقي عليهم السلام[صحيح البخاري:3326، صحيح مسلم:2841/28] وذلك لكون الإنسان مخلوقًا يشارك غيره، ثم بعد ذلك خلق الله تعالى لآدم من نفسه ما يكون محلاً للأنس والقرب فخلق له من نفسه زوجًا كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾النساء:1 فهذا مبدأ الطبيعة البشرية أنها تخالط وتصاحب وتعاشر، ولا ينفك الإنسان عن ذلك.
ولهذا ذكر الله تعالى في محكم الكتاب نوعي الصحبة الصالحة المفيدة النافعة، والصحبة التي تعود على صاحبها وعلى من تورط فيها بالسوء والشر، فلذلك الآيات القرآنية ذكرت نوعي الصحبة، ففيما يتعلق بالصحبة عمومًا قال الله تعالى: ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾الزخرف:67 ، وهذا بيان لتأثير الصحبة وأنها لا تقتصر فقط على الدنيا، يمتد أثرها نفعًا وضرًا وصلاحًا وفسادًا حتى في الآخرة فإنه قد ذكر الله تعالى الخلة وهي أعلى مراتب الصحبة، وذروة العلاقات البشرية فقال: ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ﴾الزخرف:67 يعني يوم القيامة، ﴿بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾الزخرف:67 .
وقد قال الله تعالى في محكم كتابه عن أهل النار: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾الشعراء:100-101 ، فكانوا يتلمسون الصديق الذي ينفعهم ويكون به عون على الخروج من الأزمات أو ما يكون من أهوال يوم القيامة، فنفى الله تعالى عنهم ذلك فليس لهم من يشفع ولا منيصادقون من صداقة قريبة تنفع صاحبها. وقد ذكر الله تعالى أيضًا بعض الصور لأنواع من الندامة في الصحبة فقال جل وعلا: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا﴾الفرقان:27-28 .
وذكر الله تعالى أيضًا فرحةَ الإنسان بالنجاة من صاحب السوء الذي يوشك أن يوقع الإنسان في الردى حيث قال الله تعالى في محكم كتابه عن القرين الصديق: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾الصافات:51-52 ، فذكر هذا نعمة الله عليه بإنجائه من صحبة من صحبتُه شرٌّ وفساد وضُرٌّ يوشك أن تردي الإنسان وتوقعه في السوء والشر، فقال تعالى: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾الصافات:51 على وجه الحمد لله عز وجل والثناء عليه وذكر إنعامه على العبد بأن نجا وسلم من الصحبة الرديئة، ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾الصافات:51-52 .
وبعد ذلك قال يحكي إضلاله ومحاولةَ إخراجه عن الصراط المستقيم: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾الصافات:53-55 رأى قرينه وصديقه الذي كان يدعوه إلى الانحراف والضلال والشر والفساد ﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾الصافات:56-57 فيتذكر الإنسان عظيم إنعام الله عليه في ذلك اليوم العظيم، ذلك اليوم الشديد الكبير أن أنجاه الله تعالى من صحبة الأشرار، ووقاه ما يكون من ضرهم وشرهم وإفسادهم، وما يكون من إخراجهم أصحابَهم عن الصراط المستقيم إلى ألوان من الانحرافات والضلالات.
لهذا شأن الصحبة في كلام الله عز وجل وفيما جاء من كلام النبي صلى الله عليه وسلم عظيم، هذه لمحاتٌ وومضات عما ذكره الله تعالى في شأن الأصحاب، وقد ذكر الله تعالى الصحبة في حق سيد الورى، وعظيم ما منَّ به على صاحب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾التوبة:40 ، هذا بيان لنعيم ما يكون من الصحبة الطيبة وعظيم أثرها المبارك على الإنسان، فإن الله تعالى ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر رضي الله تعالى عنه وما كان من شأن تثبيت النبي -صلى الله عليه وسلم- لصاحبه عند نزول المكروه، وخشية حصول ما يكون من حوادث الأعداء وتسلطهم.
المقصود أن القرآن الكريم جاء بذكر نوعي الصحبة: الصحبة الصالحة وأشار إلى بعض منافعها وآثارها وطيب ثمارها، والصحبة الرديئة التي يتندَّم عليها أصحابها ويجنون سيءَ ثمارها في الدنيا والآخرة.
ولهذا ينبغي أن يعتني الإنسان بالصاحب، القرآن لم يعتن بهذه القضية إلا لكبير مَقامِها، وعظيم منزلتها، وشديد أثرها على مثار الإنسان في سلوك الصراط المستقيم.
ولهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في جملة مختصرة وبيان موجز، وقد أوتي جوامع الكلم صلوات الله وسلامه عليه مبينًا الأثر للصحبة الصالحة، والصحبة السيئة على وجه العموم، قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ»، أي الإنسان وإنما مُثِّل بالرجل على وجه الغالب في خطاب العرب في ذكر الرجل وليس المقصود به رجلاً بعينه، وإنما المقصود هو المعنى العام وهو أن الإنسان يتأثر بمن يخالط.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»[سنن أبي داود:4833، سنن الترمذي:2378. وقال:«هذا حديث حسن غريب»]أي فلينتق أحدكم وليتأمَّل فيمن يكون خليلًا له، قريبًا منه، مخالطًا له، فالإنسان يتأثر كبير التأثُّر بمن يخالل، ومن يساير، ويعايش، ويعاشر فإن أثر ذلك على الإنسان عظيم، «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»، وهذه قاعدة ينبغي أن تكون منطَلَقًا لنا في الحديث، وفي المعاش، وفي العمل في أن ننتقيَ الأصحاب، وأن نكون على غاية العناية في اختيار من نصاحب.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أثر الصاحب على الإنسان في بيان موجزٍ وتمثيل عظيم يدركه عَميقُ التفكير، وقريبه، والصغير والكبير ذكره في تطوير موجز ومختصر في أثر الصاحب. في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه يقول -صلى الله عليه وسلم-: «مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ»[صحيح البخاري:2101، صحيح مسلم:2628/146] مثل يعني صفة، الجليس الصالح والجليس السوء، هذا في بيان أثره وما يجنيه الإنسان بمعاشرته، للجليس الصالح والجليس السوء يقول: «إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ» هذه صفة الجليس الصالح حامل المسك وهو حامل ما تتوق إليه النفوس من الطيب والروائح الزكية؛ وذلك أن الصاحب لا يقتصر أثرُه على باطن الإنسان بل يظهر أثره على الشخص فتفوح وتظهر آثارٌ تدركها النفس.
«إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ» فحامل المسك مثال للجليس الصالح، ونافخ الكير النار ما يقوم من شأنه هو مثل الجليس السوء، قال -صلى الله عليه وسلم-: «فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً» فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنواعَ أثر الجليس الصالح، وذكر فيها ثلاثة أمور، ثلاث مراتب:
- المرتبة الأولى: أن يعطيك وهو قوله: إما أن يحذيك.
- والمرتبة الثانية: أن تأخذ منه بمقابل وهو أن تبتاع منه.
- والمرتبة الثالثة: أن تجد منه ريحًا يعني حتى لو لم تجن منه شيئًا محسوسًا فستجد منه رائحةً، وهذه الرائحة لها تأثير على النفس، فالرائحة الطيبة تنشط الأرواح، وتقوي النفوس، وتصحُّ الأبدان.
ولذلك الأماكن ذكيةُ الرائحة يجد الإنسان أثرها كأثر هذه الروائح وطيبها على نفسه انشراحًا وبهجة، وفي بدنه قوة وفي ذهنه صفاء.
ولهذا قال في آخر أدنى الآثار التي يمكن للإنسان أن يدركها من الصاحب الطيب: وإما أن تجد منه ريحًا طيبة.
قال: «ونَافِخُ الكِيرِ» هذا القسم الثاني من الأصحاب والجلساء وهم من لا يرجى منهم الخير بل لا يدرك منهم إلا الشر فهذا نافخ الكير ذكر له أثرين صلوات الله وسلامه عليه، قال: «إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً» فأنت بين أمرين لا تُعدَم منه برًّا مباشرًا لإفساد ثيابك، وإن سلمت من هذا فإنك لن تسلم من رائحة كريهة تؤثر على نفسك، تؤثر على مزاجك، تسوء بها نفسك، وبه يتبين أثر الصاحب الرديء فله تأثيران: تأثير ظاهر، وتأثير باطن.
التأثير الظاهر هو حرق الثياب، وإذا حرق ثيابك وجدت منه رائحة كريهة وخسرت، فخسرت ظاهرًا وباطنًا، وإن سلمت في ظاهرك فلم يحرق ثيابك فلن تسلم في باطنك بأن تجد منه الريح الخبيثة التي تؤثِّر على نفسك وعلى صحتك، وعلى صفاء ذهنك، ولذلك لن تعدم منه شرًا.
ولهذا ينبغي أن يكون هذا الحديث حاضرًا في أذهاننا لما سنجنيه من الصحبة الطيبة، وما سنجنيه من الصحبة الرديئة.
الصحبة الطيبة تحملك على كل خير وتسوقك إلى كل برٍّ، وتقدم لك كلَّ ما ينفعك في دينك ودنياك، وأما الصحبة الرديئة فعلى نقيض ذلك فإنها ستؤذيك في دينك، وفي دنياك، وتجد منها ما تكره في المعاش والمعاد في العاجل والآجل.
ولهذا كان من الضروري الذي لا ينفكُّ منه كل عاقل هو أن يسعى ويبذل الأسباب التي من خلالها يدرك الصحبة الطيبة، فالصاحب الطيب لا يحصل للإنسان بدون عناء بل لابد من بذل جهد، وبذل ما يكون سببًا للفوز بالصاحب الطيب.
ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه أبو هريرة في مسند الإمام أحمد وعند أصحاب السنن: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ»[سبق تخريجه]، إذًا فيه عمل وفيه بذل لتحصيل الصاحب الطيب، وليس شيئًا يأتي للإنسان دون بذل بل لابد من بذل لإدراك الصاحب الطيب «فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».
وإذا نظرت في سير الأصحاب وسير الصالحين والسلف الصالح في انتقاء أصحابهم تجد أنهم يذكرون من الأعمال ما يدرك به الصاحب الطيب، ففي الطبراني عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "اعتبروا الناس بإخوانهم"[عبد الرزاق في مصنفه:7894، وابن أبي شيبة في مصنفه:25592، بسند حسن؛ فيه هبيرة بن يريم، وهو صدوق] يعني إذا أردت أن تعرف الرجل وأن تختاره صديقًا أو صاحبًا فلا تُقدِم حتى تنظر إلى من يعاود ومن يخالط، وهذا يعني أن عملية انتقاء الصاحب تحتاج إلى عناية، اعتبروا الناس بإخوانهم، فيُحكم على الرجل من خليله، ومن صاحبه، ومن أقرانه، فالمرء على دين خليله، ولا تسأل عن المرء وأسأل عن قرينه فإن المقارن بالمُقارن يتقدي.
ولهذا الطريق يحتاج إلى أناةٍ، وإلى صبر، وإلى تأني في اختيار الصاحب، ومن يخالطهم الإنسان ليسوا على مرتبة واحدة إنما هم مراتب، وأنواع من الأصحاب، وأنواع من الجلساء ينتقي الإنسان منهم ما يكون سببًا لطيب معاشه، ومن يكون على وجه الدوام صحبةً تقربه من الله، وتقرِّبه من كل خير.
بخلاف الصاحب العارض قد يصاحب الإنسان شخصًا صحبة عارضة هنا إن بلي بمن حاله ناقصة فيدفع بالتي هي أحسن كما قال الشاعر:
ومن نَكَدِالدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى*
عَدُوّاً لَهُ مامن صَداقَتِهِ بُدُّ[البيت للمتنبي، نهاية الأرب:3/106]
فإذا بلي الإنسان بصاحب من هذا النوع كما أتصور يدفع بالتي هي أحسن حتى يدرك السلامة من هذه المصاحب التي ابتلي بها، ولا سبيل ولا مخرج يتخلص به من هذا النمط من الصحبة. إذًا نحن نتحدث عن انتقاء الصاحب، وبذل السبب المتاح للفوز بصحبة الأخيار، والسلامة من صحبة الأشرار، ننتقل إلى نقطة أخرى.
المقدم: جميل فضيلة الشيخ قبل أن ننتقل إلى النقطة الأخرى التي سنتحدث عنها، ما هي الدلائل والمؤشِّرات التي تدل على أن هذا الصاحب هو صاحب صالح بمشيئة الله تعالى يعينك على أمور دينك، يعينك على طاعة الله عز وجل، يعينك على أمور دنياك أيضًا، هل هناك دلائل، هل هناك مؤشرات تساعد في الوصول إلى هذا الصاحب؟
الشيخ خالد: نعم للجواب على هذا السؤال وهو محورُ حديثنا في هذه الحلقة كيف أختار صاحبي؟ وما هي صفات الصاحب الذي يُطلب ويسعى إلى تحصيله؟
ابن القيم رحمه الله قسم الأصحاب إلى ثلاثة أقسام فقال: "الأصدقاء ثلاثة: أحدهم كالغذاء، والآخر كالدواء، والثالث كالداء"[بدائع الفوائد:2/274]، هذا التقسيم للصحبة من حيث أثرها وثمرها وما يكون من نتائج مخالطتها. الغداء: هو الصاحب الطيب والجليس الصالح الذي يغذِّي روحك، وقلبك، وطيب أخلاقك، وسنتكلم عنه في بيان صفاته حتى يطلق. وأما القسم الأخير فهو الدَّاء وهو الذي يمرض قلبَك، وينقصك في دينك ودنياك. أما القسم الثالث من الأصحاب فهو الدواء وهو الذي يؤتَى إليهم للحاجة كأصحاب الرأي، والمشورة، وأصحاب الفطنة الذين يسترشد الإنسان بآرائهم، ويستنير بتجاربهم وعلومهم ومعارفهم ليصل إلى برِّ الأمان في ضائقة، أو نازلة أو مُلمَّة يحتاج فيها إلى رأي وسداد.
والنوعان الأولان الصديق الذي هو كالغذاء، والصديق الذي هو كالدواء إن فاز بهما الإنسان وأحسن الاختيار طاب غذاؤه، وسلم من المضايق ونجا من المهالك، ولهذا من المهم أن يعتني الإنسان بصديقه وصاحبه، ومن يخالطه تمامًا كما تَنتقي طعامك، وكما تنتقي دواءك إذا أصابك ما تكره في بدنك، وأن يتوقى الصاحب السيئ لأنه داء ينقصك في دينك ودنياك.
ولذكر نموذج حيٍّ حفظته السيرة والتاريخ في أثر الصاحب على الإنسان ما ذكره الإمام البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب[صحيح البخاري:1360، مسلم:24/39] أنه لما حضرت أبا طالب الوفاةُ، أبو طالب عم رسول الله وهو الذي نصره، وعاوده، ومنعه، وغضب له، وحما عنه في مكة في أول بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حما عنه لكنه لم يكن على دينه، كان على دين قومه، على دين قريش فلم يستجب للنبي صلى الله عليه وسلم لكن كان يوقن أن ما جاء به حق، وأن ما يدعوهم إليه هو الهدى إلا أن الهداية بيد الله ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾القصص:56 ، لم يشرح الله صدره للاستجابة للنبي صلى الله عليه وسلم.
من عوامل وأسباب موت أبي طالب على غير دين الإسلام ما ذكره سعيد بن المسيب في هذه القصة أنه لما حضرت الوفاة أبا طالب جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو نموذج لأطيب الأصحاب، وخير الجلساء اللهم صلي على محمد، فإن صحبته ومجالسته مفتاح الأنوار يدرك به الإنسانُ سعادة الدنيا وفوز الآخرة، جاء إلى عمه فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية من أصحاب السوء، ومن أئمة الضلال في ذلك الوقت، أبو جهل عدوُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظم الناس كيدًا ومضادة ومُحادَّة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعه عبد الله بن أمية وكان على غير دين الإسلام.
جاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه أبي طالب: «أيْ عَمِّ، قُلْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ» طلب منه أن يقول هذه الكلمة التي هي مفتاح الجنة، «فَقَالَ أبو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ؟» انظر إلى أثر الصحبة الرديئة، الصحبة الصالحة بالدعوة إلى التوحيد، وإلى الإيمان بالله، وإلى القيام بحقه، وإلى ما فيه سعادة الدنيا وفوز الآخرة، الصحبة الرديئة :يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب! يعني تترك دين أبيك، ودين آباؤك، فامتنع أن يقول هذه الكلمة.
ثم أعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم عرض الإسلام قال: «أيْ عَمِّ، قُلْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ» أو أستغفر لك بها عند الله، فلم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعوه إلى هذه الكلمة ويرد عليه أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ حتى مات ولم يقل: لا إله إلا الله. فهذا نموذج حي وقصة شاهدة لأثر الصاحب الطيب، وأثر الصاحب الرديء. الصاحب الرديء يردي الإنسان ويوقعه في المهالك، وإلا ما الذي يرجوه أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية في عدم إيمان أبي طالب وهو في سياق الموت، وقد أيقن أنه سيمضي عن هذه الدنيا وقد ولَّى عنها، لكنهما كما قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾الفرقان:27 ، ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا﴾الفرقان:29 .
فهم أصحاب إضلال وأصحاب توريط للإنسان بما يفسد عليه دينه ودنياه، إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردي فتردى مع الرديء. لكن من هو الصاحب الطيب؟
هو كل من دلك على ما فيه صلاح دينك ودنياك، هذا الجليس الصالح كل من يرتقي بك في دين، كل من يرتقي بك في دنيا فهو صاحب طيب، صالح إما أن يكون غذاء، وإما أن يكون دواء، وكل من نقصك في دينك أو دنياك فإنه صاحب سوء وصاحب ردى فتجنبه وتوقه.
هذا الإجمال والاختصار في أوصاف الصاحب الطيب، والصاحب الرديء يدركه الإنسان بخبرته ومعرفته إلا أن ثمة خصالاً ينبغي أن يتفقدها الإنسان، وأن يطلبها فيمن يصاحب حتى يسلم من خلطة الأشرار ويفوز بصحبة الأخيار فيكون سالمًا من أثر أصحاب السوء وما يكون من أذاهم وشرهم، على الإنسان في معاشه ومعاده.
أعظم المقومات التي ينبغي أن يطلبها الإنسان في جليسه أن يكون الجليس ممن عمَّر قلبَه الإيمان، فالمؤمن والإيمان من أعظم الخصال التي يدرك بها الإنسان صفات الصلاح والخيرية، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»[سنن أبي داود:4832، سنن الترمذي:2395. وحسنه الترمذي ]، فأهم المهمِّات في المصاحبة ومن تتخذه خليلًا، ومن تتخذه رفيقًا، ومعاشرًا أن يكون على هذه الصفة، لا تصاحب إلا مؤمنًا أي لا تتخذ صاحبًا تلازمُه وتعاشره وتخالطه إلا أن يكون قد اتصف بالإيمان، فالإيمان مَنبَع كلِّ كريم من الخصال، وكل طيب من الأعمال.
ولا يأكل طعامك إلا تقيٌّ، والطعام أخصُّ من الصحبة؛ لأن الطعام مخالطة في دقائق وتفاصيل لا يشارك الإنسان فيها إلا من كان قريبًا، ولذلك قال: «وَلا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» لأجل أن يستعين بهذا الذي يأكله على طاعة الله فتكون عونًا له على الخير والبر والصلاح وما فيه خير الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾المائدة:2 .
إذًا هذه الخصلة الأولى التي ينبغي أن يحرص عليها الإنسان فيمن يخالط أن يكون من يعاشره ويصاحبه صاحبَ إيمان، والإيمان قوامه تقوى الله عز وجل، محبته، خوفه، تعظيمه، ومن كان على هذه الصفات يخاف الله تعالى، ويرجوه، ويرقُبُه فإنه لن تنال منه إلا خيرًا، ولن تُعدم منه نصحًا وتسديدًا ودلالة على الخير، فهو كحامل المسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة فاحرص على ملازمة الأخيار، وصحبتهم فإن صحبتهم مما يورَث به الإنسان خيرًا عظيمًا.
هذه الخصلة الأساس والأصل الذي ينبغي أن يحرص عليه الإنسان، من هو المؤمن؟
هو من كان سليم القلب، بعيدًا عن البدعة، بعيدًا عن الآفات في الأخلاق التي تقود إلى الشر، ولهذا يقول محمد بن واسع: "لم يبق من العيش إلا ثلاث:الصلوات الخمس يصليهن في الجميع فيعطى فضلهن ويكفى شرهن، وجليس صالح تفيده خيرًا ويفيدك خيرًا، وكفاف في العيش".[تاريخ دمشق لابن عساكر:56/162].
الشاهد وقوله فيما تطلب له الدنيا هو أن يكون صالحًا، والله تعالى أمر الإنسان بالتحمل لإدراك الصاحب الطيب ولو كان ثمة ما يكرهه، قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾الكهف:28 .
وليس الأمر فقط أنك تحبس نفسَك على الصاحب الخيِّر الذي يقربك من الله ويدلك على ما فيه خير معاشك ومعادك بل قال: ﴿وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾الكهف:28، هذه الآية جامعة لأصول اختيار الأصدقاء، وفي تحديد صفاتهم على أن تكون أساسًا ومنطلقًا في معرفة الصاحب الذي يحرص عليه، والصاحب الذي يتوقى. الصاحب الذي يحرص عليه ويطلب هو من اتصف بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾الكهف:28 فهم مؤمنون مشتغلون بصالح الأعمال، وأما الأصحاب الذين يُتوقَّون ويُجتنبون فهم على نقيض ذلك في قوله تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾الكهف:28 ، هذا ما ينبغي أن يكون الإنسان حريصًا عليه في صفة صاحبه، أن يكون مؤمنًا بالله، أن يكون قائمًا بحقوقه جل في علاه، أن يكون بعيدًا عن معصيته ولا يُزَيِّن الشر والفساد لصاحبه.
ثم من الخصال التي ينبغي أن يحرص عليها الإنسان في صاحبه أن يكون على طريق مستقيم بعيدٍ عن الغلو، والتنطع، والتعمق، بعيد عن الانحلال، والتفريط، والمجافاة للصراط المستقيم فإن من الأصحاب من يتزيَّ بزي الصلاح لكن يكون عنده انحراف كغلوٍّ وتشدد ليس في الكتاب والسنة ما يعضده بل ما ينفيه وينهى عنه، وكذلك من الأصحاب من يكون بعيدًا عن الخير مزيِّنًا للشر فينبغي الحذر من هذا وذاك.
ولهذا احرص على صحبة من كان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مقتديًا، من كان على طريقه سائرًا؛ فإن النجاة في سبيله وطريقه، ولذلك افزع إلى مثل هؤلاء الأصحاب واحذر صحبة أصحاب الأهواء، وأصحاب الأفكار المنحرفة التي تخرج بأصحابها عن الاعتدال والاستقامة والوسطية التي جاءت بها الشريعة إلى إتباع الهوى ولذلك قال: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾الكهف:28 فهو غافل عن ذكر الله، بعيد عن طاعته، ويضيف إلى هذا ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾الكهف:28 ضياعًا، وهلاكًا وخسارة.
قال الحسن: "أيها الرجل إن أشد الناس عليك فقدًا لرجل إذا فزعت إليه وجدت عنده رأيًا وجدت عنده نصيحة، بينا أنت كذلك إذا فقدته فالتمست منه خلفًا فلم تجد"[أخرجه ابن حبان في روضة العقلاء(ص102)، وإسناده صحيح] هذا من أعظم ما يفقده الإنسان أن يفقد من جمع هذه الخصال التي ذكرها الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾الكهف:28 فإنهم يسدِّدون، وحريٌّ بالتقيِّ أن يكون مقربًا لك كل خير في دينك ودنياك، فصحبة الصالح لا تقتصر منافعه على صلاح الديانة، بل حتى على سداد الرأي، وطيب المعاش، واستقامة الحال في النفس والأهل والولد، ولهذا لما سئل الإمام أحمد: من نسأل بعدك؟[قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: مَنْ نَسْأَلُ بَعْدَكَ؟ قَالَ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقَ. جامع العلوم والحكم1/251]
ذكر رجلاً ليس عنده علم كثير إنما رجل عُرف بالصلاح والاستقامة والتقوى، فقالوا له: إنه ليس بذاك يعني في العلم والمعرفة وجمع الأدلة والنصوص، قال: إنه رجلٌ صالح حريٌّ أن يوفق للخير. ولذلك الرجل الصالح، الصاحب المستقيم الذي عمَّر باطنه بمحبة الله وتعظيمه، وخوفه والتوكل عليه، ورجائه، وعمَّر ظاهره باتباع السنة ولزوم هدي النبي صلى الله عليه وسلم لا تجد منه إلا خيرًا، لا تجد منه إلا دلالة على الخير بخلاف غيره.
المصيبة في الصديق الذي يدعوك إلى انحراف سلوكي أو اعتقادي، فكري أو عملي، فاحذره فإنه يوشك أن يورِّطك فيما لا تجد منه سلامة ولا نجاة.
من المهم في الصاحب أن يكون صاحب عقل ورشد؛ لأن رجاحة العقل في الصديق تَجْبَر ما يمكن أن يكون من نقص العلم، أو حتى نقص الديانة.
فالعاقل لا يقود الإنسان في الغالب إلا إلى رشد وصلاح واستقامة وخير، وبناءٍ في دينه ودنياه، فلذلك احرص على الصاحب العاقل الذي يزن الأمور بميزان سليم، بميزان راجح، فإنه يوشك أن يوصلك إلى خير ويقيك شرًّا ويدلك على البر.
ولهذا قال بعض السلف: "التمس ودَّ الرجل العاقل في كل حين، يعني في كل وقت، وودَّ الرجل ذي الذكر في بعض الأحايين، ولا تلتمس ود الرجل الجاهل في حين من الأحيان"[ذكره صاحب غاية المنوة في آداب الصحبة وحقوق الإخوة(ص63)] فإنه يوشك أن يرديك ويوقعك فيما تكره، وفيما لا تحمد عقباه".
المقدم: فضيلة الشيخ تفضل نختم بكلمة أخيرة لو تكرمت.
الشيخ خالد: يعني بما أنه يعني وصل بنا المطاف إلى آخر هذه الحلقة أؤكد على ضرورة العناية بالصحبة الطيبة، وأنبِّه إلى قضية كثير من الأحيان عندما أتكلم عن الصاحب الطيب والصاحب الرديء تنصرف أذهاننا إلى أن هذا خطاب إلى حدثاء الأسنان، والصغار من الذكور والإناث، وقد يظن الظان أنه تأثير الصحبة لا يكون إلا على ذلك السن، وهذا ليس بصحيح؛ الإنسان يتأثر بالصاحب صغيرًا كان أو كبيرًا، بل أن الصاحب يؤثر على الإنسان في جميع مراحل عمره، هذا أبو طالب قد بلغ من السن مبلغًا كبيرًا وهو الذي أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر من مزاياه على صدقه لهو معروف في قصيدته الشهيرة ومع ذلك أرداه، ومنعه من الهداية صحبةٌ أولئك الأشرار الذين حالوا بينه وبين الهدى في آخر مراحل عمره، في الرمق الأخير يقولان له: أترغب عن ملة عبد المطلب.
فينبغي أن نعرف أن الصديق والصاحب يؤثر علينا جميعًا صغارًا وكبارًا، فينبغي أن ننتقي الصاحب، كل صاحب يدعوك إلى ردى أو شرٍّ فاحذره، واعلم يا أخي ويا أختي ويا ابني ويا بنتي أن الصاحب السيئ لا يقدِّم لك الشر ابتداء أو لا يقدم لك الشر بوجهه القبيح بل يزيِّنه، وينمقه، ويجمله حتى يستدرجك فتتورط، وقد قال الله تعالى: ﴿لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾النور:21 شياطين الإنس وشياطين الجن، فينبغي الحذر من التزيين للشر والفساد وإظهار الانحراف مظهرًا يجلب فإن ذلك يورطك ثم قد لا تسلم وقد لا تنجو.
هذه نقاط مهمة فيما يتعلق بالصحبة، ولا تقتصر الصحبة على الصديق والصاحب المباشر أيضًا إنما تكون لكل من يخالط الإنسان، ويعاشرك سواء أن كان ذلك من خلال المباشرة كالأصدقاء الذين يخرج ويدخل معهم أو اليوم مع هذا التقدم التقني الكبير عبر وسائل التواصل المتنوعة كل هؤلاء من الأصدقاء الذي ينبغي أن يصاحِب فيها الإنسان ما يقرِّبه إلى الخير والرشد وصلاح دينه ودنياه، ويبعد عن كل ما ينقصه في هذا أو ذاك، ينقصه في دينه أو ينقصه في دنياه.
وينبغي أن نعلم أن من الطرق التي نفوز فيها بالأصحاب الأخيار ونتوقَّى صحبة الأشرار الدعاء، فالسلف كانوا إذا نزلوا مكانًا قال أحدهم: اللهم يسر لي صاحبًا أو جليسًا صالحًا، فندعوا الله أن ييسر لنا الجلساء الصالحين، وأن يرزقنا صحبة الأخيار، فتلك من نعم الدنيا وأبواب الخير والبر التي يدرك بها الإنسان سعادة وفوزًا كبير، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
المقدم: آمين، آمين. شكر الله لك، وكتب لك أجرك فضيلة الأستاذ الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرًا جزيلاً فضيلة الشيخ.
الشيخ خالد: والشكر لكم جميعًا وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وشر، وأن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما فيه خير للعباد والبلاد، وأن يصوننا من كيد الأعداء ومكرهم وأذاهم وأن يعيذنا وإياكم من الفتن، وأن يرزقنا الاستقامة ظاهرًا وباطنًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.