×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(175) علم الإنسان ما لم يعلم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3297

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة، فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حياكم الله، مرحبًا بك أخي وائل، ومرحبًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم:- أهلا وسهلًا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول العلم وشرفه وأهميته ومكانته أيضًا، وأهمية العلم والتعلم للفرد والمجتمع، وأيضًا سنبين حقيقة العلم وفضل الله –تبارك وتعالى- على عباده، بما مَنَّ عليهم به من العلم والتعلم.

ابتداء فضيلة الشيخ ونحن نتحدث عن العلم وأهميته وشرفه ما هو العلم؟ وما هو حقيقته أيضًا؟ 

الشيخ:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

حديثنا في هذه الحلقة، حديث عن موضوع من أهم الموضوعات، وأعظمها أثرًا على الحياة البشرية سواء كان ذلك على مستوى الأفراد، أو على مستوى المجموع في مسيرة المجتمعات والمسيرة البشرية على وجه العموم، إن العلم هو من أكثر الألفاظ ترددًا في القرآن الكريم، وقد ذكر الله تعالى العلمَ في مواضع عديدة في كتابه بلفظه وبتصريفاته، مما يدل على عظيم أهمية هذا الأمر، وعظيم أثره في الحياة البشرية، ولأجل أن يدرك الإنسان ما للعلم من أثر في الحياة البشرية، في نفس الإنسان وفي محيطه من الكائنات، يتأمل على وجه الفكر والاعتبار بما ذكره الله تعالى، في محكم كتابه عندما أخبر ملائكته بخلق خليفة في الأرض، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ البقرة: 30  هذا جواب الملائكة لمَّا أخبرهم الله تعالى بأنه سيجعل في الأرض خليفة، يتعاقب ويخلف بعضه بعضًا.

 من هذا الخلق الذي أخبر الله تعالى به؟ ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ البقرة: 30 ، قال الله تعالى في جواب هذا الإيراد من الملائكة:﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ البقرة: 30 .

بعد الخبر بخلق الإنسان، ذكر الله جل في علاه، تعليم آدم قال: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ البقرة: 31  هذه الآية الكريمة التي يخبر الله تعالى فيها عمَّا امتَنَّ به على آدم من التعليم، فبين بصورة جلية واضحة، أهمية العلم والمعرفة في الحياة البشرية، وأنه لا يمكن أن تستقيم حياة البشر بدون تعلم وبدون علم، يدركون به مصالح معاشهم، الله –عز وجل- عندما أخبر بتعليم آدم عليه السلام، قال: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا البقرة: 31  وهذا يشير إلى أن العلم الذي تعلَّمه آدم لم يكن محصورًا في باب من الأبواب، أو في نوع من المعارف، بل هو شامل لكل ما تقوم به الحياة البشرية، لكل ما يصلُح به معاش الإنسان وميعاده، فالعلم الذي امتن الله تعالى به على آدم، هو علم ميَّز به آدم على سائر الخلق من الملائكة، حيث علمه أسماء كلِّ شيء، ولم يكن ذلك مقصورًا في نوع من العلم، بل في كل ما يحتاج إلى معرفته.

رأس ذلك العلمُ بالله – عز وجل -، والعلم بأسمائه وصفاته، والعلم بشرعه ودينه الذي يحقق الغاية من الوجود، ثم بعد ذلك العلوم البشرية التي يقوم بها معاش الناس، وتصلح به دنياهم. وأيضًا لمحةٌ أخرى في بيان منزلة العلم في تحقيق صلاح البشر واستقامة أمورهم في دينهم ودنياهم، ما ابتدأ الله تعالى وافتتح به هذه الرسالة الكريمة، التي ختم بها الرسالات وهذه الرحمة المهداة، التي جاء بها سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه، افتتح الله الوحي للنبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ العلق: 1  فذكر الله تعالى الأمر بالقراءة، في أول ما أمر به رسوله –صلى الله عليه وسلم-.

فأول أمر وجه للنبي –صلى الله عليه وسلم- هو القراءة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ العلق: 1، وهنا بيان لأعظم المعارف والمعلومات، وما يتعلمه الناس وهو العلم بالله جل في علاه، فهو أصل العلوم وهو أنفعها وأعظمها، وهو أجلها وأكبرها فيما يتعلق بصلاح مسيرة الإنسان، وصلاح مسيرة البشرية ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ العلق: 1- 3  عاد الأمر بالقراءة، وبين أن هذا من كرمه -جل في علاه- أن علم الإنسان ما لم يعلم

قال: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ العلق: 4  وهو أداة التعلم، ووسيلة ضبط العلوم والمعارف، ﴿عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ العلق: 5  وهذا شامل لكل ما يكون من العلوم والمعارف التي يحتاجها الناس، وبه يدركون مصالح معاشهم ومصالح ميعادهم، مصالح دنياهم ومصالح آخرتهم، وفي سورة الرحمن أيضًا امتن الله تعالى على الناس بالتعليم، وافتتح ذلك باسمه الرحمن للدلالة على أن هذه العلوم والمعارف إنما هي رحمة منه –جل وعلا- بعباده الذين ميزهم بهذه العلوم والمعارف ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ الرحمن: 1- 2

وهنا أيضًا ذكَر أشرف المعلومات، وهو العلم بكلام الله –عز وجل-، فالقرآن يهدي للتي هي أقوم، فكل هداية وصلاح واستقامة، وطيب معاش وميعاد، وصلاح دين ودنيا، إنما هو في القرآن الكريم، والواعي والعاقل يدرك هذا بفهمه للقرآن فإن فهم القرآن يتبين به عظيم ما في هذا القرآن من المنة على البشرية، فإنه لم يقتصر فقط على بيان الطريق الذي يصلح به ما بين العبد وربه، أي يصلح به دين الإنسان وعبادته.

بل شمل كل ما يكون من مصالح المعاش في الدنيا، ومصالح الميعاد في الآخرة، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الإسراء: 9  قال تعالى: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ الرحمن: 3- 4،  والبيان هو كل ما يبين به الإنسان عن نفسه وعن معارفه، وعن مطالبه وعن مدركاته، فعلمه كيف يبين ذلك في اللسان، ويبين ذلك بالبنان كتابة كما قال تعالى: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ العلق: 3- 5.

  حديثنا أيها الإخوة والأخوات عن العلم لا يقتصر على باب من أبواب العلم، ولا على صنف من صنوفه، وإنما هو حديث عن كل العلوم التي يصلح بها معاش الناس دنياهم، وتصلح بها آخرتهم ومعادهم، فلما نتحدث عن العلم ونبين فضله ونتكلم عما جاء في الشريعة من الندب إليه، لا يقتصر الأمر فقط على صنف من العلوم، لاشك أن العلوم المتعلقة بعلم الله وبأسمائه وصفاته، والعلم بتوحيده، والعلم بما له من الحقوق، والعلم بشرعه ودينه والطريق الموصل إليه، هذا الذروة من العلوم، لكن هذا ليس هو المنتهى، وليس هو الذي ينتهي به المطاف، وينحصر به العلم، بل يشمل كل المعارف التي يصلح بها معاش الناس.

ولهذا الله تعالى امتن على سليمان الذي فتح له من أبواب الفتح، ما كان سببًا لأن آتاه الله مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، كان ذلك بتعليمه أمور دنياه وطرق تحصيل طيب المعاش وصلاحه، يقول تعالى فيما ذكر عن سليمان: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ سبأ: 12  كل هذه أمور دنيوية ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ سبأ: 12- 13 .

فالله جل في علاه علم آدم، وعلم الأنبياء شيئًا مما تصلح به معاشهم، وتصلح به دنياهم، فلم يكونوا عالة، ولم يكونوا مقتصرين في معارفهم على جانب من العلم، أو على نوع من المعرفة يقول الله تعالى في داود: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ سبأ: 10- 11.

  الشأن ليس في معرفة بنوعها أو صنفها، إنما الشأن كله في أن تكون المعارف والعلوم متَّسِقةً مع غاية الوجود والخلق، في أن تكون عونًا على طاعة الله، أن تكون عونًا على العمل الصالح، أن تكون سبيلًا لتحقيق الغاية من الوجود في عبادة الله وحده لا شريك له، فالناس يحتاجون إلى العلوم بشتى صنوفها وأنواعها، والشريعة جاءت بالندب إلى ذلك كله.

ولم يقتصر الندب إلى العلم في باب من الأبواب، بل في الأبواب كلها، وفي المصالح كلها، قال تعالى: ﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا الأنبياء: 78- 79

والمقصود أن الله تعالى ميَّز بين من يعلم ومن لا يعلم، ونفى المساواة بين العالم وغيره، وهذا يشمل كلَّ العلوم والمعارف التي بها صلاح الناس، وبها مصالحهم وما يقوم به معاشهم، لكن عندما تنحصر الاهتمامات فقط في العلوم والمعارف التي تصلح بها الدنيا، ويكون هذا العلم سبيلًا لمعصية الله عند ذلك يكون مذمومًا، لذلك ذمَّ الله تعالى الغافلين عنه -جل في علاه- فقال: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ الروم: 7 

 في الكمال هو في اقتران هذه المعارف والعلوم، وبه تميزت أمة الإسلام في صدرها الأول على سائر الأمم عندما جمعت بين العلم بالله، والعلم بالطريق الموصل إليه، العمل بالشريعة، وتحقيق العبودية لله –عز وجل- مع أخذ أسباب ووسائل عمارة الدنيا وإصلاح معاش الناس.

فلما اجتمع هذا وذاك كانوا في الذروة في النموذج البشري الذي أظهر تلك الحضارة، وأنتج ذلك التقدم الذي فاقوا به الأمم، وتقدموا على من سواهم من المجتمعات.

 هذا ما يتعلق بما نقصده بالعلم، فالعلم أو ما جاء في القرآن من فضل العلم والندب إليه

أما حديثنا عن العلم في هذه الحلقة، فهو كامل لهذا كله أيضًا، ولهذا العلم الذي نتحدث عنه، هو العلم الذي يحصِّل به للناس كلَّ ما يؤمِّلونه مما تصلح به دنياهم ويصلح به دينهم، فالتعلم والعلم هو إكساب الأفراد الأسس التي تُبنى عليها المعرفة، فإكساب الناس القدرة على تحصيل العلوم وجمعِها هو الهدف الأسمى الذي يقصد من التعلم.

والعملية التعليمية والحرص على التعلم يشمل نقلَ المعارف والعلوم التي بها يزول الجهل، إضافة إلى ذلك إكساب الخبرات والمهارات المختلفة التي بها يُدرك الناس مصالحَهم وطرق بناء حياتهم.

 لاشك أن ذلك يدخل في ما نتحدث عنه من التعلم، وما ورد فيه من فضائل، فالتعليم لا يقتصر على نقل المعلومات فحسب، بل يتعدى إلى الاستفادة من تلك المعلومات، والاستثمار لتلك المعارف فيما يفيد الإنسان في معاشه وميعاده، في تعليم الصناعات والمهن المختلفة، والإنتاج، والصناعة، وبه يدرك الناس  معرفة أو مهارة أو مهنة أو غير ذلك مما يكتسب به الإنسان تميزًا في جانب من جوانب المعاش، مع معرفته لما ينبغي أن يعرفه فيما يحقِّق عبادة الله تعالى من توحيده والشرائع التي فرضها عليه ليكون بذلك عابدًا لله –عز وجل- محققًا للغاية من الوجود.

عندما نتحدث عن كثير من الناس في أذهانهم وأفهامهم إلى العلم، فالذي يدرس الطب قد يفهمه، على أننا نتحدث عن الطب، والذي يدرس الهندسة كذلك، الذي يدرس العلوم الشرعية كذلك، والحقيقة أن الحديث على العلم ما يقتصر على واحد من هذه الجوانب، ولا يمكن أن يطيب معاشُ الناس بشيء من هذه المعارف، دون التكامل مع المعارف الأخرى.

 أساس العلوم هو العلم بالله والعلم بشرعه، ولكن هذا العلم يحتاج إلى العلم بما يحصل به للناس طيب المعاش؛ لأن طيب المعاش يتحقق به كمال العبودية لله –عز وجل-، وبقية العلوم كذلك مما لا يمكن أن يستقلَّ معنى العلم بها، أو تحتوي على معنى العلم دون غيرها من العلوم والمعارف، بل كل ذلك يندرج فيما نحن بصدده من الحديث عن العلم وفضله وأهميته، وسائر ما يتصل به.

لكن من المهم أن نعرف مسألة مهمة فيما يتصل بحكم التعلم، وما الذي يميز العلوم الشرعية عنه غيرها؟ لأن العلوم جميعها تؤثر في شكل الإنسان، وتبني الأفراد والأمم والمجتمعات، لكنها في بنائها للأفراد والمجتمعات متفاوتة في الأثر، فالعلم بالله والعلم بشرعه هو الأساس الذي يحقق به الإنسان العبودية، وهو المطلوب من كل أحد، ولذلك هو من الفرض الذي فرضه الله تعالى على الناس كلهم، على جميع البشر بجميع مستوياتهم واختلاف أجناسهم، فاعلم أنه لا إله إلا الله مستخلفًا به، هذا علم وعمل، علم بالله وعمل بما يقتضي هذا العلم من الاشتغال بطاعته –عز وجل-.

فالذي يميز العلوم الشرعية أولا:

 أن منها ما هو واجب على كل أحد، لا ينفكُّ عنه أحدٌ من الناس من الذكور أو الإناث، لابد للجميع أن يعرفوا الحد الأدنى من العلم الذي يحققون به العبادة لله –عز وجل-، وهو ما يعرف بالعلم الواجب، الفرض الذي لا يستغني عنه أحد، وهو العلم بأركان الإسلام، والعلم بأصول الإيمان، والعلم بما يحقق العبادة لله –عز وجل- على اختلاف أحوال الناس، يزيدون وينقصون، فصاحب المال يحتاج من العلم ما لا يحتاجه من لا مال عنده، فيما يتعلق بأحكام المال، صاحب صناعة معينة يحتاج إلى معرفة أحكام هذه الصناعة، حتى نحقق طاعة الله تعالى في ذلك.

المهم أن العلم الشرعي منه ما هو واجب على كل أحد، ومنه ما هو فرض كفاية إذا علمه البعض، سقط عن البقية وهو ما يحفظ به معاني كلام الله وكلام رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وتحتاط به الأحكام الشرعية.

إذًا هذا ما يتصل بالعلم الشرعي، أن منه ما هو فرض عين، وهذا ما يكون واجبًا على كل أحد، ومنه ما يكون فرض كفاية وهو دون ذلك، أما العلوم الأخرى فأيضًا هي في الجملة كل علم تحتاج إليه الأمة في أي باب من الأبواب، في أي فنٍّ من الفنون، في أي مجال من المجالات، في أي تخصص من التخصصات، فهو فرض كفاية يجب على أبناء الأمة وعموم أهل الإسلام أن يتعلموا هذا من العلم ما تحصل به كفايتهم في الطب، في الهندسة، في الصناعة، في سائر أبواب العلم التي تحتاجها الأمة ويحصل بها للأمة التميز، واللحاق بالأمم التي سبقت في هذا المجال.

إذًا هناك فارقٌ في الحكم الشرعي، بالنظر إلى العلم الشرعي والعلوم البشرية بشتى صنوفها وتخصصاتها ومجالاتها.

الفرق الثاني: أن العلم الشرعي لا يجوز الاشتغال به لأجل الدنيا، بخلاف بقية العلوم الأخرى، فإن العلوم الدنيوية لو لم يستحضر فيها الإنسان نيةً، فإنه لا إثم عليه ولا حرج، فالذي يتعلم الطب لأجل أن يكتسب مالًا أو يتعلم الهندسة لأجل أن يكتسب مالًا بهذا العلم، أو يتعلم مهنةً من المهن لأجل أن يكتسب مالًا، هذا لا يلزم أن ينوي فيها نية صالحة، فلو تعلمها لمجرد الكسب، كان ذلك مباحًا لا حرج عليه فيه.

لكن إن نوى به شيئًا من المقاصد الشرعية الصالحة، كأن ينوي كفاية نفسه مثلًا، ينوي كفاية أولاده، ينوي حاجة الوطن وأهل الإسلام في هذا التخصص، يكون بهذا مأجورًا على هذه النية، ومُثابًا على هذا العمل، وإن كان في أصله عملًا مباحًا، وليس عملًا عباديًّا، بخلاف من اشتغل بالعلوم الشرعية، فإنه لابد له من نية صالحة أن يقصد بالعلم الله -جل في علاه-، فلا يقصد بذلك كسبًا دنيويًّا، ولا يقصد بذلك أن يلفت أنظار الناس إليه، كل هذه المقاصد لا تصلح في العلم الشرعي.

إذًا عرفنا أيضًا فرقًا آخر بين العلوم الشرعية، وسائر أنواع العلوم أنه في الباعث والقصد والغاية والنية، يجب في العلم الشرعي أن تكون خالصة لله، وأما في غيره من العلوم فإنه لا يلزم أن يَلحظ جانبَ التعبُّد، بل يجوز له أن يطلبها للدنيا، لكن إن احتسب نيةً صالحة كان مأجورًا على هذه النية، وجمع الله له خيرين؛ خير الدنيا، وخير الآخرة.

هذه من الفروق المهمة فيما يتعلق بالحكم، فلما كانت النصوص الواردة في شأن العلم ووجوب إخلاص النية لله تعالى فيه، ومن ذلك قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من طلب عِلمًا ممّا يبتغي به وجهَ اللهِ تعالى ليُصيبَ به عرَضًا من الدُّنيا لم يجِدْ عرْفَ الجنَّةِ يومَ القيامةِ» سنن أبي داود (3664)، وسنن ابن ماجه (252)، وصححه الألباني  وهذا وعيد شديد، ومنه أيضًا خبر في الصحيح من حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين تسعر بهم النار، ذكر منهم من طلب العلم أو قرأ القرآن لأجل أن يقال: قارئ صحيح مسلم (1905) ، فهذا تحذير شديد من أن يقصد بالعلوم الشرعية المقاصد الدنيوية، وأن يقصد بها مصالح غير أن يقصد بها الله –عز وجل-.

إذًا بهذا نكون قد فرغنا من نقطتين رئيسيتين:

النقطة الأولى:- العلم في القرآن وما جاء به من فضائل لا يختص العلوم الشرعية، بل امتنَّ الله على الناس بتعليم كل ما يكون من العلوم النافعة لهم في معاشهم ومعادهم.

النقطة الثانية:- الفرق بين العلوم الشرعية والعلوم البشرية غير الحياتية، مما لا يتصل بالعلوم الشرعية، وذكرت في ذلك فرقين.

بعد هذا إذا أحببت ننتقل إلى نقطة الحديث عن أهمية العلم.

المقدم:- فضيلة الشيخ كنا نتحدث قبل الفاصل عن حقيقة العلم ومكانته أيضًا، ومما امتنَّ الله –تبارك وتعالى- به على الخلق بالتعليم والعلوم والتطور المعرفي، ما يكون به صلاح لحال العباد في دنياهم، ويرعى أيضًا مصالحهم، وتحدثنا في نقطة أخرى عن أن العلم الشرعي يفضَّل على غيره، وتحدثنا حول هذه النقطة بمجموعة من النقاط، فيما تبقى من هذه الحلقة فضيلة الشيخ بودي أن نتحدث عن أهمية العلم ومكانته، وأن عدم إدراك أهمية العلم هو ما يجعل الناس يفرِّطون ويزهدون في كسب العلم سواء علوم الدنيا أو حتى العلم الشرعي.

الشيخ:- أخي الكريم الإنسان مادام في هذه الحياة، والله منحه المعاش والحركة والقدرات، فهو في مدرسة كبرى يتعلم من خلالها، ويتلقى من خلالها أنواعًا من المعارف، فالتعليم لا ينحصر إنما نتحدث عن التعليم لا نقصره فقط على ما يتلقَّاه المتعلمون في محاضر التعليم، ودور المعرفة، والمدارس، والمعاهد، والجامعات، والكليات وما أشبه ذلك من مراكز التعلم ومواطنه على اختلاف المراحل.

لاشك أن هذه المحاضر والمعاهد والمراكز التعليمية ركيزةٌ أساسية في تحقيق نشر المعرفة، وفي التعليم بشتى صوره، تعليم المعارف وتعليم المِهن، وتعليم الخبرات، وما أشبه ذلك مما يتعلمه الناس، إلا أنه الحياة مدرسةٌ وفيها من المصادر التي يمكن أن يتعلم منها الناس، ما يكون خيرًا لهم في معاشهم ومعادهم، في دينهم ودنياهم، فالحديث عن التعلم لا يقتصر فقط على التعلم النظامي، أو التعلم في مراحل التعليم المعروفة الابتدائية والمتوسطة والثانوية العالية والجامعة والعالية، بل هو أوسع من ذلك كله.

ومن أراد معرفةً فإنه سيصل إليها من كل طريق يمكنه أن يسلكه لتحصيل المعرفة، وسيجد سبيلًا إلى إدراك مطلوبه.

العلوم أيها الإخوة والأخوات، لها من التأثير في معاش الإنسان وحياته وشخصيته، ومستقبله ما لا يشكُّ فيه عاقل، لذلك أثر التعلم وأهمية التعلم لا تقتصر فقط على جانب من الجوانب، بل على شخصية الإنسان بكل أبعادها، بل التعلم يؤثِّر على المجتمع بأثره على الأمة بأثرها، على مجموع البشر بأثرهم، فكلما زادت نسبة المعارف والعلوم، كان هذا من دلالة الخير في الناس، وكان هذا من مفاتيح الصلاح لمعاشهم ومعادهم، لكن عندما يقلُّ نصبُيهم من المعارف ويضعُف ينعكس هذا على جوانب حياتهم كلها، ولذلك يمكن بمقارنة سريعة بين الأمم التي يشيع فيها التعلم، وينتج فيها الاهتمام بالتعليم وبين الأمم التي لا ترفع رأسًا بالتعلم، ولا تعتني به، ولا تقيم له وزنًا، يظهر في حياة هؤلاء وحياة أولئك.

ليس فقط ما يكون من مخترعات ومنتجات وثمار، بل في الإنسان نفسه، طريقة تفكيره، في معاشه، في سلوكه، في أخلاقه، في سائر جوانب شخصيته، ولهذا ينبغي أن نفهم جميعًا أيها الإخوة والأخوات، أنه لا نقصد بالتعلم فقط هو أن يمرَّ الإنسان بالمراحل التعليمية لأجل أن يحوز على ورقة وشهادة تكون سبيلًا له إلى تحصيل وظيفة أو عمل، هذا من الثمار والنتائج التي تنتج عن التعليم، لكن ليس هو الغاية والهدف، ليس هو المقصود من التعلم، بمعنى أنه إن لم تتوفر للناس وظائف، لو لم تكن هذه الشهادات مؤثِّرة في تحصيل الأعمال، هل معنى هذا أن يقف الناس عن التعلم؟

الجواب: لا؛ لأن هذا ثمرة وليس هو الغاية والمقصود، والمنشود من العملية التعليمية، لابد من أن يفهم أولياء الأمور ويفهم المعلمون، ويفهم المتعلمون، ويفهم المشتغلون بالعملية التعليمية أن العلم لا يقصد به فقط، ليس من مقاصده فقط أن ينال الإنسان شهادةً يتوظف بها، إنما يبني نفسه، يبني فكره، يبني شخصيته، ويسترسل يتميز يدرك بذلك شيئًا كثيرًا من الخير الذي يعود على نفسه، وشخصه ويعود على أسرته، ويعود على مجتمعه، ويعود على وطنه، ويعود على البشرية بأثرها.

وبالتالي من المهم أن ندرك هذه القضية، وأن تكون واضحة في أذهاننا، لأجل أن ننطلق في التعلم، ونبذل قصارى وسعنا في تحصيل المعارف؛ لأجل ألا يغلب علينا فقط هذا الهدف، وبالتالي عندما تقلُّ الفرص للتوظيف يكون هناك ضعف في الحث على التعلم، التعلم يقصد بذاته لما فيه من المصالح والفوائد.

 ولمحة سريعة فيما ينتجه التعلم يتبين به أنه لا ينحصر فقط على تحصيل الوظائف، التعلم هو الطريقة التي يمتلك بها الإنسان المهارات في حياته العملية، والتي من شأنها أيضًا أن تزيد من ثقته بنفسه، فإن المتعلم يكتسب من الثقة بنفسه والقدرة على التفكير الناقد، والمعرفة والنظر إلى الأمور بطريقة فاحصة لا يملكها من ليس له معرفة، ولا له علم، ولذلك التعلم يحقق فائدة للمرء في مختلف مجالات حياته، فيرزقه أُفُقًا واسعًا، ويرزقه القدرة على تقييم الأمور، ويرزقه القدرة على وزن المواقف المختلفة، يكسبه القدرة على التصرف بعقلانية، وبحسن عمل يعطيه القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، به يكسب صِلاتٍ حسنةً، ويكسب علاقات جيدة.

فكل هذه مصالح يدركها الإنسان بالتعلم، ولا يمكن أن يحصِّلَها بغير التعلم، ولذلك كان التعلم من الضرورات البشرية التي يدرك بها الإنسان مصالح معاشِه، ومصالح معاده، الإنسان بمعرفته وعلمه يعرف الحقوق التي له والحقوق التي عليه، يعرف ما يلتزم به لغيره، وما يلزمه وما يلتزم له به، كالعلم له مصالح والتعلم له مصالح كثيرة، يكثر الإنسان مؤهلات تمنحه فرص العمل التي تجعله يعتمد على نفسه، تفتح له أبواب الرزق، فالعلم لا يقتصر فقط على جانب من الجوانب.

شيوع العلم والمعرفة في المجتمع، يزيد من وعي المجتمع، يزيد من صلاح المجتمع، يكسبه سلوكياتٍ حميدة، يُقلِّص السلوكيات الرديئة، يعدِّل السلوك المنحرف، يحقِّق للمجتمع التنمية المنشودةَ ويرفع من مستوى المجتمع فتضيق دائرةُ الفقر، وتتسع دائرة الكفاية والاغتنام، العلم يُكسِب الإنسان القدرة على أداء ما يكلَّف به من المهام بشكل جيد، وبشكل فعَّال، العلم يكسب الإنسان القدرة على التمييز بين الأمور بما يُجَنِّبه الأخطاء، ويوصله إلى المقاصد والأهداف والصالحات.

العلم يساعد على تميز المجتمع، على رُقيِّه، على زوال آفات كثيرة من الآفات التي تعاني منها المجتمعات، ولك أن تنظر إلى المجتمعات الفقيرة على سبيل المثال تجد المجتمعات أنها تقترن بضعف القدرة على التعلم، وضعف العلم وضعف انتشار العلم، فكلما زاد العلم ارتقى المجتمع وتقدَّم وسما وتميز على غيره من المجتمعات، وهذا في العلم الحقيقي الذي يحصل فيه تقدم في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية، والحياتية المعرفية، ويصبح المجتمع عنده قدرة على مواكبة المجتمعات الأخرى بما ميزها الله تعالى به.

فالخلاصة أن العلم لا يقتصر نفعُه على جانب من الجوانب الحياتية، بل يشمل الشخصيةَ في تكوينها وبنائها، يشمل التحقيق التقدم في المجتمع، يشمل الرقيَّ بالمجتمع والسموَّ به من جوانب عديدة، يشمل محاصرةَ الفقر والمرض وسائر الآفات التي تختص بالمجتمعات قليلة التعلم، وبالتالي نحن نتعلم لأجل أن نحقق عبادة الله –عز وجل- نتعلم لأجل أن نكتفي بما منَّ الله تعالى به علينا من علوم ومعارف، عن أن نكون تبعًا لغيرنا، فنتميز ونحقق لأنفسنا ولمجتمعنا ولوطننا التنمية والرقي والمعاش الكريم، الذي به تتحقق الطاعات، تتحقق العبادات، وقد ذكر الله تعالى في كتابه التمييز بين القرى الآمنة المطمئنة، التي يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، وبين غيرها، فهذه القرى الآن من التي يأتيها رزقها من كل مكان ليست مدنًا ومجتمعات جاهلة، بل هي مجتمعات متعلِّمة مشتغلةٌ بالمعارف، تستثمر هذه المعارف في تحقيق الأمن، في تحقيق الاطمئنان، في تحقيق المعاش الكريم.

وبهذا يتبين أثر التعلم على الإنسان، وأؤكد على نقطة في غاية الأهمية، أنا نحن لا نتعلم والدول لا تبذل جهودها للتعلم فقط، لأجل أن يتخرج المتعلمون بشهادات يبحثون فيها عن عمل، بل التعلم غرضه وهدفه وغاياته أوسع من توفير وظيفة، إن غايته وهدفه بناء الإنسان، بناء المجتمع، الرقي بالبشر، وبالتالي سيحقق الإنسان المالك المعرفة والعلم الوسائل التي يحقق بها بنفسه المعاش الكريم.

هذه بعض الجوانب التي يتبين بها أهمية العمل ومنزلته وأثره في حياة الأفراد، وفي حياة المجتمعات والأوطان.

المقدم: كتب الله أجرك وشكر الله لك فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، شكرا جزيلا فضيلة الشيخ على ما أجدت به وأفدت في هذه الحلقة شكرًا جزيلًا لك.

الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يحفظنا من كل سوء وشرٍّ، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يعم الفضل بلاد المسلمين، وعامة البشر وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المقدم: عليه الصلاة والسلام، مستمعينا الكرام وصلنا لختام هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة" في نهايتها تقبلوا تحياتي

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف