يقول المصنف –رحمه الله- تعالى: باب في الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة. 173- وعن أَبي مسعود عُقبةَ بنِ عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ». رواه مسلم.
174 :وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدَىً، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَه، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أجُورِهمْ شَيئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيئًا». رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
أجر الدلالة على الخير:
هذان الحديثان؛ حديث أبي مسعود البدري ـ رضي الله تعالى عنه ـ وأبي هريرة موضوعهما واحد فحديث أبي مسعود قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ» والدلالة على الهدى هي الدلالة على ما أمر الله تعالى به ورسوله سواء كان ذلك من الواجبات والفرائض، كالدلالة على صلاة الفجر، الصلوات المكتوبات، على بر الوالدين، على أداء الأمانة أو كانت دلالة على مسنون كالدلالة على المحافظة على الرواتب وبيان فضل ذلك.
والدلالة تشمل نوعين:
دلالة قول بالدعوة والبيان والإيضاح، ودلالة فعل بالعمل والاهتداء بما جاء به الكتاب والسنة وكلاهما داخل في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ» أي من عمل بهذا الخير الذي دل عليه، سواء كان بالدعوة كما في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ «مَنْ دَعَا إِلَى هُدَىً، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَه، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أجُورِهمْ شَيئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيئًا» والحديثان دالان على عظيم فضل الله ـ عز وجل ـ على عباده.
إذ إن الحديثين دالان على عظيم الأجر الحاصل لمن دعا إلى هداية ودل على البر، وعمل بالخير فإنه يكون بذلك مأجورًا على الخير الذي عمل به والذي تكلم به ولا يقتصر ذلك على أجر الدعوة إلى الخير أو أجر العمل به، بل يسوق الله ـ تعالى ـ له ويمن عليه بفضله أن يرزقه أجر من عمل بذلك الخير الذي دعا إليه أو الذي عمل به فاقتضي به فيه، وهذا لا يقتصر على من يشتغل بهذا العمل ممن وفقه الله ـ تعالى ـ إلى الدعوة إلى الخير والدعوة إلى الله وتعليم العلم، بل يشمل كل من دعا إلى خير ولو كان ذلك في موقف واحد.
فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «بَلِّغوا عنِّي ولو آيةً» فإذا دللت على خير واحد فإنه مأجور، إذا علمت شخصًا الفاتحة فإنك على خير لك أجر قراءة الفاتحة وكل ما قرأ هذا الرجل الذي علمته الفاتحة أو الصغير الذي علمته الفاتحة لك فيه أجر.
الدلالة على الخير لا تقتصر على الدعاة:
وقد يقول القائل:- لست أشتغل بالدعوة إلى الله والدعاية إلى الخير والعمل به ولا يقتدي به فيقال له: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئولٌ عن رعيتِه»[صحيح البخاري (893)، ومسلم (1829)] من في بيتك من الأولاد والنساء إذا دعوتهم إلى الخير ودللتهم عليه بالقول أو الفعل كان لك من الأجر مثل أجور ما عملوا.
ولهذا ليست الدعوة وهذا الفضل المذكور مقصورا على أحد، بل هو شامل لكل من وفقه الله ـ تعالى ـ إلى العمل بالبر والدعوة إليه فلا تحرم نفسك فكم من خيرًا يساق إليك بدلالتك على الخير ودعوتك له وأنت غافل لا يأتي في بالك أنك تجرى عليك هذه الحسنات وهذه الأجور من جراء عمل بصالح اقتدي بك فيه أو من جراء دعوة إلى خير ولو كان ذلك في أزهد ما يكون من الأعمال.
ينبغي الحرص على نشر الحرص:
فأوصي نفسي وإخواني بالحرص على نشر الخير وبذله، والسعي في إشاعته بين الناس، فإن الله ـ تعالى ـ يفتح على الإنسان بالدعوة إلى الخير والعمل به من الصلاح في نفسه، والأجر في عمله والثواب في موازينه ما ليس له على بال، وفي المقابل أيضًا ينبغي أن يحذر الإنسان غاية الحذر أن يكون داعية ضلالة بقوله أو عمله فإن ذلك من إشاعة الفاحشة ومن إشاعة الشر في الناس وعليه من أوزار من عمل بما دعا إليه من شر وفساد.
ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[النور: 19] فالله ـ تعالى ـ أخبر عن العذاب العظيم لمن فرح وأحب أن تشيع ولو لم يعمل بإشاعة الفاحشة مجرد محبة إشاعة الفاحشة والشر في الناس وزر تعاقب عليه فكيف إذا عملت بذلك وسعيت إليه بالدعوة إليه والدعوة إلى الضلالة والشر والفساد قولًا أو عملًا.
فنسأل الله أن يستعملنا وإياكم في طاعته، وأن يفتح لنا أبواب الخير، وأن يجعلنا أئمة في الهدى والتقى والصلاح وأن يحفظنا في السر والعلن وأن يتقبلنا في عباده الصالحين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.