يقول المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ: وعن أنس رضي الله عنه: أن فتىً مِنْ أسلم، قَالَ: يَا رَسُول الله، إنِّي أُرِيدُ الغَزْوَ وَلَيْسَ معِي مَا أتَجَهَّز بِهِ قَالَ:«ائتِ فُلاَنًا فإنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ» فَأتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: أعْطني الَّذِي تَجَهَّزْتَ بِهِ، فَقَالَ: يَا فُلاَنَةُ، أعْطِيهِ الَّذِي تَجَهَّزْتُ بِهِ، وَلا تَحْبِسي مِنْهُ شَيئًا، فَواللهِ لاَ تَحْبِسِين مِنْهُ شَيئًا فَيُبَاركَ لَكِ فِيهِ. رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
هذا الحديث حديث أنس بن مالك ـ رضي الله تعالى عنه ـ من قصة رجل من أسلم أي من قبيلة أسلم أسلمي جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة من الغزوات كان قد تهيأ لها أو أمر بها ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال يا رسول الله: إني أريد الغزو وليس عندي ما أتجهز به يعني من عتاد وزاد لما سيخرج إليه من الجهاد في سبيل الله فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اذهب إلى فلان فإنه كان قد تجهز فمرض فخذ منه جهازه فذهب إليه فأقرأه السلام قال إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- يقرأ عليك السلام أي يسلم عليك ويأمرك أن تعطيني الذي تجهزت به، فأمر امرأته أن تخرج له جهازه يعني ما استعد به للخروج من الزاد والعتاد، وأكد عليها ألا تحبس من ذلك شيئًا فقال: لا تحبسي منه شيئًا فإنك لا تحسبن من ذلك شيئًا فيبارك لك فيه، أي أنك إذا خلفتِ أو حبستِ شيئًا من الطعام الذي كان معدًا لسفري أو عتادي فإنه لن تنال منه البركة لأنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث رواه مسلم وفيه جملة من الفوائد.
من صدق الله في طلب الخير يسره الله له:
الفائدة الأولى: أن من صدق الله ـ عز وجل ـ في طلب خير يسره الله ـ تعالى ـ له، فهذا لما عجز عن الخروج لعدم ما يجد يسر الله ـ تعالى ـ له ما يكون سببًا لخروجه من جهاز هذا الرجل الذي مرض.
وفيه من الفوائد: الدلالة على الخير فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دل هذا الرجل على ما يحصل له به ما يريد من الخير والخروج مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث وجهه إلى أن يذهب إلى هذا الرجل فيأخذ منه جهازه.
وفيه: أن الإنسان إذا عجز عن بعض الخير وتمكن عن بعضه، فينبغي ألا يبخس نفسه بترك ما قدر عليه من الخير، فهذا الرجل الذي مرض عجز ببدنه لكن عنده من المال ما يتمكن به من الخروج في سبيل الله، فلما عجز ببدنه لم يبخل بماله بل بذله كاملًا وافيًا.
وفيه: من الفوائد أن كل من حبس شيئًا يجب عليه لله من المال فإنه لا يبارك له فيه، فالذي يحبس الزكاة، الذي يحبس النفقة عمن يجب الإنفاق عليه، الذي يحبس حقوق الخلق ويمنعها من أدائها سواء في معاملات أو عقود أو بيعات أو غير ذلك فإنه لا يجد من ذلك بركة كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾[البقرة: 276].
والمحق هنا ليس أنه يذهب عددًا لكنه قد يذهب عددًا وقد يذهب نفعًا والنفع أعظم من ذهاب العدد، لأن ذهاب النفع هو عدم إدراك المصلحة والمنفعة من هذا المال، فينبغي للمؤمن أن يجد ويجتهد في طاعة الله ورسوله، وأن يبذل قصار جهده في نيل الخير ومن سبق إلى خير وبادر إليه، فإن الله تعالى يزلل له الصعاب وأن الإنسان إذا منع مما يريد من الخير كتب الله تعالى له الأجر وفتح له أبوابًا من الخير ليست على باله، فهذا الذي مرض لم يأت في خلده أنه سيأتي من يشارك بالخروج مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بماله، فيسر الله له ذلك.
المدار على صدق النية وصلاح القصد وبذل المستطاع ومن جاهد في سبيل الله في طاعته أدرك الخير ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[العنكبوت: 69]
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واستعملنا فيما تحب وترضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد.