يقول المصنف –رحمه الله- تعالى: وعن ابنِ مسعود رضي الله عنه: أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ مِنْ نَفْس تُقْتَلُ ظُلْمًا إلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأوْلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ كَانَ أوَّلَ مَنْ سَنَّ القَتلَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
جرم مَن سن سُنة سيئة:
هذا الحديث حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال فيه: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس نفس تقتل ظلمًا أي ما هناك نفس تقتل من غير حق إلا كان على ابن آدم الأول كفل أي: نصيب من دمها أو من دمه فما من نفس تقتل إلا وابن آدم الأول عليه نصيب من ذلك.
ابن آدم الأول هو الذي قص الله ـ تعالى ـ خبره في سورة المائدة في قوله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾[المائدة: 27] لأنه لم يقبل منه قال: ﴿لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ﴾[المائدة: 28- 30] هذا الذي قتل في هذا الموقف الذي قصه الله ـ تعالى ـ علينا له نصيب من كل نفس تقتل ظلمًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه أول من سن القتل.
ولك أن تتخيل كم من الذنوب يتحملها هذا الذي سن القتل لأجل أنه أول من ابتدأ انتهك النفس المعصومة بقتلها وإهدار دمها، وهذا ليس لكونه تولى قتل كل نفس بعد النفس الأولى التي قتلها إلا أنه تسبب في ذلك حيث كان من سن القتل في بني آدم وسفك الدماء بغير حق من أعظم الذنوب وأكبرها عند الله –عز وجل- ولذلك قال: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾[المائدة: 32] لأنه من هانت عليه وطوعت له نفسه أن يقتل نفسًا معصومة من غير حق، فإنه سيتجرأ على كل نفس وسيتجرأ على كل دم بانتهاكه وقتله، وهذا معنى قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾[المائدة: 32] أي من منع نفسه من انتهاك الدم المحرم خوفًا من الله ـ عز وجل ـ وحفظًا بما أمر الله ـ تعالى ـ بحفظه وحقنه بالدماء، ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾[المائدة: 32]فكأنما أحيا الناس جميعًا.
وهذا الحديث إشارة وتنبيه إلى خطورة إلى أن يبتدئ الإنسان عمل سيئا يقتضي به فيه غيره، فإنه وإن كان لم يدعو بقوله غيره إلى العمل السيئ فإنه يتحمل وزر من اقتدى به، ولهذا جاء في الحديث الآخر «مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنَةً فعَمِلَ بها مَن بَعدَه، كان له أجْرُها ومِثلُ أجْرِ مَن عمِلَ بها مِن غيرِ أن يَنتقِصَ مِن أجورِهم شيءٌ ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»[صحيح مسلم (1017)].
ينبغي للإنسان أن يكون إماما في الخير:
ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون إمامًا للخير في نفسه وأهله ومن حوله، حتى لو كانت دائرة التأثير ضيقة ومحصورة، لأن بعض الناس يقول: أنا ما أثر على غيري أنا ما لي إلا نفسي، أنت ستؤثر في دائرتك ولو ضاقت.
فكن إمام خير وإمام هدى في دائرتك في أسرتك بين أولادك بين قرابتك فإن ذلك مما يجري عليك الخير، واحذر أن تكون سببًا لإشاعة شر أو فساد فالإنسان لعل الله أن يعينه ذنوب نفسه فضلا أن يتحمل ذنوب غيره، فذنوبنا كثيرة فكيف إذا تحملنا أوزار غيرنا بدلالتهم ودعوتهم والتسبب في الشر لهم ولا يغرنك من يقول: افعل فأنا أتحمل عنك فقد قالها الكفار لأهل الإيمان ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[العنكبوت: 12] لكن هذا لا يعني أنهم لا يتحملون وزر التسبب، بل قال: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾[العنكبوت: 13].
لا يتحمل الوزر إلا فاعله:
فالوزر لا يتحمله إلا الإنسان نفسه ولا تزر وزارة وزر أخرى لكن إن تسبب في وزر يقع فيه غيره فقد تحمل وزر هذا التسبب وكان له من الإثم والوزر أوزار من تبعه أو من تأسى به وحوسب عليه.
فينبغي للإنسان أن يحرص على أن يكون إماما في الهدى والتقى، ولذلك من دعاء عباد الرحمن واجعلنا للمتقين إمامًا أي قدوة في الخير، ولا يلزم أن يكون إمام عالم إمام يأتم به أمم، لو أولادك أتموا بك فأنت إمام للمتقين في الحيز والدائرة التي أنت فيها، فاحرص على الخير وابذل أسبابه واستعن بالله ـ عز وجل ـ أن تكون خيرًا في نفسك وإن عجزت عن الخير في نفسك فلا تكن سببًا للشر في غيرك، فكف شرك عن الناس فإنه صدقة منك على نفسك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واجعلنا للمتقين إمامًا أهدنا وزينا بالهدى واصرف عنا كل سوء وداء, وصلى الله على نبينا محمد.