×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (176) مراتب الدين

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2229

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طِبتم وطابت أوقاتُكم جميعًا بكل خير، وأهلا وسهلًا بكم معنا في بداية هذه الحلقة لبرنامج الدين والحياة عبر أثير نداء إذاعة الإسلام من مكة المكرمة، والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة كاملة بمشيئة الله تعالى، مستمعينا الكرام في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم "وائل حمدان الصبحي"، ومن الإخراج "ماهر ناظرة" و"لؤي حلبي"، مستمعينا الكرام ضيف حلقة الدين والحياة فضيلة الشيخ الدكتور "خالد المصلح" أستاذ الفقه بجامعة القصيم، فضيلة الشيخ السلام عليكم وأهلا وسهلًا بك معنا في بداية هذه الحلقة.

الشيخ:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله أخي وائل، وأهلا وسهلا بالمستمعين والمستمعات.

المقدم:- أهلا وسهلًا ومرحبًا فضيلة الشيخ، بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا فضيلة الشيخ في هذه الحلقة تحت عنوان مراتب الدين والذي سنذكر في ثناياه حديث جبريل عليه السلام عندما أتى إلى نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه سنتحدث بمشيئة الله تعالى حول هذا الحديث، وحول مراتب الدين ودعنا نبدأ الحديث حديثنا في هذه الحلقة فضيلة الشيخ عن هذا الحديث وما جاء فيه، ومن ثم سنفصل بمشيئة الله تعالى

الشيخ:- الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية لجميع المستمعين والمستمعات وأسال الله تعالى أن يعمر أوقاتنا بما يحب ويرضى، وأن يجعلنا من العاملين بشرعه قائمين بحقه.

أيها الإخوة والأخوات حديثنا عن مراتب الدين حديثٌ ذو صلة وثيقة بما يكون سببًا لسعادة الإنسان وترقِّيه فيما يكون سببًا لاستقامة معاشه وصلاح ميعاده، صلاح دينه وصلاح دنياه.

الدين هو: ما يتعبد الله تعالى به، الدين هو: ما خلق الله تعالى لأجله الناس، الدين هو: العبادة كما قال تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِالكافرون: 6 أي: لكم عبادتكم ولي عبادتي، وجاء أيضًا ذكر الدين في القرآن في مواضع عديدة ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِالشورى: 13 أي من العبادة والطاعة، وما جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- من الدين رحمة للعالمين بكل ما فيه من أصول وفروع، من أعمال ظاهر وأعمال باطن، مما يصلح بين العبد وربه، ويصلح بين العبد وسائر من حوله من الخلق.

فالدين شاملٌ لكل هذا كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَالأنعام: 162- 163 فدين رب العالمين الذي جعله الله تعالى طريقًا للوصول إليه، طريقًا لتحقيق السعادة والفوز هو: أن يحقق الإنسان ما من أجله خلقه الله –عز وجل- يحقق العبودية له –سبحانه وتعالى-، وهذا هو: الابتلاء والاختبار الذي اختبر به الناس قال الله جل في علاه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات: 56.

فالله تعالى خلق الخلق بهذه الغاية العظمى، وهذا الابتلاء الكبير والعبودية لله رب العالمين، هذا التحقيق جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- وبينه للناس بيانًا شافيًا، فلم يترك –صلى الله عليه وسلم- خيرًا إلا دل الناس عليه، ولا شرًّا إلا حذرهم منه، بيَّن لهم حق الله تعالى في عبادته وحده لا شريك له، وبين لهم أيضًا الفرائض والشرائع التي بها يصلون إلى مرضاته، وإلى تحقيق العبادة له جل في علاه، وما ترك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- شيئًا إلا بينه بيانًا واضحًا جليًّا حتى ترك الناس –صلى الله عليه وسلم- على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقد شهد الله تعالى له بذلك في أعظم موقف في يوم عرفه فأنزل عليه قوله جل في علاه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًاالمائدة: 3 فالله تعالى شهد للنبي –صلى الله عليه وسلم- بالبلاغة، شهد بكمال الدين ورضاه -جل في علاه- عن ما جاء به النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الذي حصلت للأمة السعادة والخير في بيانه وإيضاحه.

وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيانه وإيضاحه لهذا الدين على مراتب، وعلى أحوال بين إجمالٍ وتفصيل، فكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يبين لأصحابه ما جاء به من الدين والهدى ودين الحق بيانًا مجملًا، وبيانًا مفصَّلًا أي بيان إجمالي يشمل ذكر هذا الدين على وجه العموم وما يقرب إلى رب العالمين كما قال الله تعالى في القرآن ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِالبينة: 5 أي: العبادة القيمة التي يتحقق بها سلوك الصراط المستقيم، فالشريعة جاءت بالبيان الإجمالي والبيان التفصيلي، وذلك بذكر تفاصيل الأحكام وشرح الفرائض وبيان ما يطلب من الناس على وجه التفصيل الذي يبين دقائق الأمور وتفاصيلَها بحيث لا يحتاج الناس إلى بيان أو إلى إيضاح أكثر مما جاء به –صلى الله عليه وسلم-.

ولهذا كان بيانه –صلى الله عليه وسلم- على هذا النحو، على حسب ما تقتضيه المصلحة في البيان والإيضاح، من هذا بيانه –صلى الله عليه وسلم- الإجمالي في حديث جبريل، وهذا الحديث حديث عظيم، حديث جليل، فيه خبرُ مجيء جبريل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- على صورة غيرِ الصورة المألوفةِ المعتادة، على غير صورته الحقيقية التي كان يأتي بها أحيانًا أو على صورته المألوفة التي كان يأتي بها النبي –صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يأتي جبريلُ على صور متعددة وعلى أنحاء مختلفة، في هذا الحديث كان النبي –صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه كما جاء ذلك في حديث عمر رضي الله تعالى عنه، حيث قال: بينما نحن عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يعني في مجلسه صلوات الله وسلامه عليه ومعه في مجمع من المجامع في مسجده أو في غير ذلك من مواطن اجتماعهم مع نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا الخبر يخبِر فيه عمر رضي الله تعالى عنه عن هذا المجيء الغريب العجيب، وإليك هذا التوصيف من عمر رضي الله تعالى عنه.

قال: «بينما نحن جلوس عندَ رسولِ اللهِ ﷺ إذ طلعَ علينا رجلٌ شديدُ بياضِ الثيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعَرِ، لا يُرى عليه أثرُ السَّفَرِ، ولا يعرفُه منا أحد»صحيح مسلم (8)، هذا المقطع من كلام عمر تمهيدٌ لبيان غرابة مجيء هذا الرجل، أولًا جاءهم على حين غرة أو فجأة، لم يكونوا متهيئين لاستقباله، بينما نحن جلوس عند رسول الله ذات يوم إذ طلع، فـ(إذ) للمفاجأة (رجل) فمجيئه غريبٌ، وأيضًا حاله في المجيء غريب فقد كان شديد بياض الثياب، خلاف حال أهل القدوم من سفر ونحوه، فهذا كان شديدَ بياض الثياب، وكان شديد سواد الشعر ولهذا قال: لا يُرى عليه أثر السفر وهذا معناه أنه مُقيم قال: ولا يعرفه منا أحد هذه حال غريبة تلفت الأنظار.

لم يقتصر غرابة هذا المجيء فيما ذكر من المفاجأة في المجيء، ومن المفاجأة في الحال بل حتى المفاجأة في الفعل، قال رضي الله تعالى عنه: «حتى جلسَ إلى النبيِّ ﷺ فأسندَ ركبتيه إلى ركبتيه» يعني اقترب من النبي –صلى الله عليه وسلم- قربًا غيرَ معهود، فلم يكن الصحابة يقتربون منه هذا القرب في الجلوس، لاسيما وأنه رجل غريب لا يكون هذا الحال معه في الغالب، حتى لو كان الإنسان يقترب من أصحابه، أو ممن يخالطه لكن هذا النوع من القرب لا يكون لشخص غريب، «فأسندَ ركبتيه إلى ركبتيه ووضَعَ كفيه على فَخِذَيْه» وهذا اقتراب شديد وهذا طلب للتركيز وتمام الاعتناء بهذا المجيء، «وقال: يا محمدُ» ناداه باسمه صلوات الله وسلامه عليه قال: «أخبرني عن الإسلامِ؟» يعني ما الإسلام؟ فاستفهم عن الإسلام وهو الدين الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو الذي لا يقبل الله تعالى من أحد سواه كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُآل عمران: 19، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُآل عمران: 85 فسأله عن هذا الذي جاء به، فقال: أخبرني عن الإسلام؟ يستفهم لكي يعلم ما هو الإسلام؟ «فقال رسولُ اللهِ ﷺ: الإسلامُ أن تَشْهَدَ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ الله، وتُقيمَ الصلاةَ، وتُؤْتِيَ الزكاةَ، وتَصومَ رمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ إن استطعْتَ إليه سبيلًا» فبين له النبي –صلى الله عليه وسلم- بأركانه التي يبنى عليها، ودعائمه التي يقوم عليها في القول والعمل أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتُقيمَ الصلاةُ، وتُؤْتِيَ الزكاةَ، وتَصومَ رمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ إن استطعْتَ إليه سبيلًا.

لما فرغ النبي –صلى الله عليه وسلم- من الإجابة قال هذا الرجل الغريب: «قال: صدقْتَ» فصدَّق النبي –صلى الله عليه وسلم- في إجابته وهذا طبعا تصرفٌ غير مألوف ممن جاء سائلًا مستفهمًا، فإنه إذا سأل عن شيء إما أن يكون جاهلًا به فيعلمه، وأما إن كان طالبًا للتحقق من شيءٍ، فهذه حال مختلفة عن حال من يطلب الاستفهام في أمر معين.

المراد أنه قال: صدقت تعجب الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- من تصديقه قال عمر: «فعجِبْنا له» وجه العجب يسأله ويصدقه! يعني كيف يقع منه السؤال ثم بعد ذلك يقول: صدقت؟! فهذه حال غير مألوفة من السائلين

لم يقتصر السؤال على الإسلام، بل انتقل إلى أمر آخر فقال له: «فأخبرْني عن الإيمانِ؟» فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الإيمان «أن تُؤْمِنَ باللهِ، وملائكتِه، وكتبِه، ورسلِه، واليومِ الآخرِ، وتؤمنَ بالقدرِ خيرِه وشرِّه» فبين النبي –صلى الله عليه وسلم- الإيمان بأصوله التي يبنى عليها، ثم قال الرجل لما فرغ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الإجابة «قال: صدَقْتَ» وهذا التصديق إقرارٌ له على ما بين –صلى الله عليه وسلم- «قال: فأخبرْني عن الإحسانِ؟» هذا سؤال ثالثٌ، فسأله عن الإحسان فبيَّنه النبي –صلى الله عليه وسلم- بجملةٍ موجزة فقال: «أن تَعْبُدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تَكُنْ تراه فإنه يراك» هذا هو الإحسان

فرغ من هذه الأسئلة الثلاثة وانتقل إلى سؤال آخر فقال: «فأخبرْني عن الساعةِ؟» والمقصود بالساعة يوم القيامة متى تقوم الساعة؟ يوم القيامة كما قال الله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُالقمر: 1. فالمقصود بالساعة القيامة التي يقوم فيها الناس لرب العالمين حفاة عُراة غرلًا، فأجاب النبي –صلى الله عليه وسلم- بهذا الجواب «قال: ما المسؤولُ عنها بأعلمَ مِن السائلِ» أي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لا يعلم متى تقوم الساعة هذا معنى قوله: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، يعني والمسئول هنا النبي –صلى الله عليه وسلم- والسائل هنا الرجل فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، يعني أنا استوي وإياك في عدم العلم والمعرفة بالساعة، فالساعة مما استأثر الله تعالى فيها بعلمه ولم يبيِّن متى تقع لأحد من الخلق

«قال: فأخبرْني عن أَماراتِها؟» وهذا خامس الأسئلة التي سألها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هذا الرجل، طلب الإخبار عن إمارات الساعة الإمارات هي العلامات.

فأخبره النبي –صلى الله عليه وسلم- بعلامتين؛ «أن تَلِدَ الأَمةُ ربَّتَها، وأن ترى الحُفاةَ العُراةَ العالةَ رعاءَ الشاءِ يَتَطاولون في البُنْيانِ» واقتصر على ذلك –صلى الله عليه وسلم- في بيان الأمارات، بعد هذا قال عمر -رضي الله عنه:- «قال: ثم انطلَقَ» يعني انصرف هذا الرجل، قام من عند النبي –صلى الله عليه وسلم- وغاب لا يعلمون أين ذهب، ولا يعرفون عنه شيئًا أكثر من هذه المسائل التي سألها والحال التي جاء بها قال عمر: «فلبثْتُ ثلاثًا» يعني جلسنا وقتًا ممتدًا طويلًا، ثم قال أي النبي –صلى الله عليه وسلم- «يا عمرُ، هل تدري مَن السائلُ؟» لفت نظرٍ لحقيقة هذا الرجل الذي جاء وسأل هذه المسائل، لم يكن عمر عارفًا به وقد بين ذلك من أول خبره قال: لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد فقال عمر -رضي الله تعالى- عنه في جواب النبي –صلى الله عليه وسلم- من السائل؟ قال: «اللهُ ورسولُه أعلمُ»، وذلك أن الله تعالى أحاط بكل شيئًا علمًا، ورسوله يوحى إليه فيأتيه من خبر السماء وبيان رب العالمين ما يعرف به –صلى الله عليه وسلم- ما أطلعه الله تعالى عليه.

قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فإنه جبريلُ أتاكم يُعَلِّمُكم دينَكم» أي هذا الرجل الذي جاء على هذه الصورة المستغربة المختلفة عن المألوف والمعتاد جبريل، وهو أشرف الملائكة وهو الذي جعله الله تعالى واسطة بينه وبين رسله صلوات الله وسلامه عليهم، أتى على هذه الصورة على مرأى من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يسأل هذه المسائل قال: «أتاكم يعلمكم دينكم»، أي: يبين لكم الدين الذي شرعه الله تعالى لكم وجعله فرضًا عليكم وطريقًا للوصول إليه جل في علاه.

وبهذا يكون قد اشتمل هذا الحديث على كل الأصول التي يحتاجها المؤمن لتحقيق العبادة لله –عز وجل- ولهذا هذا الحديث الشريف حديث عمر - رضي الله تعالى عنه- في قصة مجيء جبريل يبين ما يجب على كل إنسان معرفته لتحقيق العبودية لله –عز وجل-، ولهذا يسميه العلماء "أم السنة" يسمى العلماء هذا الحديث "أمَّ السنة" ؛لأن جميع ما جاءت به الشريعة يرجع إلى شيء من هذه المذكورات في هذا الحديث، وقد ابتدأ بعض أهل العلم مؤلفاتهم في بيان أحاديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث كما فعل البغويُّ –رحمه الله- في كتابه "المصابيح"، حيث جعله أول حديث في كتابه، وكذلك في كتاب "شرح السنة" ابتدأه بهذا الحديث؛ لأن هذا الحديث جمع أصول ما يجب معرفته والعمل به في دين الإسلام ويرجع إليه كل ما يتعلق بدين رب العالمين.

ولهذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»، فهذا الحديث من الأحاديث الجامعة الكبرى التي ترجع إليها تفاريعُ العلم في شتى أبوابه وفي شتى فنونه فيما يتعلق بأصول الدين وفروعه، وفيما يتعلق بالعقائد والأحكام، وفيما يتعلق بالعلم بقيام الساعة والأمارات والأشراط التي جعلها الله –عز وجل- دليلًا على قرب القيامة وحصولها.

ولهذا تضمن هذا الحديث مراتب الدين وبين رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذلك بيانًا شافيًا، فمراتب الدين ثلاثة مراتب بينها النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث.

المرتبة الأولى:- الإسلام.

المرتبة الثانية:- الإيمان.

والمرتبة الثالثة:- الإحسان.

وسنتطرق إلى كل مرتبة ببيان وإيضاح انطلاقًا من بيان من لا ينطق عن الهوى –صلى الله عليه وسلم- في إجابته لجبريل، وهذا الحديث له منزلة عظمى؛ فإنه سؤال وجواب،وهو من طرق التعلم وتحصيل المعرفة، والتعلم هنا لسائل له مقام كبير؛ لأن السائل أشرف الملائكة، والمجيب أشرف خلق الله –عز وجل- على الإطلاق وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

المقدم:- فضيلة الشيخ تحدثنا بشكل إجمالي عن هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ونريد أن نتحدث بشكل أكثر تفصيلًا عن هذه المراتب الثلاثة التي جاءت في هذا الحديث من بيان خير المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أيضًا فضيلة الشيخ مجموعة من الأسئلة إذا سمح لنا الوقت سنطرحها بمشيئة الله تعالى في هذه الحلقة، وفي آخرها عن مراتب الدين أيضًا.

الشيخ:- بإذن الله تعالى، السؤال الأول الذي وجهه جبريل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: أخبرني عن الإسلام؟ والسؤال الثاني قال: أخبرني عن الإيمان، والسؤال الثالث قال: أخبرني عن الإحسان فسأله عن ثلاثة أمور، هذه الأمور الثلاثة: الإسلام، والإيمان، والإحسان هي من المصطلحات والأسماء التي لها دلالاتٌ باعتبار، أو دلالات مختلفة بالنظر إلى السياقات التي جاءت فيها، يعني الإسلام هو الإيمان عندما ينفرد ذكره في الكلام، فقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُآل عمران: 19 يشمل جميع مراتب الدين.

هذه المراتب الثلاثة؛ الإسلام، والإيمان، والإحسان عندما تجتمع يكون لكل واحد منها معنى يخصُّه، ولذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- أجاب عن كل واحد من هذه الأمور بجواب مختلفٍ عن الآخر، فلم يقل في الإسلام ما قاله في بيان الإيمان، ولم يقل في الإيمان ما قاله في بيان الإحسان، فدلَّ هذا على أن هذه الألفاظ الثلاثة، هذه الأسماء الثلاثة، هذه المصطلحات الثلاثة، الإسلام والإيمان والإحسان لها دلالات بالنظر إلى السياق الذي جاءت فيه.

فعندما يأتي ذكر هذه الأسماء منفردةً، الإسلام، الإيمان، الإحسان، فإنها تشمل جميع مراتب الدين ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُآل عمران:19 إن المؤمنين والمؤمنات هذا يشمل المسلمين والمسلمات والمحسنين والمحسنات، ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَالأعراف:56 يشمل المسلمين والمؤمنين، فهذه الأسماء الشرعية والأوصاف الدينية هي مراتب، إذا اجتمعت استقل كل واحد منها بمعنى يخصه، وإذا انفردت فإنها تدل على بقية المعاني وبقية الأسماء، ومهمٌّ أن نعرف أن بيان النبي –صلى الله عليه وسلم- هنا شمل جميع ما يتعلق بالدين ظاهرًا وباطنًا؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- فسر الإسلام وفسر الإيمان وفسر الإحسان، وكل ذلك التفسير هو بيان لمراتب الدين، وهو تعليم لدين رب العالمين.

بدأ السؤال بالإسلام، والجواب جاء في بيانه بأركانه وأصوله ودعائمه التي يبنى عليها، فقال –صلى الله عليه وسلم- لجبريل لما سأله «أخبرني عن الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا».

 بالنظر إلى هذه المذكورات في جامع مشترك بينها، وهي أن هذه المذكورات جميعًا هي من أعمال الجوارح فعلا أو إمساكًا، فعلًا أو تركًا، ولذلك الإسلام يعرف في هذا السياق بأنه: العمل الظاهر عمل الجوارح.

فالإسلام أن تشهد، والشهادة باللسان لا شكَّ أنه لابد لهذا اللسان من اتصال بالقلب وتصديق وإقرار، لكن الشهادة والبيان لما يقرُّه القلب، من معناه فمعنى أن تشهد أن لا إله إلا الله أي: أن تعلم وتبيِّنَ وتظهر بلسانك وقولك أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا هو مفتاح الإسلام الذي يطلب من كل مكلَّف.

ولهذا لما بعث النبي –صلى الله عليه وسلم- معاذًا إلى اليمن قال: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله»صحيح البخاري (1358)، وصحيح مسلم (19) فبها يدخل الإنسان في دين الإسلام، وهي أول المطلوبات من جميع المكلَّفين، من جميع الإنس والجن، من جميع الناس، فإنهم يطلب منهم أولًا: هذه الشهادة الإقرار بالشهادة لله بالإلهية، وللنبي –صلى الله عليه وسلم- بالرسالة.

وأن يتكلموا بذلك كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله»صحيح البخاري (25)، وصحيح مسلم (22).

 هذا هو الركن الأول من أركان الإسلام وهو شهادة اللسان بأنه لا إله إلا الله، مهمٌّ أن نعرف معنى هذه الشهادة، معنى هذه الشهادة: أن لا يستحق العبادة إلا الله، تقرُّ أنه لا يستحق العبادة أحدٌ إلا الله جل في علاه، فهو الإله الحق وما عداه باطل، لا يستحق أن يعبد ولا أن يتوجه إليه، وكل من توجه إلى غير الله لم يأت بمعنى هذه الشهادة التي هي مفتاح الإسلام.

فشهادة أن لا إله إلا الله إفراد الله بالعبادة ألا تعبد سواه، فلا تصلي إلا له، ولا تحب إلا هو، ولا تخاف إلا منه، ولا ترجو إلا هو، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تذبح إلا له، ولا تنذر إلا له، هذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله أن يكون القلب خالصًا لله والعمل له قاصدًا لا لسواه، فتقر أنه لا معبود سواه، ولا تتوجه إلا إليه –سبحانه وبحمده- ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌالنساء: 125.

وأما الشهادة للنبي –صلى الله عليه وسلم- بالرسالة وأن محمدًا رسول الله، فهو اليقين بأن محمدًا بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرًا، وأن ما جاء به هو دين رب العالمين وأن لا رسول بعده صلوات الله وسلامه عليه، فتشهد بأنه الواسطة بين الناس بين الإنس والجن، وبين الله –عز وجل- في بيان الشريعة وتوضيح الطريق الموصل إليه، فهو المعرِّف بالله، لا يصل أحدٌ إلى العلم بالله ولا إلى تحقيق العبودية لله إلا من طريقه –صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذا معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، وإذا تأملت هاتين الشهادتين وهما ركن واحد عرفت على أي شيء يقوم دين الإسلام.

دين الإسلام يقوم على أصلين، دين الإسلام يقوم على قاعدتين لا يصح الإسلام إلا بهما:

القاعدة الأولى، والأصل الأول:- ألا نعبد إلا الله، وهذا معنى أشهد أن لا إله إلا الله لا عبادة إلا لله وحده لا شريك له، والثاني:- أننا لا نعبده جل في علاه إلا بما شرع، ما نتقرب إليه إلا بما شرع وبين رسوله –صلى الله عليه وسلم- وهذا معنى وأن محمدًا رسول الله، كما قال الله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُالشورى: 21 وكما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: فيما جاء في الصحيحين من حديث عائشة «مَن أحدَث في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ»صحيح البخاري (2697)، وصحيح مسلم (1718).

وهذا شرط قبول أي عمل، لابد أن يكون لله خالصا، وعلى وفق طريق النبي –صلى الله عليه وسلم-

بعد ذلك ذكر بقية الأركان؛ إقام الصلاة: «وتقيم الصلاة» والمقصود بإقامة الصلاة الإتيان بالصلاة المفروضة، وهي المكتوبات الخمس؛ الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، فهذه مكتوبات مفروضة، لا يتم دين أحد إلا بالإتيان بها وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيان منزلة الصلاة قال: «وعمودُه الصلاة»سنن الترمذي (2616) وقال: هذا حديث حسن صحيح ولهذا هي الركن الثاني بعد الشهادة؛ لأن بها يقوم دين الإنسان، فهي أجل وأعظم الواجبات البدنية التي فرضها الله تعالى على الناس.

ولهذا كان أول ما فرضه الله على رسوله من العبادات الصلاة ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًاالمزمل: 1- 2

قال: «وتؤتي الزكاة» هذا هو الركن الثالث من أركان الإسلام، والزكاة الحق الذي فرضه الله تعالى في بعض الأموال كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَاالتوبة: 103 وهي في أموال خمسة؛ الذهب والفضة وهما النقدان وما يقوم مقامهما وفي بهيمة الأنعام، وفي الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، وفي عروض التجارة، هذه هي الأموال التي تسمى الأموال الزكوية أي الأموال التي تجب فيها الزكاة، وهي حقٌّ فرضه الله تعالى وجاء بيانه أي كيفية هذا الفرض في الكتاب والسنة بيانًا واضحًا، فبين الله تعالى شروط وجوب الزكاة، وبين القدر الواجب على المؤمن فيما رزقه الله تعالى من هذه الأموال، وبين أيضًا ما يكون من جهات صرف هذه الأموال الجهات التي تصرف فيها هذه الأموال أي مصارف الزكاة.

ثم بعد ذلك قال: «وتصوم رمضان» وهو صيام شهر رمضان الذي فرضه الله تعالى على أهل الإسلام في قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُالبقرة: 185

وبعد ذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «وتحجّ البيت» أي الكعبة «وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا» كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًاآل عمران: 97 هذه أركان الإسلام والجامع بينها أنها من أعمال البدن، من الأعمال الظاهرة، من أعمال الجوارح.

ثم سأله عن الإيمان فبين له حقيقة الإيمان «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فبين أصول الإيمان لكن ما هو الإيمان؟ 

الإيمان هو عمل القلب ولذلك هذه الأصول كلها تتعلق بعمل الباطن، أعمال القلوب تلك أعمال الجوارح والإسلام عمل الجوارح، والإيمان عمل القلب، «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره»، والإيمان حقيقته إقرار القلب المستلزِم للإذعان والقبول للأحكام والقبول للأخبار، هذا حقيقة الإيمان فلا يتحقق لأحد الإيمان حتى يقرَّ قلبه إقرارًا جازمًا، بما جاء به الخبر عن الله وعن رسله فيما يتعلق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره إقرارًا يستلزم الإذعان لما جاءت به الشريعة من الأحكام، والقبول لما جاء به من الأخبار.

وهذه الأمور الستة تسمى أصول الإيمان، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، الإيمان بالله يتحقق بأن تؤمن بأن الله هو ربُّ كل شيء، وأنه مالك كل شيء، وأنه إله كل شيء، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، بهذا يتحقق الإيمان بالله أن تؤمن بأن الله الرب الخالق المالك الرازق المدبر، وأن له الأسماء الحسنى، وأن له الصفات العلى جل في علاه، وأنه الذي لا يستحق العبادة سواه، بهذا يتحقق الإيمان بالله.

الإيمان بالملائكة الإيمان بأنهم خلق لله خلقهم الله تعالى لعبادته لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، والإيمان بالكتب بكل ما أنزله الله من كتاب على كل رسول، وما سماه الله من الكتب في محكم كتابه.

«ورسله» الإيمان بالرسل من سماهم الله ومن لم يسمِّهم، ﴿مِنْهُم مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَن لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَغافر:78.

خامس أركان الإيمان وأصوله، الإيمان باليوم الآخر؛ وهو الإيمان بكل ما أخبر الله تعالى به مما يكون بعد الموت، فاليوم الآخر بالنسبة للأفراد يبتدئ من موت الواحد منا، يبتدئ اليوم الآخر بالنسبة لهم، وأما بالنسبة لعموم الناس فهو بقيام القيامة

«وتؤمن بالقدر خيره وشره» يعني تؤمن بأقدار الله خيرها وشرها؛ وذلك يتحقق بأن تعلم أن الله تعالى عَلِم كل شيء قبل وقوعه، وأنه كتب ذلك الشيء في اللوح المحفوظ، وأنه ما من شيء إلا بمشيئة الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه –جل وعلا- خالق كل شيء، فالإيمان بالقدر يتحقق بهذه المراتب الأربعة.

الإيمان بالعلم السابق، وأنه قد علم –تعالى- كل شيء قبل أن يكون، والعلم واليقين بأنه كتب ذلك جل في علاه في اللوح المحفوظ، وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فكل شيء في الكون فهو بمشيئته، وأنه خالق كل شيء جل في علاه

وقوله: «خيره وشره» يشمل كل ما في هذا الكون من وجود، والخيرية هنا والشر هنا نسبيان أي بالنظر إلى ما يراه الناس، وإلا فما في فعل الله شيء من الشر، «والشرُّ ليس إليك»صحيح مسلم (771) جل في علاه –سبحانه وبحمده-.

لكن قد يرى الإنسان أنه شرٌّ بالنسبة له، لكن هو في فعل الله وتقديره جل في علاه هو خير، المرض شر بالنسبة للإنسان، لكن في فعل الله وتقديره هو خير لما يترتب عليه من الأجور، لما يترتب عليه من معرفة النعمة بالصحة ، لما يترتب عليه من فوائد وحكم وأسرار الله أعلم بها.

أما المرتبة الثالثة من مراتب الدين التي ذكرها النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث هي مرتبة الإحسان، حيث قال –صلى الله عليه وسلم- لجبريل لما سأله عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

قوله: «أن تعبد الله كأنك تراه» هل هذا منزلة واحدة أم منزلتان؟ من العلماء من يقول: هي منزلة واحدة، ومنهم من يقول: إن الإحسان منزلتان. وعلى كل حال الإحسان هو الذروة في مراتب الدين، هو أعلى مراتب الدين؛ لأنه الكمال في أعمال الجوارح وأعمال الظاهر والكمال في أعمال الباطن، فالإحسان لا يتحقق إلا باستقامة الجوارح وصلاح الباطن، فمن حقق الإسلام وحقق الإيمان فاز بمرتبة الإحسان وأثمر ذلك ما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذه المرتبة أن تعبد الله كأنك تراه أي: تحقق العبودية لله تعالى في الظاهر والباطن، في أركان الإسلام وأصول الإيمان كما لو كنت تبصر الله تعالى بالعيان، تعبده عبادة من يشاهد ربه جل في علاه.

وهذا أعلى المقامات في تحقيق العبودية لرب الأرض والسموات، فإن الإنسان إذا استشعر هذا المعنى وهو يعبد الله في صلاته، في صيامه، في سره، في أعمال قلبه، كان ذلك من دواعي إتقان العمل وتصحيحه.

فإن قصرت همتُه عن هذه المنزلة العالية، فليوقن أنه يراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، أي فهو –جل وعلا- ينظر إلى ما يكون من العبد في سره وإعلانه، في قلبه وعمله كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى صورِكم ولا إلى أجسامِكم، ولَكن ينظرُ إلى قلوبِكم».[صحيح مسلم:2564/33]

فينظر إلى الظاهر الإسلام وأركانه، وإلى الباطن الإيمان وأصوله، وبهذا يتحقق للعبد أعظم مراتب وأسمى في تحقيق الديانة، بعد هذا جاء السؤال عن أشراط الساعة حيث قال: فأخبرني عن الساعة؟ ولعلنا نجعل هذا في مناسبة أخرى على وجه مستقلٍّ لكون الوقت قذف، وقد لا نتمكن من تغطية هذا الأمر.

المقدم:- فضيلة الشيخ متبقي تقريبًا أمامنا دقيقتان، كنت أريد أن أسألك فضيلة الشيخ هل ينتقل الإنسان المسلم في حياته بين هذه المراتب الثلاث بين الإسلام ابتداء ومن ثم الإيمان، ومن ثم الإحسان كما جاء في كتاب الله –عز وجل-: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَاالحجرات: 14 هل ينتقل الإنسان بين هذه الثلاث مراتب؟

الشيخ:- نعم هذه المراتب الثلاثة هي أعمال يترقى فيها الإنسان فأول ما يطلب منه الإسلام، وهو أن ينطق بهذه الشهادة مقرًّا بها، لكن لا يتم الإقرار بها وكمال الإيمان إلا بالترقي في صالح الأعمال كما قال الله تعالى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًىمريم: 76، ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًاالمدثر: 31 فالإيمان يزداد ويتوقى الإنسان وتكون له حال فيها يعمل بأعمال الجوارح مع تقصير في عمل القلب، ثم يتوقى حتى يجتمع له كمال عمل القلب وكمال عمل الجوارح فيبلغ درجة الإحسان، ولذلك ينبغي للإنسان أن يديم النظر في عمله، وأن يحاسب نفسه وألا يغفل حتى يحقق الكمال الذي يطيقه ويستطيعه في تحقيق العبودية لله تعالى في ظاهره وتحقيق الإسلام في جوارحه، وكذلك في باطنه بتحقيق الإيمان في قلبه وفوائده، وبه يبلغ درجة الإحسان، فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فكلُّ صلاة كل صيام كل حج كل ذكر كل زكاة يزداد بها الإنسان، يرتقي مرتبة وكذلك الإيمان بالله –عز وجل- كلما ازداد علمًا بالله ومعرفة بأسمائه وصفاته زاد إيمانه، وزاد الخير في باطنه بتمام المحبة والتعظيم لله –عز وجل- والتوكل عليه –سبحانه وبحمده-.

المقدم: الله يعطيك العافية فضيلة الشيخ، شكر الله لك وكتب أجرك، شكرًا جزيلًا فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم شكرا جزيلا فضيلة الشيخ.

الشيخ: أشكركم وأسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم تمام الإيمان والإسلام، وأن يرزقنا مرتبة الإحسان، وأن يبلغنا أعلى درجات العبودية له وأن يوفقنا إلى صالح الأعمال، وأن يختم أعمالنا بخير، وأسأله جل في علاه أن يوفق ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما فيه خير العباد والبلاد، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يدفع عنا وعن المسلمين كل سوء وشر، وأن يولي على المسلمين خيارهم وأن يوفق ولاة أمورهم إلى ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف